فجاء بالاسم الرزاق بهذه البنية للمبالغة لاختلاف الأرزاق و هي مع كثرتها و اختلافها منه لا من غيره و إن المرزوقين مختلف قبولهم للأرزاق فما يتغذى به حيوان ما قد لا يصلح أن يكون لحيوان آخر لأن المراد بتناول الرزق بقاء المرزوق فإذا أكل ما فيه حتفه فما تغذى به و ما هو رزق له و إن كان به قوام غيره فلذلك تسمى ببنية المبالغة في ذلك و نعت هذا الرزاق بذي القوة المتين و لو نعت به اللّٰه لقال ذا القوة المتين فنصب و لا يتمكن نعت الاسم اللّٰه من حيث دلالته فإنه جامع للنقيضين فهو و إن ظهر في اللفظ فليس المقصود إلا اسما خاصا منه تطلبه قرينة الحال بحسب حقيقة المذكور بعده الذي لأجله جاء الاسم الإلهي فإذا قال طالب الرزق المحتاج إليه يا اللّٰه ارزقني و اللّٰه هو المانع أيضا فما يطلب بحاله إلا الاسم الرزاق فما قال بالمعنى إلا يا رزاق ارزقني و من أراد الإجابة في الأمور من اللّٰه فلا يسأله إلا بالاسم الخاص بذلك الأمر و لا يسأل باسم يتضمن ما يريده و غيره و لا يسأل بالاسم من حيث دلالته على ذات المسمى و لكن يسأل من حيث المعنى الذي هو عليه الذي لأجله جاء و تميز به عن غيره من الأسماء تميز معنى لا تميز لفظ
[الأرزاق إما معنوي و إما حسي]
و اعلم أن الأرزاق منها معنوي و منها حسي و المرزوقين منهم معقول و منهم محسوس و رزق كل مرزوق ما كان به بقاؤه و نعيمه إن كان ممن يتنعم و حياته إن كان ممن يوصف بأنه حي و ليست الأرزاق لمن جمعها و إنما الأرزاق لمن تغذى بها يحكي أنه اجتمع متحرك و ساكن فقال المتحرك الرزق لا يحصل إلا بالحركة و قال الساكن الرزق يحصل بالحركة و السكون و بما شاء اللّٰه و قد فرغ اللّٰه منه فقال المتحرك فأنا أتحرك و أنت اسكن حتى أرى من يرزق فتحرك المتحرك فعند ما فتح للباب وجد حبة عنب فقال الحمد لله غلبت صاحبي فدخل عليه و هو مسرور فقال له يا ساكن تحركت فرزقت و رمى بحبة العنب إلى الساكن فأخذها الساكن فأكلها و حمد اللّٰه و قال يا متحرك سكنت فأكلت و الرزق لمن تغذى به لا لمن جاء به فتعجب المتحرك من ذلك و رجع إلى قول الساكن و المقصود من هذه الحكاية أن الرزق لمن تغذى به فأول رزق ظهر عن الرزاق ما تغذت به الأسماء من ظهور آثارها في العالم و كان فيه بقاؤها و نعيمها و فرحها و سرورها و أول مرزوق في الوجود الأسماء فتأثير الأسماء في الأكوان رزقها الذي به غذاؤها و بقاء الأسماء عليها و هذا معنى قولهم إن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية فإن الإضافة بقاء عينها في المتضايفين و بقاء المضافين من كونهما مضافين إنما هو بوجود الإضافة فالإضافة رزق المتضايفين و به غذاؤهما و بقاؤهما متضايفين فهذا من الرزق المعنوي الذي يهبه الاسم الرزاق و هو من جملة المرزوقين فهو أول من تغذى بما رزق فأول ما رزق نفسه ثم رزق الأسماء المتعلقة بالرزق الذي يصلح لكل اسم منها و هو أثره في العالم المعقول و المحسوس ثم نزل في النفس الإلهي بعد الأسماء فوجد الأرواح الملكية فرزقها التسبيح ثم نزل إلى العقل الأول فغذاه بالعلم الإلهي و العلم المتعلق بالعالم الذي دونه و هكذا لم يزل ينزل من عين ما يطلب ما به بقاؤه و حياته إلى عين حتى عم العالم كله بالرزق فكان رزاقا فلما وصل إلى النبات و رأى ما يحتاج إليه من الرزق المعين فأعطاه ما به غذاؤه فرأى جل غذائه في الماء فأعطاه الماء له و لكل حي في العالم و جعله رزقا له ثم جعله رزقا لغيره من الحيوان فهو و الحيوان رزق و مرزوق فيرزق فيكون مرزوقا و يرزق به فيكون رزقا و هكذا جميع الحيوان يتغذى و يتغذى به فالكل رزق و مرزوق و إنما أعطى الماء رزقا لكل حي لأنه بارد رطب و العالم في عينه غلبت عليه الحرارة و اليبوسة و سبب ذلك أن العالم مقبوض عليه قبضا لا يتمكن له الانفكاك عنه لأنه قبض إلهي واجب على كل ممكن فلا يكون إلا هكذا و الانقباض في المقبوض يبس بلا شك فغلب عليه اليبس فهو يطلب بذاته لغلبة اليبس ما يلين به و يرطب فتراه محتاجا من حيث يبسه إلى الرطوبة و أما احتياجه إلى البرودة فإن العالم مخلوق على الصورة و رأى أن من خلق على صورته مطلق الوجود يفعل ما يريد فأراد أن يكون بهذه المثابة و يخرج عن القبض عليه فيكون مسرح العين غير مقبوض عليه في الكون و الإمكان يأبى ذلك و الصورة تعطيه القوة لهذا الطلب و لا ينال مطلوبه فيدركه الغبن فيحمى فتغلب الحرارة عليه فيتأذى فيخاف الانعدام فيجنح إلى طلب البرودة ليسكن بها ما يجده من ألم الحرارة و يحيي بها نفسه و يبس القبض الذي هو عليه يطلب الرطوبة فنظر الاسم الرزاق في غذاء يحيا به يكون باردا ليقابل به الحرارة و سلطانها و يكون رطبا فيقابل به سلطان اليبس فوجد الماء باردا رطبا فجعل منه كل شيء حي في كل صنف صنف بما يليق به قال تعالى ﴿وَ جَعَلْنٰا مِنَ الْمٰاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلاٰ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء:30] أي يصدقون بذلك و إنما قرن به الايمان لجواز خلافه عقلا الذي هو ضد الواقع من أنه لو غلب عليه خلاف ما غلب عليه أهلكه فلا بد أن تكون حياته في نقيض ما غلب عليه أ لا ترى لو غلب عليه البرد و الرطوبة هلك و لم يكن له حياة إلا الحرارة و اليبس فكان يقال في تلك الحال و جعلنا من النار كل شيء حي و لو غلب عليه البرد و اليبس لكانت حياته بالهواء فيقال في تلك الحال و جعلنا من الهواء كل شيء حي و لو أفرطت فيه الحرارة و الرطوبة لكانت حياته بالتراب و كان يقال لتلك الحالة و جعلنا من التراب كل شيء ثم هذا ما يحتمله التقسيم في هذا لو كان فلما كان الواقع في العالم غلبة الحرارة و اليبوسة عليه لما ذكرناه من سبب الصورة و القبض ثار عليه سلطان الحرارة و اليبس فلم تكن له حياة إلا ببارد رطب فكان الماء فقال
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية