و خص به الداعي لمجيئه بالتوحيد الإيماني لا التوحيد العقلي و هو توحيد الأنبياء و الرسل لأنها ما وحدت عن نظر و إنما وحدت عن ضرورة علم وجدته في نفسها لم تقدر على دفعه فترك المشركين و آلهتهم و انفرد بغار حرا يتحنث فيه من غير معلم إلا ما يجده في نفسه حتى فجئه الحق و هو قوله ﴿اِتَّبِعْ مٰا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ﴾ [الأنعام:106] أي أنه لا يقبل الشريك فأعرض عنهم حتى يستحكم الايمان و أقمه بنفس الرحمن فاجعل له أنصارا و آمرك بقتال المشركين لا بالإعراض عنهم
(التوحيد التاسع)
من نفس الرحمن هو قوله ﴿إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ﴾ [الأعراف:158] توحيد الهوية في الاسم المرسل و هو توحيد الملك و لهذا نعته بأنه يحيي و يميت إذ الملك هو الذي يحيي و يميت و يعطي و يمنع و يضر و ينفع فمن أعطى أحيا و نفع و من منع أضر و أمات و من منع لا عن بخل كان منعه حماية و عناية و جودا من حيث لا يشعر الممنوع و كان الضرر في حقه حيث لم يبلغ إلى نيل غرضه لجهله بالمصلحة فيما حماه عنه النافع و مات هذا الممنوع لكونه لم تنفذ إرادته كما لا تنفذ إرادة الميت فهذا منع اللّٰه و ضرره و إماتته فإنه المنعم المحسان فأرسل الرسل بالتوحيد تنبيها لإقرارهم في الميثاق الأول فقال ﴿وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107] فمن وحده بلسان رسوله لا من لسانه جازاه اللّٰه على توحيده جزاء رسوله فإن وحده لا بلسان رسوله بل بلسان رسالته جازاه مجازاة إلهية لا تعرف يدخل تحت «قوله ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر» انتهى الجزء التاسع عشر و مائة «(بسم اللّٰه الرحمن الرحيم)»
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية