أراد بقوله و حسابهم على اللّٰه أنه لا يعلم أنهم قالوها معتقدين لها إلا اللّٰه فالمشرك لا قدم له على صراط التوحيد و له قدم على صراط الوجود و المعطل لا قدم له على صراط الوجود فالمشرك ما وحد اللّٰه هنا فهو من الموقف إلى النار مع المعطلة و من هو من أهل النار الذين هم أهلها إلا المنافقين فلا بد لهم أن ينظروا إلى الجنة و فيها من النعيم فيطمعون فذلك نصيبهم من نعيم الجنان ثم يصرفون إلى النار و هذا من عدل اللّٰه فقوبلوا بأعمالهم و الطائفة التي لا تخلد في النار إنما تمسك و تسأل و تعذب على الصراط و الصراط على متن جهنم غائب فيها و الكلاليب التي فيه بها يمسكهم اللّٰه عليه و لما كان الصراط في النار و ما ثم طريق إلى الجنة إلا عليه قال تعالى ﴿وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا كٰانَ عَلىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا﴾ [مريم:71] و من عرف معنى هذا القول عرف مكان جهنم ما هو و لو قاله النبي صلى اللّٰه عليه و سلم لما سئل عنه لقلته فما سكت عنه و قال في الجواب في علم اللّٰه إلا بأمر إلهي فإنه ﴿مٰا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوىٰ﴾ [ النجم:3] و ما هو من أمور الدنيا فسكوتنا عنه هو الأدب و قد أتى في صفة الصراط أنه أدق من الشعر و أحد من السيف و كذا هو علم الشريعة في الدنيا لا يعلم وجه الحق في المسألة عند اللّٰه و لا من هو المصيب من المجتهدين بعينه و لذلك تعبدنا بغلبات الظنون بعد بذل المجهود في طلب الدليل لا في المتواتر و لا في خبر الواحد الصحيح المعلوم فإن المتواتر و إن أفاد العلم فإن العلم المستفاد من التواتر إنما هو عين هذا اللفظ أو العلم إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم قاله أو عمل به و مطلوبنا بالعلم ما يفهم من ذلك القول و العمل حتى يحكم في المسألة على القطع و هذا لا يوصل إليه إلا بالنص الصريح المتواتر و هذا لا يوجد إلا نادرا مثل قوله تعالى ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ﴾ [البقرة:196] في كونها عشرة خاصة فحكمها بالشرع أحد من السيف و أدق من الشعر في الدنيا فالمصيب للحكم واحد لا بعينه و الكل مصيب للأجر فالشرع هنا هو الصراط المستقيم و لا يزال في كل ركعة من الصلاة يقول ﴿اِهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة:6] فهو أحد من السيف و أدق من الشعر فظهوره في الآخرة محسوس أبين و أوضح من ظهوره في الدنيا إلا لمن دعا إلى اللّٰه على بصيرة كالرسول و أتباعه فألحقهم اللّٰه بدرجة الأنبياء في الدعاء ﴿إِلَى اللّٰهِ عَلىٰ بَصِيرَةٍ﴾ [يوسف:108] أي على علم و كشف و «قد ورد في خبر أن الصراط يظهر يوم القيامة متنه للابصار على قدر نور المارين عليه فيكون دقيقا في حق قوم و عريضا في حق آخرين»
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية