الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الشمس: [تفسير السعدي]

كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تأليف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (توفي سنة 1376 هجرية)، وهو من التفاسير الحديثة بعبارات سهلة وواضحة تتجنب الحشو والتطويل وتترك الخلاف والإسرائيليات، وتركز على المعنى المقصود من الآية.
سورة الشمس

أقسم تعالى بهذه الآيات العظيمة، على النفس المفلحة، وغيرها من النفوس الفاجرة، فقال:

{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } أي: نورها، ونفعها الصادر منها.

{ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا } أي: تبعها في المنازل والنور.

{ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا } أي: جلى ما على وجه الأرض وأوضحه.

{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } أي: يغشى وجه الأرض، فيكون ما عليها مظلمًا.

فتعاقب الظلمة والضياء، والشمس والقمر، على هذا العالم، بانتظام وإتقان، وقيام لمصالح العباد، أكبر دليل على أن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه المعبود وحده، الذي كل معبود سواه فباطل.

{ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا } يحتمل أن " ما " موصولة، فيكون الإقسام بالسماء وبانيها، الذي هو الله تبارك وتعالى، ويحتمل أنها مصدرية، فيكون الإقسام بالسماء وبنيانها، الذي هو غاية ما يقدر من الإحكام والإتقان والإحسان.

{ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } أي: مدها ووسعها، فتمكن الخلق حينئذ من الانتفاع بها، بجميع وجوه الانتفاع.

{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } يحتمل أن المراد نفس سائر المخلوقات الحيوانية، كما يؤيد هذا العموم، ويحتمل أن المراد بالإقسام بنفس الإنسان المكلف، بدليل ما يأتي بعده.

وعلى كل، فالنفس آية كبيرة من آياته التي حقيقة بالإقسام بها فإنها في غاية اللطف والخفة، سريعة التنقل [والحركة] والتغير والتأثر والانفعالات النفسية، من الهم، والإرادة، والقصد، والحب، والبغض، وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه، وتسويتها على هذا الوجه آية من آيات الله العظيمة.

فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا

وقوله: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح.

{ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها وإخفائها، بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها.

{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } أي: بسبب طغيانها وترفعها عن الحق، وعتوها على رسل الله

{ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا } أي: أشقى القبيلة، [وهو] " قدار بن سالف " لعقرها حين اتفقوا على ذلك، وأمروه فأتمر لهم.

{ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ } صالح عليه السلام محذرًا: { نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا } أي: احذروا عقر ناقة الله، التي جعلها لكم آية عظيمة، ولا تقابلوا نعمة الله عليكم بسقي لبنها أن تعقروها، فكذبوا نبيهم صالحًا.

{ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ } أي: دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من تحتهم، فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيًا ولا مجيبا.

{ فَسَوَّاهَا } عليهم أي: سوى بينهم بالعقوبة

{ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا } أي: تبعتها.

وكيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق، الحكيم في كل ما قضاه وشرعه؟

تمت ولله الحمد

اسم السورة سورة الشمس (Ash-Shams - The Sun)
ترتيبها 91
عدد آياتها 15
عدد كلماتها 54
عدد حروفها 249
معنى اسمها الشَّمْسُ: النَّجْمُ الْمُلْتَهِبُ الْمَعْرُوفُ، وَالمُرَادُ (بِالشَّمْسِ): الْقَسَمُ بِوَقْتِ طُلُوعِهَا
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِالقَسَمِ (بِالشَّمْسِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الشَّمْسِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا﴾
مقاصدها الدَّعْوَةُ إِلَى تَزْكِيَةِ النَّفْسِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ خُسْرَانِهَا
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُذكَر لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ ولا لِبَعْضِ آيَاتِها
فضلها أَوْصَى بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي إِمَامَةِ المُصَلِّينَ، فَقَدْ أَمَرَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ رضي الله عنه إِذَا أَمَّ النَّاسَ أَنْ يُخَفِّفَ وَيَقْرَأَ عَلَيهِمْ بِسُوَرِ: (الشَّمْسِ، وَالأَعْلَى، وَالْعَلَقِ، وَالْلَّيلِ). (رَوَاهُ مُسْلِم)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الشَّمْسِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (البَلدِ):لَمَّا ذُكِرَ فِي (الْبَلَدِ) خَلْقُ الْإِنْسَانِ عُمُومًا، نَاسَبَ الْقَسَمَ بِالنَّفْسِ البَشَرِيَّةِ فِي (الشَّمْسِ)
اختر الًجزء:
اختر السورة:
اختر الًصفحة:


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!