المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأحقاف: [تفسير البغوي]
كتاب معالم التنزيل، للحسين بن مسعود البغوي، المحدّث والفقيه الشافعي، توفي (510 هـ). وهو تفسير متوسط نقل فيه مصنفه الصحيح من تفسير الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولا يذكر الضعيف.سورة الأحقاف | ||
مكية، " حم "
" تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم "
( ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ) يعني يوم القيامة ، وهو الأجل الذي تنتهي إليه السموات والأرض ، وهو إشارة إلى فنائهما ( والذين كفروا عما أنذروا ) خوفوا به في القرآن من البعث والحساب ( معرضون ) .
( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا ) أي بكتاب جاءكم من الله قبل القرآن فيه بيان ما تقولون ( أو أثارة من علم ) قال الكلبي : أي بقية من علم يؤثر عن الأولين ، أي يسند إليهم . قال مجاهد وعكرمة ومقاتل : رواية عن الأنبياء . وقال قتادة : خاصة من علم . وأصل الكلمة من الأثر وهو الرواية ، يقال : أثرت الحديث أثرا وأثارة ، ومنه قيل للخبر : أثر . ( إن كنتم صادقين ) .
( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له ) يعني الأصنام لا تجيب عابديها إلى شيء يسألونها ( إلى يوم القيامة ) أبدا ما دامت الدنيا ( وهم عن دعائهم غافلون ) لأنها جماد لا تسمع ولا تفهم .
( وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) جاحدين ، بيانه قوله : " تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون " ( القصص - 63 ) .
( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين ) يسمون القرآن سحرا .
( أم يقولون افتراه ) محمد من قبل نفسه ، فقال الله - عز وجل - : ( قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا ) لا تقدرون أن تردوا عني عذابه إن عذبني على افترائي ، فكيف أفتري على الله من أجلكم ( هو أعلم بما تفيضون فيه ) تخوضون فيه من التكذيب بالقرآن والقول فيه إنه سحر . ( كفى به شهيدا بيني وبينكم ) أن القرآن جاء من عنده ( وهو الغفور الرحيم ) في تأخير العذاب عنكم ، قال الزجاج : هذا دعاء لهم إلى التوبة ، معناه : إن الله - عز وجل - غفور لمن تاب منكم رحيم به .
( قل ما كنت بدعا من الرسل ) أي بديعا ، مثل : نصف ونصيف ، وجمع البدع أبداع ، لست بأول مرسل ، قد بعث قبلي كثير من الأنبياء ، فكيف تنكرون نبوتي . ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) اختلف العلماء في معنى هذه الآية :
فقال بعضهم : معناه ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة ، فلما نزلت هذه الآية فرح المشركون ، فقالوا : واللات والعزى ما أمرنا وأمر محمد عند الله إلا واحد ، وما له علينا من مزية وفضل ، ولولا أنه ابتدع ما يقوله من ذات نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به ، فأنزل الله : " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " ، ( الفتح - 2 ) فقالت الصحابة : هنيئا لك يا نبي الله قد علمنا ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى : " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات " الآية ، ( الفتح - 5 ) وأنزل : " وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا " ( الأحزاب - 47 ) فبين الله تعالى ما يفعل به وبهم . وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة ، قالوا : إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه [ وإنما أخبر بغفران ذنبه ] عام الحديبية ، فنسخ ذلك .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري ، عن خارجة بن زيد قال : كانت أم العلاء الأنصارية تقول : لما قدم المهاجرون المدينة اقترعت الأنصار على سكنتهم ، قالت [ فطار لنا ] عثمان بن مظعون في السكنى ، فمرض فمرضناه ، ثم توفي فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدخل فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي قد أكرمك الله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وما يدريك أن الله قد أكرمه " ؟ فقلت : لا والله لا أدري ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أما هو فقد أتاه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم " قالت : فوالله لا أزكي بعده أحدا أبدا ، قالت : ثم رأيت لعثمان بعد في النوم عينا تجري فقصصتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " ذاك عمله " .
وقال جماعة : قوله " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " في الدنيا ، أما في الآخرة فقد علم أنه في الجنة ، وأن من كذبه فهو في النار ، ثم اختلفوا فيه :
قال ابن عباس - رضي الله عنه - ما : لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم وهو بمكة أرضا ذات سباخ ونخل رفعت له ، يهاجر إليها ، فقال له أصحابه متى تهاجر إلى الأرض التي أريت ؟ فسكت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " ، أأترك في مكاني أم أخرج وإياكم إلى الأرض التي رفعت لي ؟ .
وقال بعضهم : " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدنيا ، بأن أقيم معكم في مكانكم أم أخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي ، أم أقتل كما قتل الأنبياء من قبلي وأنتم أيها المصدقون لا أدري تخرجون معي أم تتركون ، أم ماذا يفعل بكم ، [ وأنتم ] أيها المكذبون ، أترمون بالحجارة من السماء أم يخسف بكم ، أم أي شيء يفعل بكم ، مما فعل بالأمم المكذبة ؟ .
ثم أخبر الله - عز وجل - أنه يظهر دينه على الأديان ، فقال : " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله " ، ( الصف - 9 ) وقال في أمته : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ( الأنفال - 33 ) ، فأخبر الله ما يصنع به وبأمته ، هذا قول السدي .
( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) أي ما أتبع إلا القرآن ، ولا أبتدع من عندي شيئا ( وما أنا إلا نذير مبين ) .
( قل أرأيتم ) معناه : أخبروني ماذا تقولون ( إن كان ) يعني القرآن ( من عند الله وكفرتم به ) أيها المشركون ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) المثل : صلة ، يعني : عليه ، أي على أنه من عند الله ( فآمن ) يعني الشاهد ( واستكبرتم ) عن الإيمان به ، وجواب قوله : " إن كان من عند الله " محذوف ، على تقدير : أليس قد ظلمتم ؟ يدل على هذا المحذوف قوله : ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) وقال الحسن : جوابه : فمن أضل منكم ، كما قال في سورة السجدة .
واختلفوا في هذا الشاهد ، قال قتادة والضحاك : هو عبد الله بن سلام ، شهد على نبوة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وآمن به ، واستكبر اليهود فلم يؤمنوا .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن منير سمع عبد الله بن بكير ، حدثنا حميد ، عن أنس قال : " سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في أرض يخترف فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : فما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام أهل الجنة ؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : أخبرني بهن جبريل آنفا ، قال : جبريل ؟ قال : نعم ، قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة ، فقرأ هذه الآية : " قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " ( البقرة - 97 ) ، فأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة نزعت ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، [ يا رسول الله ] إن اليهود قوم بهت ، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني ، فجاءت اليهود فقال : أي رجل عبد الله فيكم ؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا ، قال : أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : أعاذه الله من ذلك ، فخرج عبد الله ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فقالوا : شرنا وابن شرنا ، فانتقصوه ، قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن يوسف قال : سمعت مالكا يحدث عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام ، وفيه نزلت هذه الآية : " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " . قال : لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث .
وقال الآخرون : الشاهد هو موسى بن عمران .
وقال الشعبي : قال مسروق في هذه الآية : والله ما نزلت في عبد الله بن سلام لأن ال حم نزلت بمكة ، وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة ، ونزلت هذه الآية في محاجة كانت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقومه ، ومثل القرآن التوراة فشهد موسى على التوراة ومحمد - صلى الله عليه وسلم - على الفرقان ، وكل واحد يصدق الآخر .
وقيل : هو نبي من بني إسرائيل فآمن واستكبرتم فلم تؤمنوا ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) .
( وقال الذين كفروا ) من اليهود ( للذين آمنوا لو كان ) [ دين محمد - صلى الله عليه وسلم - ] ( خيرا ما سبقونا إليه ) يعني عبد الله بن سلام وأصحابه .
وقال قتادة : نزلت في مشركي مكة ، قالوا : لو كان ما يدعونا إليه محمد خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان .
وقال الكلبي : الذين كفروا : أسد وغطفان ، قالوا للذين آمنوا يعني : جهينة ومزينة : لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا إليه رعاء البهم .
قال الله تعالى : ( وإذ لم يهتدوا به ) يعني بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان ( فسيقولون هذا إفك قديم ) كما قالوا أساطير الأولين .
( ومن قبله ) أي ومن قبل القرآن ( كتاب موسى ) يعني التوراة ( إماما ) يقتدى به ( ورحمة ) من الله لمن آمن به ، ونصبا على الحال عن الكسائي ، وقال أبو عبيدة : فيه إضمار ، أي جعلناه إماما ورحمة ، وفي الكلام محذوف ، تقديره : وتقدمه كتاب موسى إماما ولم يهتدوا به ، كما قال في الآية الأولى : " وإذ لم يهتدوا به " .
( وهذا كتاب مصدق ) أي القرآن مصدق للكتب التي قبله ( لسانا عربيا ) نصب على الحال ، وقيل بلسان عربي ( لينذر الذين ظلموا ) يعني مشركي مكة ، قرأ أهل الحجاز والشام ويعقوب : " لتنذر " بالتاء على خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقرأ الآخرون بالياء يعني الكتاب ( وبشرى للمحسنين ) " وبشرى " في محل الرفع ، أي هذا كتاب مصدق وبشرى .
" إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون "
" أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءً بما كانوا يعملون ".
قوله - عز وجل - : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) قرأ أهل الكوفة : " إحسانا " [ كقوله تعالى : " وبالوالدين إحسانا " ( البقرة - 83 ) ] ( حملته أمه كرها ووضعته كرها ) يريد شدة الطلق . قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو " كرها " بفتح الكاف فيهما ، وقرأ الآخرون بضمهما . ( وحمله وفصاله ) فطامه ، وقرأ يعقوب : " وفصله " بغير ألف ( ثلاثون شهرا ) يريد أقل مدة الحمل ، وهي ستة أشهر ، وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرا .
وروى عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا ، وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا ( حتى إذا بلغ أشده ) نهاية قوته ، وغاية شبابه واستوائه ، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة ، فذلك قوله : ( وبلغ أربعين سنة ) .
وقال السدي والضحاك : نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وقد مضت القصة .
وقال الآخرون : نزلت في أبي بكر الصديق وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرو ، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو .
قال علي بن أبي طالب : الآية نزلت في أبي بكر ، أسلم أبواه جميعا ، ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره ، أوصاه الله بهما ، ولزم ذلك من بعده .
وكان أبو بكر صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثماني عشرة سنة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عشرين سنة ، في تجارة إلى الشام ، فلما بلغ أربعين سنة ونبئ النبي - صلى الله عليه وسلم - آمن به ودعا ربه ف ( قال رب أوزعني ) ألهمني ( أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ) بالهداية والإيمان ( وأن أعمل صالحا ترضاه ) قال ابن عباس : وأجابه الله - عز وجل - ، فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه ، ودعا أيضا فقال : ( وأصلح لي في ذريتي ) فأجابه الله ، فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعا ، فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعا ، فأدرك أبو قحافة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبد الرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة . قوله : ( إني تبت إليك وإني من المسلمين ) .
( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ) يعني أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا ، وكلها حسن ، و " الأحسن " بمعنى الحسن ، فيثيبهم عليها ( ونتجاوز عن سيئاتهم ) فلا نعاقبهم عليها ، قرأ حمزة والكسائي وحفص " نتقبل " " ونتجاوز " بالنون ، " أحسن " نصب ، وقرأ الآخرون بالياء وضمها ، " أحسن " رفع . ( في أصحاب الجنة ) مع أصحاب الجنة ( وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) وهو قوله - عز وجل - : " وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار " ( التوبة - 72 ) .
( والذي قال لوالديه ) إذ دعواه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث ( أف لكما ) وهي كلمة كراهية ( أتعدانني أن أخرج ) من قبري حيا ( وقد خلت القرون من قبلي ) فلم يبعث منهم أحد ( وهما يستغيثان الله ) يستصرخان ويستغيثان الله عليه ، ويقولان له : ( ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا ) ما هذا الذي تدعواني إليه ( إلا أساطير الأولين ) قال ابن عباس والسدي ، ومجاهد : نزلت في عبد الله .
وقيل : في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه ، كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام وهو يأبى ، ويقول : أحيوا لي عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون .
وأنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون هذا في عبد الرحمن بن أبي بكر .
والصحيح أنها نزلت في كافر عاق لوالديه ، قاله الحسن وقتادة .
وقال الزجاج : قول من قال إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه ، يبطله قوله :
( أولئك الذين حق عليهم القول ) الآية ، أعلم الله تعالى أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب ، وعبد الرحمن مؤمن من أفاضل المسلمين فلا يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب .
ومعنى " أولئك الذين حق عليهم القول " : وجب عليهم العذاب ( في أمم ) [ مع أمم ] ( قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ) .
( ولكل درجات مما عملوا ) قال ابن عباس - رضي الله عنه - ما : يريد من سبق إلى الإسلام ، فهو أفضل ممن تخلف عنه ولو بساعة . وقال مقاتل : ولكل فضائل بأعمالهم فيوفيهم الله جزاء أعمالهم .
وقيل : " ولكل " : يعني ولكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين " درجات " منازل ومراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم ، فيجازيهم عليها .
قال ابن زيد في هذه الآية : درج أهل النار تذهب سفلا ودرج أهل الجنة تذهب علوا .
( وليوفيهم ) قرأ ابن كثير ، وأهل البصرة ، وعاصم : بالياء ، وقرأ الباقون بالنون . ( أعمالهم وهم لا يظلمون ) .
( ويوم يعرض الذين كفروا على النار ) فيقال لهم : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو جعفر ، ويعقوب : " أأذهبتم " ، بالاستفهام ويهمز ابن عامر همزتين ، والآخرون بلا استفهام على الخبر ، وكلاهما فصيحان ، لأن العرب تستفهم بالتوبيخ ، وترك الاستفهام فتقول : أذهبت ففعلت كذا ؟ ( واستمتعتم بها ) يقول : أذهبتم طيباتكم يعني اللذات وتمتعتم بها ؟ ( فاليوم تجزون عذاب الهون ) أي العذاب الذي فيه ذل وخزي ( بما كنتم تستكبرون ) [ تتكبرون ] ( في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) فلما وبخ الله الكافرين بالتمتع بالطيبات في الدنيا آثر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والصالحون اجتناب اللذات في الدنيا رجاء ثواب الآخرة .
وروينا عن عمر قال : دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو مضطجع على رمال حصير قد أثر الرمال بجنبه ، فقلت : يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله ، فقال : " أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا " .
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، ثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث ، عن الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن المنصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : لقد كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا وما هو إلا الماء والتمر ، غير أن جزى الله نساء من الأنصار خيرا ، كن ربما أهدين لنا شيئا من اللبن .
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي ، أخبرنا الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي ، حدثنا ثابت بن يزيد ، عن هلال بن خباب عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنه - ما قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاويا ، وأهله لا يجدون عشاء ، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير .
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أخبرنا أبو القاسم الخزاعي ، أخبرنا الهيثم بن كليب ، حدثنا أبو عيسى ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ، حدثنا روح بن أسلم ، حدثنا أبو حاتم البصري ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، [ حدثنا محمد بن إسماعيل ] حدثنا يوسف بن عيسى ، حدثنا ابن فضيل ، عن أبيه ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة أنه قال : لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء ، إما إزار وإما كساء ، قد ربطوا في أعناقهم ، فمنها ما يبلغ نصف الساقين ، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني ، حدثنا أبو طاهر محمد بن الحارث ، حدثنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن مبارك ، عن شعبة بن الحجاج ، عن سعد بن إبراهيم ، [ عن أبيه إبراهيم ] أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائما ، فقال : قتل مصعب بن عمير وهو خير مني فكفن في بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه ، قال : وأراه قال : وقتل حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد ما يكفن فيه إلا بردة ، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط ، أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام .
وقال جابر بن عبد الله : رأى عمر بن الخطاب لحما معلقا في يدي ، فقال : ما هذا يا جابر ؟ قلت : اشتهيت لحما فاشتريته ، فقال عمر : أو كلما اشتهيت شيئا يا جابر اشتريت ، أما تخاف هذه الآية : " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا " .
قوله - عز وجل - : ( واذكر أخا عاد ) يعني هودا عليه السلام ( إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال ابن عباس : " الأحقاف " : واد بين عمان ومهرة .
وقال مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له : " مهرة " وإليها تنسب الإبل المهرية ، وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا من قبيلة إرم .
قال قتادة : ذكر لنا أن عادا كانوا أحياء باليمن ، وكانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها : " الشحر " . و " الأحقاف " جمع حقف ، وهي المستطيل المعوج من الرمال . قال ابن زيد : هي ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلا ، قال الكسائي : هي ما استدار من الرمل .
( وقد خلت النذر ) مضت الرسل ( من بين يديه ) أي من قبل هود ( ومن خلفه ) إلى قومهم ( ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) .
( قالوا أجئتنا لتأفكنا ) [ لتصرفنا ] ( عن آلهتنا ) أي عن عبادتها ( فأتنا بما تعدنا ) [ من العذاب ] ( إن كنت من الصادقين ) أن العذاب نازل بنا .
( قال ) هود ( إنما العلم عند الله ) وهو يعلم متى يأتيكم العذاب ( وأبلغكم ما أرسلت به ) من الوحي ( ولكني أراكم قوما تجهلون ) .
( فلما رأوه ) يعني ما يوعدون به من العذاب ( عارضا ) سحابا يعرض أي يبدو في ناحية من السماء ثم يطبق السماء ( مستقبل أوديتهم ) فخرجت عليهم سحابة سوداء من واد لهم يقال له : " المغيث " وكانوا قد حبس عنهم المطر ، فلما رأوها استبشروا ( قالوا هذا عارض ممطرنا ) يقول الله تعالى : ( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ) فجعلت الريح تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جرادة .
( تدمر كل شيء ) مرت به من رجال عاد وأموالها ، [ ( بأمر ربها ) ] فأول ما عرفوا أنها عذاب رأوا ما كان خارجا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض ، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح فقلعت أبوابهم وصرعتهم ، وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال ، فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام ، لهم أنين ، ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم فرمت بهم في البحر .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني ، أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ ، أخبرنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث ، أخبرنا النضر . حدثه عن سليمان بن يسار ، عن عائشة أنها قالت : ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه بياض لهواته ، وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه ، فقلت : يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا ، رجاء أن يكون فيه المطر ، وإذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ، فقال : " يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ، قد عذب قوم بالريح ، وقد رأى قوم العذاب فقالوا : " هذا عارض ممطرنا " ، الآية .
( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) قرأ عاصم ، وحمزة ، ويعقوب : " يرى " بضم الياء " مساكنهم " برفع النون يعني : لا يرى شيء إلا مساكنهم ، وقرأ الآخرون بالتاء وفتحها ، " مساكنهم " نصب؛ يعني لا ترى أنت يا محمد إلا مساكنهم لأن السكان والأنعام بادت بالريح ، فلم يبق إلا هود ومن آمن معه . ( كذلك نجزي القوم المجرمين ) .
( ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ) يعني فيما لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان وطول العمر وكثرة المال .
قال المبرد : " ما " في قوله " فيما " بمنزلة الذي ، و " إن " بمنزلة ما ، وتقديره : ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه . ( وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) .
( ولقد أهلكنا ما حولكم ) يا أهل مكة ( من القرى ) كحجر ثمود وأرض سدوم ونحوهما ( وصرفنا الآيات ) الحجج والبينات ( لعلهم يرجعون ) عن كفرهم فلم يرجعوا ، فأهلكناهم ، يخوف مشركي مكة .
( فلولا ) فهلا ( نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة ) يعني الأوثان ، اتخذوها آلهة يتقربون بها إلى الله - عز وجل - ، " القربان " : كل ما يتقرب به إلى الله - عز وجل - ، وجمعه : " قرابين " ، كالرهبان والرهابين .
( بل ضلوا عنهم ) قال مقاتل : بل ضلت الآلهة عنهم فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم ( وذلك إفكهم ) أي كذبهم الذي كانوا يقولون إنها تقربهم إلى الله - عز وجل - وتشفع لهم ( وما كانوا يفترون ) يكذبون أنها آلهة .
( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) الآية ، قال المفسرون : لما مات أبو طالب خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه ، فروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال : لما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف إلى نفر من ثقيف ، وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم ، وهم إخوة ثلاثة : عبد ياليل ، ومسعود ، وحبيب بنو [ عمرو بن ] عمير ، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح ، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام ، والقيام معه على من خالفه من قومه .
فقال له أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة ، إن كان الله أرسلك ، وقال الآخر : ما وجد الله أحدا يرسله غيرك ؟ وقال الثالث : والله ما أكلمك كلمة أبدا ، لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك .
فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عندهم ، وقد يئس من خير ثقيف ، وقال لهم : إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي [ سري ] ، وكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ قومه فيزيدهم عليه ذلك ، فلم يفعلوا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس ، وألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة ، وهما فيه فرجع عنه سفهاء ثقيف ومن كان تبعه ، فعمد إلى ظل حبلة من عنب ، فجلس فيه ، وابنا ربيعة ينظران إليه ، ويريان ما لقي من سفهاء ثقيف ، ولقد لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك المرأة التي من بني جمح ، فقال لها : ماذا لقينا من أحمائك ؟
فلما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أنت أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك " .
فلما رأى ابنا ربيعة ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له : عداس ، فقالا له : خذ قطفا من العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل ، فقل له يأكل منه ، ففعل ذلك عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده قال : بسم الله ، ثم أكل فنظر عداس إلى وجهه ثم قال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أي البلاد أنت يا عداس ؟ وما دينك ؟ قال : أنا نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ قال له : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي فأكب عداس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل رأسه ويديه وقدميه .
قال : فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك ، فلما جاءهم عداس قالا له : ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟ قال : يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ، فقالا ويحك يا عداس لا يصرفك عن دينك فإن دينك خير من دينه .
ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي فمر به نفر من جن أهل نصيبين اليمن ، فاستمعوا له ، فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين ، قد آمنوا وأجابوا لما سمعوا ، فقص الله خبرهم عليه ، فقال : " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، فأرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم ؟ قالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بنخلة ، عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ، فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا : يا قومنا " إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا " ( الجن - 2 ) ، فأنزل الله على نبيه : " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن " ، ( الجن - 1 ) وإنما أوحى إليه قول الجن .
وروي : أنهم لما رجعوا بالشهب بعث إبليس سراياه لتعرف الخبر ، وكان أول بعث بعث ركبا من أهل نصيبين ، وهم أشراف الجن وساداتهم ، فبعثهم إلى تهامة .
وقال أبو حمزة [ الثمالي ] : بلغنا أنهم من الشيصبان وهم أكثر الجن عددا ، وهم عامة جنود إبليس ، فلما رجعوا قالوا : " إنا سمعنا قرآنا عجبا " .
وقال جماعة : بل أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله تعالى ويقرأ عليهم القرآن ، فصرف إليه نفرا من الجن من أهل نينوى ، وجمعهم له ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة ، فأيكم يتبعني ؟ فأطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا ، ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا ، فاتبعه عبد الله بن مسعود ، قال عبد الله : ولم يحضر معه أحد غيري ، فانطلقنا حتى إذا كنا على مكة دخل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - شعبا يقال له : شعب الحجون ، وخط لي خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ، وقال : لا تخرج منه حتى أعود إليك ، ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن ، فجعلت أرى أمثال النسور تهوي ، وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه ، حتى ما أسمع صوته ، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ، ففرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الفجر ، فانطلق إلي وقال : أنمت ؟ فقلت : لا والله يا رسول الله ، وقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك ، تقول : اجلسوا ، قال : لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم ، ثم قال : هل رأيت شيئا ؟ قلت : نعم يا رسول الله رأيت رجالا سودا مستثفري ثياب بيض ، قال : أولئك جن نصيبين سألوني المتاع - والمتاع الزاد - فمتعتهم بكل عظم حائل وروثة وبعرة .
قال : فقالوا : يا رسول الله تقذرها الناس ، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستنجى بالعظم والروث .
قال : فقلت : يا رسول الله وما يغني ذلك عنهم ؟ قال : إنهم لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل ، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت ، قال فقلت : يا رسول الله سمعت لغطا شديدا ؟ فقال : إن الجن تدارأت في قتيل قتل بينهم فتحاكموا إلي فقضيت بينهم بالحق ، قال : ثم تبرز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أتاني ، فقال : هل معك ماء ؟ قلت : يا رسول الله معي إداوة فيها شيء من نبيذ التمر ، فاستدعاه فصببت على يده فتوضأ وقال : " تمرة طيبة وماء طهور " .
قال قتادة : ذكر لنا أن ابن مسعود لما قدم الكوفة رأى شيوخا شمطا من الزط فأفزعوه حين رآهم ، فقال : اظهروا ، فقيل له : إن هؤلاء قوم من الزط ، فقال : ما أشبههم بالنفر الذين صرفوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يريد الجن .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغفار بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود وهو ابن أبي هند ، عن عامر قال : سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن ؟ قال فقال علقمة : أنا سألت ابن مسعود فقلت : هل شهد أحد منكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن ؟ قال : لا ولكنا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ، ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب ، فقلنا : استطير أو اغتيل ، قال : فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء ، قال فقلنا : يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك ، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فقال : أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن .
قال : فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم .
قال وسألوه الزاد ، فقال : لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم من الجن " . .
ورواه مسلم عن علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن داود بهذا الإسناد إلى قوله : " وآثار نيرانهم " .
قال الشعبي : وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة إلى آخر الحديث من قول الشعبي مفصلا من حديث عبد الله .
قوله - عز وجل - : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) اختلفوا في عدد ذلك النفر ، فقال ابن عباس : كانوا سبعة من جن نصيبين ، فجعلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسلا إلى قومهم . وقال آخرون : كانوا تسعة . وروى عاصم عن زر بن حبيش : كان زوبعة من التسعة الذين استمعوا القرآن . ( فلما حضروه قالوا أنصتوا ) قالوا : صه .
وروي في الحديث : " أن الجن ثلاثة أصناف : صنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون " .
فلما حضروه قال بعضهم لبعض : أنصتوا واسكتوا لنستمع إلى قراءته ، فلا يحول بيننا وبين الاستماع شيء ، فأنصتوا واستمعوا القرآن حتى كاد يقع بعضهم على بعض من شدة حرصهم .
( فلما قضي ) فرغ من تلاوته ( ولوا إلى قومهم ) انصرفوا إليهم ( منذرين ) مخوفين داعين بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) قال عطاء : كان دينهم اليهودية ، لذلك قالوا : إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى .
( يا قومنا أجيبوا داعي الله ) يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - ( وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ) " من " صلة ، أي ذنوبكم ( ويجركم من عذاب أليم ) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلا من الجن ، فرجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوافقوه في البطحاء ، فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم ، وفيه دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مبعوثا إلى الجن والإنس جميعا .
قال مقاتل : لم يبعث قبله نبي إلى الإنس والجن جميعا .
واختلف العلماء في حكم مؤمني الجن فقال قوم : ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار ، وتأولوا قوله : " يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم " ، وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه .
وحكى سفيان عن ليث قال : الجن ثوابهم أن يجاروا من النار ، ثم يقال لهم : كونوا ترابا ، وهذا مثل البهائم .
وعن أبي الزناد قال : إذا قضي بين الناس قيل لمؤمني الجن : عودوا ترابا ، فيعودون ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر : " يا ليتني كنت ترابا " ( النبأ - 40 ) .
وقال الآخرون : يكون لهم الثواب في الإحسان كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس ، وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى .
وقال جرير عن الضحاك : الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون .
وذكر النقاش في " تفسيره " حديث أنهم يدخلون الجنة . فقيل : هل يصيبون من نعيمها ؟ قال : يلهمهم الله تسبيحه وذكره ، فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة . وقال أرطاة بن المنذر : سألت ضمرة بن حبيب : هل للجن ثواب ؟ قال : نعم ، وقرأ : " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان " ( الرحمن - 74 ) ، قال : فالإنسيات للإنس والجنيات للجن .
وقال عمر بن عبد العزيز : إن مؤمني الجن حول الجنة ، في ربض ورحاب ، وليسوا فيها .
( ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ) لا يعجز الله فيفوته ( وليس له من دونه أولياء ) أنصار يمنعونه من الله ( أولئك في ضلال مبين ) .
( أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن ) لم يعجز عن إبداعهن ( بقادر ) هكذا قراءة العامة ، واختلفوا في وجه دخول الباء فيه ، فقال أبو عبيدة والأخفش : الباء زائدة للتأكيد ، كقوله : " تنبت بالدهن " .
وقال الكسائي ، والفراء : العرب تدخل الباء في الاستفهام مع الجحد ، فتقول : ما أظنك بقائم .
وقرأ يعقوب : " يقدر " بالياء على الفعل ، واختار أبو عبيدة قراءة العامة لأنها في قراءة عبد الله قادر بغير باء .
( على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ) .
( ويوم يعرض الذين كفروا على النار ) فيقال لهم ( أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال ) أي فيقال لهم : ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) .
( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) قال ابن عباس : ذوو الحزم . وقال الضحاك : ذوو الجد والصبر .
واختلفوا فيهم ، فقال ابن زيد : كل الرسل كانوا أولي عزم ، لم يبعث الله نبيا إلا كان ذا عزم وحزم ، ورأي وكمال عقل ، وإنما أدخلت " من " للتجنيس لا للتبعيض ، كما يقال : اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز .
وقال بعضهم : الأنبياء كلهم أولو عزم إلا يونس بن متى ، لعجلة كانت منه ، ألا ترى أنه قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " ولا تكن كصاحب الحوت " ؟ .
وقال قوم : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام ، وهم ثمانية عشر ، لقوله تعالى بعد ذكرهم : " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " ( الأنعام - 90 ) .
وقال الكلبي : هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين .
وقيل : هم ستة : نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، وموسى ، عليهم السلام ، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء .
وقال مقاتل : هم ستة : نوح ، صبر على أذى قومه ، وإبراهيم ، صبر على النار ، وإسحاق صبر على الذبح ، ويعقوب ، صبر على فقد ولده وذهاب بصره ، ويوسف ، صبر على البئر والسجن ، وأيوب ، صبر على الضر .
وقال ابن عباس وقتادة : هم نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، أصحاب الشرائع ، فهم مع محمد - صلى الله عليه وسلم - خمسة .
قلت : ذكرهم الله على التخصيص في قوله : " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " ( الأحزاب - 7 ) ، وفي قوله تعالى : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " ( الشورى - 13 ) .
أخبرنا أبو طاهر المطهر بن علي بن عبيد الله الفارسي ، حدثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ الحافظ ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، أخبرنا محمد بن الحجاج ، أخبرنا السري بن حيان ، أخبرنا عباد بن عباد ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد ، يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلا بالصبر على مكروهها ، والصبر على مجهودها ، ولم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم ، وقال : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وإني والله لا بد لي من طاعته ، والله لأصبرن كما صبروا ، وأجهدن كما جهدوا ، ولا قوة إلا بالله " .
قوله تعالى : ( ولا تستعجل لهم ) أي ولا تستعجل العذاب لهم ، فإنه نازل بهم لا محالة ، كأنه ضجر بعض الضجر فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم ، فأمر بالصبر وترك الاستعجال .
ثم أخبر عن قرب العذاب فقال :
( كأنهم يوم يرون ما يوعدون ) من العذاب في الآخرة ( لم يلبثوا ) [ في الدنيا ] ( إلا ساعة من نهار ) أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار ، لأن ما مضى وإن كان طويلا كأن لم يكن .
ثم قال : ( بلاغ ) أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم ، والبلاغ بمعنى التبليغ ( فهل يهلك ) بالعذاب إذا نزل ( إلا القوم الفاسقون ) الخارجون من أمر الله .
قال الزجاج : تأويله : لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون ، ولهذا قال قوم : ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية .
اسم السورة | سورة الأحقاف (Al-Ahqaf - The Wind-Curved Sandhills) |
ترتيبها | 46 |
عدد آياتها | 35 |
عدد كلماتها | 646 |
عدد حروفها | 2602 |
معنى اسمها | الأَحْقَافُ جَمْعُ (حِقْفٍ)، وَهُوَ مَا اعْوَجَّ مِنَ الرَّمْلِ وَاسْتَطَالَ، وَالمُرَادُ (بالأحْقَافِ) دِيَارُ قَومِ عَادٍ فِي الْيَمَنِ، وَكَانَتْ مَلِيئَةً بِالتِّلالِ العَظِيمَةِ مِنَ الرِّمَالِ |
سبب تسميتها | انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الأَحْقَافِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى | اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الأحْقَافِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (حَمْ الأَحْقَافِ) |
مقاصدها | تَذْكِيرُ الْكَافِرِينَ بِنِعَمِ اللهِ، وَإِقَامَةِ الحُجَّةَ عَلَيهِم بِالرُّسُلِ، وَبَيَانُ عَاقِبَتِهِمْ فِي الدَّارَين |
أسباب نزولها | سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها | هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُقْرِئَهُ القُرْآنَ، فَقَالَ: «اقْرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها | مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الأَحْقَافِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ وَصْفِ أَهْلِ البَاطِلِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿... وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعۡرِضُونَ ٣﴾، وَقَالَ فِي آخِرِ آيَةٍ مِنْهَا: ﴿...فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْأَحْقَافِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْجَاثِيَةِ): خُتِمَتِ (الجَاثِيَةُ) بِاسْمِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ؛ فَقَالَ: ﴿...وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٣٧﴾، وَافْتُتِحَتِ (الأَحْقَافُ) بِهِمَا؛ فَقَالَ: ﴿حمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ ٢﴾. |