الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البقرة: [الآية 89]

سورة البقرة
وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَٰبٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا۟ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُوا۟ كَفَرُوا۟ بِهِۦ ۚ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ ﴿89﴾

تفسير الجلالين:

«ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم» من التوراة: هو القرآن «وكانوا من قبل» قبل مجيئه «يستفتحون» يستنصرون «على الذين كفروا» يقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث آخر الزمان «فلما جاءهم ما عرفوا» من الحق وهو بعثة النبي «كفروا به» جحداً وخوفاً على الرياسة وجوابُ لما الأولى دل عليه جواب الثانية «فلعنة الله على الكافرين».

تفسير الشيخ محي الدين:

لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)

أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،

فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .

وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:

إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في

أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.

------------

(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 / 341 - ج 2 / 381 - ج 3 / 348 ، 123 ، 511 - ج 2 / 535 ، 684 - ج 3 / 381 - ج 1 / 435 ، 434

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى : ( ولما جاءهم ) يعني اليهود ( كتاب من عند الله ) وهو : القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ( مصدق لما معهم ) يعني : من التوراة ، وقوله : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) أي : وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم ، يقولون : إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم ، كما قال محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر عن قتادة الأنصاري ، عن أشياخ منهم قال : قالوا : فينا والله وفيهم يعني في الأنصار وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم ، نزلت هذه القصة يعني : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) قالوا كنا قد علوناهم دهرا في الجاهلية ، ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب ، فكانوا يقولون : إن نبيا من [ الأنبياء ] يبعث الآن نتبعه ، قد أظل زمانه ، نقتلكم معه قتل عاد وإرم . فلما بعث الله رسوله من قريش [ واتبعناه ] كفروا به . يقول الله تعالى : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) [ النساء : 155 ] .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) قال : يستظهرون يقولون : نحن نعين محمدا عليهم ، وليسوا كذلك ، يكذبون .

وقال محمد بن إسحاق : أخبرني محمد بن أبي محمد ، أخبرني عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه . فلما بعثه الله من العرب كفروا به ، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه . فقال لهم معاذ بن جبل ، وبشر بن البراء بن معرور ، أخو بني سلمة يا معشر يهود ، اتقوا الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك ، وتخبروننا بأنه مبعوث ، وتصفونه لنا بصفته . فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم ، فأنزل الله في ذلك من قولهم : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين )

وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) يقول : يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب يعني بذلك أهل الكتاب فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه .

وقال أبو العالية : كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب ، يقولون : اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى نعذب المشركين ونقتلهم . فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، ورأوا أنه من غيرهم ، كفروا به حسدا للعرب ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين )

وقال قتادة : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) قال : كانوا يقولون : إنه سيأتي نبي . ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به )

وقال مجاهد : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) قال : هم اليهود .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن محمود بن لبيد ، أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش ، وكان من أهل بدر قال : كان لنا جار يهودي في بني عبد الأشهل قال : فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير ، حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل . قال سلمة : وأنا يومئذ أحدث من فيهم سنا على بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي . فذكر البعث والقيامة والحسنات والميزان والجنة والنار . قال ذلك لأهل شرك أصحاب أوثان لا يرون بعثا كائنا بعد الموت ، فقالوا له : ويحك يا فلان ، ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ، يجزون فيها بأعمالهم ؟ فقال : نعم ، والذي يحلف به ، لود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه ، وأن ينجو من تلك النار غدا . قالوا له : ويحك وما آية ذلك ؟ قال : نبي يبعث من نحو هذه البلاد ، وأشار بيده نحو مكة واليمن . قالوا : ومتى نراه ؟ قال : فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا ، فقال : إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه . قال سلمة : فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا ، فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا .

فقلنا : ويلك يا فلان ، ألست بالذي قلت لنا ؟ قال : بلى وليس به . تفرد به أحمد .

وحكى القرطبي وغيره عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : أن يهود خيبر اقتتلوا في زمان الجاهلية مع غطفان فهزمتهم غطفان ، فدعا اليهود عند ذلك ، فقالوا : اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزمان ، إلا نصرتنا عليهم . قال : فنصروا عليهم . قال : وكذلك كانوا يصنعون يدعون الله فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم . قال الله تعالى : ( فلما جاءهم ما عرفوا ) أي من الحق وصفة محمد صلى الله عليه وسلم " كفروا به " فلعنة الله على الكافرين .


تفسير الطبري :

قوله تعالى:{ولما جاءهم } يعني اليهود. قوله تعالى {كتاب من عند الله} يعني القرآن. قوله تعالى{مصدق} نعت لكتاب، ويجوز في غير القرآن نصبه على الحال، وكذلك هو في مصحف أبي بالنصب فيما روي. قوله تعالى{لما معهم} يعني التوراة والإنجيل يخبرهم بما فيهما. قوله تعالى:{وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} أي يستنصرون. والاستفتاح الاستنصار. استفتحت : استنصرت. وفي الحديث : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين، أي يستنصر بدعائهم وصلاتهم. ومنه {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} [المائدة:52]. والنصر : فتح شيء مغلق، فهو يرجع إلى قولهم فتحت الباب. وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إنما نصر الله هذه الأمة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم). وروى النسائي أيضا عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (أبغوني الضعيف فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم). قال ابن عباس : كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فلما التقوا هزمت يهود، فعادت يهود بهذا الدعاء وقالوا : إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا تنصرنا عليهم. قال : فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا، فأنزل الله تعالى{وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} أي بك يا محمد، إلى قوله{فلعنة الله على الكافرين}. قوله تعالى{فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} {ولما جاءهم} جواب {لما} الفاء وما بعدها في قوله {فلما جاءهم ما عرفوا} في قول الفراء، وجواب {لما} الثانية {كفروا}. وقال الأخفش سعيد : جواب {لما} محذوف لعلم السامع، وقاله الزجاج. وقال المبرد : جواب {لما} في قوله{كفروا}، وأعيدت {لما} الثانية لطول الكلام. ويفيد ذلك تقرير الذنب وتأكيدا له.

التفسير الميسّر:

وحين جاءهم القرأن من عند الله مصدقا لما معهم من التوراة جحدوه، وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا قبل بعثته يستنصرون به على مشركي العرب، ويقولون: قَرُبَ مبعث نبيِّ آخرِ الزمان، وسنتبعه ونقاتلكم معه. فلمَّا جاءهم الرسول الذي عرفوا صفاتِه وصِدْقَه كفروا به وكذبوه. فلعنةُ الله على كل مَن كفر بنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابه الذي أوحاه الله إليه.

تفسير السعدي

أي: ولما جاءهم كتاب من عند الله على يد أفضل الخلق وخاتم الأنبياء, المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة, وقد علموا به, وتيقنوه حتى إنهم كانوا إذا وقع بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب, استنصروا بهذا النبي, وتوعدوهم بخروجه, وأنهم يقاتلون المشركين معه، فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا, كفروا به, بغيا وحسدا, أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده، فلعنهم الله, وغضب عليهم غضبا بعد غضب, لكثرة كفرهم وتوالى شكهم وشركهم. { وللكافرين عذاب مهين } أي: مؤلم موجع, وهو صلي الجحيم, وفوت النعيم المقيم، فبئس الحال حالهم, وبئس ما استعاضوا واستبدلوا من الإيمان بالله وكتبه ورسله, الكفر به, وبكتبه, وبرسله, مع علمهم وتيقنهم, فيكون أعظم لعذابهم.


تفسير البغوي

( ولما جاءهم كتاب من عند الله ) يعني القرآن ( مصدق ) موافق ( لما معهم ) يعني التوراة ( وكانوا ) يعني اليهود ( من قبل ) قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ( يستفتحون ) يستنصرون ( على الذين كفروا ) على مشركي العرب ، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو : اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد صفته في التوراة ، فكانوا ينصرون ، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وثمود وإرم ( فلما جاءهم ما عرفوا ) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم من غير بني إسرائيل وعرفوا نعته وصفته ( كفروا به ) بغيا وحسدا . ( فلعنة الله على الكافرين )


الإعراب:

(وَلَمَّا) الواو استئنافية، لما ظرفية حينية شرطية.

(جاءَهُمْ كِتابٌ) فعل ماض ومفعول به وفاعل.

(مِنْ عِنْدِ) متعلقان بمحذوف صفة لكتاب.

(اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه.

(مُصَدِّقٌ) صفة لكتاب.

(لَمَّا) اسم موصول في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بمصدق.

(مَعَهُمْ) ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة.

(وَكانُوا) الواو حرف عطف، كان واسمها.

(مِنْ قَبْلُ) من حرف جر، قبل اسم مبني على الضم في محل جر بحرف الجر وبني لقطعه عن الإضافة والأصل من قبل ذلك. والجار والمجرور متعلقان بالفعل المؤخر يستفتحون وجملة (يَسْتَفْتِحُونَ) مضارع وفاعله والجملة في محل نصب خبر كان.

(عَلَى الَّذِينَ) متعلقان بيستفتحون.

(كَفَرُوا) الجملة صلة الموصول.

(فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) لما ظرفية شرطية غير جازمة، جاءهم ماض ومفعوله، ما اسم موصول في محل رفع فاعل وجملة: (عرفوا) صلته وجملة: (فلما جاءهم) معطوفة وجملة: (جاءهم) في محل جر بالإضافة أما جملة (كَفَرُوا بِهِ) فهي جواب لما الشرطية.

(فَلَعْنَةُ) الفاء للتعليل. لعنة مبتدأ.

(اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه.

(عَلَى الْكافِرِينَ) متعلقان بمحذوف خبر. والجملة الاسمية مستأنفة.

---

Traslation and Transliteration:

Walamma jaahum kitabun min AAindi Allahi musaddiqun lima maAAahum wakanoo min qablu yastaftihoona AAala allatheena kafaroo falamma jaahum ma AAarafoo kafaroo bihi falaAAnatu Allahi AAala alkafireena

بيانات السورة

اسم السورة سورة البقرة (Al-Baqara - The Cow)
ترتيبها 2
عدد آياتها 286
عدد كلماتها 6144
عدد حروفها 25613
معنى اسمها (البَقَرَةُ) مِنْ أَصْنَافِ بَهِيمَةِ الأَنعَامِ، وهِيَ: (الإِبِلُ والبَقَرُ وَالغَنَمُ)
سبب تسميتها انفِرَادُ السُّورَةِ بذِكْرِ قِصَّةِ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (البَقَرَةِ)، وتُلقَّبُ بِـ(سَنَامِ القُرْآنِ)، و(فُسْطَاطِ القُرْآنِ)، وَ(الزَّهْرَاءِ)
مقاصدها الاسْتِجَابَةُ لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى وَالامْتِثَالُ الكَامِلُ لَهُ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها بَرَكَةٌ عَجِيبَةٌ لِقَارِئِهَا، قَالَ ﷺ: «اقْرَؤُوا البَقَرَةَ؛ فَإِنَّ أَخذَها بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم). عِلَاجٌ مِنَ السِّحْرِ وَالْعَينِ وَالحَسَدِ، قَالَ ﷺ: «وَلَا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ؛ أَيِ: السَّحَرَةُ». (رَوَاهُ مُسْلِم). طَارِدَةٌ لِلشَّيَاطِينِ، قَالَ ﷺ: «وَإِنَّ البَيْتَ الَّذِي تُقرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ لَا يدخُلُهُ شَيطَانٌ». (رَوَاهُ مُسْلِم). هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (البَقَرَةِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ صِفَاتِ المُتَّقِينَ. فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ﴾ ... الآيَاتِ، وقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ﴾... الآيَاتِ.. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (البَقَرَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الفَاتِحَةِ): لَمَّا قَالَ العَبْدُ فِي خِتَامِ (الفَاتِحَةِ): ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦﴾. قِيلَ لَهُ فِي فَاتِحَةِ (البَقَرَةِ): ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ٢﴾ هُوَ مَطْلُوبُكَ وَفِيهِ حَاجَتُكَ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!