المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأنعام: [الآية 129]
سورة الأنعام | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)
«وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ»
[ رتبة الخلافة متوارثة ، والخليفة واحد أبدا ]
هي رتبة الخلافة التي كانت لآدم عليه السلام ، فالخلفاء نواب الحق في عباده ، وقوله تعالى : «خَلائِفَ» بالجمع ، والخليفة واحد أبدا ، فإن سر الخلافة واحد ، وهو متوارث تتوارثه هذه الأشباح ، فإن ظهرت في شخص ما ، ما دام ذلك الشخص متصفا به ، من المحال شرعا أن يوجد لذلك القبيل في ذلك الزمان بعينه في شخص آخر ، وإن ادعاه أحد فهو باطل ، ودعواه مردودة ، وهو دجال ذلك الزمان ،
فإذا فقد ذلك الشخص انتقل ذلك السر إلى شخص آخر ، فانتقل معه اسم الخليفة ، فلهذا قيل خلائف الأرض ، أي يخلف بعضنا بعضا فيها ، في مرتبة الخلافة ،
فإن آدم كانت خلافته في الأرض ، وهكذا هو كل خليفة فيها ، مع وجود التفاضل بين الخلفاء فيها ، وذلك لاختلاف الأزمان واختلاف الأحوال ، فيعطي هذا الحال والزمان من الأمر ما لا يعطيه الزمان والحال الذي كان قبله والذي يكون بعده ،
ولهذا اختلفت آيات الأنبياء باختلاف الأعصار ، فآية كل خليفة ورسول من نسبة ما هو الظاهر والغالب على ذلك الزمان وأحوال علمائه ، أي شيء كان ، من طب أو سحر أو فصاحة ، وما شاكل هذا وهو قوله : «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ»
[ وزن الأعمال يوم القيامة بالعامل ]
ففضل بعضهم على بعض بالمراتب والزيادات التي لها شرف في العرف والعقل ، ثم يقول للخلفاء «لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» وهاتان الصفتان لا تكونان إلا لمن بيده الحكم والأمر والنهي ، فهذا النسق يقوي أنه أراد خلافة السلطنة والملك ،
ومن حقيقة قوله تعالى : «إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» قال صلّى اللّه عليه وسلم :
[ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ] .
(7) سورة الأعراف مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(165) الفتوحات ج 2 / 447 - كتاب التدبيرات الإلهية - الفتوحات ج 2 / 68 ، 60 ، 68 ، 401تفسير ابن كثير:
قال سعيد ، عن قتادة في تفسيرها : وإنما يولي الله الناس بأعمالهم ، فالمؤمن ولي المؤمن أين كان وحيث كان ، والكافر ولي الكافر أينما كان وحيثما كان ، ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي . واختاره ابن جرير .
وقال معمر ، عن قتادة في تفسيرها : ( نولي بعض الظالمين بعضا ) في النار ، يتبع بعضهم بعضا .
وقال مالك بن دينار : قرأت في الزبور : إني أنتقم من المنافقين بالمنافقين ، ثم أنتقم من المنافقين جميعا ، وذلك في كتاب الله قوله تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ) .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ) قال : ظالمي الجن وظالمي الإنس ، وقرأ : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) [ الزخرف : 36 ] ، قال : ونسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس .
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الباقي بن أحمد ، من طريق سعيد بن عبد الجبار الكرابيسي ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود مرفوعا : " من أعان ظالما سلطه الله عليه "
وهذا حديث غريب ، وقال بعض الشعراء :
وما من يد إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سيبلى بظالم
ومعنى الآية الكريمة : كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغوتهم من الجن ، كذلك نفعل بالظالمين ، نسلط بعضهم على بعض ، ونهلك بعضهم ببعض ، وننتقم من بعضهم ببعض ، جزاء على ظلمهم وبغيهم .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي: وكما ولَّيْنَا الجن المردة وسلطناهم على إضلال أوليائهم من الإنس وعقدنا بينهم عقد الموالاة والموافقة، بسبب كسبهم وسعيهم بذلك. كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالما مثله، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه، ويزهده في الخير وينفره عنه، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها. والذنب ذنب الظالم، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } ومن ذلك، أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين. كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف.
تفسير البغوي
( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) [ قيل : أي ] كما خذلنا عصاة الجن والإنس حتى استمتع بعضهم ببعض نولي بعض الظالمين بعضا ، أي : نسلط بعضهم على بعض ، فنأخذ من الظالم بالظالم ، كما جاء : " من أعان ظالما سلطه الله عليه " .
وقال قتادة : نجعل بعضهم أولياء بعض ، فالمؤمن ولي المؤمن [ أين كان ] والكافر ولي الكافر حيث كان . وروي عن معمر عن قتادة : نتبع بعضهم بعضا في النار ، من الموالاة ، وقيل : معناه نولي ظلمة الإنس ظلمة الجن ، ونولي ظلمة الجن ظلمة الإنس ، أي : نكل بعضهم إلى بعض ، كقوله تعالى : ( نوله ما تولى ) ( النساء ، 115 ) ، وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها هو : أن الله تعالى إذا أراد بقوم خيرا ولى أمرهم خيارهم ، وإذا أراد بقوم شرا ولى أمرهم شرارهم . 18
الإعراب:
(وَكَذلِكَ) الواو استئنافية. كذلك جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف تقديره نولي بعض الظالمين بعضا تولية كائنة كإنزال العقاب بالإنس. ويجوز أن تعرب الكاف اسم بمعنى مثل في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره الأمر مثل تولية بعض الظالمين.
(نُوَلِّي بَعْضَ) فعل مضارع ومفعوله الأول والفاعل نحن و(بَعْضاً) مفعوله الثاني.
(الظَّالِمِينَ) مضاف إليه مجرور بالياء.
(بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) مثل بما كانوا يعملون الآية (127).