المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة المائدة: [الآية 82]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة المائدة | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119 « (
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ» فلا يؤثر فيهم عوارض يوم القيامة ، بل تخاف الناس ولا يخافون ، وتحزن الناس ولا يحزنون . . .
[ «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» ] «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» فالرضى منا ومنه - الوجه الأول - رضي اللّه عنهم : بما أعطوه من بذل المجهود ، وغير بذل المجهود «وَرَضُوا عَنْهُ» بما أعطاهم مما يقتضي الوجود الجود أكثر من ذلك ، لكن العلم والحكمة غالبة - الوجه الثاني - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» : بما أعطاه العبد من نفسه رضي اللّه به ، ورضي عنه فيه وإن لم يبذل استطاعته ، فرضي اللّه منك إذا أعطيت ما كلفك حد الاستطاعة التي لا حرج عليك فيها «وَرَضُوا عَنْهُ» رضي العبد من اللّه بالذي أعطاه من حال الدنيا ورضي عن اللّه في ذلك ، فإن متعلق الرضى القليل ، فإن الإنعام لا يتناهى بالبرهان الواضح والدليل ، فلا بد من الرضى ، بذا حكم الدليل وقضى ، وبهذا المعنى رضاه سبحانه عنك ، بما أعطيته منك ، وهو يعلم أن الاستطاعة فوق ما أعطيته - الوجه الثالث - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» في يسير العمل «وَرَضُوا عَنْهُ» في يسير الثواب ، لأنه لا يتمكن تحصيل ما لا يتناهى في الوجود ، لأنه لا يتناهى ، فإن كل ما أعطاك الحق في الدنيا والآخرة من الخير والنعم فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو متناه بحصوله ، وما قدم اللّه رضاه عن عبيده ، بما قبله من اليسير من أعمالهم التي كلفهم إلا ليرضوا عنه في يسير الثواب ، لما علموا أن عنده ما هو أكثر من الذي وصل إليهم . - الوجه الرابع - أخبرهم في التوقيع أنه عنهم راض تعالى وتقدس جلاله ، ثم أنه ناب عنهم في الخطاب بأنهم عنه راضون ، فقال تعالى : «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» .
وهنا نكتة لمن فهم ما تدل عليه ألفاظ القرآن من الرضى فقطع عليهم بذلك لعلمه بأنه واقع
منهم[ تحقيق الرضا ]
- تحقيق الرضا - اعلم أن اللّه تعالى قد أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا ، فعلمنا أنه يريد الإجمال ، فإنه إذا فصّله حال المقضي عليه بالمقضى به انقسم إلى ما يجوز الرضا به وإلى ما لا يجوز ، فلما أطلق الرضا علمنا أنه أراد الإجمال ، والقدر توقيت الحكم ، فكل شيء بقضاء وقدر ، أي بحكم مؤقت ، فمن حيث التوقيت المطلق يجب الإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، ومن حيث التعيين يجب الإيمان به لا الرضا ببعضه ، وإنما قلنا : يجب الإيمان به أنه شر كما يجب الإيمان بالخير أنه خير ، فنقول : إنه يجب علي الإيمان بالشر أنه شر ، وأنه ليس إلى اللّه من كونه شرا ، لا من كونه عين وجود إن كان الشر أمرا وجوديا ، فمن حيث وجوده أي وجود عينه هو إلى اللّه ، ومن كونه شرا ليس إلى اللّه ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في دعائه : والشر ليس إليك ، فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه .
------------
(119) الفتوحات ج 2 / 222 - ج 4 / 351 ، 432 - ج 2 / 212 - ج 4 / 351 - ج 2 / 212 - ج 4 / 27 ، 18 - ج 2 / 212تفسير ابن كثير:
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : نزلت هذه الآيات في النجاشي وأصحابه ، الذين حين تلا عليهم جعفر بن أبي طالب بالحبشة القرآن بكوا حتى أخضلوا لحاهم . وهذا القول فيه نظر ; لأن هذه الآية مدنية ، وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة .
وقال سعيد بن جبير والسدي وغيرهما : نزلت في وفد بعثهم النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسمعوا كلامه ، ويروا صفاته ، فلما قرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن أسلموا وبكوا وخشعوا ، ثم رجعوا إلى النجاشي فأخبروه .
قال السدي : فهاجر النجاشي فمات في الطريق .
وهذا من إفراد السدي فإن النجاشي مات وهو ملك الحبشة وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوم مات ، وأخبر به أصحابه ، وأخبر أنه مات بأرض الحبشة .
ثم اختلف في عدة هذا الوفد ، فقيل : اثنا عشر ، سبعة قساوسة وخمسة رهابين . وقيل بالعكس . وقيل : خمسون . وقيل : بضع وستون . وقيل : سبعون رجلا . فالله أعلم .
وقال عطاء بن أبي رباح : هم قوم من أهل الحبشة أسلموا حين قدم عليهم مهاجرة الحبشة من المسلمين ، وقال قتادة : هم قوم كانوا على دين عيسى ابن مريم فلما رأوا المسلمين وسمعوا القرآن أسلموا ولم يتلعثموا . واختار ابن جرير أن هذه [ الآية ] نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة ، سواء أكانوا من الحبشة أو غيرها .
فقوله [ تعالى ] ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) ما ذاك إلا لأن كفر اليهود عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم . ولهذا قتلوا كثيرا من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة وسحروه ، وألبوا عليه أشباههم من المشركين - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه عند تفسير هذه الآية : حدثنا أحمد بن محمد بن السري : حدثنا محمد بن علي بن حبيب الرقي ، حدثنا سعيد العلاف بن العلاف ، حدثنا أبو النضر ، عن الأشجعي ، عن سفيان ، عن يحيى بن عبد الله عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما خلا يهودي قط بمسلم إلا هم بقتله " .
ثم رواه عن محمد بن أحمد بن إسحاق اليشكري ، حدثنا أحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي ، حدثنا فرج بن عبيد ، حدثنا عباد بن العوام ، عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما خلا يهودي بمسلم إلا حدثت نفسه بقتله " . وهذا حديث غريب جدا .
وقوله : ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) أي : الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله ، فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة ، وما ذاك إلا لما في قلوبهم ، إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة ، كما قال تعالى : ( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ) [ الحديد : 27 ] وفي كتابهم : من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر . وليس القتال مشروعا في ملتهم ; ولهذا قال تعالى : ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ) أي : يوجد فيهم القسيسون - وهم خطباؤهم وعلماؤهم ، واحدهم : قسيس وقس أيضا ، وقد يجمع على قسوس - والرهبان : جمع راهب ، وهو : العابد . مشتق من الرهبة ، وهي الخوف ؛ كراكب وركبان ، وفارس وفرسان .
وقال ابن جرير : وقد يكون الرهبان واحدا وجمعه رهابين ، مثل قربان وقرابين ، وجردان وجرادين وقد يجمع على رهابنة . ومن الدليل على أنه يكون عند العرب واحدا قول الشاعر :
لو عاينت رهبان دير في القلل لانحدر الرهبان يمشي ونزل
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا بشر بن آدم ، حدثنا نصير بن أبي الأشعث حدثني الصلت الدهان عن حامية بن رئاب قال : سألت سلمان عن قول الله [ عز وجل ] : ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ) فقال : دع " القسيسين " في البيع والخرب ، أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا " .
وكذا رواه ابن مردويه من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن نصير بن زياد الطائي ، عن صلت الدهان ، عن حامية بن رئاب ، عن سلمان به .
وقال ابن أبي حاتم : ذكره أبي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، حدثنا نصير بن زياد الطائي ، حدثنا صلت الدهان عن حامية بن رئاب قال : سمعت سلمان وسئل عن قوله : ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ) قال : هم الرهبان الذين هم في الصوامع والخرب ، فدعوهم فيها ، قال سلمان : وقرأت على النبي صلى الله عليه وسلم ( ذلك بأن منهم قسيسين [ ورهبانا ] ) فأقرأني : " ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا " .
فقوله : ( ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ) تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يقول تعالى في بيان أقرب الطائفتين إلى المسلمين، وإلى ولايتهم ومحبتهم، وأبعدهم من ذلك: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعيا في إيصال الضرر إليهم، وذلك لشدة بغضهم لهم، بغيا وحسدا وعنادا وكفرا. { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } وذكر تعالى لذلك عدة أسباب: منها: أن { مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } أي: علماء متزهدين، وعُبَّادًا في الصوامع متعبدين. والعلم مع الزهد وكذلك العبادة مما يلطف القلب ويرققه، ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة، فلذلك لا يوجد فيهم غلظة اليهود، وشدة المشركين. ومنها: { أنهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ } أي: ليس فيهم تكبر ولا عتو عن الانقياد للحق، وذلك موجب لقربهم من المسلمين ومن محبتهم، فإن المتواضع أقرب إلى الخير من المستكبر.
تفسير البغوي
قوله عز وجل : ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) يعني : مشركي العرب ، ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) لم يرد به جميع النصارى لأنهم في عداوتهم المسلمين كاليهود في قتلهم المسلمين وأسرهم وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم ، لا ولاء ، ولا كرامة لهم ، بل الآية فيمن أسلم منهم مثل النجاشي وأصحابه ، [ وقيل : نزلت في جميع اليهود وجميع النصارى ، لأن اليهود أقسى قلبا والنصارى ألين قلبا منهم ، وكانوا أقل مظاهرة للمشركين من اليهود ] .
قال أهل التفسير : ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم ، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذبونهم ، فافتتن من افتتن ، وعصم الله منهم من شاء ، ومنع الله تعالى رسوله بعمه أبي طالب ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد ، أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة ، وقال : " إن بها ملكا صالحا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد ، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا " وأراد به النجاشي ، واسمه أصحمة وهو بالحبشة عطية ، وإنما النجاشي اسم الملك ، كقولهم قيصر وكسرى ، فخرج إليهم سرا أحد عشر رجلا وأربع نسوة ، وهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود ، [ وعبد الرحمن بن عوف ] وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ، ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية ، وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي [ حثمة ] وحاطب بن عمرو و [ سهل ] بن بيضاء رضي الله عنهم ، فخرجوا إلى البحر وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه الهجرة الأولى ثم خرج جعفر بن أبي طالب ، وتتابع المسلمون إليها وكان جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان .
فلما علمت قريش بذلك وجهوا عمرو بن العاص وصاحبه بالهدايا إلى النجاشي وبطارقته ليردوهم إليهم ، فعصمه الله ، وذكرت القصة في سورة آل عمران .
فلما انصرفا خائبين ، أقام المسلمون هناك بخير دار وأحسن جوار إلى أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلا أمره ، وذلك في سنة ستة من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي على يد عمرو بن أمية الضمري ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان - وكانت قد هاجرت إليه مع زوجها فمات زوجها ، - ويبعث إليه من عنده من المسلمين فأرسل النجاشي إلى أم حبيبة جارية يقال لها أبرهة تخبرها بخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ، فأعطتها أوضاحا لها سرورا بذلك ، فأذنت لخالد بن سعيد بن العاص حتى أنكحها على صداق أربعمائة دينار ، وكان الخاطب لرسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي رحمه الله فأنفذ إليها النجاشي أربعمائة دينار على يد أبرهة ، فلما جاءتها بها أعطتها خمسين دينارا فردته وقالت : أمرني الملك أن لا آخذ منك شيئا ، وقالت : أنا صاحبة دهن الملك وثيابه ، وقد صدقت محمدا صلى الله عليه وسلم وآمنت به ، وحاجتي منك أن تقرئيه مني السلام ، قالت نعم : وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من عود وعنبر ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراه عليها وعندها فلا ينكر .
قالت أم حبيبة : فخرجنا إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فخرج من خرج إليه وأقمت بالمدينة حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخلت عليه وكان يسألني عن النجاشي فقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما السلام ، وأنزل الله عز وجل : " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة " يعني : أبا سفيان مودة ، يعني : بتزويج أم حبيبة ، ولما جاء أبا سفيان تزويج أم حبيبة ، قال : ذلك الفحل لا يقرع أنفه .
وبعث النجاشي بعد قدوم جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ابنه أزهى بن أصحمة بن أبجر في ستين رجلا من الحبشة ، وكتب إليه : يا رسول الله أشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت لله رب العالمين ، وقد بعثت إليك ابني أزهى ، وإن شئت أن آتيك بنفسي فعلت والسلام عليك يا رسول الله ، فركبوا سفينة في أثر جعفر وأصحابه حتى إذا كانوا في وسط البحر غرقوا ، ووافى جعفر وأصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف ، منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من [ أهل ] الشام ، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة " يس " إلى آخرها ، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا ، وقال : آمنوا ، وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه السلام ، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) يعني : وفد النجاشي الذين قدموا مع جعفر وهم السبعون ، وكانوا أصحاب الصوامع .
وقال مقاتل والكلبي كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية روميين من أهل الشام .
[ وقال عطاء : كانوا ثمانين رجلا ، أربعون من أهل نجران من بني الحرث بن كعب ، واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميين من أهل الشام ] .
وقال قتادة : نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى عليه السلام ، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم صدقوه وآمنوا به فأثنى الله عز وجل بذلك عليهم . ( ذلك بأن منهم قسيسين ) أي علماء ، قال قطرب : القس والقسيس العالم بلغة الروم ، ) ( ورهبانا ) الرهبان العباد أصحاب الصوامع ، واحدهم راهب ، مثل فارس وفرسان ، وراكب وركبان ، وقد يكون واحدا وجمعه رهابين ، مثل قربان وقرابين ( وأنهم لا يستكبرون ) لا يتعظمون عن الإيمان والإذعان للحق .
الإعراب:
(لَتَجِدَنَّ) اللام واقعة في جواب القسم المحذوف، تجدن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت، و(أَشَدَّ) مفعوله الأول، (النَّاسِ) مضاف إليه مجرور.
(عَداوَةً) تمييز منصوب، (لِلَّذِينَ) الجار والمجرور متعلقان بعداوة (آمَنُوا) فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول (الْيَهُودَ) مفعول به ثان (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) عطف على اليهود.
(وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا) كالآية السابقة (إِنَّا نَصارى) إن واسمها وخبرها والجملة مقول القول مفعول به.
(ذلِكَ) اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ واللام للبعد والكاف حرف خطاب (بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) أن حرف مشبه بالفعل وقسيسين اسمها ومنهم متعلقان بخبرها (وَرُهْباناً) عطف على قسيسين وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر بالياء والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر اسم الإشارة.
(وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) أن واسمها ولا نافية ومضارع مرفوع بثبوت النون وجملة لا يستكبرون في محل رفع خبر أن.