الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة المائدة: [الآية 13]

سورة المائدة
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَٰقَهُمْ لَعَنَّٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَٰسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ ۙ وَنَسُوا۟ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴿13﴾

تفسير الجلالين:

«فبما نقضهم» ما زائدة «ميثاقهم لعناهم» أبعدناهم عن رحمتنا «وجعلنا قلوبهم قاسية» لا تلين لقبول الإيمان «يحرِّفون الكلم» الذي في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وغيره «عن مواضعه» التي وضعه الله عليها أي يبدلونه «ونسوا» تركوا «حظّاً» نصيبا «مما ذكروا» أمروا «به» في التوراة من اتباع محمد «ولا تزال» خطاب للنبي صلى الله علي وسلم «تطَّلع» تظهر «على خائنة» أي خيانة «منهم» بنقض العهد وغيره «إلا قليلا منهم» ممن أسلم «فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين» وهذا منسوخ بآيه السيف.

تفسير الشيخ محي الدين:

قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119 « (

قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ» فلا يؤثر فيهم عوارض يوم القيامة ، بل تخاف الناس ولا يخافون ، وتحزن الناس ولا يحزنون . . .

[ «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» ] «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» فالرضى منا ومنه - الوجه الأول - رضي اللّه عنهم : بما أعطوه من بذل المجهود ، وغير بذل المجهود «وَرَضُوا عَنْهُ» بما أعطاهم مما يقتضي الوجود الجود أكثر من ذلك ، لكن العلم والحكمة غالبة - الوجه الثاني - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» : بما أعطاه العبد من نفسه رضي اللّه به ، ورضي عنه فيه وإن لم يبذل استطاعته ، فرضي اللّه منك إذا أعطيت ما كلفك حد الاستطاعة التي لا حرج عليك فيها «وَرَضُوا عَنْهُ» رضي العبد من اللّه بالذي أعطاه من حال الدنيا ورضي عن اللّه في ذلك ، فإن متعلق الرضى القليل ، فإن الإنعام لا يتناهى بالبرهان الواضح والدليل ، فلا بد من الرضى ، بذا حكم الدليل وقضى ، وبهذا المعنى رضاه سبحانه عنك ، بما أعطيته منك ، وهو يعلم أن الاستطاعة فوق ما أعطيته - الوجه الثالث - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» في يسير العمل «وَرَضُوا عَنْهُ» في يسير الثواب ، لأنه لا يتمكن تحصيل ما لا يتناهى في الوجود ، لأنه لا يتناهى ، فإن كل ما أعطاك الحق في الدنيا والآخرة من الخير والنعم فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو متناه بحصوله ، وما قدم اللّه رضاه عن عبيده ، بما قبله من اليسير من أعمالهم التي كلفهم إلا ليرضوا عنه في يسير الثواب ، لما علموا أن عنده ما هو أكثر من الذي وصل إليهم . - الوجه الرابع - أخبرهم في التوقيع أنه عنهم راض تعالى وتقدس جلاله ، ثم أنه ناب عنهم في الخطاب بأنهم عنه راضون ، فقال تعالى : «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» .

وهنا نكتة لمن فهم ما تدل عليه ألفاظ القرآن من الرضى فقطع عليهم بذلك لعلمه بأنه واقع

منهم[ تحقيق الرضا ]

- تحقيق الرضا - اعلم أن اللّه تعالى قد أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا ، فعلمنا أنه يريد الإجمال ، فإنه إذا فصّله حال المقضي عليه بالمقضى به انقسم إلى ما يجوز الرضا به وإلى ما لا يجوز ، فلما أطلق الرضا علمنا أنه أراد الإجمال ، والقدر توقيت الحكم ، فكل شيء بقضاء وقدر ، أي بحكم مؤقت ، فمن حيث التوقيت المطلق يجب الإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، ومن حيث التعيين يجب الإيمان به لا الرضا ببعضه ، وإنما قلنا : يجب الإيمان به أنه شر كما يجب الإيمان بالخير أنه خير ، فنقول : إنه يجب علي الإيمان بالشر أنه شر ، وأنه ليس إلى اللّه من كونه شرا ، لا من كونه عين وجود إن كان الشر أمرا وجوديا ، فمن حيث وجوده أي وجود عينه هو إلى اللّه ، ومن كونه شرا ليس إلى اللّه ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في دعائه : والشر ليس إليك ، فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه .

------------

(119) الفتوحات ج 2 / 222 - ج 4 / 351 ، 432 - ج 2 / 212 - ج 4 / 351 - ج 2 / 212 - ج 4 / 27 ، 18 - ج 2 / 212

تفسير ابن كثير:

ثم أخبر تعالى عما أحل بهم من العقوبة عند مخالفتهم ميثاقه ونقضهم عهده ، فقال : ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ) أي : فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعناهم ، أي أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى ، ( وجعلنا قلوبهم قاسية ) أي : فلا يتعظون بموعظة لغلظها وقساوتها ، ( يحرفون الكلم عن مواضعه ) أي : فسدت فهومهم ، وساء تصرفهم في آيات الله ، وتأولوا كتابه على غير ما أنزله ، وحملوه على غير مراده ، وقالوا عليه ما لم يقل ، عياذا بالله من ذلك ، ( ونسوا حظا مما ذكروا به ) أي : وتركوا العمل به رغبة عنه .

قال الحسن : تركوا عرى دينهم ووظائف الله التي لا يقبل العمل إلا بها . وقال غيره : تركوا العمل فصاروا إلى حالة رديئة ، فلا قلوب سليمة ، ولا فطر مستقيمة ، ولا أعمال قويمة .

( ولا تزال تطلع على خائنة منهم ) يعني : مكرهم وغدرهم لك ولأصحابك .

وقال مجاهد وغيره : يعني بذلك تمالؤهم على الفتك بالنبي ، صلى الله عليه وسلم .

( فاعف عنهم واصفح ) وهذا هو عين النصر والظفر ، كما قال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه . وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق ، ولعل الله أن يهديهم ; ولهذا قال تعالى : ( إن الله يحب المحسنين ) يعني به : الصفح عمن أساء إليك .

وقال قتادة : هذه الآية ( فاعف عنهم واصفح ) منسوخة بقوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر [ ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ] ) [ التوبة : 29 ]


تفسير الطبري :

قوله تعالى {فبما نقضهم ميثاقهم} أي فبنقضهم ميثاقهم، {ما} زائدة للتوكيد، عن قتادة وسائر أهل العلم؛ وذلك أنها تؤكد الكلام بمعنى تمكنه في النفس من جهة حسن النظم، ومن جهة تكثيره للتوكيد؛ كما قال : لشيء ما يسود من يسود فالتأكيد بعلامة موضوعة كالتأكيد بالتكرير. {لعنّاهم} قال ابن عباس : عذبناهم بالجزية. وقال الحسن ومقاتل : بالمسخ. عطاء : أبعدناهم؛ واللعن الإبعاد والطرد من الرحمة. {وجعلنا قلوبهم قاسية} أي صلبة لا تعي خيرا ولا تفعله؛ والقاسية والعاتية بمعنى واحد. وقرأ الكسائي وحمزة {قسية} بتشديد الياء من غير ألف؛ وهي قراءة ابن مسعود والنخعي ويحيى بن وثاب. والعام القسي الشديد الذي لا مطر فيه. وقيل : هو من الدراهم القسيات أي الفاسدة الرديئة؛ فمعنى {قسية} على هذا ليست بخالصة الإيمان، أي فيها نفاق. قال النحاس : وهذا قول حسن؛ لأنه يقال : درهم قسي إذا كان مغشوشا بنحاس أو غيره. يقال : درهم قسي (مخفف السين مشدد الياء) مثال شقي أي زائف؛ ذكر ذلك أبو عبيد وأنشد : لها صواهل في صم السلام كما ** صاح القسيات في أيدي الصياريف يصف وقع المساحي في الحجارة. وقال الأصمعي وأبو عبيد : درهم قسي كأنه معرب قاشي. قال القشيري : وهذا بعيد؛ لأنه ليس في القرآن ما ليس من لغة العرب، بل الدرهم القسي من القسوة والشدة أيضا؛ لأن ما قلت نقرته يقسوا ويصلب. وقرأ الأعمش {قسية} بتخفيف الياء على وزن فعلة نحو عمية وشجية؛ من قسي يقسى لا من قسا يقسو. وقرأ الباقون على وزن فاعلة؛ وهو اختيار أبي عبيد؛ وهما لغتان مثل العلية والعالية، والزكية والزاكية. قال أبو جعفر النحاس : أولى ما فيه أن تكون قسية بمعنى قاسية، إلا أن فعيلة أبلغ من فاعلة. فالمعنى : جعلنا قلوبهم غليظة نابية عن الإيمان والتوفيق لطاعتي؛ لأن القوم لم يوصفوا بشيء من الإيمان فتكون قلوبهم موصوفة بأن إيمانها خالطه كفر، كالدراهم القسية التي خالطها غش. قال الراجز : قد قسوت وقست لداتي قوله تعالى {يحرفون الكلم عن مواضعه} أي يتأولونه على غير تأويله، ويلقون ذلك إلى العوام. وقيل : معناه يبدلون حروفه. {ويحرفون} في موضع نصب، أي جعلنا قلوبهم قاسية محرفين. وقرأ السلمي والنخعي {الكلام} بالألف وذلك أنهم غيروا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم. {ونسوا حظا مما ذكروا به} أي نسوا عهد الله الذي أخذه الأنبياء عليهم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.، وبيان نعته. {ولا تزال تطلع} أي وأنت يا محمد لا تزال الآن تقف {على خائنة منهم} والخائنة الخيانة؛ قال قتادة. وهذا جائز في اللغة، ويكون مثل قولهم : قائلة بمعنى قيلولة. وقيل : هو نعت لمحذوف والتقدير فرقة خائنة. وقد تقع {خائنة} للواحد كما يقال : رجل نسابة وعلامة؛ فخائنة على هذا للمبالغة؛ يقال : رجل خائنة إذا بالغت في وصفه بالخيانة. قال الشاعر : حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن ** للغدر خائنة مغل الإصبع قال ابن عباس {على خائنة} أي معصية. وقيل : كذب وفجور. وكانت خيانتهم نقضهم العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كيوم الأحزاب وغير ذلك من همهم بقتله وسبه. {إلا قليلا منهم} لم يخونوا فهو استثناء من الهاء والميم اللتين في {خائنة منهم}. {فاعف عنهم واصفح} في معناه قولان : فاعف عنهم واصفح ما دام بينك وبينهم عهد وهم أهل الذمة. والقول الآخر إنه منسوخ بآية السيف. وقيل : بقوله عز وجل {وإما تخافن من قوم خيانة}[الأنفال : 58].

التفسير الميسّر:

فبسبب نقض هؤلاء اليهود لعهودهم المؤكَّدة طردناهم من رحمتنا، وجعلنا قلوبهم غليظة لا تلين للإيمان، يبدلون كلام الله الذي أنزله على موسى، وهو التوراة، وتركوا نصيبًا مما ذُكِّروا به، فلم يعملوا به. ولا تزال -أيها الرسول- تجد من اليهود خيانةً وغَدرًا، فهم على منهاج أسلافهم إلا قليلا منهم، فاعف عن سوء معاملتهم لك، واصفح عنهم، فإن الله يحب مَن أحسن العفو والصفح إلى من أساء إليه. (وهكذا يجد أهل الزيغ سبيلا إلى مقاصدهم السيئة بتحريف كلام الله وتأويله على غير وجهه، فإن عجَزوا عن التحريف والتأويل تركوا ما لا يتفق مع أهوائهم مِن شرع الله الذي لا يثبت عليه إلا القليل ممن عصمه الله منهم).

تفسير السعدي

{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ ْ} أي: بسببه عاقبناهم بعدة عقوبات: الأولى: أنا { لَعَنَّاهُمْ ْ} أي: طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا، حيث أغلقوا على أنفسهم أبواب الرحمة، ولم يقوموا بالعهد الذي أخذ عليهم، الذي هو سببها الأعظم. الثانية: قوله: { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ْ} أي: غليظة لا تجدي فيها المواعظ، ولا تنفعها الآيات والنذر، فلا يرغبهم تشويق، ولا يزعجهم تخويف، وهذا من أعظم العقوبات على العبد، أن يكون قلبه بهذه الصفة التي لا يفيده الهدى, والخير إلا شرا. الثالثة: أنهم { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ ْ} أي: ابتلوا بالتغيير والتبديل، فيجعلون للكلم الذي أراد الله معنى غير ما أراده الله ولا رسوله. الرابعة: أنهم { نسوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ْ} فإنهم ذكروا بالتوراة، وبما أنزل الله على موسى، فنسوا حظا منه، وهذا شامل لنسيان علمه، وأنهم نسوه وضاع عنهم، ولم يوجد كثير مما أنساهم الله إياه عقوبة منه لهم. وشامل لنسيان العمل الذي هو الترك، فلم يوفقوا للقيام بما أمروا به، ويستدل بهذا على أهل الكتاب بإنكارهم بعض الذي قد ذكر في كتابهم، أو وقع في زمانهم، أنه مما نسوه. الخامسة: الخيانة المستمرة التي { لا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ ْ} أي: خيانة لله ولعباده المؤمنين. ومن أعظم الخيانة منهم، كتمهم [عن] من يعظهم ويحسن فيهم الظن الحق، وإبقاؤهم على كفرهم، فهذه خيانة عظيمة. وهذه الخصال الذميمة، حاصلة لكل من اتصف بصفاتهم. فكل من لم يقم بما أمر الله به، وأخذ به عليه الالتزام، كان له نصيب من اللعنة وقسوة القلب، والابتلاء بتحريف الكلم، وأنه لا يوفق للصواب، ونسيان حظ مما ذُكِّر به، وأنه لا بد أن يبتلى بالخيانة، نسأل الله العافية. وسمى الله تعالى ما ذكروا به حظا، لأنه هو أعظم الحظوظ، وما عداه فإنما هي حظوظ دنيوية، كما قال تعالى: { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ْ} وقال في الحظ النافع: { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ْ} وقوله: { إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ْ} أي: فإنهم وفوا بما عاهدوا الله عليه فوفقهم وهداهم للصراط المستقيم. { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ْ} أي: لا تؤاخذهم بما يصدر منهم من الأذى، الذي يقتضي أن يعفى عنهم، واصفح، فإن ذلك من الإحسان { إن اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ْ} والإحسان: هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه، فإنه يراك. وفي حق المخلوقين: بذل النفع الديني والدنيوي لهم.


تفسير البغوي

( فبما نقضهم ) أي : فبنقضهم ، و " ما " صلة ، ( ميثاقهم ) قال قتادة : نقضوه من وجوه لأنهم كذبوا الرسل الذين جاءوا بعد موسى وقتلوا أنبياء الله ونبذوا كتابه وضيعوا فرائضه ( لعناهم ) قال [ عطاء ] أبعدناهم من رحمتنا ، قال الحسن ومقاتل : عذبناهم بالمسخ ، ( وجعلنا قلوبهم قاسية ) قرأ حمزة والكسائي قسية بتشديد الياء من غير ألف ، وهما لغتان مثل الذاكية والذكية ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : قاسية أي : يابسة . وقيل : غليظة لا تلين ، وقيل معناه : إن قلوبهم ليست بخالصة للإيمان بل إيمانهم مشوب بالكفر والنفاق ، ومنه الدراهم القاسية وهي الردية المغشوشة .

( يحرفون الكلم عن مواضعه ) قيل : هو تبديلهم نعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل : تحريفهم بسوء التأويل ، ( ونسوا حظا مما ذكروا به ) أي : وتركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبيان نعته ، ( ولا تزال ) [ يا محمد ] ( تطلع على خائنة منهم ) أي : على خيانة ، فاعلة بمعنى المصدر كالكاذبة واللاغية ، وقيل : هو بمعنى الفاعل والهاء للمبالغة مثل [ رواية ] ونسابة وعلامة وحسابة ، وقيل : على فرقة خائنة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : على خائنة أي : على معصية ، وكانت خيانتهم نقضهم العهد ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمهم بقتله وسمه ، ونحوهما من خياناتهم التي ظهرت ، ( إلا قليلا منهم ) لم يخونوا ولم ينقضوا العهد وهم الذين أسلموا من أهل الكتاب ، ( فاعف عنهم واصفح ) أي : أعرض عنهم ولا تتعرض لهم ، ( إن الله يحب المحسنين ) وهذا منسوخ بآية السيف .


الإعراب:

(فَبِما نَقْضِهِمْ) جار ومجرور متعلقان بلعناهم وما زائدة (مِيثاقَهُمْ) مفعول به للمصدر قبله (لَعَنَّاهُمْ) فعل ماض وفاعل ومفعول به (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) قاسية مفعول به ثان والجملة معطوفة (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) الجار والمجرور متعلقان بالفعل والجملة في محل نصب حال (وَنَسُوا حَظًّا) الجملة معطوفة (مِمَّا) متعلقان بمحذوف صفة حظا (ذُكِّرُوا بِهِ) ذكروا فعل ماض مبني للمجهول تعلق به الجار والمجرور والواو نائب فاعله والجملة صلة الموصول.

(وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ) لا تزال مضارع ناقص واسمها ضمير مستتر تقديره: أنت وجملة تطلع خبرها (مِنْهُمْ) متعلقان بخائنة (إِلَّا) أداة استثناء (قَلِيلًا) مستثنى منصوب تعلق به الجار والمجرور بعده.

(فَاعْفُ عَنْهُمْ) اعف فعل أمر مبني على حذف حرف العلة تعلق به الجار والمجرور بعده والفاعل أنت والفاء هي الفصيحة والجملة جواب شرط مقدر لا محل لها.

(وَاصْفَحْ) عطف (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) الجملة تعليلية لا محل لها. وجملة (يُحِبُّ) خبر إن.

---

Traslation and Transliteration:

Fabima naqdihim meethaqahum laAAannahum wajaAAalna quloobahum qasiyatan yuharrifoona alkalima AAan mawadiAAihi wanasoo haththan mimma thukkiroo bihi wala tazalu tattaliAAu AAala khainatin minhum illa qaleelan minhum faoAAfu AAanhum waisfah inna Allaha yuhibbu almuhsineena

بيانات السورة

اسم السورة سورة المائدة (Al-Maidah - The Table Spread)
ترتيبها 5
عدد آياتها 120
عدد كلماتها 2837
عدد حروفها 11892
معنى اسمها (المَائِدَةُ): الخِوانُ - أَو الطَّاوِلَةُ - يُوضَعُ عَلَيهَا الطَّعامُ وَالشَّرَابُ، وَتُطْلَقُ المَائِدَةُ عَلَى الطَّعَامِ نَفْسِهِ
سبب تسميتها انفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ قِصَّةِ نُزُولِ المَائِدَةِ التِي طَلَبَهَا الحَوَارِيُّونَ مِنْ عِيسَى عليه السلام، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلى المَقْصِدِ العَامِّ للسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (المَائِدَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (العُقُودِ)، وَسُورَةَ (المُنقِذَةِ)، وَسُورَةَ (الأَحْبَارِ)
مقاصدها الرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ بِالأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي فَرَضَهَا اللهُ تَعَالَى فِي السُّورَةِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها نَزَلَتْ بِكَيْفِيَّةٍ فَرِيدَةٍ لِأَهَمِيَّتِهَا، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال: «أُنزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سُورَةُ الْمَائِدَةِ وهو رَاكِبٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَحْمِلَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَحمَدُ). هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (المَائدةِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ الصِّدقِ فِي الوَفَاءِ بِالعُقُودِ وَعَاقِبَةِ الصِّدْقِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ ...١﴾ ...الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ ...١١٩﴾ ...الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْمَائِدَةِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (النِّسَاءِ): اخْتُتِمَتِ (النِّسَاءُ) بِأَحْكَامِ المَوَارِيثِ وافْتُتِحَتِ (المَائِدَةُ) بِأحْكَامِ العُقُودِ، وكِلَاهُمَا مِنْ أَحْكَامِ العَلَاقَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!