«ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب» بمعني الكتب «من قبلكم» أي اليهود والنصارى «وإياكم» يا أهل القرآن «أن» أي بأن «اتقوا الله» خافوا عقابه بأن تطيعوه «و» قلنا لهم ولكم «إن تكفروا» بما وُصيتم به «فإن لله ما في السماوات وما في الأرض» خلقا وملكا وعبيدا فلا يضره كفركم «وكان الله غنيا» عن خلقه وعبادتهم «حميدا» محمودا في صنعه بهم.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
------------
(174) الفتوحات ج 4 /
352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 /
94 - ج 2 /
107
يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض ، وأنه الحاكم فيهما ; ولهذا قال : ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم ) أي : وصيناكم بما وصيناهم به ، من تقوى الله ، عز وجل ، بعبادته وحده لا شريك له .
ثم قال : ( وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض [ وكان الله غنيا حميدا ] ) كما قال تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لقومه : ( إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ) [ إبراهيم : 8 ] ، وقال ( فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ) [ التغابن : 6 ] أي : غني عن عباده ، ( حميد ) أي : محمود في جميع ما يقدره ويشرعه .
قوله تعالى {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} أي وإن لم يصطلحا بل تفرقا فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. وروي عن جعفر بن محمد أن رجلا شكا إليه الفقر، فأمره بالنكاح، فذهب الرجل وتزوج؛ ثم جاء إليه وشكا إليه الفقر، فأمره بالطلاق؛ فسئل عن هذه الآية فقال : أمرته بالنكاح لعله من أهل هذه الآية {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} فلما لم يكن من أهل تلك الآية أمرته بالطلاق فقلت : فلعله من أهل هذه الآية {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته}. قوله تعالى {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} أي الأمر بالتقوى كان عاما لجميع الأمم : وقد مضى القول في التقوى. {وإياكم} عطف على {الذين}. {أن اتقوا الله} في موضع نصب؛ قال الأخفش : أي بأن اتقوا الله. وقال بعض العارفين : هذه الآية هي رحى أي القرآن، لأن جميعه يدور عليها. قوله تعالى {وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا، ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا} إن قال قائل : ما فائدة هذا التكرير ؟ فعنه جوابان : أحدهما : أنه كرر تأكيدا؛ ليتنبه العباد وينظروا ما في ملكوته وملكه وأنه غني عن العالمين. الجواب الثاني : أنه كرر لفوائد : فأخبر في الأول أن الله تعالى يغني كلا من سعته؛ لأن له ما في السموات وما في الأرض فلا تنفد خزائنه. ثم قال : أوصيناكم وأهل الكتاب بالتقوى {وإن تكفروا} أي وإن تكفروا فإنه غني عنكم؛ لأن له ما في السموات وما في الأرض. ثم أعلم في الثالث بحفظ خلقه وتدبيره إياهم بقوله{وكفى بالله وكيلا} لأن له ما في السموات وما في الأرض. وقال {ما في السموات} ولم يقل من في السموات؛ لأنه ذهب به مذهب الجنس، وفي السموات والأرض من يعقل ومن لا يعقل.
ولله ملك ما في السموات وما في الأرض وما بينهما. ولقد عهدنا إلى الذين أُعطوا الكتاب من قبلكم من اليهود والنصارى، وعهدنا إليكم كذلك -يا أمة محمد- بتقوى الله تعالى، والقيام بأمره واجتناب نهيه، وبيَّنَّا لكم أنكم إن تجحدوا وحدانية الله تعالى وشرعه فإنه سبحانه غني عنكم؛ لأن له جميع ما في السموات والأرض. وكان الله غنيّاً عن خلقه، حميدًا في صفاته وأفعاله.
يخبر تعالى عن عموم ملكه العظيم الواسع المستلزم تدبيره بجميع أنواع التدبير، وتصرفه بأنواع التصريف قدرا وشرعا، فتصرفه الشرعي أن وصى الأولين والآخرين أهل الكتب السابقة واللاحقة بالتقوى المتضمنة للأمر والنهي، وتشريع الأحكام، والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب، والمعاقبة لمن أهملها وضيعها بأليم العذاب، ولهذا قال: { وَإِنْ تَكْفُرُوا ْ} بأن تتركوا تقوى الله، وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا، فإنكم لا تضرون بذلك إلا أنفسكم، ولا تضرون الله شيئا ولا تنقصون ملكه، وله عبيد خير منكم وأعظم وأكثر، مطيعون له خاضعون لأمره. ولهذا رتب على ذلك قوله: { وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ْ} له الجود الكامل والإحسان الشامل الصادر من خزائن رحمته التي لا ينقصها الإنفاق ولا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، لو اجتمع أهل السماوات وأهل الأرض أولهم وآخرهم، فسأل كل [واحد] منهم ما بلغت أمانيه ما نقص من ملكه شيئا، ذلك بأنه جواد واجد ماجد، عطاؤه كلام وعذابه كلام، إنما أمره لشيء إذا أراد أن يقول له كن فيكون. ومن تمام غناه أنه كامل الأوصاف، إذ لو كان فيه نقص بوجه من الوجوه، لكان فيه نوع افتقار إلى ذلك الكمال، بل له كل صفة كمال، ومن تلك الصفة كمالها، ومن تمام غناه أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا في ملكه ولا ظهيرا، ولا معاونا له على شيء من تدابير ملكه. ومن كمال غناه افتقار العالم العلوي والسفلي في جميع أحوالهم وشئونهم إليه وسؤالهم إياه جميع حوائجهم الدقيقة والجليلة، فقام تعالى بتلك المطالب والأسئلة وأغناهم وأقناهم، ومَنَّ عليهم بلطفه وهداهم. وأما الحميد فهو من أسماء الله تعالى الجليلة الدال على أنه [هو] المستحق لكل حمد ومحبة وثناء وإكرام، وذلك لما اتصف به من صفات الحمد، التي هي صفة الجمال والجلال، ولما أنعم به على خلقه من النِّعم الجزال، فهو المحمود على كل حال. وما أحسن اقتران هذين الاسمين الكريمين { الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ْ}!! فإنه غني محمود، فله كمال من غناه، وكمال من حمده، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر.
قوله تعالى : ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) عبيدا وملكا ( ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) يعني : أهل التوراة والإنجيل وسائر الأمم المتقدمة في كتبهم ، ( وإياكم ) أهل القرآن في كتابكم ، ( أن اتقوا الله ) أي : وحدوا الله وأطيعوه ، ( وإن تكفروا ) بما أوصاكم الله به ( فإن لله ما في السماوات وما في الأرض ) قيل : فإن لله ملائكة في السماوات والأرض هي أطوع له منكم ، ( وكان الله غنيا ) عن جميع خلقه غير محتاج إلى طاعتهم ، ( حميدا ) محمودا على نعمه .
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) للّه لفظ الجلالة مجرور باللام متعلقان بمحذوف خبر ما الموصولة في السموات متعلقان بمحذوف صلتها وما بعدها عطف (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ) فعل ماض وفاعله واسم الموصول مفعوله والجملة جواب القسم لسبقها بلام القسم والواو استئنافية (أُوتُوا الْكِتابَ) فعل ماض مبني للمجهول ونائب فاعله وهو المفعول الأول والكتاب مفعوله الثاني والجملة صلة الموصول (مِنْ قَبْلِكُمْ) متعلقان بأوتوا (وَإِيَّاكُمْ) ضمير نصب منفصل مبني على السكون في محل نصب معطوف على الذين (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) أن مصدرية وفعل أمر وفاعله ولفظ الجلالة مفعوله والمصدر المؤول في محل جر بحرف الجر أي: بتقوى اللّه وهما متعلقان بوصينا وقيل أن مفسرة (وَإِنْ تَكْفُرُوا) فعل الشرط مجزوم بحذف النون والواو فاعل وجواب الشرط محذوف تقديره: فلن تضروا اللّه شيئا.
وجملة (وَإِنْ تَكْفُرُوا) مقول القول لفعل محذوف أي وقلنا: إن تكفروا. وجملة القول معطوفة على جملة وصينا.
(فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) إن واسم الموصول اسمها ولفظ الجلالة مجرور باللام متعلقان بمحذوف خبرها وفي السموات متعلقان بمحذوف صلة الموصول. وما في الأرض عطف.
(وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً) سبق إعرابها.
Traslation and Transliteration:
Walillahi ma fee alssamawati wama fee alardi walaqad wassayna allatheena ootoo alkitaba min qablikum waiyyakum ani ittaqoo Allaha wain takfuroo fainna lillahi ma fee alssamawati wama fee alardi wakana Allahu ghaniyyan hameedan
Unto Allah belongeth whatsoever is in the heavens and whatsoever is in the earth. And We charged those who received the Scripture before you, and (We charge) you, that ye keep your duty toward Allah. And if ye disbelieve, lo! unto Allah belongeth whatsoever is in the heavens and whatsoever is in the earth, and Allah is ever Absolute, Owner of Praise.
Ve Allah'ındır ne varsa göklerde ve ne varsa yeryüzünde Andolsun ki sizden önce kendilerine kitap verilenlere de, size de Allah'tan çekinmenizi tavsiye ettik. Fakat kafir olursanız şüphe yok ki Allah'ındır ne varsa göklerde ve ne varsa yeryüzünde ve Allah, her şeyden müstağnidir ve övüş ona layıktır.
A Allah seul appartient tout ce qui est dans les cieux et sur la terre. «Craignez Allah!» Voilà ce que Nous avons enjoint à ceux auxquels avant vous le Livre fut donné, tout comme à vous-mêmes. Et si vous ne croyez pas (cela ne nuit pas à Allah, car) très certainement à Allah seul appartient tout ce qui est dans les cieux et sur la terre. Et Allah se suffit à Lui-même et Il est digne de louange.
ALLAH gehört alles, was in den Himmeln und was auf Erden ist. Und gewiß, bereits haben WIR denjenigen, denen die Schrift vor euch zuteil wurde, sowie euch angewiesen: "Handelt Taqwa gemäß ALLAH gegenüber! Und solltet ihr Kufr betreiben, so gehört ALLAH gewiß alles, was in den Himmeln und was auf Erden ist." Und ALLAH bleibt immer absolut autark, alllobenswürdig.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النساء (An-Nisaa - The Women) |
ترتيبها |
4 |
عدد آياتها |
176 |
عدد كلماتها |
3712 |
عدد حروفها |
15937 |
معنى اسمها |
(النُّـِسْوَةُ) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لفْظِهَا |
سبب تسميتها |
كَثْرَةُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ وَمَسَائِلِ الْأُسْرَّةِ وَالْمُجْتَمَعِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النِّسَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ الكُبْرَى) أَوْ (النِّسَاءِ الطُوْلَى) |
مقاصدها |
تَنْظِيمُ الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالعَلَاقَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النِّسَاءِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَحْكَامِ المَوَارِيثِ.
فقَالَ سُبْحَانَهُ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ ...١٧٥﴾... الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النِّسَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (آلِ عِمرَانَ):
اختُتِمَتْ (آلُ عِمْرَانَ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٢٠٠﴾ ، وَافْتُتِحَتِ (النِّسَاءُ) بِالأَمرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ...١﴾. |