«فإذا فرغت» من الصلاة «فانصب» اتعب في الدعاء.
وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
فإنه من قنع بالجهل وأساء الأدب ، فلا يزهد في الطلب ، ومن هنا أمره الحق أمرا حتما ، أن يقول : رب زدني علما ، فإن اللّه ما أراد منك في هذا الأمر إلا دوام الافتقار ، ووجود الاضطرار ، فلا تقطع المعاملة ، وعليك باستعمال المراسلة في طلب المواصلة ، مواصلة لا أمد لانقضائها ولا راد لقضائه
[ إشارة : «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ» : ]
-إشارة -كان شيخنا أبو مدين رحمه اللّه يقول في هذه الآية «فَإِذا فَرَغْتَ» من الأكوان «فَانْصَبْ» قلبك لمشاهدة الرحمن «وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ» في الدوام فإذا دخلت في عبادة فلا تحدث نفسك بالخروج منها ، وقل يا ليتها كانت القاضية
- إشارة -إذا أردت أيها المصلي أن يقبل كلامك
، ويتلقى بالترحيب سلامك ، فلا تدخل مصلاك ، حتى تعرف من تولاك ، وتتفرغ عن أهلك ودكانك ، وعمادك وسلطانك ، فإذا فرغت من الأكوان ، فانصب ذاتك لمشاهدة الرحمن ، وإلى ربك فارغب في الدوام ، إن أردت أن تفوز بلذة السلام .
(95) سورة التّين مكيّة
------------
(8) الفتوحات ج 4 /
350 - ج 1 /
629 - كتاب التنزلات الموصلية
وقوله : ( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ) أي : إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها ، فانصب في العبادة ، وقم إليها نشيطا فارغ البال ، وأخلص لربك النية والرغبة . ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته : " لا صلاة بحضرة طعام ، ولا وهو يدافعه الأخبثان " وقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء ، فابدءوا بالعشاء " .
قال مجاهد في هذه الآية : إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة ، فانصب لربك . وفي رواية عنه : إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك ، وعن ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . وعن ابن عياض نحوه . وفي رواية عن ابن مسعود : ( فانصب وإلى ربك فارغب ) بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( فإذا فرغت فانصب ) يعني : في الدعاء .
وقال زيد بن أسلم والضحاك : ( فإذا فرغت ) أي : من الجهاد ( فانصب ) أي : في العبادة .
قوله تعالى {فإذا فرغت} قال ابن عباس وقتادة : فإذا فرغت من صلاتك {فانصب} أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك. وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل. وقال الكلبي : إذا فرغت من تبليغ الرسالة {فانصب} أي استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات. وقال الحسن وقتادة أيضا : إذا فرغت من جهاد عدوك، فانصب لعبادة ربك. وعن مجاهد {فإذا فرغت} من دنياك، {فانصب} في صلاتك. ونحوه عن الحسن. وقال الجنيد : إذا فرغت من أمر الخلق، فاجتهد في عبادة الحق. قال ابن العربي ومن المبتدعة من قرأ هذه الآية {فانصب} بكسر الصاد، والهمز من أوله، وقالوا : معناه : انصب الإمام الذي تستخلفه. وهذا باطل في القراءة، باطل في المعنى؛ لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يستخلف أحدا. وقرأها بعض : الجهال {فانصب} بتشديد الباء، معناه : إذا فرغت من الجهاد، فجد في الرجوع إلى بلدك.. وهذا باطل أيضا قراءة، لمخالفة الإجماع، لكن معناه صحيح؛ لقوله صلى اللّه عليه وسلم : [السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته، فليعجل، الرجوع إلى أهله]. وأشد الناس عذابا وأسوأهم مباء ومآبا، من أخذ معنى صحيحا، فركب عليه من قبل نفسه قراءة أو حديثا، فيكون كاذبا على اللّه، كاذبا على رسول؛ {ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذبا}. قال المهدوي : وروي عن أبي جعفر المنصور : أنه قرأ {ألم نشرح لك صدرك} بفتح الحاء؛ وهو بعيد، وقد يؤول على تقدير النون الخفيفة، ثم أبدلت النون ألفا في الوقف، ثم حمل الوصل على الوقف، ثم حذف الألف. وأنشد عليه : اضرب عنك الهموم طارقها ** ضربك بالسوط قونس الفرس أراد : اضربن. وروي عن أبي السمال {فإذا فرغت} بكسر الراء، وهي لغة فيه. وقرئ {فرغب} أي فرغب الناس إلى ما عنده. الثانية: قال ابن العربي : روي عن شريح أنه مر بقوم يلعبون يوم عيد، فقال ما بهذا أمر الشارع. وفيه نظر، فإن الحبش كانوا يلعبون بالدرق والحراب في المسجد يوم العيد، والنبي صلى اللّه عليه وسلم ينظر. ودخل أبو بكر في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عائشة رضي اللّه عنها وعندها جاريتان من جواري الأنصار تغنيان؛ فقال أبو بكر : أبمزمور الشيطان في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ فقال : (دعهما يا أبا بكر، فإنه يوم عيد). وليس يلزم الدؤوب على العمل، بل هو مكراه للخلق.
فإذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها فَجِدَّ في العبادة، وإلى ربك وحده فارغب فيما عنده.
ثم أمر الله رسوله أصلًا، والمؤمنين تبعًا، بشكره والقيام بواجب نعمه، فقال: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } أي: إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة والدعاء.
( فإذا فرغت فانصب ) أي فاتعب ، والنصب : التعب ، قال ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل ، والكلبي : فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك .
[ وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال : إذا صليت فاجتهد في الدعاء والمسألة ] .
وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل .
وقال الشعبي : إذا فرغت من التشهد فادع ، لدنياك وآخرتك .
وقال الحسن وزيد بن أسلم : إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك .
وقال منصور عن مجاهد : إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربك وصل .
وقال حيان عن الكلبي : إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب ، أي : استغفر لذنبك وللمؤمنين .
(فَإِذا) الفاء حرف استئناف (إذا) ظرفية شرطية غير جازمة (فَرَغْتَ) ماض وفاعله والجملة في محل جر بالإضافة (فَانْصَبْ) الفاء رابطة وأمر فاعله مستتر والجملة جواب الشرط لا محل لها وجملة إذا.. مستأنفة.
Traslation and Transliteration:
Faitha faraghta fainsab
So when thou art relieved, still toil
Artık sen de ibadeti bitirince yorul.
Quand tu te libères, donc, lève-toi,
Also wenn du entlastet bist, so strenge dich an,
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الشرح (Al-Sharh - The Relief) |
ترتيبها |
94 |
عدد آياتها |
8 |
عدد كلماتها |
27 |
عدد حروفها |
102 |
معنى اسمها |
شَرَحَ الشَّيءَ: بَسَّطَهُ وَوَسَّعَهُ. وَالمُرَادُ (بِالشَّرْحِ): أَنَّ اللهَ شَرَحَ صَدْرَ نَبِيِّهِ ﷺ بِالْوَحْيِ، وَسَرَّهُ بِهِ، وَطَيَّبَ بِهِ نَفْسَهُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ صِفَةِ انْشِرَاحِ صَدْرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الشَّرْحِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿أَلَمۡ نَشۡرَحۡ﴾، وَسُورَةَ (الانْشِرَاح) |
مقاصدها |
بَيَانُ فَضْلِ النَّبِيِّ ﷺ، وَرِعَايَةُ اللهِ تَعَالَى لَهُ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنَّهَا مِنْ قِصَارِ المُفَصَّل |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الشَّرْحِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (الضُّحَى):السُّوَرَتَانِ مَوْضُوْعُهُمَا وَاحِدٌ عَنْ شَخْصِ النَّبِيِّ ﷺ |