المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البلد: [الآية 17]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة البلد | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10)
[ «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» الآية ]
أي بيّناهما له ، أي بيّنا له الطريقين ، فبان الصبح لذي عينين ، لما هداه النجدين ، وأقيم المكلف في الوسط ، فمنهم من أقسط ومنهم من قسط ، فالمقسط أخذ ذات اليمين ، فارتفع في عليين ، والقاسط أخذ ذات الشمال فنزل إلى سجين ، فما عدل بكل واحد سوى طريقه ، وطريقه ما خرج عن حكم تحقيقه ، فالطريق ساقه وقاده ، إما إلى شقاء وإما إلى سعادة ، فاعرف الطريق واختر الرفيق ، تنج من عذاب الحريق ، فإنه وإن كان المآل إلى السعادة في الدارين ، فإنه لا يعلم قدر ما قررناه إلا ذو عينين ، لا ذو عين واحدة ، ومن وقف بين النجدين فرأى غاية كل طريق ، فسلك طريق سعادته التي لا يتقدمها شقاء ، فإنها طريق سهلة بيضاء ، مثلي نقية لا شوب فيها ولا عوجا ولا أمتا ، والطريق الأخرى وإن كانت غايتها سعادة ، ولكن في الطريق مفاوز ومهالك وسباع عادية وحيات مضرة ، فلا يصل مخلوق إلى غايتها حتى يقاسي هذه الأهوال ، والطريقان متجاوران ، ينبعثان من أصل واحد ، وينتهيان إلى أصل واحد ، ويفترقان ما بين الأصلين ، ما بين البداية والغاية ، فيشاهد صاحب المحجة البيضاء ما في طريق صاحبه ، لأنه بصير وصاحبه أعمى ، فليس يرى الأعمى طريق البصير ، فيطرأ على البصير من مشاهدة تلك الآفات التي في طريق الأعمى مخاوف ، لما يرى من الأهوال ويتوهم في نفسه لو كان فيها ما يقاسيه ، ويرى الأعمى ليس عنده خبر من هذا كله لما هو عليه من العمى ، فلا يبصر شيئا فيسير ملتذا بسيره ، حتى يتردى في حفرة أو تلدغه حية من تلك الحيات ، فحينئذ يحس بالألم ويستغيث بصاحبه ، فمن الأصحاب من يغيثه ومن الأصحاب من يكون قد سبقه ، فلا يسمعه فيبقى مضطرا ما شاء اللّه فيرحمه اللّه فيسعده - وجه آخر - اعلم أن التجلي دائم لا حجاب عليه ، ولكن لا يعرف أنه هو ، وذلك أن اللّه لما خلق العالم أسمعه كلامه في حال عدمه ، وهو قوله كن ، وكان مشهودا له سبحانه ، ولم يكن الحق مشهودا له ، وكان على أعين الممكنات حجاب العدم ، لم يكن غيره ، فلا تدرك الموجود وهي معدومة ، كالنور ينفر الظلمة ، فإنه لا بقاء للظلمة مع وجود النور ، كذلك العدم والوجود ، فلما أمرها بالتكوين لإمكانها واستعداد قبولها سارعت لترى ما ثمّ ، لأن في قوتها الرؤية كما في قوتها السمع من حيث الثبوت لا من حيث الوجود ، فعند ما وجد الممكن انصبغ بالنور ، فزال العدم ، وفتح عينيه فرأى
الوجود الخير المحض ، فلم يعلم ما هو ، ولا علم أنه الذي أمره بالتكوين ، فأفاده التجلي علما بما رآه ، لا علما بأنه هو الذي أعطاه الوجود ، فلما انصبغ بالنور التفت على اليسار فرأى العدم فتحققه ، فإذا هو منبعث منه ، كالظل المنبعث من الشخص إذا قابله النور ، فقال : ما هذا ؟
فقال له النور من الجانب الأيمن : هذا هو أنت ، فلو كنت أنت النور لما ظهر للظل عين ، فأنا النور وأنا مذهبه ، ونورك الذي أنت عليه إنما هو من حيث ما يواجهني من ذاتك ، ذلك لتعلم أنك لست أنا ، فأنا النور بلا ظل ، وأنت النور الممتزج لإمكانك ، فإن نسبت إليّ قبلتك ، وإن نسبت إلى العدم قبلك ، فأنت بين الوجود والعدم ، وأنت بين الخير والشر ،
فإن أعرضت عن ظلك فقد أعرضت عن إمكانك ، وهو شهودك ظلك ، وإن أعرضت عن إمكانك جهلتني ولم تعرفني ، فإنه لا دليل لك على أني إلهك وربك وموجدك إلا إمكانك ، وهو شهودك ظلك ، وإن أعرضت عن نورك بالكلية ، ولم تزل مشاهدا ظلك لم تعلم أنه ظل إمكانك ، وتخيلت أنه ظل المحال ،
والمحال والواجب متقابلان من جميع الوجوه ، فإن دعوتك لم تجبني ولم تسمعني ، فإنه يصمك ذلك المشهود عن دعائي ، فلا تنظر إليه نظرا يفنيك عن ظلك ، فتدعي أنك أنا فتقع في الجهل ، ولا تنظر إلى ظلك نظرا يفنيك عني فإنه يورثك الصمم فتجهل ما خلقتك له ، فكن تارة وتارة ، وما خلق اللّه لك عينين إلا لتشهدني بالواحدة ، وتشهد ظلك بالعين الأخرى ، وقد قلت لك في معرض الامتنان «لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» أي بيّنا له الطريقين ، طريق النور والظل «إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً» فإن العدم المحال ظلمة ، وعدم الممكن ظل لا ظلمة ، ولهذا في الظل راحة الوجود .
------------
(10) الفتوحات ج 3 / 239 ، 470- ج 4 / 375 - ج 3 / 418 - ج 2 / 303تفسير ابن كثير:
وقوله : ( ثم كان من الذين آمنوا ) أي : ثم هو مع هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة مؤمن بقلبه ، محتسب ثواب ذلك عند الله - عز وجل - . كما قال تعالى : ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ) [ الإسراء : 19 ] وقال ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ) الآية [ النحل : 97 ] .
وقوله : ( وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) أي : كان من المؤمنين العاملين صالحا ، المتواصين بالصبر على أذى الناس ، وعلى الرحمة بهم . كما جاء في الحديث : " الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وفي الحديث الآخر : " لا يرحم الله من لا يرحم الناس " .
وقال أبو داود : حدثنا [ أبو بكر ] بن أبي شيبة ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن ابن عامر عن عبد الله بن عمرو - يرويه - قال : " من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا ، فليس منا " .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا } أي: آمنوا بقلوبهم بما يجب الإيمان به، وعملوا الصالحات بجوارحهم. من كل قول وفعل واجب أو مستحب. { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } على طاعة الله وعن معصيته، وعلى أقدار المؤلمة بأن يحث بعضهم بعضًا على الانقياد لذلك، والإتيان به كاملًا منشرحًا به الصدر، مطمئنة به النفس.
{ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } للخلق، من إعطاء محتاجهم، وتعليم جاهلهم، والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه، ومساعدتهم على المصالح الدينية والدنيوية، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.
تفسير البغوي
"ثم كان من الذين آمنوا"، بين أن هذه القرب إنما تنفع مع الإيمان. وقيل: ثم بمعنى الواو، "وتواصوا"، أوصى بعضهم بعضاً، "بالصبر"، على فرائض الله وأوامره، "وتواصوا بالمرحمة"، برحمة الناس.
الإعراب:
(ثُمَّ) حرف عطف (كانَ) ماض ناقص اسمه مستتر (مِنَ الَّذِينَ) متعلقان بمحذوف خبر كان، والجملة معطوفة على ما قبلها (آمَنُوا) ماض وفاعله والجملة صلة (وَتَواصَوْا) معطوف على آمنوا (بِالصَّبْرِ) متعلقان بالفعل (وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) معطوفة على ما قبلها.