المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة البلد: [الآية 14]
سورة البلد | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10)
[ «وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» الآية ]
أي بيّناهما له ، أي بيّنا له الطريقين ، فبان الصبح لذي عينين ، لما هداه النجدين ، وأقيم المكلف في الوسط ، فمنهم من أقسط ومنهم من قسط ، فالمقسط أخذ ذات اليمين ، فارتفع في عليين ، والقاسط أخذ ذات الشمال فنزل إلى سجين ، فما عدل بكل واحد سوى طريقه ، وطريقه ما خرج عن حكم تحقيقه ، فالطريق ساقه وقاده ، إما إلى شقاء وإما إلى سعادة ، فاعرف الطريق واختر الرفيق ، تنج من عذاب الحريق ، فإنه وإن كان المآل إلى السعادة في الدارين ، فإنه لا يعلم قدر ما قررناه إلا ذو عينين ، لا ذو عين واحدة ، ومن وقف بين النجدين فرأى غاية كل طريق ، فسلك طريق سعادته التي لا يتقدمها شقاء ، فإنها طريق سهلة بيضاء ، مثلي نقية لا شوب فيها ولا عوجا ولا أمتا ، والطريق الأخرى وإن كانت غايتها سعادة ، ولكن في الطريق مفاوز ومهالك وسباع عادية وحيات مضرة ، فلا يصل مخلوق إلى غايتها حتى يقاسي هذه الأهوال ، والطريقان متجاوران ، ينبعثان من أصل واحد ، وينتهيان إلى أصل واحد ، ويفترقان ما بين الأصلين ، ما بين البداية والغاية ، فيشاهد صاحب المحجة البيضاء ما في طريق صاحبه ، لأنه بصير وصاحبه أعمى ، فليس يرى الأعمى طريق البصير ، فيطرأ على البصير من مشاهدة تلك الآفات التي في طريق الأعمى مخاوف ، لما يرى من الأهوال ويتوهم في نفسه لو كان فيها ما يقاسيه ، ويرى الأعمى ليس عنده خبر من هذا كله لما هو عليه من العمى ، فلا يبصر شيئا فيسير ملتذا بسيره ، حتى يتردى في حفرة أو تلدغه حية من تلك الحيات ، فحينئذ يحس بالألم ويستغيث بصاحبه ، فمن الأصحاب من يغيثه ومن الأصحاب من يكون قد سبقه ، فلا يسمعه فيبقى مضطرا ما شاء اللّه فيرحمه اللّه فيسعده - وجه آخر - اعلم أن التجلي دائم لا حجاب عليه ، ولكن لا يعرف أنه هو ، وذلك أن اللّه لما خلق العالم أسمعه كلامه في حال عدمه ، وهو قوله كن ، وكان مشهودا له سبحانه ، ولم يكن الحق مشهودا له ، وكان على أعين الممكنات حجاب العدم ، لم يكن غيره ، فلا تدرك الموجود وهي معدومة ، كالنور ينفر الظلمة ، فإنه لا بقاء للظلمة مع وجود النور ، كذلك العدم والوجود ، فلما أمرها بالتكوين لإمكانها واستعداد قبولها سارعت لترى ما ثمّ ، لأن في قوتها الرؤية كما في قوتها السمع من حيث الثبوت لا من حيث الوجود ، فعند ما وجد الممكن انصبغ بالنور ، فزال العدم ، وفتح عينيه فرأى
الوجود الخير المحض ، فلم يعلم ما هو ، ولا علم أنه الذي أمره بالتكوين ، فأفاده التجلي علما بما رآه ، لا علما بأنه هو الذي أعطاه الوجود ، فلما انصبغ بالنور التفت على اليسار فرأى العدم فتحققه ، فإذا هو منبعث منه ، كالظل المنبعث من الشخص إذا قابله النور ، فقال : ما هذا ؟
فقال له النور من الجانب الأيمن : هذا هو أنت ، فلو كنت أنت النور لما ظهر للظل عين ، فأنا النور وأنا مذهبه ، ونورك الذي أنت عليه إنما هو من حيث ما يواجهني من ذاتك ، ذلك لتعلم أنك لست أنا ، فأنا النور بلا ظل ، وأنت النور الممتزج لإمكانك ، فإن نسبت إليّ قبلتك ، وإن نسبت إلى العدم قبلك ، فأنت بين الوجود والعدم ، وأنت بين الخير والشر ،
فإن أعرضت عن ظلك فقد أعرضت عن إمكانك ، وهو شهودك ظلك ، وإن أعرضت عن إمكانك جهلتني ولم تعرفني ، فإنه لا دليل لك على أني إلهك وربك وموجدك إلا إمكانك ، وهو شهودك ظلك ، وإن أعرضت عن نورك بالكلية ، ولم تزل مشاهدا ظلك لم تعلم أنه ظل إمكانك ، وتخيلت أنه ظل المحال ،
والمحال والواجب متقابلان من جميع الوجوه ، فإن دعوتك لم تجبني ولم تسمعني ، فإنه يصمك ذلك المشهود عن دعائي ، فلا تنظر إليه نظرا يفنيك عن ظلك ، فتدعي أنك أنا فتقع في الجهل ، ولا تنظر إلى ظلك نظرا يفنيك عني فإنه يورثك الصمم فتجهل ما خلقتك له ، فكن تارة وتارة ، وما خلق اللّه لك عينين إلا لتشهدني بالواحدة ، وتشهد ظلك بالعين الأخرى ، وقد قلت لك في معرض الامتنان «لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» أي بيّنا له الطريقين ، طريق النور والظل «إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً» فإن العدم المحال ظلمة ، وعدم الممكن ظل لا ظلمة ، ولهذا في الظل راحة الوجود .
------------
(10) الفتوحات ج 3 / 239 ، 470- ج 4 / 375 - ج 3 / 418 - ج 2 / 303تفسير ابن كثير:
وقوله : ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة ) قال ابن عباس : ذي مجاعة . وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وغير واحد . والسغب : هو الجوع .
وقال إبراهيم النخعي : في يوم الطعام فيه عزيز .
وقال قتادة : في يوم يشتهى فيه الطعام .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ } أي: مجاعة شديدة، بأن يطعم وقت الحاجة أشد الناس حاجة.
تفسير البغوي
" فك رقبة * أو إطعام "قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي : " فك " بفتح الكاف ، " رقبة " نصب ، " أو أطعم " بفتح الهمزة والميم على الماضي . وقرأ الآخرون " فك " برفع الكاف ، " رقبة " جرا ، " أو إطعام " [ بكسر الهمزة ، فألف بعد العين ، ورفع الميم منونة ] على المصدر .
وأراد بفك الرقبة إعتاقها وإطلاقها ، ومن أعتق رقبة كانت فداءه من النار .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، حدثنا أبو جعفر بن محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، حدثني ابن الهاد ، عن عمر بن علي بن حسين ، عن سعيد بن مرجانة قال : سمعته يحدث عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار ، حتى يعتق فرجه بفرجه " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا محمد بن كثير العبدي ، حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السلمي ، عن طلحة بن مصرف اليامي ، عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال : جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة ، قال : " لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة ، أعتق النسمة وفك الرقبة " ، قال : قلت : أوليسا واحدا ؟ قال : " لا عتق النسمة : أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة : أن تعين في ثمنها ، والمنحة الوكوف وأنفق على ذي الرحم الظالم ، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير " .
وقال عكرمة قوله : " فك رقبة " ، يعني فك رقبة من الذنوب بالتوبة " أو إطعام في يوم ذي مسغبة " ، مجاعة ، يقال : سغب يسغب سغبا إذا جاع .
الإعراب:
(أَوْ) حرف عطف (إِطْعامٌ) معطوف على فك (فِي يَوْمٍ) متعلقان بما قبلهما (ذِي) صفة يوم (مَسْغَبَةٍ) مضاف إليه.