«ألم ترَ» تعلم يا محمد «كيف فعل ربك بعاد».
فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29)
فلم تنسب ولا انتمت إلى غيره ، ممن اتخذ إلهه هواه .
------------
(29 - 30) الفتوحات ج 2 /
396 - كتاب التدبيرات
ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد ) وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين ، خارجين عن طاعته مكذبين لرسله ، جاحدين لكتبه . فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم ، وجعلهم أحاديث وعبرا ، فقال : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ) وهؤلاء عاد الأولى ، وهم أولاد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح ، قاله ابن إسحاق وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا ، عليه السلام ، فكذبوه وخالفوه ، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم ، وأهلكهم بريح صرصر عاتية ، ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية ) [ الحاقة : 7 ، 8 ] وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع ، ليعتبر بمصرعهم المؤمنون .
قوله تعالى {ألم تر كيف فعل ربك} أي مالكك وخالقك. {بعاد} قراءة العامة {بعادٍ} منونا. وقرأ الحسن وأبو العالية {بعاد إرم} مضافا. فمن لم يضف جعل {إرم} اسمه، ولم يصرفه؛ لأنه جعل عادا اسم أبيهم، وإرم اسم القبيلة؛ وجعله بدلا منه، أو عطف بيان. ومن قرأه بالإضافة ولم يصرفه جعله اسم أمهم، أو اسم بلدتهم. وتقديره : بعاد أهل إرم. كقوله {واسأل القرية}[
يوسف : 82] ولم تنصرف - قبيلة كانت أو أرضا - للتعريف والتأنيث. وقراءة العامة {إرم} بكسر الهمزة. وعن الحسن أيضا {بعادَ إرَمَ} مفتوحتين، وقرئ {بعاد إِرْمَ} بسكون الراء، على التخفيف؛ كما قرئ {بورِقكم}. وقرئ {بعادٍ إرَمَ ذات العماد} بإضافة {إرم} - إلى - {ذات العماد}. والإرم : العلم. أي بعاد أهل ذات العلم. وقرئ {بعادٍ إرَمَ ذات العماد} أي جعل اللّه ذات العماد رميما. وقرأ مجاهد والضحاك وقتادة {أَرَمَ} بفتح الهمزة. قال مجاهد : من قرأ بفتح الهمزة شبههم بالآرام، التي هي الأعلام، واحدها : أرم. وفي الكلام تقديم وتأخير؛ أي والفجر وكذا وكذا إن ربك لبالمرصاد ألم تر. أي ألم ينته علمك إلى ما فعل ربك بعاد. وهذه الرؤية رؤية القلب، والخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم، والمراد عام. وكان أمر عاد وثمود عندهم مشهورا؛ إذ كانوا في بلاد العرب، وحِجر ثمود موجود اليوم. وأمر فرعون كانوا يسمعونه من جيرانهم من أهل الكتاب، واستفاضت به الأخبار، وبلاد فرعون متصلة بأرض العرب. وقد تقدم هذا المعنى في سورة [البروج] وغيرها {بعاد} أي بقوم عاد. فروى شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراع من حجارة، ولو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلوه، وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها. و{إرم} قيل هو سام بن نوح؛ قاله ابن إسحاق. وروى عطاء عن ابن عباس - وحكى عن ابن إسحاق أيضا - قال : عاد بن إرم. فإرم على هذا أبو عاد، وعاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح. وعلى القول الأول : هو اسم جد عاد. قال ابن إسحاق : كان سام بن نوح له أولاد، إرم بن سام، وأرفخشذ بن سام. فمن ولد إرم بن سام العمالقة والفراعنة والجبابرة والملوك الطغاة والعصاة. وقال مجاهد {إرم} أمة من الأمم. وعنه أيضا : أن معنى إرم : القديمة، ورواه ابن أبي نجيح. وعن مجاهد أيضا أن معناها القوية. وقال قتادة : هي قبيلة من عاد. وقيل : هما عادان. فالأولى هي إرم؛ قال اللّه عز وجل {وأنه أهلك عادا الأولى}[
النجم : 50]. فقيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح : عاد؛ كما يقال لبني هاشم : هاشم. ثم قيل للأولين منهم : عاد الأولى، وإرم : تسمية لهم باسم جدهم. ولمن بعدهم : عاد الأخيرة. قال ابن الرقيات : مجدا تليدا بناه أولهم ** أدرك عادا وقبله إرما وقال معمر{إرم} : إليه مجمع عاد وثمود. وكان يقال : عاد إرم، وعاد ثمود. وكانت القبائل تنتسب إلى إرم. {ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد} قال ابن عباس في رواية عطاء : كان الرجل منهم طوله خمسمائة ذراع، والقصير منهم طول ثلثمائة ذراع بذراع نفسه. وروي عن ابن عباس أيضا أن طول الرجل منهم كان سبعين ذراعا. ابن العربي : وهو باطل؛ لأن في الصحيح : [إن اللّه خلق آدم طوله ستون ذراعا في الهواء، فلم يزل الخلق ينقص إلى الآن]. وزعم قتادة : أن طول الرجل منهم اثنا عشر ذراعا. قال أبو عبيدة {ذات العماد} ذات الطول. يقال : رجل معمد إذا كان طويلا. ونحوه عن ابن عباس ومجاهد. وعن قتادة أيضا : كانوا عمادا لقومهم؛ يقال : فلان عميد القوم وعمودهم : أي سيدهم. وعنه أيضا : قيل لهم ذلك، لأنهم كانوا ينتقلون بأبياتهم للانتجاع، وكانوا أهل خيام وأعمدة، ينتجعون الغيوث، ويطلبون الكلأ، ثم يرجعون إلى منازلهم. وقيل {ذات العماد} أي ذات الأبنية المرفوعة على العمد. وكانوا ينصبون الأعمدة، فيبنون عليها القصور. قال ابن زيد {ذات العماد} يعني إحكام البنيان بالعمد. وفي الصحاح : والعماد : الأبنية الرفيعة، تذكر وتؤنث. قال عمرو بن كلثوم : ونحن اذا عماد الحي خرت ** على الأحفاض نمنع من يلينا والواحدة عمادة. وفلان طويل العماد : إذا كان منزل معلما لزائره. والأحفاض : جمع حفض - بالتحريك - وهو متاع البيت إذا هيئ ليحمل؛ أي خرت على المتاع. ويروى؛ عن الأحفاض أي خرت عن الإبل التي تحمل خرثي البيت. وقال الضحاك {ذات العماد} ذات القوة والشدة، مأخوذ من قوة الأعمدة؛ دليله قوله تعالى {وقالوا من أشد منا قوة}[
فصلت : 15]. وروى عوف عن خالد الربعي {إرم ذات العماد} قال : هي دمشق. وهو قول عكرمة وسعيد المقبري. رواه ابن وهب وأشهب عن مالك. وقال محمد بن كعب القرظي : هي الإسكندرية.
ألم تر -أيها الرسول- كيف فعل ربُّك بقوم عاد، قبيلة إرم، ذات القوة والأبنية المرفوعة على الأعمدة، التي لم يُخلق مثلها في البلاد في عِظَم الأجساد وقوة البأس؟
يقول تعالى: { أَلَمْ تَرَ } بقلبك وبصيرتك كيف فعل بهذه الأمم الطاغية
واعترض بين القسم وجوابه قوله - عز وجل - : ( ألم تر ) قال الفراء : ألم تخبر ؟ وقال الزجاج : ألم تعلم ؟ ومعناه التعجب . ( كيف فعل ربك بعاد)
(أَلَمْ تَرَ) الهمزة حرف استفهام تقريري ومضارع مجزوم بلم والفاعل مستتر والجملة مستأنفة لا محل لها (كَيْفَ) اسم استفهام حال (فَعَلَ رَبُّكَ) ماض وفاعله (بِعادٍ) متعلقان بالفعل والجملة الفعلية سدت مسد مفعولي تر.
Traslation and Transliteration:
Alam tara kayfa faAAala rabbuka biAAadin
Dost thou not consider how thy Lord dealt with (the tribe of) A'ad,
Görmedin mi Rabbin neler yaptı Âd'a?
N'as-tu pas vu comment ton Seigneur a agi avec les 'Aad
Sahst du etwa nicht, wie dein HERR verfuhr mit 'Aad,
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الفجر (Al-Fajr - The Dawn) |
ترتيبها |
89 |
عدد آياتها |
30 |
عدد كلماتها |
139 |
عدد حروفها |
573 |
معنى اسمها |
الْفَجْرُ: ضَوْءُ الصُّبْحِ، وَالمُرَادُ (بِالْفَجْرِ): وَقْتُ طُلُوعِهِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِالقَسَمِ (بِالْفَجْرِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الْفَجْرِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ وَصِفَاتِهِ وَمَآلِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
لمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنَّهَا مِنْ أَوسَاطِ المُفَصَّل |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الفَجْرِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (الغَاشِيَةِ):لَمَّا جَاءَ فِي أَوَاخِرِ (الْغاَشِيَةِ) الْأَمْرُ بِالتَّذْكِيرِ بِقَولِهِ: ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ٢١﴾؛ ضَرَبَ لَهُ مَثَلًا لِلتَّذْكِيرِ بِالأَقوَامِ السَّابِقِينَ فِي أَوَائِلِ (الْفَجْرِ) فَقَالَ: ﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦﴾... الآيَاتِ |