«يخرج من بين الصلب» للرجل «والترائب» للمرأة وهي عظام الصدر.
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15)
الكيد من كاد يكيد ، أي كاد يقارب الحق ، فقال تعالى «إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً» أي يقاربون الحق فيما يظهر لكم ، وكاد من أفعال المقاربة ،
تقول العرب : كاد العروس يكون أميرا ؛ أي قارب أن يكون أميرا ، وكاد أن يكون حقا لظهوره بصفة حق ، فقال تعالى :
[ سورة الطارق (86) : الآيات 16 إلى 17 ]
وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17)
(87) سورة الاعلى مكيّة
------------
(15) الفتوحات ج 2 /
576 ، 530
قال شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( يخرج من بين الصلب والترائب ) صلب الرجل وترائب المرأة ، أصفر رقيق ، لا يكون الولد إلا منهما . وكذا قال سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة والسدي ، وغيرهم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، عن مسعر : سمعت الحكم ذكر عن ابن عباس : ( يخرج من بين الصلب والترائب ) قال : هذه الترائب . ووضع يده على صدره .
وقال الضحاك وعطية ، عن ابن عباس : تريبة المرأة موضع القلادة . وكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جبير . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الترائب : بين ثدييها .
وعن مجاهد : الترائب ما بين المنكبين إلى الصدر . وعنه أيضا : الترائب أسفل من التراقي . وقال سفيان الثوري : فوق الثديين . وعن سعيد بن جبير : الترائب أربعة أضلاع من هذا الجانب الأسفل .
وعن الضحاك : الترائب بين الثديين والرجلين والعينين .
وقال الليث بن سعد عن معمر بن أبي حبيبة المدني : أنه بلغه في قول الله - عز وجل - : ( يخرج من بين الصلب والترائب ) قال : هو عصارة القلب ، من هناك يكون الولد .
وعن قتادة : ( يخرج من بين الصلب والترائب ) من بين صلبه ونحره .
قوله تعالى {فلينظر الإنسان} أي ابن آدم {مم خلق} وجه الاتصال بما قبله توصية الإنسان بالنظر في أول أمره، وسنته الأولى، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه؛ فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبة أمره. و{مم خلق}؟ استفهام؛ أي من أي شيء خلق؟ ثم قال {خلق} وهو جواب الاستفهام {من ماء دافق} أي من المني. والدفق : صب الماء، دفقت الماء أدفقه دفقا : صببته، فهو ماء دافق، أي مدفوق، كما قالوا : سر كاتم : أي مكتوم؛ لأنه من قولك : دفق الماء، على ما لم يسم فاعله. ولا يقال : دفق الماء. ويقال : دفق اللّه روحه : إذا دعي عليه بالموت. قال الفراء والأخفش {من ماء دافق} أي مصبوب في الرحم، الزجاج : من ماء ذي اندفاق. يقال : دارع وفارس ونابل؛ أي ذو فرس، ودرع، ونبل. وهذا مذهب سيبويه. فالدافق هو المندفق بشدة قوته. وأراد ماءين : ماء الرجل وماء المرأة؛ لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما. وعن عكرمة عن ابن عباس {دافق} لزج. {يخرج} أي هذا الماء {من بين الصلب} أي الظهر. وفيه لغات أربع : صلب، وصلب - وقرئ بهما - وصلب بفتح اللام، وصالب على وزن قالب؛ ومنه قول العباس : تنقل من صالب إلى رحم {والترائب} أي الصدر، الواحدة : تريبة؛ وهي موضع القلادة من الصدر. قال : مهفهفة بيضاء غير مفاضة ** ترائبها مصقولة كالسجنجل والصلب من الرجل، والترائب من المرأة. قال ابن عباس : الترائب : موضع القلادة. وعنه : ما بين ثدييها؛ وقال عكرمة. وروي عنه : يعني ترائب المرأة : اليدين والرجلين والعينين؛ وبه قال الضحاك. وقال سعيد بن جبير : هو الجيد. مجاهد : هو ما بين المنكبين والصدر عنه : الصدر. وعنه : التراقي. وعن ابن جبير عن ابن عباس : الترائب : أربع أضلاع من هذا الجانب. وحكى الزجاج : أن الترائب أربع أضلاع من يمنة الصدر، وأربع أضلاع من يسرة الصدر. وقال معمر بن أبي حبيبة المدني : الترائب عصارة القلب؛ ومنها يكون الولد. والمشهور من كلام العرب : أنها عظام الصدر والنحر. وقال دريد بن الصمة : فإن تدبروا نأخذكم في ظهوركم ** وإن تقبلوا نأخذكم في الترائب وقال آخر : وبدت كأن ترائبا من نحرها ** جمر الغضى في ساعد تتوقد وقال آخر : والزعفران على ترائبها ** شرق به اللبات والنحر وعن عكرمة : الترائب : الصدر؛ ثم أنشد : نظام در على ترائبها وقال ذو الرمة : ضرجن البرود عن ترائب حرة أي شققن. ويروي {ضرحن} بالخاء، أي ألقين. وفي الصحاح : والتربية : واحدة الترائب، وهي عظام الصدر؛ ما بين الترقوة والثندوة. قال الشاعر : أشرف ثدياها على التريب وقال المثقب العبدي : ومن ذهب يسن على تريب ** كلون العاج ليس بذي غضون [عن غير الجوهري : الثندوة للرجل : بمنزلة الثدي للمرأة. وقال الأصمعي : مغرز الثدي. وقال ابن السكيت : هي اللحم الذي حول الثدي؛ إذا ضممت أولها همزت، وإذا فتحت لم تهمز]. وفي التفسير : يخلق من ماء الرجل الذي يخرج من صلبه العظم والعصب. ومن ماء المرأة الذي يخرج من ترائبها اللحم والدم؛ وقال الأعمش. وقد تقدم مرفوعا في أول سورة [آل عمران] . والحمد لله - وفي [الحجرات] {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى}[الحجرات : 31] وقد تقدم. وقيل : إن ماء الرجل ينزل من الدماغ، ثم يجتمع في الأنثيين. وهذا لا يعارض قوله {من بين الصلب}؛ لأنه إن نزل من الدماغ، فإنما يمر بين الصلب والترائب. وقال قتادة : المعنى ويخرج من صلب الرجل وترائب المرأة. وحكى الفراء أن مثل هذا يأتي عن العرب؛ وعليه فيكون معنى من بين الصلب : من الصلب. وقال الحسن : المعنى : يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل، ومن صلب المرأة وترائب المرأة. ثم إنا نعلم أن النطفة من جميع أجزاء البدن؛ ولذلك يشبه الرجل والديه كثيرا. وهذه الحكمة في غسل جميع الجسد من خروج المني. وأيضا المكثر من الجماع يجد وجعا في ظهره وصلبه؛ وليس ذلك إلا لخلو صلبه عما كان محتبسا من الماء. وروى إسماعيل عن أهل مكة {يخرج من بين الصلُب} بضم اللام. ورويت عن عيسى الثقفي. حكاه المهدوي وقال : من جعل المني يخرج من بين صلب الرجل وترائبه، فالضمير في {يخرج} للماء. ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة، فالضمير للإنسان. وقرئ {الصلب}، بفتح الصاد واللام. وفيه أربع لغات : صلب وصلب وصلب وصالب. قال العجاج : في صلب مثل العنان المؤدم وفي مدح النبي صلى اللّه عليه وسلم : تنقل من صالب إلى رحم الأبيات مشهورة معروفة. {إنه} أي إن اللّه جل ثناؤه {على رجعه} أي على رد الماء في الإحليل، {لقادر} كذا قال مجاهد والضحاك. وعنهما أيضا أن المعنى : إنه على رد الماء في الصلب؛ وقال عكرمة. وعن الضحاك أيضا أن المعنى : إنه على رد الإنسان ماء كما كان لقادر. وعنه أيضا أن المعنى : إنه على رد الإنسان من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الكبر، لقادر. وكذا في المهدوي. وفي الماوردي والثعلبي : إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة. وقال ابن زيد : إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج، لقادر. وقال ابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة أيضا : إنه على رد الإنسان بعد الموت لقادر. وهو اختيار الطبري. الثعلبي : وهو الأقوى؛ لقوله تعالى {يوم تبلى السرائر}[
الطارق : 9] قال الماوردي : ويحتمل أنه على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة؛ لأن الكفار يسألون اللّه تعالى فيها الرجعة.
فلينظر الإنسان المنكر للبعث مِمَّ خُلِقَ؟ ليعلم أن إعادة خلق الإنسان ليست أصعب من خلقه أوّلا خلق من منيٍّ منصبٍّ بسرعة في الرحم، يخرج من بين صلب الرجل وصدر المرأة. إن الذي خلق الإنسان من هذا الماء لَقادر على رجعه إلى الحياة بعد الموت.
المني الذي { يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } يحتمل أنه من بين صلب الرجل وترائب المرأة، وهي ثدياها.
ويحتمل أن المراد المني الدافق، وهو مني الرجل، وأن محله الذي يخرج منه ما بين صلبه وترائبه، ولعل هذا أولى، فإنه إنما وصف الله به الماء الدافق، والذي يحس [به] ويشاهد دفقه، هو مني الرجل، وكذلك لفظ الترائب فإنها تستعمل في الرجل، فإن الترائب للرجل، بمنزلة الثديين للأنثى، فلو أريدت الأنثى لقال: " من بين الصلب والثديين " ونحو ذلك، والله أعلم.
( يخرج من بين الصلب والترائب ) يعني صلب الرجل وترائب المرأة ، و " الترائب " جمع التريبة ، وهي عظام الصدر والنحر . قال ابن عباس : هي موضع القلادة من الصدر . وروى الوالبي عنه : بين ثديي المرأة . وقال قتادة : النحر . وقال ابن زيد : الصدر .
(يَخْرُجُ) مضارع فاعله مستتر والجملة صفة ثانية لماء (مِنْ بَيْنِ) متعلقان بالفعل (الصُّلْبِ) مضاف إليه (وَالتَّرائِبِ) معطوف عليه.
Traslation and Transliteration:
Yakhruju min bayni alssulbi waalttaraibi
That issued from between the loins and ribs.
Belden çıkar ve kaburga kemiklerinin arasından.
sortie d'entre les lombes et les côtes.
die von zwischen Rückgrat und Rippen herauskommt.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الطارق (At-Tariq - The Nightcommer) |
ترتيبها |
86 |
عدد آياتها |
17 |
عدد كلماتها |
61 |
عدد حروفها |
249 |
معنى اسمها |
(الطَّارِقُ): النَّجْمُ الْمُضِيءُ الْمُتَوَهِجُ الَّذِي يَطْلُعُ لَيْلًا |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الطَّارِقِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الطَّارِقِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ﴾ |
مقاصدها |
إِثْبَاتُ عَقِيدَةِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَإِظْهَارُ نِعْمَةِ الْخَلْقِ عَلَى الْإِنْسَانِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
خَصَّهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَات، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ في الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بـ ﴿وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ﴾، ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ﴾، وَنَحْوِهِمَا مِنَ السُّوَرِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الطَارِقِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (البُرُوجْ):لَمَّا وَصَفَ اللهُ تَعَالَى فِي (الْبُرُوجِ) السَّمَاءَ ذَاتَ الْمَنَازلِ لِلْكَوَاكِبِ وَالنُّجُومِ، نَاسَبَ ذِكْرَ نَجْمِ (الطَّارِقِ) بَعْدَهَا، وَهُوَ فِي تِلْكَ الْمَنَازِلِ |