«إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان» الذين «لا يستطيعون حيلة» لا قوة لهم على الهجرة ولا نفقة «ولا يهتدون سبيلا» طريقا إلى أرض الهجرة.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
------------
(174) الفتوحات ج 4 /
352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 /
94 - ج 2 /
107
وقوله : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) هذا عذر من الله تعالى لهؤلاء في ترك الهجرة ، وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين ، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق ، ولهذا قال : ( لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) قال مجاهد وعكرمة ، والسدي : يعني طريقا .
المراد بها جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم أقاموا مع قومهم وفتن منهم جماعة فافتتنوا، فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار؛ فنزلت الآية. وقيل : إنهم لما استحقروا عدد المسلمين دخلهم شك في دينهم فارتدوا فقتلوا على الردة؛ فقال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا على الخروج فاستغفروا لهم؛ فنزلت الآية. والأول أصح. روى البخاري عن محمد بن عبد الرحمن قال : قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته فنهاني عن ذلك أشد النهي، ثم قال : أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل؛ فأنزل الله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}. قوله تعالى: {توفاهم الملائكة} يحتمل أن يكون فعلا ماضيا لم يستند بعلامة تأنيث، إذ تأنيث لفظ الملائكة غير حقيقي، ويحتمل أن يكون فعلا مستقبلا على معنى تتوفاهم؛ فحذفت إحدى التاءين. وحكى ابن فورك عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار. وقيل : تقبض أرواحهم؛ وهو أظهر. وقيل : المراد بالملائكة ملك الموت؛ لقوله تعالى{قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم} [
السجدة : 11]. و {ظالمي أنفسهم} نصب على الحال؛ أي في حال ظلمهم أنفسهم، والمراد ظالمين أنفسهم فحذف النون استخفافا وأضاف؛ كما قال تعالى: {هديا بالغ الكعبة} [
المائدة : 95]. وقول الملائكة {فيم كنتم} سؤال تقريع وتوبيخ، أي أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين ! وقول هؤلاء: {كنا مستضعفين في الأرض} يعني مكة، اعتذار غير صحيح؛ إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبيل، ثم وقفتهم الملائكة على دينهم بقولهم {ألم تكن أرض الله واسعة}. ويفيد هذا السؤال والجواب أنهم ماتوا مسلمين ظالمين لأنفسهم في تركهم الهجرة، وإلا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا، وإنما أضرب عن ذكرهم في الصحابة لشدة ما واقعوه، ولعدم تعين أحدهم بالإيمان، واحتمال ردته. والله أعلم. ثم استثنى تعالى منهم من الضمير الذي هو الهاء والميم في {مأواهم} من كان مستضعفا حقيقة من زمنى الرجال وضعفة النساء والولدان؛ كعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام وغيرهم الذين دعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس : كنت أنا وأمي ممن عنى الله بهذه الآية؛ وذلك أنه كان من الولدان إذ ذاك، وأمه هي أم الفضل بنت الحارث واسمها لبابة، وهي أخت ميمونة، وأختها الأخرى لبابة الصغرى، وهن تسع أخوات قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهن : (الأخوات مؤمنات ) ومنهن سلمى والعصماء وحفيدة ويقال في حفيدة : أم حفيد، واسمها هزيلة. هن ست شقائق وثلاث لأم؛ وهن سلمى، وسلامة، وأسماء. بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب، ثم امرأة أبي بكر الصديق، ثم امرأة علي رضى الله عنهم أجمعين. قوله تعالى: {فيم كنتم} سؤال توبيخ، وقد تقدم. والأصل "فيما" ثم حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر، والوقف عليها (فيمه ) لئلا تحذف الألف والحركة. والمراد بقوله: {ألم تكن أرض الله واسعة} المدينة؛ أي ألم تكونوا متمكنين قادرين على الهجرة والتباعد ممن كان يستضعفكم ! وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي. وقال سعيد بن جبير : إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها؛ وتلا {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما السلام ). {فأولئك مأواهم جهنم} أي مثواهم النار. وكانت الهجرة واجبة على كل من أسلم. {وساءت مصيرا} نصب على التفسير. وقوله تعالى: {لا يستطيعون حيلة} الحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص. والسبيل سبيل المدينة؛ فيما ذكر مجاهد والسدي وغيرهما، والصواب أنه عام في جميع السبل. وقوله تعالى: {فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم} هذا الذي لا حيلة له في الهجرة لا ذنب له حتى يعفى عنه؛ ولكن المعنى أنه قد يتوهم أنه يجب تحمل غاية المشقة في الهجرة، حتى أن من لم يتحمل تلك المشقة يعاقب فأزال الله ذلك الوهم؛ إذ لا يجب تحمل غاية المشقة، بل كان يجوز ترك الهجرة عند فقد الزاد والراحلة. فمعنى الآية؛ فأولئك لا يستقصى عليهم في المحاسبة؛ ولهذا قال: {وكان الله عفوا غفورا} والماضي والمستقبل في حقه تعالى واحد، وقد تقدم.
ويعذر من ذاك المصير العجزة من الرجال والنساء والصغار الذين لا يقدرون على دفع القهر والظلم عنهم، ولا يعرفون طريقًا يخلصهم مما هم فيه من المعاناة.
ثم استثنى المستضعفين على الحقيقة، الذين لا قدرة لهم على الهجرة بوجه من الوجوه { وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا }
ثم استثنى أهل العذر منهم ، فقال : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ) لا يقدرون على حيلة ولا على نفقة ولا قوة للخروج منها ، ( ولا يهتدون سبيلا ) أي : لا يعرفون طريقا إلى الخروج . وقال مجاهد : لا يعرفون طريق المدينة .
(إِلَّا) أداة استثناء (الْمُسْتَضْعَفِينَ) مستثنى منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم (مِنَ الرِّجالِ) متعلقان بمحذوف حال (وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) عطف.
(الذين) اسم موصول صفة (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) فعل مضارع وفاعل ومفعول به والجملة في محل نصب حال من المستضعفين (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا) الجملة كسابقتها وهي معطوفة عليها.
Traslation and Transliteration:
Illa almustadAAafeena mina alrrijali waalnnisai waalwildani la yastateeAAoona heelatan wala yahtadoona sabeelan
Except the feeble among men, and the women, and the children, who are unable to devise a plan and are not shown a way.
Ancak yurtlarından göçmek için bir düzen, bir yol bulamayan gerçekten de aciz erkeklerle kadınlar ve çocuklar bu hükümden dışarı.
A l'exception des impuissants: hommes, femmes et enfants, incapables de se débrouiller, et qui ne trouvent aucune voie:
Ausgenommen sind die Unterdrückten von den Männern, Frauen und Kindern, die keinen Ausweg haben und keine Möglichkeit (zur Hidschra) finden.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النساء (An-Nisaa - The Women) |
ترتيبها |
4 |
عدد آياتها |
176 |
عدد كلماتها |
3712 |
عدد حروفها |
15937 |
معنى اسمها |
(النُّـِسْوَةُ) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لفْظِهَا |
سبب تسميتها |
كَثْرَةُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ وَمَسَائِلِ الْأُسْرَّةِ وَالْمُجْتَمَعِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النِّسَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ الكُبْرَى) أَوْ (النِّسَاءِ الطُوْلَى) |
مقاصدها |
تَنْظِيمُ الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالعَلَاقَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النِّسَاءِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَحْكَامِ المَوَارِيثِ.
فقَالَ سُبْحَانَهُ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ ...١٧٥﴾... الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النِّسَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (آلِ عِمرَانَ):
اختُتِمَتْ (آلُ عِمْرَانَ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٢٠٠﴾ ، وَافْتُتِحَتِ (النِّسَاءُ) بِالأَمرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ...١﴾. |