«إن الذين أجرموا» كأبي جهل ونحوه «كانوا من الذين آمنوا» كعمار وبلال ونحوهما «يضحكون» استهزاءً بهم.
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36)
فعمّ بالألف واللام ، ورد الفعل عليهم ، وهو قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) فانتقلت صفات هؤلاء إلى هؤلاء ، وهؤلاء إلى هؤلاء ،
انتقل ذل الأولياء وتعبهم ونصبهم ومكابدتهم وكدهم في الدنيا في طاعة ربهم إلى الأشقياء من الجبابرة في النار ، وانتقل سرور الجبابرة وراحة أهل الثروة في الدنيا إلى أهل السعادة أهل الجنة في الآخرة .
(84) سورة الانشقاق مكيّة
------------
(36) الفتوحات ج 2 /
682 - ج 1 /
417
يخبر تعالى عن المجرمين أنهم كانوا في الدار الدنيا يضحكون من المؤمنين أي يستهزئون بهم ويحتقرونهم.
قوله تعالى {إن الذين أجرموا} وصف أرواح الكفار في الدنيا مع المؤمنين باستهزائهم بهم والمراد رؤساء قريش من أهل الشرك. روى ناس عن ابن عباس قال : هو الوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد يغوث، والعاص بن هشام، وأبو جهل، والنضر بن الحارث؛ وأولئك {كانوا من الذين آمنوا} من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مثل عمار، وخباب وصهيب وبلال {يضحكون} على وجه السخرية. {وإذا مروا بهم} عند إتيانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم {يتغامزون} يغمز بعضهم بعضا، ويشيرون بأعينهم. وقيل : أي يعيرونهم بالإسلام ويعيبونهم به يقال : غمزت الشيء بيدي؛ قال : وكنت إذا غمزت فتاة قوم ** كسرت كعوبها أو تستقيما وقالت عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد غمزني، فقبضت رجلي. الحديث؛ وقد مضى في النساء . وغمزته بعيني. وقيل : الغمز : بمعنى العيب، يقال غمزه : أي عابه، وما في فلان غمزة أي عيب. وقال مقاتل : نزلت في علي بن أبي طالب جاء في نفر من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلمزهم المنافقون، وضحكوا عليهم وتغامزوا. قوله تعالى {وإذا انقلبوا} أي أنصرفوا إلى أهلهم وأصحابهم وذويهم {انقلبوا فكهين} أي معجبين منهم. وقيل : معجبون بما هم عليه من الكفر، متفكهون بذكر المؤمنين. وقرأ ابن القعقاع وحفص والأعرج والسلمي {فكهين} بغير ألف. الباقون بألف. قال الفراء : هما لغتان مثل طمع وطامع وحذر وحاذر، وقد تقدم في سورة [الدخان] والحمد لله. وقيل : الفكه : الأشر البطر والفاكه : الناعم المتنعم. {وإذا رأوهم} أي إذا رأى هؤلاء الكفار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم {قالوا إن هؤلاء لضالون} في اتباعهم محمدا صلى الله عليه وسلم {وما أرسلوا عليهم حافظين} لأعمالهم، موكلين بأحوالهم، رقباء عليهم. قوله تعالى {فاليوم} يعني هذا اليوم الذي هو يوم القيامة {الذين آمنوا} بمحمد صلى الله عليه وسلم {من الكفار يضحكون} كما ضحك الكفار منهم في الدنيا. نظيره في آخر سورة {المؤمنين} وقد تقدم. وذكر ابن المبارك : أخبرنا محمد بن بشار عن قتادة في قوله تعالى {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون} قال : ذكر لنا أن كعبا كان يقول إن بين الجنة والنار كوى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا اطلع من بعض الكوى؛ قال الله تعالى في آية أخرى {فاطلع فرآه في سواء الجحيم}[
الصافات : 55] قال : ذكر لنا أنه أطلع فرأى جماجم القوم تغلي. وذكر ابن المبارك أيضا : أخبرنا الكلبي عن أبي صالح في قوله تعالى {الله يستهزئ بهم}[
البقرة : 15] قال : يقال لأهل النار وهم في النار : أخرجوا، فتفتح لهم أبواب النار، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج، والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم؛ فذلك قوله {الله يستهزئ بهم}[
البقرة : 15] ويضحك منهم المؤمنون حين غلقت دونهم فذلك قوله تعالى {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون. على الأرائك ينظرون. هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون} قد مضى هذا في أول سورة [البقرة ]. ومعنى {هل ثوب} أي هل جوزي بسخريتهم في الدنيا بالمؤمنين إذا فعل بهم ذلك. وقيل : إنه متعلق بـ {ينظرون} أي ينظرون : هل جوزي الكفار؟ فيكون معنى هل [التقرير] وموضعها نصبا بـ {ينظرون}. وقيل : استئناف لا موضع له من الأعراب. وقيل : هو إضمار على القول، والمعنى؛ يقول بعض المؤمنين لبعض {هل ثوب الكفار} أي أثيب وجوزي. وهو من ثاب يثوب أي رجع؛ فالثواب ما يرجع على العبد في مقابلة عمله، ويستعمل في الخير والشر. تمت السورة والله أعلم.
إن الذين أجرموا كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين، وإذا مروا بهم يتغامزون سخرية بهم، وإذا رجع الذين أجرموا إلى أهلهم وذويهم تفكهوا معهم بالسخرية من المؤمنين. وإذا رأى هؤلاء الكفار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اتبعوا الهدى قالوا: إن هؤلاء لتائهون في اتباعهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، وما بُعث هؤلاء المجرمون رقباء على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. فيوم القيامة يسخر الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه من الكفار، كما سخر الكافرون منهم في الدنيا.
لما ذكر تعالى جزاء المجرمين وجزاء المؤمنين و [ذكر] ما بينهما من التفاوت العظيم، أخبر أن المجرمين كانوا في الدنيا يسخرون بالمؤمنين، ويستهزئون بهم، ويضحكون منهم،
قوله - عز وجل - : ( إن الذين أجرموا ) أشركوا ، يعني كفار قريش : أبا جهل ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأصحابهم من مترفي مكة ( كانوا من الذين آمنوا ) عمار ، وخباب ، وصهيب ، وبلال ، وأصحابهم من فقراء المؤمنين . ( يضحكون ) وبهم يستهزءون .
(إِنَّ الَّذِينَ) إن واسمها و(أَجْرَمُوا) ماض وفاعله والجملة صلة الذين (كانُوا) كان واسمها والجملة خبر إن وجملة إن الذين.. مستأنفة و(مِنَ الَّذِينَ) متعلقان بيضحكون و(آمَنُوا) ماض وفاعله والجملة صلة الذين و(يَضْحَكُونَ) مضارع وفاعله والجملة خبر كانوا.
Traslation and Transliteration:
Inna allatheena ajramoo kanoo mina allatheena amanoo yadhakoona
Lo! the guilty used to laugh at those who believed,
Şüphe yok ki suç işliyenler, inananlara gülerler.
Les criminels riaient de ceux qui croyaient,
Gewiß, diejenigen, die schwere Verfehlungen begingen, pflegten sich über diejenigen, die den Iman verinnerlichten, lustig zu machen.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة المطففين (Al-Mutaffifin - The Defrauding) |
ترتيبها |
83 |
عدد آياتها |
36 |
عدد كلماتها |
169 |
عدد حروفها |
740 |
معنى اسمها |
التَّطْفِيفُ: نَقْصُ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ. وَالمُرَادُ (بالمُطَفِّفِيِنَ): كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِالتَّطْفِيِفِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الْمُطَفِّفِينَ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْمُطَفِّفِينَ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (التَّطْفِيفِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ عَدْلِ اللهِ تَعَالَى فِي بَعْثِ النَّاسِ يَومَ الْقِيَامَةِ، وَذِكْرُ أَقْسَامِهِمْ وَعَاقِبَتَهُمْ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: «لمَّا قَدِمَ النَّبيُّ ﷺ المَدِينَةَ كَانُوا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ كَيْلًا فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ﴾ فَأَحْسَنُوا الْكَيْلَ بَعْدَ ذَلِكَ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابْنُ ماجَة) |
فضلها |
مِنَ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويْلِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، ...(وَوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (المُطَفِّفِينَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ جَزَاءِ الْكَافِرِينَ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ ١﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿هَلۡ ثُوِّبَ ٱلۡكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ٣٦﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (المُطَفِّفِينَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْانفِطَارِ): لَمَّا أَجْمَلَتِ (الْانْفِطَارُ) حَالَ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ بِقَولِهِ: ﴿إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٖ ١٣ وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٖ ١٤﴾ فَصَّلَتِ (الْمُطَفِّفِينَ) حَالَتَهُمَا بِقَولِهِ: ﴿كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٖ ٧﴾... الآيَاتِ |