«ثم يقال» لهم «هذا» أي العذاب «الذي كنتم به تكذبون».
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36)
فعمّ بالألف واللام ، ورد الفعل عليهم ، وهو قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) فانتقلت صفات هؤلاء إلى هؤلاء ، وهؤلاء إلى هؤلاء ،
انتقل ذل الأولياء وتعبهم ونصبهم ومكابدتهم وكدهم في الدنيا في طاعة ربهم إلى الأشقياء من الجبابرة في النار ، وانتقل سرور الجبابرة وراحة أهل الثروة في الدنيا إلى أهل السعادة أهل الجنة في الآخرة .
(84) سورة الانشقاق مكيّة
------------
(36) الفتوحات ج 2 /
682 - ج 1 /
417
( ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ) أي يقال لهم ذلك على وجه التقريع والتوبيخ والتصغير والتحقير .
قوله تعالى {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} {كلا} : ردع وزجر، أي ليس هو أساطير الأولين. وقال الحسن : معناها حقا {ران على قلوبهم}. وقيل : في الترمذي : عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر الله وتاب، صقل قلبه، فإن عاد زيد. فيها، حتى تعلو على قلبه)، وهو(الران) الذي ذكر الله في كتابه {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}. قال : هذا حديث حسن صحيح. وكذا قال المفسرون : هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب. قال مجاهد : هو الرجل يذنب الذنب، فيحيط الذنب بقلبه، ثم يذنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه، حتى تغشي الذنوب قلبه. قال مجاهد : هي مثل الآية التي في سورة البقرة {بلى من كسب سيئة}[
البقرة : 81] الآية. ونحوه عن الفراء؛ قال : يقول كثرت المعاصي منهم والذنوب، فأحاطت بقلوبهم، فذلك الرين عليها. وروي عن مجاهد أيضا قال : القلب مثل الكف ورفع كفه، فإذا أذنب العبد الذنب انقبض، وضم إصبعه، فإذا أذنب الذنب انقبض، وضم أخرى، حتى ضم أصابعه كلها، حتى يطبع على قلبه. قال : وكانوا يرون أن ذلك هو الرين، ثم قرأ {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}. ومثله عن حذيفة رضي الله عنه سواء. وقال بكر بن عبدالله : إن العبد إذا أذنب صار في قلبه كوخزة الإبرة، ثم صار إذا أذنب ثانيا صار كذلك، ثم إذا كثرت الذنوب صار القلب كالمنخل، أو كالغربال، حتى لا يعي خيرا، ولا يثبت فيه صلاح. وقد بينا في البقرة القول في هذا المعنى بالأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا معنى لإعادتها. وقد روى عبدالغني بن سعيد عن موسى بن عبدالرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وعن موسى عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس شيئا الله أعلم بصحته؛ قال : هو الران الذي يكون على الفخذين والساق والقدم، وهو الذي يلبس في الحرب. قال : وقال آخرون : الران : الخاطر الذي يخطر بقلب الرجل. وهذا مما لا يضمن عهدة صحته. فالله أعلم. فأما عامة أهل التفسير فعلى ما قد مضى ذكره قبل هذا. وكذلك أهل اللغة عليه؛ يقال : ران على قلبه ذنبه يرين رينا وريونا أي غلب. قال أبو عبيدة في قوله {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} أي غلب؛ وقال أبو عبيد : كل ما غلبك [وعلاك] فقد ران بك، ورانك، وران عليك؛ وقال الشاعر : وكم ران من ذنب على قلب فاجر ** فتاب من الذنب الذي ران وانجلى ورانت الخمر على عقله : أي غلبته، وران عليه النعاس : إذا غطاه؛ ومنه قول عمر في الأسيفع - أسيفع جهينة - : فأصبح قد رين به. أي غلبته الديون، وكان يدان؛ ومنه قول أبي زبيد يصف رجلا شرب حتى غلبه الشراب سكرا، فقال : ثم لما رآه رانت به الخمـ ** ـر وأن لا ترينه باتقاء فقوله : رانت به الخمر، أي غلبت على عقله وقلبه. وقال الأموي : قد أران القوم فهم مرينون : إذا هلكت مواشيهم وهزلت. وهذا من الأمر الذي أتاهم مما يغلبهم، فلا يستطيعون احتماله. قال أبو زيد يقال : قد رين بالرجل رينا : إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه، ولا قبل له وقال أبو معاذ النحوي : الرين : أن يسود القلب من الذنوب، والطبع أن يطبع على القلب، وهذا أشد من الرين، والإقفال أشد من الطبع. الزجاج : الرين : هو كالصدأ يغشي القلب كالغيم الرقيق، ومثله الغين، يقال : غين على قلبه : غطي. والغين : شجر ملتف، الواحدة غيناء، أي خضراء، كثيرة الورق، ملتفة الأغصان. وقد تقدم قول الفراء أنه إحاطة الذنب بالقلوب. وذكر الثعلبي عن ابن عباس {ران على قلوبهم} : أي غطى عليها. وهذا هو الصحيح عنه إن شاء الله. وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وأبو بكر والمفضل {ران} بالإمالة؛ لأن فاء الفعل الراء، وعينه الألف منقلبة من ياء، فحسنت الإمالة لذلك. ومن فتح فعلى الأصل؛ لأن باب فاء الفعل في (فعل) الفتح، مثل كال وباع ونحوه. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ووقف حفص {بل} ثم يبتدئ {ران} وقفا يبين اللام، لا للسكت. قوله تعالى {كلا} أي حقا {إنهم} يعني الكفار {عن ربهم يومئذ} أي يوم القيامة {لمحجوبون} وقيل {كلا} ردع وزجر، أي ليس كما يقولون، بل {إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}. قال الزجاج : في هذه الآية دليل على أن الله عز وجل يرى في القيامة، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة، ولا خست منزلة الكفار بأنهم يحجبون. وقال جل ثناؤه {وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة}[
القيامة : 22] فأعلم الله جل ثناؤه أن المؤمنين ينظرون إليه، وأعلم أن الكفار محجوبون عنه، وقال مالك بن أنس في هذه الآية : لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه. وقال الشافعي : لما حجب قوما بالسخط، دل على أن قوما يرونه بالرضا. ثم قال : أما والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده في الدنيا. وقال الحسين بن الفضل : لما حجبهم في الدنيا عن نور توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته. وقال مجاهد في قوله تعالى {لمحجوبون} : أي عن كرامته ورحمته ممنوعون. وقال قتادة : هو أن الله لا ينظر إليهم برحمته، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. وعلى الأول الجمهور، وأنهم محجوبون عن رؤيته فلا يرونه. {ثم إنهم لصالوا الجحيم} أي ملازموها، ومحترقون فيها غير خارجين منها، {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها}[
النساء : 56] و {كلما خبت زدناهم سعيرا}[
الإسراء : 97]. ويقال : الجحيم الباب الرابع من النار. {ثم يقال} لهم أي تقول لهم خزنة جهنم {هذا الذي كنتم به تكذبون} رسل الله في الدنيا.
عذاب شديد يومئذ للمكذبين، الذين يكذبون بوقوع يوم الجزاء، وما يكذِّب به إلا كل ظالم كثير الإثم، إذا تتلى عليه آيات القرآن قال: هذه أباطيل الأولين. ليس الأمر كما زعموا، بل هو كلام الله ووحيه إلى نبيه، وإنما حجب قلوبهم عن التصديق به ما غشاها من كثرة ما يرتكبون من الذنوب. ليس الأمر كما زعم الكفار، بل إنهم يوم القيامة عن رؤية ربهم- جل وعلا- لمحجوبون، (وفي هذه الآية دلالة على رؤية المؤمنين ربَّهم في الجنة) ثم إنهم لداخلو النار يقاسون حرها، ثم يقال لهم: هذا الجزاء الذي كنتم به تكذبون.
ثم يقال لهم توبيخا وتقريعًا: هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } فذكر لهم ثلاثة أنواع من العذاب: عذاب الجحيم، وعذاب التوبيخ، واللوم.
وعذاب الحجاب من رب العالمين، المتضمن لسخطه وغضبه عليهم، وهو أعظم عليهم من عذاب النار، ودل مفهوم الآية، على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة وفي الجنة، ويتلذذون بالنظر إليه أعظم من سائر اللذات، ويبتهجون بخطابه، ويفرحون بقربه، كما ذكر الله ذلك في عدة آيات من القرآن، وتواتر فيه النقل عن رسول الله.
وفي هذه الآيات، التحذير من الذنوب، فإنها ترين على القلب وتغطيه شيئا فشيئا، حتى ينطمس نوره، وتموت بصيرته، فتنقلب عليه الحقائق، فيرى الباطل حقًا، والحق باطلًا، وهذا من بعض عقوبات الذنوب.
"ثم يقال"، أي تقول لهم الخزنة، "هذا"، أي هذا العذاب، "الذي كنتم به تكذبون".
(ثُمَّ) حرف عطف (يُقالُ) مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها و(هذَا الَّذِي) مبتدأ وخبره (كُنْتُمْ) كان واسمها و(بِهِ) متعلقان بما بعدهما والجملة صلة و(تُكَذِّبُونَ) مضارع مرفوع وفاعله والجملة خبر كنتم.
Traslation and Transliteration:
Thumma yuqalu hatha allathee kuntum bihi tukaththiboona
And it will be said (unto them): This is that which ye used to deny.
Sonra denir ki: İşte buydu yalanladığınız.
on [leur] dira alors: «Voilà ce que vous traitiez de mensonge!»
Dann wird ihnen gesagt: "Dies ist das, was ihr abzuleugnen pflegtet."
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة المطففين (Al-Mutaffifin - The Defrauding) |
ترتيبها |
83 |
عدد آياتها |
36 |
عدد كلماتها |
169 |
عدد حروفها |
740 |
معنى اسمها |
التَّطْفِيفُ: نَقْصُ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ. وَالمُرَادُ (بالمُطَفِّفِيِنَ): كُلُّ مَنِ اتَّصَفَ بِالتَّطْفِيِفِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الْمُطَفِّفِينَ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْمُطَفِّفِينَ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (التَّطْفِيفِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ عَدْلِ اللهِ تَعَالَى فِي بَعْثِ النَّاسِ يَومَ الْقِيَامَةِ، وَذِكْرُ أَقْسَامِهِمْ وَعَاقِبَتَهُمْ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: «لمَّا قَدِمَ النَّبيُّ ﷺ المَدِينَةَ كَانُوا مِنْ أَخْبَثِ النَّاسِ كَيْلًا فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ﴾ فَأَحْسَنُوا الْكَيْلَ بَعْدَ ذَلِكَ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابْنُ ماجَة) |
فضلها |
مِنَ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويْلِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، ...(وَوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (المُطَفِّفِينَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ جَزَاءِ الْكَافِرِينَ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ ١﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿هَلۡ ثُوِّبَ ٱلۡكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ٣٦﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (المُطَفِّفِينَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْانفِطَارِ): لَمَّا أَجْمَلَتِ (الْانْفِطَارُ) حَالَ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ بِقَولِهِ: ﴿إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٖ ١٣ وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٖ ١٤﴾ فَصَّلَتِ (الْمُطَفِّفِينَ) حَالَتَهُمَا بِقَولِهِ: ﴿كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٖ ٧﴾... الآيَاتِ |