«في صحف» خبر ثان لأنها وما قبله اعتراض «مكرمة» عند الله.
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22)
- الوجه الأول - يعني المزاج الذي كان عليه في الدنيا ، أي هو قادر على إعادة ذلك المزاج ، لكن ما شاء ، ولهذا علق المشيئة به فقال «ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ» فلو كان هو بعينه لقال : ثم ينشره ؛ ولا يعلم أحد ما في مشيئة الحق إلا أن يعلمه الحق بذلك - الوجه الثاني - لما كانت النشأة الآخرة على غير مثال من النشأة الدنيا ، فهو تعالى يخرجنا إخراجا لا نباتا ، فهو يخرجنا من الأرض على الصورة التي يشاء الحق أن يخرجنا عليها ، لذلك علّق المشيئة بنشر الصورة التي أعادها في الأرض الموصوفة بأنها تنبت ، فتنبت على غير مثال لأنه ليس في الصور صورة تشبهها .
------------
(22) الفتوحات ج 3 /
42 - ج 4 /
289 - ج 2 /
472 - ج 3 /
346 ، 438
أي هذه السورة أو العظة وكلاهما متلازم بل جميع القرآن في صحف مكرمة أى معظمة موقرة.
قوله تعالى {كلا} كلمة ردع وزجر؛ أي ما الأمر كما تفعل مع الفريقين؛ أي لا تفعل بعدها مثلها : من إقبالك على الغني، وإعراضك عن المؤمن الفقير. والذي جرى من النبي صلى الله عليه وسلم كان ترك الأولى كما تقدم، ولو حمل على صغيرة لم يبعد؛ قاله القشيري. والوقف على {كلا} على هذا الوجه : جائز. ويجوز أن تقف على {تلهي} ثم تبتدئ {كلا} على معنى حقا. {إنها} أي السورة أو آيات القرآن {تذكرة} أي موعظة وتبصرة للخلق {فمن شاء ذكره} أي اتعظ بالقرآن. قال الجُرجاني {إنها} أي القرآن، والقرآن مذكر إلا أنه لما جعل القرآن تذكرة، أخرجه على لفظ التذكرة، ولو ذكره لجاز؛ كما قال تعالى في موضع آخر {كلا إنه تذكرة}. ويدل على أنه أراد القرآن قوله {فمن شاء ذكره} أي كان حافظا له غير ناس؛ وذكر الضمير، لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ. وروى الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى {فمن شاء ذكره} قال من شاء الله تبارك وتعالى ألهمه. ثم أخبر عن جلالته فقال {في صحف} جمع صحيفة {مكرمة} أي عند الله؛ قاله السدي. الطبري {مكرمة} في الدين لما فيها من العلم والحكم. وقيل {مكرمة} لأنها نزل بها كرام الحفظة، أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ. وقيل {مكرمة} لأنها نزلت من كريم؛ لأن كرامة الكتاب من كرامة صاحبه. وقيل : المراد كتب الأنبياء؛ دليله {إن هذا لفي الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى}[
الأعلى : 19]. {مرفوعة} رفيعة القدر عند الله. وقيل : مرفوعة عنده تبارك وتعالى. وقيل : مرفوعة في السماء السابعة، قاله يحيى بن سلام. الطبري : مرفوعة الذكر والقدر. وقيل : مرفوعة عن الشبه والتناقض. {مطهرة} قال الحسن : من كل دنس. وقيل : مصانة عن أن ينالها الكفار. وهو معنى قول السدي. وعن الحسن أيضا : مطهرة من أن تنزل على المشركين. وقيل : أي القرآن أثبت للملائكة في صحف يقرؤونها فهي مكرمة مرفوعة مطهرة. {بأيدي سفرة} أي الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله، فهم بررة لم يتدنسوا بمعصية. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : هي مطهرة تجعل التطهير لمن حملها {بأيدي سفرة} قال : كتبة. وقاله مجاهد أيضا. وهم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد في الأسفار، التي هي الكتب، وأحدهم : سافر؛ كقولك : كاتب وكتبة. ويقال : سفرت أي كتبت، والكتاب : هو السفر، وجمعه أسفار. قال الزجاج : وإنما قيل للكتاب سفر، بكسر السين، وللكاتب سافر؛ لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه. يقال : أسفر الصبح : إذا أضاء، وسفرت المرأة : إذا كشفت النقاب عن وجهها. قال : ومنه سفرت بين القوم أسفر سفارة : أصلحت بينهم. وقال الفراء، وأنشد : فما أدع السفارة بين قومي ** ولا أمشي بغش إن مشيت والسفير : الرسول والمصلح بين القوم والجمع : سفراء، مثل فقيه وفقهاء. ويقال للوراقين سفراء، بلغة العبرانية. وقال قتادة : السفرة هنا : هم القراء، لأنهم يقرؤون الأسفار. وعنه أيضا كقول ابن عباس. وقال وهب بن منبه {بأيدي سفرة. كرام بررة} هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن العربي : لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة، كراما بررة، ولكن ليسوا بمرادين بهذه الآية، ولا قاربوا المرادين بها، بل هي لفظة مخصوصة بالملائكة عند الإطلاق، ولا يشاركهم فيها سواهم، ولا يدخل معهم في متناولها غيرهم. وروي في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له، مع السفرة الكرام البررة؛ ومثل الذي يقرؤه وهو يتعاهده، وهو عليه شديد، فله أجران] متفق عليه، واللفظ للبخاري. {كرام} أي كرام على ربهم؛ قال الكلبي. الحسن : كرام عن المعاصي، فهم يرفعون أنفسهم عنها. وروى الضحاك عن ابن عباس في {كرام} قال : يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم إذا خلا بزوجته، أو تبرز لغائطه. وقيل : أي يؤثرون منافع غيرهم على منافع أنفسهم. {بررة} جمع بار مثل كافر وكفرة، وساحر وسحرة، وفاجر وفجرة؛ يقال : بر وبار إذا كان أهلا للصدق، ومنه بر فلان في يمينه : أي صدق، وفلان يبر خالقه ويتبرره : أي يطيعه؛ فمعنى {بررة} مطيعون لله، صادقون لله في أعمالهم. وقد مضى في سورة الواقعة قولة تعالى {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون}[
الواقعة : 79] أنهم الكرام البررة في كتاب مكنون. {لا يمسه إلا المطهرون}[
الواقعة : 79] أنهم الكرام البررة في هذه السورة.
وأمَّا من كان حريصا على لقائك، وهو يخشى الله من التقصير في الاسترشاد، فأنت عنه تتشاغل. ليس الأمر كما فعلت أيها الرسول، إن هذه السورة موعظة لك ولكل من شاء الاتعاظ. فمن شاء ذكر الله وَأْتَمَّ بوحيه. هذا الوحي، وهو القرآن في صحف معظمة، موقرة، عالية القدر مطهرة من الدنس والزيادة والنقص، بأيدي ملائكة كتبة، سفراء بين الله وخلقه، كرام الخلق، أخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة.
ثم ذكر محل هذه التذكرة وعظمها ورفع قدرها، فقال: { فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ}
ثم أخبر عن جلالته عنده فقال: "في صحف مكرمة"، يعني اللوح المحفوظ. وقيل: كتب الأنبياء عليهم السلام، دليله قوله تعالى: " إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى " (الأعلى- 18، 19).
«فِي صُحُفٍ» صفة تذكرة و«مُكَرَّمَةٍ» صفة صحف
Traslation and Transliteration:
Fee suhufin mukarramatin
On honoured leaves
Büyük, şerefli sayfalardadır.
consigné dans des feuilles honorées,
auf gewürdigten Blättern,
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة عبس (Abasa - He Frowned) |
ترتيبها |
80 |
عدد آياتها |
42 |
عدد كلماتها |
133 |
عدد حروفها |
538 |
معنى اسمها |
عَبَسَ: قَطَّبَ مَا بَينَ عَيْنَيهِ لِإِبْدَاءِ الاسْتِيَاءِ وَعَدَمِ الرِّضَا. وَالمُرَادُ (بِعَبَسَ): أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَبَسَ فِي وَجْهِ الصَّحَابِيِّ عَبْدِ اللهِ بنِ أُمِّ مَكْتُومٍ رضي الله عنه، فَعَاتَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِيُزَكِّي خُلُقَهُ الْعَظِيمَ ﷺ ويُكَمِّلَهُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ حَادِثَةِ (عَبَسَ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (عَبَسَ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الْأَعْمَى)، وَسُورَةَ (الْغُرَّةِ)، وَسُورَةَ (الْصَّاخَّةِ) |
مقاصدها |
دَعْوَةُ الْإِنْسَانِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَتَذْكِيرُهُ بِالنِّعَمِ وَمَصِيرِ مَنْ آمَنَ أَوْ كَذَّبَ بِاللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: «أُنْزِلَتْ ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ﴾ فِي ابنِ أمِّ مَكْتومٍ الْأَعْمَى، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْشِدْنِي، وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَقُولُ: «أَتَرَى فِيمَا أَقُولُ بَأْسًا؟ فَيَقُولُ: لَا، فَفِي هَذَا نَزَلَ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ التِّرمِذيُّ) |
فضلها |
مِنَ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، .... (وَوَيْلٌ لِلْمَطَفِّفِينَ وَعَبَسَ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (عَبَسَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَعَاقِبَتِهِمَا، فَافْتُتِحَتْ بِصِنْفَيِنِ: الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ وَالْمُسْتَغْنِي الْكَافِرِ، فَقَالَ: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١﴾... الآيَاتِ، وَخُتِمَتْ بِذِكْرِ عَاقِبَتَهُمَا، فقال: ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ مُّسۡفِرَةٞ ٣٨ ضَاحِكَةٞ مُّسۡتَبۡشِرَةٞ ٣٩﴾... الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (عَبَسَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (النَّازِعَاتِ): لَمَّا ذُكِرَ الْإِنْذَارُ فِي آخِرِ (النَّازِعَاتِ) بِقَولِهِ: ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخۡشَىٰهَا ٤٥﴾ بَيَّنَ فِي أَوَّلِ (عَبَسَ) مَنْ يَنْفَعُهُ الْإِنْذَارُ وَمَنْ لَا يَنْفَعُهُ، فَقَالَ: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١ ﴾... الآيَاتِ |