«وأما من جاءك يسعى» حال من فاعل جاء.
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22)
- الوجه الأول - يعني المزاج الذي كان عليه في الدنيا ، أي هو قادر على إعادة ذلك المزاج ، لكن ما شاء ، ولهذا علق المشيئة به فقال «ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ» فلو كان هو بعينه لقال : ثم ينشره ؛ ولا يعلم أحد ما في مشيئة الحق إلا أن يعلمه الحق بذلك - الوجه الثاني - لما كانت النشأة الآخرة على غير مثال من النشأة الدنيا ، فهو تعالى يخرجنا إخراجا لا نباتا ، فهو يخرجنا من الأرض على الصورة التي يشاء الحق أن يخرجنا عليها ، لذلك علّق المشيئة بنشر الصورة التي أعادها في الأرض الموصوفة بأنها تنبت ، فتنبت على غير مثال لأنه ليس في الصور صورة تشبهها .
------------
(22) الفتوحات ج 3 /
42 - ج 4 /
289 - ج 2 /
472 - ج 3 /
346 ، 438
قوله تعالى {أما من استغنى} أي كان ذا ثروة وغنى {فأنت له تصدى} أي تعرض له، وتصغي لكلامه. والتصدي : الإصغاء؛ قال الراعي : تصدي لو ضاح كأن جبينه ** سراج الدجي يحني إليه الأساور وأصله تتصدد من الصد، وهو ما استقبلك، وصار قبالتك؛ يقال : داري صدد داره أي قبالتها، نصب على الظرف. وقيل : من الصدى وهو العطش. أي تتعرض له كما يتعرض العطشان للماء، والمصاداة : المعارضة. وقراءة العامة {تصدى} بالتخفيف، على طرح التاء الثانية تخفيفا. وقرأ نافع وابن محيصن بالتشديد على الإدغام. {وما عليك ألا يزكى} أي لا يهتدي هذا الكافر ولا يؤمن، إنما أنت رسول، ما عليك إلا البلاغ. {وأما من جاءك يسعى} يطلب العلم لله {وهو يخشى} أي يخاف الله. {فأنت عنه تلهى} أي تعرض عنه بوجهك وتشغل بغيره. وأصله تتلهى؛ يقال : لهيت عن الشيء ألهى : أي تشاغلت عنه. والتلهي : التغافل. ولهيتُ عنه وتليتُ : بمعنى.
وأمَّا من كان حريصا على لقائك، وهو يخشى الله من التقصير في الاسترشاد، فأنت عنه تتشاغل. ليس الأمر كما فعلت أيها الرسول، إن هذه السورة موعظة لك ولكل من شاء الاتعاظ. فمن شاء ذكر الله وَأْتَمَّ بوحيه. هذا الوحي، وهو القرآن في صحف معظمة، موقرة، عالية القدر مطهرة من الدنس والزيادة والنقص، بأيدي ملائكة كتبة، سفراء بين الله وخلقه، كرام الخلق، أخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة.
وهذه فائدة كبيرة، هي المقصودة من بعثة الرسل، ووعظ الوعاظ، وتذكير المذكرين، فإقبالك على من جاء بنفسه مفتقرا لذلك منك ، هو الأليق الواجب، وأما تصديك وتعرضك للغني المستغني الذي لا يسأل ولا يستفتي لعدم رغبته في الخير، مع تركك من هو أهم منه، فإنه لا ينبغي لك، فإنه ليس عليك أن لا يزكى، فلو لم يتزك، فلست بمحاسب على ما عمله من الشر.
فدل هذا على القاعدة المشهورة، أنه: " لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم، ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة " وأنه ينبغي الإقبال على طالب العلم، المفتقر إليه، الحريص عليه أزيد من غيره.
"وأما من جاءك يسعى"، يمشي يعني: ابن أم مكتوم.
(وَأَمَّا) حرف شرط وتفصيل و(مَنْ) مبتدأ و(جاءَكَ) ماض ومفعوله والفاعل مستتر والجملة صلة من و(يَسْعى) مضارع فاعله مستتر والجملة حال وجملة أما من.. معطوفة على ما قبلها.
Traslation and Transliteration:
Waamma man jaaka yasAAa
But as for him who cometh unto thee with earnest purpose
Ve fakat sana koşup gelen.
Et quant à celui qui vient à toi avec empressement
Und hinsichtlich desjenigen, der zu dir kommt, der anstrebt,
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة عبس (Abasa - He Frowned) |
ترتيبها |
80 |
عدد آياتها |
42 |
عدد كلماتها |
133 |
عدد حروفها |
538 |
معنى اسمها |
عَبَسَ: قَطَّبَ مَا بَينَ عَيْنَيهِ لِإِبْدَاءِ الاسْتِيَاءِ وَعَدَمِ الرِّضَا. وَالمُرَادُ (بِعَبَسَ): أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَبَسَ فِي وَجْهِ الصَّحَابِيِّ عَبْدِ اللهِ بنِ أُمِّ مَكْتُومٍ رضي الله عنه، فَعَاتَبَهُ اللهُ تَعَالَى لِيُزَكِّي خُلُقَهُ الْعَظِيمَ ﷺ ويُكَمِّلَهُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ حَادِثَةِ (عَبَسَ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (عَبَسَ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الْأَعْمَى)، وَسُورَةَ (الْغُرَّةِ)، وَسُورَةَ (الْصَّاخَّةِ) |
مقاصدها |
دَعْوَةُ الْإِنْسَانِ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَتَذْكِيرُهُ بِالنِّعَمِ وَمَصِيرِ مَنْ آمَنَ أَوْ كَذَّبَ بِاللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: «أُنْزِلَتْ ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ﴾ فِي ابنِ أمِّ مَكْتومٍ الْأَعْمَى، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْشِدْنِي، وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعرِضُ عَنْهُ وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَقُولُ: «أَتَرَى فِيمَا أَقُولُ بَأْسًا؟ فَيَقُولُ: لَا، فَفِي هَذَا نَزَلَ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ التِّرمِذيُّ) |
فضلها |
مِنَ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، .... (وَوَيْلٌ لِلْمَطَفِّفِينَ وَعَبَسَ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (عَبَسَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَعَاقِبَتِهِمَا، فَافْتُتِحَتْ بِصِنْفَيِنِ: الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ وَالْمُسْتَغْنِي الْكَافِرِ، فَقَالَ: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١﴾... الآيَاتِ، وَخُتِمَتْ بِذِكْرِ عَاقِبَتَهُمَا، فقال: ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ مُّسۡفِرَةٞ ٣٨ ضَاحِكَةٞ مُّسۡتَبۡشِرَةٞ ٣٩﴾... الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (عَبَسَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (النَّازِعَاتِ): لَمَّا ذُكِرَ الْإِنْذَارُ فِي آخِرِ (النَّازِعَاتِ) بِقَولِهِ: ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخۡشَىٰهَا ٤٥﴾ بَيَّنَ فِي أَوَّلِ (عَبَسَ) مَنْ يَنْفَعُهُ الْإِنْذَارُ وَمَنْ لَا يَنْفَعُهُ، فَقَالَ: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ ١ ﴾... الآيَاتِ |