«ذلك» أي كونهم مع ذكر مبتدأ خبره «الفضل من الله» تفضل به عليهم لا أنهم نالوه بطاعتهم «وكفى بالله عليما» بثواب الآخرة أي فثقوا بما أخبركم به (ولا ينبئك مثل خبير).
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
------------
(174) الفتوحات ج 4 /
352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 /
94 - ج 2 /
107
ولهذا قال تعالى : ( ذلك الفضل من الله ) أي : من عند الله برحمته ، هو الذي أهلهم لذلك ، لا بأعمالهم . ( وكفى بالله عليما ) أي : هو عليم بمن يستحق الهداية والتوفيق .
فيه ثلاث مسائل الأولى قوله تعالى{ومن يطع الله والرسول} لما ذكر تعالى الأمر الذي لو فعله المنافقون حين وعظوا به وأنابوا إليه لأنعم عليهم، ذكر بعد ذلك ثواب من يفعله. وهذه الآية تفسير قوله تعالى{اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم }الفاتحة:6 - 7] وهي المراد في قوله عليه السلام عند موته (اللهم الرفيق الأعلى ). وفي البخاري عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة ) كان في شكواه الذي مرض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: (مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) فعلمت أنه خير. وقالت طائفة: إنما نزلت هذه الآية لما قال عبدالله بن زيد بن عبدربه الأنصاري - الذي أري الأذان - : يا رسول الله، إذا مت ومتنا كنت في عليين لا نراك ولا نجتمع بك؛ وذكر حزنه على ذلك فنزلت هذه الآية. وذكر مكي عن عبدالله هذا وأنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعمني حتى لا أري شيئا بعده؛ فعمي مكانه. وحكاه القشري فقال: اللهم أعمني فلا أرى شيئا بعد حبيبي حتى ألقى حبيبي؛ فعمي مكانه. وحكى الثعلبي: أنها نزلت في ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديد الحب له قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه، يعرف في وجهه الحزن؛ فقال له: (يا ثوبان ما غير لونك ) فقال: يا رسول الله ما بي ضر ولا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة وأخاف ألا أراك هناك؛ لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبدا؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية. ذكره الواحدي عن الكلبي. وأسند عن مسروق قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا، فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا؛ فأنزل الله تعالى{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين}. وفي طاعة الله طاعة رسوله ولكنه ذكره تشريفا لقدره وتنويها باسمه صلى الله عليه وسلم وعلى آله. }فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} أي هم معهم في دار واحدة ونعيم واحد يستمتعون برؤيتهم والحضور معهم، لا أنهم يساوونهم في الدرجة؛ فإنهم يتفاوتون لكنهم يتزاورون للاتباع في الدنيا والاقتداء. وكل من فيها قد رزق الرضا بحاله، وقد ذهب عنه اعتقاد أنه مفضول. قال الله تعالى{ونزعنا ما في صدورهم من غل }الأعراف: 43]. والصديق فعيل، المبالغ في الصدق أو في التصديق، والصديق هو الذي يحقق بفعله ما يقول بلسانه. وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء الذين يسبقونهم إلى التصديق كأبي بكر الصديق. وقد تقدم في البقرة اشتقاق الصديق ومعنى الشهيد. والمراد هنا بالشهداء عمر وعثمان وعلي، والصالحين سائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. وقيل }الشهداء} القتلى في سبيل الله. }والصالحين} صالحي أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: واللفظ يعم كل صالح وشهيد، والله أعلم. والرفق لين الجانب. وسمي الصاحب رفيقا لارتفاقك بصحبته؛ ومنه الرفقة لارتفاق بعضهم ببعض. ويجوز }وحسن أولئك رفقاء}. قال الأخفش{رفيقا }منصوب على الحال وهو بمعنى رفقاء؛ وقال: انتصب على التمييز فوحد لذلك؛ فكأن المعنى وحسن كل واحد منهم رفيقا. كما قال تعالى{ثم نخرجكم طفلا }الحج: 5] أي نخرج كل واحد منكم طفلا. وقال تعالى{ينظرون من طرف خفي }الشورى:45] وينظر معنى هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم: (خير الرفقاء أربعة) ولم يذكر الله تعالى هنا إلا أربعة فتأمله. في هذه الآية دليل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه؛ وذلك أن الله تعالى لما ذكر مراتب أوليائه في كتابه بدأ بالأعلى منهم وهم النبيون، ثم ثنى بالصديقين ولم يجعل بينهما واسطة. وأجمع المسلمون على تسمية أبى بكر الصديق رضي الله عنه صديقا، كما أجمعوا على تسمية محمد عليه السلام رسولا، وإذا ثبت هذا وصح أنه الصديق وأنه ثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يتقدم بعده أحد. والله أعلم. قوله تعالى{ذلك الفضل من الله} أخبر تعالى أنهم لم ينالوا الدرجة. بطاعتهم بل نالوها بفضل الله تعالى وكرمه. خلافا لما قالت المعتزلة: إنما ينال العبد ذلك بفعله. فلما امتن الله سبحانه على أوليائه بما آتاهم من فضله، وكان لا يجوز لأحد أن يثني على نفسه بما لم يفعله دل ذلك على بطلان قولهم. والله أعلم.
ذلك العطاء الجزيل من الله وحده. وكفى بالله عليما يعلم أحوال عباده، ومَن يَستحقُّ منهم الثواب الجزيل بما قام به من الأعمال الصالحة.
{ ذَلِكَ الْفَضْلُ } الذي نالوه { مِنَ اللَّهِ } فهو الذي وفقهم لذلك، وأعانهم عليه، وأعطاهم من الثواب ما لا تبلغه أعمالهم. { وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا } يعلم أحوال عباده ومن يستحق منهم الثواب الجزيل، بما قام به من الأعمال الصالحة التي تواطأ عليها القلب والجوارح.
( ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ) أي : بثواب الآخرة ، وقيل : بمن أطاع رسول الله وأحبه ، وفيه بيان أنهم لن ينالوا تلك الدرجة بطاعتهم ، وإنما نالوها بفضل الله عز وجل .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا عبد الرحيم بن منيب ، أنا يعلى بن عبيد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قاربوا وسددوا واعلموا أنه لا ينجو أحد منكم بعمله " ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " .
(ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ) اسم الإشارة مبتدأ والفضل بدل والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر ويجوز إعراب الفضل خبرا، والجملة مستأنفة (وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً) فعل ماض وفاعل وتمييز والباء زائدة والجملة استئنافية.
Traslation and Transliteration:
Thalika alfadlu mina Allahi wakafa biAllahi AAaleeman
That is bounty from Allah, and Allah sufficeth as Knower.
Bu lütuf ve ihsan, Allah'tandır ve Allah'ın her şeyi bilmesi yeter.
Cette grâce vient d'Allah. Et Allah suffit comme Parfait Connaisseur.
Diese Gunst erweist ALLAH. Und ALLAH genügt als Allwissender.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النساء (An-Nisaa - The Women) |
ترتيبها |
4 |
عدد آياتها |
176 |
عدد كلماتها |
3712 |
عدد حروفها |
15937 |
معنى اسمها |
(النُّـِسْوَةُ) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لفْظِهَا |
سبب تسميتها |
كَثْرَةُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ وَمَسَائِلِ الْأُسْرَّةِ وَالْمُجْتَمَعِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النِّسَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ الكُبْرَى) أَوْ (النِّسَاءِ الطُوْلَى) |
مقاصدها |
تَنْظِيمُ الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالعَلَاقَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النِّسَاءِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَحْكَامِ المَوَارِيثِ.
فقَالَ سُبْحَانَهُ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ ...١٧٥﴾... الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النِّسَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (آلِ عِمرَانَ):
اختُتِمَتْ (آلُ عِمْرَانَ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٢٠٠﴾ ، وَافْتُتِحَتِ (النِّسَاءُ) بِالأَمرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ...١﴾. |