«أم» بل «يحسدون الناس» أي النبي صلى الله عليه وسلم «على ما آتاهم الله من فضله» من النبوة وكثرة النساء، أي يتمنون زواله عنه ويقولون لو كان نبيا لاشتغل عن النساء «فقد آتينا آل إبراهيم» جده كموسى وداود وسليمان «الكتاب والحكمة» والنبوة «وآتيناهم ملكا عظيما» فكان لداود تسع وتسعون امرأة ولسليمان ألف ما بين حُرَّةِ وسرية.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)
البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
------------
(174) الفتوحات ج 4 /
352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 /
94 - ج 2 /
107
ثم قال : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) يعني بذلك : حسدهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة ، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له ; لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل .
قال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا يحيى الحماني ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن السدي ، عن عطاء ، عن ابن عباس قوله : ( أم يحسدون الناس ) [ على ما آتاهم الله من فضله ] ) الآية ، قال ابن عباس : نحن الناس دون الناس ، قال الله تعالى : ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) أي : فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل - الذين هم من ذرية إبراهيم - النبوة ، وأنزلنا عليهم الكتب ، وحكموا فيهم بالسنن - وهي الحكمة - وجعلنا فيهم الملوك
فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى {أم يحسدون} يعني اليهود. {الناس} يعني النبي صلى الله عليه وسلم خاصة؛ عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما. حسدوه على النبوة وأصحابه على الإيمان به. وقال قتادة {الناس }العرب، حسدتهم اليهود على النبوة. الضحاك : حسدت اليهود قريشا؛ لأن النبوة فيهم. والحسد مذموم وصاحبه مغموم وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحسن : ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد؛ نفس دائم، وحزن لازم، وعبرة لا تنفد. وقال عبدالله بن مسعود : لا تعادوا نعم الله. قيل له : ومن يعادي نعم الله ؟ قال : الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، يقول الله تعالى في بعض الكتب : الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي. ولمنصور الفقيه : ألا قل لمن ظل لي حاسدا ** أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في حكمه ** إذا أنت لم ترض لي ما وهب ويقال : الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض؛ فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل. ولأبي العتاهية في الناس : فيا رب إن الناس لا ينصفونني ** فكيف ولو أنصفتهم ظلموني وإن كان لي شيء تصدوا لأخذه ** وإن شئت أبغي شيئهم منعوني وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم ** وإن أنا لم أبذل لهم شتموني وإن طرقتني نكبة فكهوا بها ** وإن صحبتني نعمة حسدوني سأمنع قلبي أن يحن إليهمو ** وأحجب عنهم ناظري وجفوني وقيل : إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك. ولرجل من قريش : حسدوا النعمة لما ظهرت ** فرموها بأباطيل الكلم وإذا ما الله أسدى نعمة ** لم يضرها قول أعداء النعم ولقد أحسن من قال : أصبر على حسد الحسو ** د فإن صبرك قاتله فالنار تأكل بعضها ** إن لم تجد ما تأكله وقال بعض أهل التفسير في قول الله تعالى{ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين } [
فصلت : 29]. إنه إنما أراد بالذي من الجن إبليس والذي من الإنس قابيل؛ وذلك أن إبليس كان أول من سن الكفر، وقابيل كان أول من سن القتل، وإنما كان أصل ذلك كله الحسد. وقال الشاعر : إن الغراب وكان يمشي مشية ** فيما مضى من سالف الأحوال حسد القطاة فرام يمشي مشيها ** فأصابه ضرب من التعقال الثانية: قوله تعالى{فقد آتينا} ثم أخبر تعالى أنه آتى آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتاهم ملكا عظيما. قال همام بن الحارث : أيدوا بالملائكة. وقيل : يعني ملك سليمان؛ عن ابن عباس. وعنه أيضا : المعنى أم يحسدون محمدا على ما أحل الله له من النساء فيكون الملك العظيم على هذا أنه أحل لداود تسعا وتسعين امرأة ولسليمان أكثر من ذلك. واختار الطبري أن يكون المراد ما أوتيه سليمان من الملك وتحليل النساء. والمراد تكذيب اليهود والرد عليهم في قولهم : لو كان نبيا ما رغب في كثرة النساء ولشغلته النبوة عن ذلك؛ فأخبر الله تعالى بما كان لداود وسليمان يوبخهم، فأقرت اليهود أنه اجتمع عند سليمان ألف امرأة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ألف امرأة ؟ قالوا : نعم ثلاثمائة مهرية، وسبعمائة سرية، وعند داود مائة امرأة. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : (ألف عند رجل ومائة عند رجل أكثر أو تسع نسوة ) ؟ فسكتوا. وكان له يومئذ تسع نسوة. الثالثة: يقال : إن سليمان عليه السلام كان أكثر الأنبياء نساء. والفائدة في كثرة تزوجه أنه كان له قوة أربعين نبيا، وكل من كان أقوى فهو أكثر نكاحا. ويقال : إنه أراد بالنكاح كثرة العشيرة؛ لأن لكل امرأة قبيلتين قبيلة من جهة الأب وقبيلة من جهة الأم؛ فكلما تزوج امرأة صرف وجوه القبيلتين إلى نفسه فتكون عونا له على أعدائه. ويقال : إن كل من كان أتقى فشهوته أشد؛ لأن الذي لا يكون تقيا فإنما يتفرج بالنظر والمس، ألا ترى ما روى في الخبر : (العينان تزنيان واليدان تزنيان ). فإذا كان في النظر والمس نوع من قضاء الشهوة قل الجماع، والمتقي لا ينظر ولا يمس فتكون الشهوة مجتمعة في نفسه فيكون أكثر جماعا. وقال أبو بكر الوراق : كل شهوة تقسي القلب إلا الجماع فإنه يصفي القلب؛ ولهذا كان الأنبياء يفعلون ذلك. الرابعة: قوله تعالى {فمنهم من آمن به} يعني بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه تقدم ذكره وهو المحسود. {ومنهم من صد عنه} أعرض فلم يؤمن به. وقيل : الضمير في {به }راجع إلى إبراهيم. والمعنى : فمن آل إبراهيم من آمن به ومنهم من صد عنه. وقيل : يرجع إلى الكتاب. والله أعلم.
بل أيحسدون محمدًا صلى الله عليه وسلم على ما أعطاه الله من نعمة النبوة والرسالة، ويحسدون أصحابه على نعمة التوفيق إلى الإيمان، والتصديق بالرسالة، واتباع الرسول، والتمكين في الأرض، ويتمنون زوال هذا الفضل عنهم؟ فقد أعطينا ذرية إبراهيم عليه السلام -من قَبْلُ- الكتب، التي أنزلها الله عليهم وما أوحي إليهم مما لم يكن كتابا مقروءا، وأعطيناهم مع ذلك ملكا واسعا.
{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } أي: هل الحامل لهم على قولهم كونهم شركاءَ لله فيفضلون من شاءوا؟ أم الحامل لهم على ذلك الحسدُ للرسول وللمؤمنين على ما آتاهم الله من فضله؟ وذلك ليس ببدع ولا غريب على فضل الله. { فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } وذلك ما أنعم الله به على إبراهيم وذريته من النبوة والكتاب والملك الذي أعطاه من أعطاه من أنبيائه كـ "داود" و "سليمان" . فإنعامه لم يزل مستمرًا على عباده المؤمنين. فكيف ينكرون إنعامه بالنبوة والنصر والملك لمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وأجلهم وأعظمهم معرفة بالله وأخشاهم له؟"
( أم يحسدون الناس ) يعني : اليهود ، ويحسدون الناس : قال قتادة : المراد بالناس العرب ، حسدهم اليهود على النبوة ، وما أكرمهم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : أراد محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وجماعة : المراد بالناس : رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده حسدوه على ما أحل الله له من النساء ، وقالوا : ما له هم إلا النكاح ، وهو المراد من قوله : ( على ما آتاهم الله من فضله ) وقيل : حسدوه على النبوة وهو المراد من الفضل المذكور في الآية ، ( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة ) أراد بآل إبراهيم : داود وسليمان ، وبالكتاب : ما أنزل الله عليهم وبالحكمة النبوة ( وآتيناهم ملكا عظيما ) فمن فسر الفضل بكثرة النساء فسر الملك العظيم في حق داود وسليمان عليهما السلام بكثرة النساء ، فإنه كان لسليمان ألف امرأة ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرية وكان لداود مائة امرأة ، ولم يكن يومئذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسع نسوة ، فلما قال لهم ذلك سكتوا .
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) فعل مضارع وفاعل ومفعول به والجملة معطوفة على جملة: أم لهم (عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ) فعل ماض ومفعوله ولفظ الجلالة فاعله والجملة صلة ما والجار والمجرور على ما متعلقان بيحسدون (مِنْ فَضْلِهِ) متعلقان بآتاهم (فَقَدْ) الفاء للتفريع (آتَيْنا آلَ) فعل ماض وفاعل ومفعول به (إِبْراهِيمَ) مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم علم أعجمي (الْكِتابَ) مفعول به ثان (وَالْحِكْمَةَ) عطف (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) مثل آتينا آل إبراهيم والجملة معطوفة.
Traslation and Transliteration:
Am yahsudoona alnnasa AAala ma atahumu Allahu min fadlihi faqad atayna ala ibraheema alkitaba waalhikmata waataynahum mulkan AAatheeman
Or are they jealous of mankind because of that which Allah of His bounty hath bestowed upon them? For We bestowed upon the house of Abraham (of old) the Scripture and wisdom, and We bestowed on them a mighty kingdom.
Yoksa Allah'ın, lütfedip insanlara ihsan ettiği şeylere haset mi ediyorlar? Gerçekten de biz İbrahim soyuna kitap ve hikmet verdik ve onlara büyük bir saltanat ihsan ettik.
Envient-ils aux gens ce qu'Allah leur a donné de par Sa grâce? Or, Nous avons donné à la famille d'Abraham le Livre et la Sagesse; et Nous leur avons donné un immense royaume.
Oder beneiden sie etwa die Menschen für das, was ALLAH ihnen von Seiner Gunst zuteil werden ließ?! So ließen WIR bereits der Familie Ibrahims die Schrift und die Weisheit zuteil werden. Auch ließen WIR ihnen ein mächtiges Königtum zuteil werden.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النساء (An-Nisaa - The Women) |
ترتيبها |
4 |
عدد آياتها |
176 |
عدد كلماتها |
3712 |
عدد حروفها |
15937 |
معنى اسمها |
(النُّـِسْوَةُ) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لفْظِهَا |
سبب تسميتها |
كَثْرَةُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ وَمَسَائِلِ الْأُسْرَّةِ وَالْمُجْتَمَعِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النِّسَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ الكُبْرَى) أَوْ (النِّسَاءِ الطُوْلَى) |
مقاصدها |
تَنْظِيمُ الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالعَلَاقَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النِّسَاءِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَحْكَامِ المَوَارِيثِ.
فقَالَ سُبْحَانَهُ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ ...١٧٥﴾... الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النِّسَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (آلِ عِمرَانَ):
اختُتِمَتْ (آلُ عِمْرَانَ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٢٠٠﴾ ، وَافْتُتِحَتِ (النِّسَاءُ) بِالأَمرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ...١﴾. |