المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الجن: [الآية 18]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الجن | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28)
«لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ» فكأنه مستثنى ، منقطع هذا الغيب من ذلك الغيب انقطاعا حقيقيا لا انقطاع جزء من كل ، لما وقع الاشتراك في لفظة الغيب ، لذلك قلن:
مستثنى ، ولما خالفه في الحقيقة قلنا : منقطع ، ولكن بالحال بالذات ، تقول في المتصل:
ما في الدار إنسان إلا زيدا ، فهذا المستثنى متصل ، لأنه إنسان قد فارق غيره من الأناسي بحالة كونه في الدار لا بحقيقته ، إذ لم يكن في الدار إلا هو ،
فالانقطاع في الحال لا غير ، فإن قلت : ما في الدار إنسان إلا حمارا ، فهذا منقطع بالحقيقة والحال ، فكذلك الغيب الذي يطلع عليه الرسل بالرصد من الملائكة من أجل المردة من الشياطين هو الرسالة التي يبلغونها عن اللّه ، فإنه لا يحيط من علم غيب اللّه إلا بما شاء اللّه ، ولهذا قال «لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُو
رِسالاتِ رَبِّهِمْ» فأضاف الرسالة إلى قوله «رَبِّهِمْ» لما علموا أن الشياطين لم تلق إليهم أعني إلى الرسل شيئا ، فتيقنوا أن تلك الرسالة من اللّه لا من غيره ، وهل هذا القدر الذي عبر عنه في هذه السورة المعينة في قوله «إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ» هل ذلك الإعلام لهذا الرسول بوساطة الملك ؟ أو لم يكن في هذا الوحي الخاص ملك ؟
وهو الأظهر والأوجه والأولى ، وتكون الملائكة تحف أنوارها برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كالهالة حول القمر ، والشياطين من ورائها لا تجد سبيلا إلى هذا الرسول حتى يظهر اللّه له في إعلامه ذلك من الوحي ما شاء ، ولكن من علم التكليف الذي غاب عنه وعن العباد علمه ، فإنه لا يصح القول بأن العبد يعلم بعض القربات إلى اللّه بعقله لا كلها ، فلا يعلم القربة إلى اللّه التي تعطي سعادة الأبد للعبد إلا من يعلم ما في نفس الحق ، ولا يعلم ذلك أحد من خلق اللّه إلا بإعلام اللّه ، لأن الغيب على قسمين :
غيب لا يعلم أبدا وليس إلا هوية الحق، ونسبته إلينا ، وأما نسبتنا إليه فدون ذلك ، فهذا غيب لا يمكن ولا يعلم أبدا ،
والقسم الآخر غيب إضافي ، فما هو مشهود لأحد قد يكون غيبا لآخر، فما في الوجود غيب أصلا لا يشهده أحد ، وأدقه أن يشهد الموجود نفسه الذي هو غيب عن كل أحد سوى نفسه ، فما ثم غيب إلا وهو مشهود في حال غيبته عمن ليس بمشاهد له ، فإذا ارتضى اللّه من ارتضاه لعلم ذلك أطلعه عليه علما ، لا ظنا ولا تخمينا ، فلا يعلم إلا بإعلام اللّه ، أو بإعلام من أعلمه اللّه عند من يعتقد فيه أن اللّه أعلمه ، وما عدا هذا فلا علم له بغيب أصلا ، وإنما اختص بهذا الإعلام مسمى «الرسول» لأنه ما أعلمه بذلك الغيب اقتصارا عليه ، وإنما أعلمه ليعلمه ، فتحصل له درجة الفضيلة على من أعلمه به ، لتعلم مكانته عند ربه ، فلهذا سماه رسولا ، وهذا النوع من الغيب لا يكون إلا من الوجه الخاص ، لا يعلمه ملك ولا غيره إلا الرسول خاصة ، سواء كان الرسول ملكا أو غيره ، فإن اللّه نفى أن يظهر على غيبه أحدا ، وإنما قال بأن الذي ارتضاه لذلك يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ، عصمة له من الشبه القادحة فيه ، فهو علم لا دخول للشبه فيه على صاحبه ، وهذا هو صاحب البصيرة الذي هو على بينة من ربه في علمه ، وله ذوق خاص يتميز به ، لا يشاركه فيه غيره ، إذ لو شاركه لما كان خاصا ، فإذا جاء الرسول به لمن يعلمه فذلك ليس عند هذا المتعلم من علم الغيب ، فإن الرسول قد أظهره اللّه عليه ، فما هو عند هذا من علم الغيب الذي لا يظهر اللّه عليه أحدا ، وإنم
هو ما يحصل لأي عالم كان من الوجه الخاص ، ولكنه الآن ليس بواقع في الدنيا ، لكنه يقع في الآخرة ، وسبب ذلك أن كل علم يحصل للإنسان في الدنيا من العلم باللّه خاصة ، فإن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم قد علمه ،
فإنه علم علم الأولين والآخرين ، وأنت من الآخرين بلا شك ، وأما في غير العلم باللّه فقد يعطاه الإنسان من الوجه الخاص ، فلا يعلم إلا منه ، فهو رسول في تعليمه إلى من يعلمه بذلك ، هذا أعطاه مقام محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ،
وليست الفائدة إلا في العلم باللّه تعالى ، فإنه العلم الذي به تحسن صورة العالم في نفسه ، فالعلم باللّه من الرسول في المتعلم أعظم وأنفع من العلم الذي يحصل لك من الوجه الخاص ، إذا كان المعلوم كونا ما من الأكوان ليس اللّه ،
فما الشرف للإنسان إلا في علمه باللّه ، وأما علمه بسوى اللّه تعالى فعلالة يتعلل بها الإنسان المحجوب ،
فإن المنصف ما له همة إلا العلم به تعالى ، فاجهد أن تكون ممن يأخذ العلم باللّه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتكون محمدي الشهود ، إذ قطعنا أنه لا علم باللّه اليوم عينا يختص به أحد من خلق اللّه
[ الفرق بين الإحاطة والإحصاء : ]
«وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» الفرق بين الإحاطة والإحصاء هو أن الإحاطة عامة الحكم في الموجود والمعدوم وفي كل معلوم ، والإحصاء لا يكون إلا في الموجود ، فما هو شيئية «أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً» شيئية «أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً»
فشيئية الإحصاء تدخل في شيئية الإحاطة ، فكل موجود محصي ، وكل محصي محاط به ، وما كل محاط به محصي ، وكل ما يدخله الأجل يدخل الإحصاء ،
فقوله تعالى : «أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» يريد إحصاء كل شيء موجود ، فأحصى كل شيء من حروف وأعيان وجودية عددا ، إذ كان التناهي لا يدخل إلا في الموجودات فيأخذه الإحصاء ، فهذه شيئية الوجود ،
وفيه إشارة إلى الإحاطة الإلهية بجميع الأسماء الكائنة الماضية والكائنة في الحال والكائنة في المستقبل ، فهي لا تختص إلا بالوجود الكائن والذي كان ويكون ، فهو تعلق أخص من تعلق قوله (أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) من الواجبات والجائزات والمستحيلات ،
وإن كان بعض العلماء لا يسمي شيئا إلا الموجود فلا نبالي ، فإن اللّه قد أحاط بكل شيء علما ، وقد علم المحال ، ولو خصص صاحب هذا الاصطلاح العلم المحيط في هذه الآية بالموجودات فليس له دليل على ذلك إلا كونه اصطلح على أنه لا يسمى شيئا إلا الموجود ، فالإحاطة هنا على بابها من العموم ، والإحصاء يقتضي التناهي في الشيء الذي أحصي ، والإحاطة إنما هي عبارة عن تعلق العلم بالمعلومات الغير المتناهية هنا ، وقد يكون
الإحصاء هنا على العموم بمعنى الإحاطة ولكن كما قلنا في الكائنات المستقبلة وهي لا تتناهى ، فإن مقدورات اللّه لا تتناهى ، ومعلوماته كذلك أكثر من مقدوراته وغير ذلك ، والإحصاء بالعدد لا يتعلق به ، لأنه لا يجوز عليه ، فيحصي نفسه ، والمحال لا يوصف بالعدد فيتعلق به الإحصاء ، ولكن يحيط به العلم أي معنى ، لعلمه من جميع الوجوه .
(73) سورة المزّمل مكيّة
------------
(28) الفتوحات ج 3 / 79 ، 407 ، 79 - ج 4 / 128 ، 287 - ج 2 / 445 - ج 4 / 325 - كتاب الجلال والجمالتفسير ابن كثير:
يقول تعالى آمرا عباده أن يوحدوه في مجال عبادته ، ولا يدعى معه أحد ولا يشرك به كما قال قتادة في قوله : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) قال : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم ، أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوحدوه وحده .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر علي بن الحسين : حدثنا إسماعيل ابن بنت السدي ، أخبرنا رجل سماه ، عن السدي ، عن أبي مالك - أو أبي صالح - عن ابن عباس في قوله : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) قال : لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلا المسجد الحرام ومسجد إيليا : بيت المقدس .
وقال الأعمش : قالت الجن : يا رسول الله ، ائذن لنا نشهد معك الصلوات في مسجدك ، فأنزل الله : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) يقول : صلوا ، لا تخالطوا الناس .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن محمود ، عن سعيد بن جبير : ( وأن المساجد لله ) قال : قالت الجن لنبي الله صلى الله عليه وسلم : كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناءون [ عنك ] ؟ ، وكيف نشهد الصلاة ونحن ناءون عنك ؟ فنزلت : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا )
وقال سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة : نزلت في المساجد كلها .
وقال سعيد بن جبير . نزلت في أعضاء السجود ، أي : هي لله فلا تسجدوا بها لغيره . وذكروا عند هذا القول الحديث الصحيح ، من رواية عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة - أشار بيديه إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين "
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } أي: لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة، فإن المساجد التي هي أعظم محال العبادة مبنية على الإخلاص لله، والخضوع لعظمته، والاستكانة لعزته،
تفسير البغوي
( وأن المساجد لله ) يعني المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله ( فلا تدعوا مع الله أحدا ) قال قتادة : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله فأمر الله المؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد وأراد بها المساجد كلها .
وقال الحسن : أراد بها البقاع كلها لأن الأرض جعلت كلها مسجدا للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال سعيد بن جبير : قالت الجن للنبي - صلى الله عليه وسلم - كيف لنا أن [ نأتي المسجد وأن ] نشهد معك الصلاة ونحن ناءون ؟ فنزلت : " وأن المساجد لله " .
وروي عن سعيد بن جبير أيضا : أن المراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها الإنسان وهي سبعة : الجبهة واليدان والركبتان والقدمان ؟ يقول : هذه الأعضاء التي يقع عليها السجود مخلوقة لله فلا تسجدوا عليها لغيره .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، حدثنا علي بن الحسن الهلالي والسري بن خزيمة قالا حدثنا يعلى بن أسد ، حدثنا وهيب ، عن عبد الله بن طاووس ، عن أبيه ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء : الجبهة - وأشار بيده إليها - واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا أكف الثوب ولا الشعر " .
فإن جعلت المساجد مواضع الصلاة فواحدها مسجد بكسر الجيم ، وإن جعلتها الأعضاء فواحدها مسجد بفتح الجيم .
الإعراب:
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ) أن واسمها و(لِلَّهِ) متعلقان بمحذوف خبر أن والجملة معطوفة على ما قبلها (فَلا) الفاء حرف استئناف ومضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون والواو فاعل و(مَعَ اللَّهِ) ظرف مكان مضاف إلى لفظ الجلالة و(أَحَداً) مفعول به والجملة مستأنفة لا محل لها.