«عسى ربنا أن يبدِّلنا» بالتشديد والتخفيف «خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون» ليقبل توبتنا ويرد علينا خيرا من جنتنا، روي أنهم أُبدلوا خيرا منها.
ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ40) ) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42)
«يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ»
[ «يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ . . .» الآية ]
أي عن أمر فظيع ، وهو الأمر الذي يقوم عليه بيان أمر الآخرة ، تقول العرب :كشفت الحرب عن ساقها ؛ وهو إذا حمي وطيسها واشتد الحرب وعظم الخطب ، وكشف الساق كما يؤذن بالشدة كذلك يؤذن بسرعة انقضاء المدة ، فمع كل زعزع رخاء ، وعند انتهاء الشدائد يكون الرخاء ، يقال : كشفت الحرب عن ساقها ، وعقدت عليها إزرة أطواقها ، فاشتد اللزام ، وكانت نزالا لما عظم القيام ،
وجاء ربك في ظلل من الغمام ، والملائكة للفصل والقضاء والنقض والإبرام ، وعظم الخطب واشتد الكرب ، وماج الجمع بحكم الصدع ، ففي الموقف ترفع الحجب بين اللّه وبين عباده ، وهو كشف الساق ، ويأمرهم داعي الحق عن أمر اللّه بالسجود ، فلا يبقى أحد سجد للّه خالصا على أي دين كان إلا سجد السجود المعهود ،
ومن سجد اتقاء ورياء جعل اللّه ظهره طبقة نحاس ، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، فهذا قوله : «فَلا يَسْتَطِيعُونَ» فقوله تعالى :
" يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ» هو دعاء تمييز لا دعاء تكليف ، فإن الآخرة ليست بمحل تكليف إلا في يوم القيامة في موطن التمييز ، حين يدعون إلى السجود ، إلا الحديث الذي أخرجه الحميدي في كتاب الموازنة ولم يثبت ، ولما اقترن به الأمر أشبه التكليف ، فجوزوا بالسجود جزاء المكلفين ، فالتشريع لا يكون في الآخرة إلا في موطن واحد حين يدعون إلى السجود ، ليرجح بتلك السجدة ميزان أصحاب الأعراف ، فيقال بهذه السجدة يوم القيامة يرجح ميزان أهل الأعراف لأنها سجدة تكليف ، فيسعدون فينصرفون إلى الجنة بعد ما كان منزلهم في سور الأعراف ، ليس لهم ما يدخلهم النار ولا ما يدخلهم الجنة ، وإن شئت قلت سجود تمييز لا سجود ابتلاء ، فيتميز في دعاء الآخرة إلى السجود من سجد للّه ممّن سجد اتقاء ورياء ، وفي الدنيا لم يتميز لاختلاط الصور .
[سورة القلم (68) : الآيات 43 إلى 45]
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)
اعلم أن المكر الإلهي إنما أخفاه اللّه عن الممكور به خاصة لا عن غير الممكور به ، ولهذا قال : «مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ» فأعاد الضمير على المضمر في سنستدرجهم .
------------
(42) كتاب الاعلاق - الفتوحات ج 1 /
509 - ج 4 /
367 - ج 3 /
439 - ج 1 /
314 ، 733 - ج 2 /
211 - ج 1 /
751
( عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون ) قيل : رغبوا في بذلها لهم في الدنيا . وقيل : احتسبوا ثوابها في الدار الآخرة ، والله أعلم .
ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلاء قد كانوا من أهل اليمن - قال سعيد بن جبير : كانوا من قرية يقال لها ضروان على ستة أميال من صنعاء . وقيل : كانوا من أهل الحبشة - وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة ، وكانوا من أهل الكتاب ، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة ، فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليها ، ويدخر لعياله قوت سنتهم ، ويتصدق بالفاضل . فلما مات ورثه بنوه ، قالوا : لقد كان أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذه شيئا للفقراء ، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك علينا . فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم ، فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية ، ورأس المال ، والربح ، والصدقة ، فلم يبق لهم شيء .
قوله تعالى {قال أوسطهم} أي أمثلهم وأعدلهم وأعقلهم. {ألم أقل لكم لولا تسبحون} أي هلا تستثنون. وكان استثناؤهم تسبيحا؛ قال مجاهد وغيره. وهذا يدل على أن هذا الأوسط كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه. قال أبو صالح : كان استثناؤهم سبحان الله. فقال لهم : هلا تسبحون الله؛ أي تقولون سبحان الله وتشكرونه على ما أعطاكم. قال النحاس : أصل التسبيح التنزيه لله عز وجل؛ فجعل مجاهد التسبيح في موضع إن شاء الله؛ لأن المعنى تنزيه الله عز وجل أن يكون شيء إلا بمشيئته. وقيل : هلا تستغفرونه من فعلكم وتتوبون إليه من خبث نيتكم؛ فإن أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك وذكرهم انتقامه من المجرمين {قالوا سبحان ربنا} اعترفوا بالمعصية ونزهوا الله عن أن يكون ظالما فيما فعل. قال ابن عباس في قولهم {سبحان ربنا} أي نستغفر الله من ذنبنا. {إنا كنا ظالمين} لأنفسنا في منعنا المساكين. {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} أي يلوم هذا هذا في القسم ومنع المساكين، ويقول : بل أنت أشرت علينا بهذا. {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} أي عاصين بمنع حق الفقراء وترك الاستثناء. وقال ابن كيسان : طغينا نعم الله فلم نشكرها كما شكرها آباؤنا من قبل. {عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها} تعاقدوا وقالوا : إن أبدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما صنعت آباؤنا؛ فدعوا الله وتضرعوا فأبدلهم الله من ليلتهم ما هو خير منها، وأمر جبريل أن يقتلع تلك الجنة المحترقة فيجعلها بزغر من أرض الشام، ويأخذ من الشام جنة فيجعلها مكانها. وقال ابن مسعود : إن القوم أخلصوا وعرف الله منهم صدقهم فأبدلهم جنة يقال لها الحيوان، فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا واحدا. وقال اليماني أبو خالد : دخلت تلك الجنة فرأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم. وقال الحسن : قول أهل الجنة {إنا إلى ربنا راغبون} لا أدري إيمانا كان ذلك منهم أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة؛ فيوقف في كونهم مؤمنين. وسئل قتادة عن أصحاب الجنة : أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال : لقد كلفتني تعبا. والمعظم يقولون : إنهم تابوا وأخلصوا؛ حكاه القشيري. وقراءة العامة {يبدلنا} بالتخفيف. وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بالتشديد، وهما لغتان. وقيل : التبديل تغيير الشيء أو تغيير حاله وعين الشيء قائم. والإبدال رفع الشيء ووضع آخر مكانه. وقد مضى في سورة النساء القول في هذا.
فلما رأوا حديقتهم محترقة أنكروها، وقالوا: لقد أخطأنا الطريق إليها، فلما عرفوا أنها هي جنتهم، قالوا: بل نحن محرومون خيرها؛ بسبب عزمنا على البخل ومنع المساكين. قال أعدلهم: ألم أقل لكم هلا تستثنون وتقولون: إن شاء الله؟ قالوا بعد أن عادوا إلى رشدهم: تنزَّه الله ربنا عن الظلم فيما أصابنا، بل نحن كنا الظالمين لأنفسنا بترك الاستثناء وقصدنا السيِّئ. فأقبل بعضهم على بعض، يلوم كل منهم الآخر على تركهم الاستثناء وعلى قصدهم السيِّئ، قالوا: يا ويلنا إنَّا كنا متجاوزين الحد في منعنا الفقراء ومخالفة أمر الله، عسى ربنا أن يعطينا أفضل من حديقتنا؛ بسبب توبتنا واعترافنا بخطيئتنا. إنا إلى ربنا وحده راغبون، راجون العفو، طالبون الخير. مثل ذلك العقاب الذي عاقبنا به أهل الحديقة يكون عقابنا في الدنيا لكل مَن خالف أمر الله، وبخل بما آتاه الله من النعم فلم يؤدِّ حق الله فيها، ولَعذاب الآخرة أعظم وأشد مِن عذاب الدنيا، لو كانوا يعلمون لانزجروا عن كل سبب يوجب العقاب.
{ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ } فهم رجوا الله أن يبدلهم خيرًا منها، ووعدوا أنهم سيرغبون إلى الله، ويلحون عليه في الدنيا، فإن كانوا كما قالوا، فالظاهر أن الله أبدلهم في الدنيا خيرًا منها لأن من دعا الله صادقًا، ورغب إليه ورجاه، أعطاه سؤله.
ثم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا : ( عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون ) قال عبد الله بن مسعود : بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا واحدا .
(عَسى رَبُّنا) ماض ناقص واسمه (أَنْ يُبْدِلَنا) مضارع منصوب بأن ومفعوله الأول والفاعل مستتر (خَيْراً) مفعوله الثاني والمصدر المؤول من أن والفعل خبر عسى (مِنْها) متعلقان بخيرا (إِنَّا) إن واسمها (إِلى رَبِّنا) متعلقان براغبون (راغِبُونَ) خبر إن والجملة الاسمية تعليل وجملة عسى.. مقول القول.
Traslation and Transliteration:
AAasa rabbuna an yubdilana khayran minha inna ila rabbina raghiboona
It may be that our Lord will give us better than this in place thereof. Lo! we beseech our Lord.
Umulur ki Rabbimiz, onun yerine bize daha da hayırlısını verir, gerçekten de biz, Rabbimizi dilemede, ondan istemedeyiz.
Nous souhaitons que notre Seigneur nous le remplace par quelque chose de meilleur. Nous désirons nous rapprocher de notre Seigneur».
Hoffentlich tauscht uns unser HERR Besseres als sie ein. Gewiß, wir sind ALLAH gegenüber Bittende."
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة القلم (Al-Qalam - The Pen) |
ترتيبها |
68 |
عدد آياتها |
52 |
عدد كلماتها |
301 |
عدد حروفها |
1258 |
معنى اسمها |
الْقَلَمُ: أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللَّهُ، فَأَمَرَهُ فَكَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ يَكُونُ. وَالمُرَادُ (بِالْقَلَمِ): كُلُّ قَلَمٍ يَكْتُبُ بِهِ النَّاسُ وَيَسْطُرُونَهُ مِنَ الْعُلُومِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِ لِلسُّورةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (القَلَمِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (نٓ) |
مقاصدها |
إِثْبَاتُ نُبُوَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَرَدُّ شُبُهَاتِ الْمُكَذِّبِينَ فِي أَخْلاقِهِ ﷺ وَرِسَالَتِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
مِنَ النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويْلِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، ... (وَإِذَا وَقَعَتِ وَ نٓ) في رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْقَلَمِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ شُبْهَةِ الْجُنُونِ وَالرَّدِّ عَلَيهَا، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ ٢﴾، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِهَا: ﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ ٥١﴾ - حَاشَاهُ ﷺ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْقَلَمِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (المُلْكِ): لَمَّا ذَكَرَتِ (الْمُلْكُ) العَدِيدَ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللهِ، نَاسَبَ مَجِيءَ (الْقَلَمِ)؛ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ تَعَالَى |