المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التغابن: [الآية 2]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة التغابن | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
أعظم البلايا والمحن وقوع الفتن ، وأي فتنة أعظم عند الرجال من فتنة الولد والمال ، الولد مجهلة مجبنة مبخلة ؛ والمال مالك ، وصاحبه بكل وجه وإن فاز هالك ، إن أمسكه أهلكه ، وإن جاد به تركه - راجع سورة الأنفال آية 28- .
[سورة التغابن (64) : آية 16]
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
«فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» [ «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ . . .» الآية : ]
وإن كان المؤمنون قد تقدم ذكرهم فأعاد الضمير عليهم ، ولكن مثل هذا لا يسمى تصريحا ولا تعيينا ، فينزل عن درجة التعيين ، مثل قوله (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) من كوننا مؤمنين ، فيحدث لذلك حكم آخر ، فقال «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ابتداء آية بفاء عطف وضمير جمع لمذكور متقدم قريب أو بعيد ، والمضمر صالح لكل معين ، لا يختص به واحد دون آخر فهو مطلق ، والمعين مقيد ، فالضمير الخطابي يعم كل مخاطب كائنا من كان ، من مؤمن وغير مؤمن وإنسان وغير إنسان ؛ واعلم أن الاستطاعة لو بذلها الإنسان وقع في الحرج ، لأنه يكون قد بذلها عن جهد ومشقة ، وقد رفع اللّه الحرج عن عباده في دينه ، فعلمنا أن المراد بالاستطاعة في مثل قوله تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» و (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) و (ما آتاها) أن حدها أول درجات الحرج ، فإذا أحس به أو استشرف عليه قبل الإحساس به فذلك حد الاستطاعة المأمور بها شرعا ، ليجمع بين قوله تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وبين قوله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (ودين اللّه يسر) و (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)
في قوله «مَا اسْتَطَعْتُمْ» ولما فهمت الصحابة من الاستطاعة ما ذكرناه لذلك كانت رخصة لعزمة قوله تعالى : (حَقَّ تُقاتِهِ (وتخيل الصحابة أن اللّه خفف عن عباده في قوله (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) بقوله «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»
وما علموا أنهم انتقلوا إلى الأشد ، فإن تقوى اللّه بالاستطاعة أعظم في التكليف ، فإنه عزيز أن يبذل الإنسان في عمله جهد استطاعته ، لا بد من فضلة يبقيها ، وعلمنا أن اللّه أثبت العبد
في الاستطاعة ، فلا ينبغي أن ننفيه عن الموضع الذي أثبته الحق فيه ، ولولا ما ظهر العبد بالدعوى ما قيل له "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " بالقوة التي جعلتها لكم فيكم بين الضعفين ، فمن تنبه على أن قوته مجعولة ، وأنها لمن جعلها لم يدع فيها ، بل هي أمانة عنده ، لا يملكها ، والإنسان لا يكون غنيا إلا بما يملكه ، والأمانة عارية لا تملك ، مأمور من هي عنده بردها إلى أهلها ،
وهو قوله [ لا حول ولا قوة إلا باللّه ] أي القوة قائمة باللّه لا بنا ، فالمدعون في القوة يجعلون «مَا» في قوله «مَا اسْتَطَعْتُمْ» مصدرية ؛ وأهل التبري يجعلونها للنفي في الآية ، فنفى عندهم الاستطاعة في التقوى ، وأثبتها عند من جعلها مصدرية
- إشارة -لما فتح اللّه باب الرحمتين ،
وبان الصبح لذي عينين ، أوقف الحق من عباده من شاء بين يديه ، وخاطبه مخبرا بما له وعليه ، وقال له : إن لم تتق اللّه جهلته ، وإن اتقيته كنت به أجهل ، ولا بد لك من إحدى الخصلتين ، فلهذا خلقت لك الغفلة حتى تتعرى عن حكم الضدين ، وكذا النسيان ، لأنه بدون الغفلة يظهر حكم أحدهما ، فاشكر اللّه على الغفلة والنسيان .
«وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» الشح في الحيوان من أثر الطبيعة ، وأوفره في الإنسان لما ركّبه اللّه عليه في نشأته من وفور العقل وتحكيم القوى الروحانية والحسية ، وقد جبله اللّه على الحرص والطمع أن يكون كل شيء له وتحت حكمه ، فالإنسان مجبول على العجز والبخل ، قال تعالى : (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) من نظر في هذا الأصل زكت نفسه وتطهر من الدعوى «فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»
- تحقيق -المخلوق ضعيف ، ولولا المصالح ما شرع التكليف ،
فخذ ما استطعت ، ولا يلزمك العمل بكل ما جمعت ، فإن اللّه ما كلف نفسا إلا ما آتاها ، وجعل لها بعد عسر يسرا لما تولاها ، وشرع في أحكامه المباح ، وجعله سببا للنفوس في السراح والاسترواح إلى الانفساح ، ما قال في الدين برفع الحرج ، إلا رحمة بالأعرج ، وعلى منهج الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم درج ، دين اللّه يسر ، فما يمازجه عسر ، بعث بالحنيفية السمحاء ، والسنة الفيحاء ، فمن ضيق على هذه الأمة ، حشر يوم القيامة مع أهل الظلمة .
------------
(15) الفتوحات ج 4 / 341تفسير ابن كثير:
وقوله : ( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) أي : هو الخالق لكم على هذه الصفة ، وأراد منكم ذلك ، فلا بد من وجود مؤمن وكافر ، وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال ، وهو شهيد على أعمال عباده ، وسيجزيهم بها أتم الجزاء ; ولهذا قال : ( والله بما تعملون بصير )
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
وذكر أنه خلق العباد، وجعل منهم المؤمن والكافر، فإيمانهم وكفرهم كله، بقضاء الله وقدره، وهو الذي شاء ذلك منهم، بأن جعل لهم قدرة وإرادة، بها يتمكنون من كل ما يريدون من الأمر والنهي، { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .
تفسير البغوي
( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير ) ، قال ابن عباس : [ إن ] الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا ، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمنا وكافرا .
وروينا عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام طبع كافرا "
وقال - جل ذكره - " ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " ( نوح - 27 ) .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد ، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس [ عن أنس ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " وكل الله بالرحم ملكا فيقول : أي رب نطفة أي رب علقة ، أي رب مضغة ، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال : يا رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه "
وقال جماعة : معنى الآية : إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا لأن الله تعالى ذكر الخلق ثم وصفهم بفعلهم ، فقال : " فمنكم كافر ومنكم مؤمن " كما قال الله تعالى : " والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي " ( النور - 45 ) والله خلقهم والمشي فعلهم . ثم اختلفوا في تأويلها : روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : " فمنكم كافر " في حياته " مؤمن " في العاقبة " ومنكم مؤمن " في حياته كافر في العاقبة .
وقال عطاء بن أبي رباح : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب .
وقيل فمنكم كافر بأن الله تعالى خلقه ، وهو مذهب الدهرية ، ومنكم مؤمن بأن الله خلقه
وجملة القول فيه : أن الله خلق الكافر ، وكفره فعل له وكسب وخلق المؤمن ، وإيمانه فعل له وكسب ، فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الإيمان لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه ، والكافر بعد خلق الله تعالى إياه يختار الكفر لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه . وهذا طريق أهل السنة والجماعة من سلكه أصاب الحق وسلم من الجبر والقدر .
الإعراب:
(هُوَ الَّذِي) مبتدأ وخبره والجملة استئنافية لا محل لها (خَلَقَكُمْ) ماض ومفعوله والفاعل مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها (فَمِنْكُمْ) الفاء استئنافية وخبر مقدم (كافِرٌ) مبتدأ مؤخر (وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) معطوف على منكم كافر (وَاللَّهُ) لفظ الجلالة مبتدأ (بِما) متعلقان ببصير (بَصِيرٌ) خبر المبتدأ والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها.