الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الحشر: [الآية 5]

سورة الحشر
مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِىَ ٱلْفَٰسِقِينَ ﴿5﴾

تفسير الجلالين:

«ما قطعتم» يا مسلمون «من لينة» نخلة «أو تركتموها قائمة على أصولها فبأذن الله» أي خيَّركم في ذلك «وليخزيَ» بالإذن في القطع «الفاسقين» اليهود في اعتراضهم أن قطع الشجر المثمر فساد.

تفسير الشيخ محي الدين:

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)

لما كان وجود العالم مرتبطا بوجود الحق فعلا وصلاحية ، لهذا كان اسم الملك للّه تعالى أزلا - وإن كان عين العالم معدوما في العين - لكن معقوليته موجودة باسم المالك ، فهو مملوك للّه تعالى وجودا وتقديرا قوة وفعلا ، وقال تعالى : «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ»

[ التوحيد الرابع والثلاثون في القرآن ، وهو توحيد النعوت : ]

بنسبة ملك السماوات والأرض إليه فإنه رب كل شيء ومليكه ، والاسم الملك هو المهيمن على الأجناد الأسمائية ، فإن أسماءه سبحانه وتعالى عساكره ، وهي التي يسلطها على من يشاء ويرحم بها من يشاء «الْقُدُّوسُ» بقوله : (وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)

وتنزيهه عن كل ما وصف به ، فتقدست الألوهة أي تنزهت أن تدرك وفي منزلتها أن تشرك ، والقدوس من القدس وهي الطهارة الذاتية ، كتقديس الحضرة الإلهية التي أعطيها الاسم القدوس ، فهو اسم إلهي منه سرت الطهارة في الطهارات كلها ،

وهو قدوس مطهر من الأسماء النواقص ، وهي التي لا تتم إلا بصلة وعائد ، فإن من أسمائه سبحانه الذي وما ، فهو القدوس أي المطهر عن نسبة الأسماء النواقص إليه ، وهو قدوس عن تغيره في نفسه بتغير الأحكام- إشارة

- اعلم أن الاسم القدوس يصحب الموجودات وبه ثبت قوله تعالى : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) فلا ينبغي أن يحال بين العبد وسيده ، ولا يدخل بين العبد وسيده إلا بخير ، ولا شك أن النجاسة أمر عرضي عيّنه حكم شرعي ، والطهارة أمر ذاتي ، فلا أصل للنجاسة في الأعيان،


إذ الأعيان طاهرة بالأصل ، فما في الوجود بحكم الحقيقة إلا طاهر . «السَّلامُ» بسلامته من كل ما نسب إليه مما كره من عباده أن ينسبوه إليه . «الْمُؤْمِنُ» هنا له وجهان : بمعنى المصدق ، وبمعنى معطي الأمان بما أعطاهم من الأمان إذا وفوا بعهده ، فهو المؤمن بما صدق عباده ، ورد في الخبر أن العبد يقول في حال من الأحوال : اللّه أكبر ، فيقول اللّه : أنا أكبر ، يقول العبد : لا إله إلا أنت ، يقول اللّه : لا إله إلا أنا ، يقول العبد :لا إله إلا اللّه له الملك وله الحمد ، يقول اللّه : لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد ، يصدق عبده ، ومن هنا كان اسمه المؤمن ، فهو مصدق الصادقين من عباده عند من لم يثبت صدقهم عنده ،

فإذا صدق المؤمن في جميع أقواله وأفعاله وأحواله وإعطاء الأمان منه لكل خائف من جهته ، فإذا صدق في ذلك كله ، صدّقه اللّه تعالى ، لأنه لا يصدق سبحانه إلا الصادق ،

ولا يصدقه تعالى إلا من اسمه المؤمن لا غير ؛ - ومن وجه آخر - لما كان الإيمان نصف صبر ونصف شكر ، واللّه هو الصبور الشكور ، فمن اسمه المؤمن شكر عباده على ما أنعموا به على الأسماء الإلهية ، بقبولهم لآثارها ، وصبر على أذى من جهله من عباده فنسب إليه ما لا يليق به ونسبوا إليه عدوا بغير علم - كما أخبرنا عنهم - فصبر على ذلك ، ولا شخص أصبر على أذى من اللّه لاقتداره على الأخذ ، فهو المؤمن الكامل في إيمانه بكمال صبره وشكره ، ومن كون الحياء من الإيمان فإنه يستحي أن يكذب ذا شيبة يوم القيامة ، فيصدقه مع كذبه ويأمر به إلى الجنة . «الْمُهَيْمِنُ» هو الشاهد على الشيء بما هو له وعليه ، فهو الشاهد على عباده بما هم فيه من جميع أحوالهم مما لهم وعليهم." الْعَزِيزُ " لغلبه من غالبه إذ هو الذي لا يغالب ، وامتناعه في علو قدسه أن يقاوم «الْجَبَّارُ» في اللسان : الملك العظيم ، وهو الجبار بما جبر عليه عباده في اضطرارهم واختيارهم ، فهم في قبضته تعالى ، فهو تعالى الجبار بما للذات من جبر في العالم بالأسماء الإلهية ، وله الجبر بالإحسان على الظاهر والباطن ، فله الجبر بطريق القهر والمغالبة على الظاهر ، وله الجبر الذاتي بالتجلي في العظمة الحاكمة على كل نفس فتذهل عن ذاتها وعزتها ، فلله قهر خفي في العالم لا يشعر به ، وهو ما جبرهم عليه في اختيارهم ، وقهر جلي وهو ما ليس فيه اختيار يحكم عليهم ، فللحق الرفعة أصلا وذلك بقوله «الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ» ولكنه لما نزل لعباده حتى ظن بعض الناس أن ذلك له حقيقة قال «الْمُتَكَبِّرُ» فهي رفعة للحق بعد نزوله إلى عباده ، لما حصل في النفوس الضعيفة من نزوله إليهم في خفي ألطافه لمن تقرب بالحد والمقدار ، من شبر وذراع وباع وهرولة وتبشيش وفرح وتعجب


وضحك وأمثال ذلك ، فكان التكبر من صفات الحق لما كان من نزوله في الصفات إلى ما يعتقده أصحاب النظر وأكثر الخلق أنه صفة المخلوق ، فلما علم ذلك منهم وهو سبحانه قد وصف لهم نفسه بتلك الصفات حتى طمعوا فيه ، وضل بها قوم عن طريق الهدى ، كما اهتدى بها قوم في طريق الحيرة ، قام لهم تعالى في صفة التكبر عن ذلك النزول ، ليعلمهم أنه وإن اشترك معهم في الاسمية فإن نسبتها إليه تعالى ليست كنسبتها إلى المخلوق ، فيكون مثل هذا تكبرا فإن نسبة التكبر محيرة ، فتحير من تحير في نسبة التكبر إلى الحق وتحقيقها أن لو علم نزول الحق لعباده - إذ ليس في قوة الممكن نيل ما يستحقه الحق من الغنى عن العالم ، وفي قوة الحق مع غناه من باب الفضل والكرم النزول لعباده - لعلمنا تلك النسبة ، فإن جهل أحد من العباد قدر هذا النزول الإلهي ، وتعاظم العبد في نفسه لنزول الحق له ، ولم يعلم أن نزول الحق لعباده ما هو لعين عباده ، وإنما ذلك لظهور أحكام أسمائه الحسنى في أعيان الممكنات ، فما علم أنه لنفسه نزل لا لخلقه ، كما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فما خلقهما إلا من أجله ، والخلق نزول من مقام ما يستحقه من الغنى عن العالمين ، فالمتخيل من العباد خلاف هذا وأنه تعالى ما نزل إلا لما هو المخلوق عليه من علو القدر والمنزلة ، فهذا أجهل الجاهلين ، فأعطى الحق هذا النزول أو ما توهمه الجاهل أن يتسمى الحق بالمتكبر عن هذا النزول ، ولكن بعد هذا النزول لا قبله وجودا وتقديرا لا بد من ذلك .

واعلم أن التكبر لا يكتسبه الكبير وإنما يكتسبه الأدنى في الرتبة ، فيكسب العبد الكبرياء بما هو الحق صفته ، فالكبرياء للّه لا للعبد ، فهو محمود مشكور في كبريائه وتكبره ، ويكسب الحق هذا الاسم ، فإنه تعالى ذكر عن نفسه أنه متكبر ، وذلك لنزوله تعالى إلى عباده في خلقه آدم بيديه ، وغرسه شجرة طوبى بيده ، وكونه يمينه الحجر الأسود ، وفي يد المبايع بالإمامة من الرسل في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ) ونزوله في قوله [ جعت فلم تطعمني ، وظمئت فلم تسقني ، ومرضت فلم تعدني ]وما وصف الحق به نفسه مما هو عندنا من صفات المحدثات ، فلما تحقق بهذا النزول عندنا حتى ظن أكثر المؤمنين أن هذه له صفة استحقاق ، وتأولها آخرون من المؤمنين ، فمن اعتقد أن اتصاف الحق بهذا أن المفهوم منه ما هو المفهوم من اتصاف الخلق به ، أعلم الحق هذه الطائفة خاصة أنه يتكبر عن هذا ، أي عن المفهوم الذي فهمه القاصرون من كون نسبته إليه تعالى على حد نسبته إلى المخلوق ، وبه يقول أهل الظاهر أهل الجمود منهم القاصرة أفهامهم عن استحقاق كل مستحق حقه ،


فقال عن نفسه تعالى إنه «الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ» عن هذا المفهوم وإن اتصف بما اتصف به ، فله تعالى الكبرياء من ذاته ، وله التكبر عن هذا المفهوم لا عن الاتصاف ، لأنه لو تكبر عما وصف به نفسه مما ذكرنا لكان كذبا ، والكذب في خبره محال ، فالاتصاف بما وصف به نفسه حق يعلمه أولو الألباب .

ومن كون الحق متكبرا أن يجد العبد في قلبه كبرياء الحق فلا يعصه ، فالذي اجرأ العصاة ومن اجترأ على اللّه من عباده على المخالفة ، ما وصف الحق به نفسه من العفو والمغفرة ، ونهاهم عن القنوط من رحمة اللّه ، فما عندهم رائحة من نعت التكبر الإلهي الذي هو به متكبر في قلوب عباده ، إذ لو كبر عندهم ما اجترءوا على شيء من ذلك ،

ولا حكمت عليهم هذه الأسماء التي أطمعتهم ، فإن كبرياء الحق إذا استقر في قلب عبد وهو التكبر ، من المحال أن تقع منه مخالفة لأمر الحق بوجه من الوجوه ، فالحق المتكبر إنما هو في نفس هذا الموافق الطائع عبد اللّه على الحقيقة ،

والتوحيد في هذه الآية هو التوحيد الرابع والثلاثون في القرآن ، وهو توحيد النعوت ، وهو من توحيد الهوية المحيطة ، فله النعوت كلها ، نعوت الجلال ، فإن صفات التنزيه لا تعطي الثبوت ، والأمر وجودي ثابت ، فلهذا قدم الهوية وأخرها حتى إذا جاءت نعوت السلب ، وحصلت الحيرة في قلب السامع ، منعت الهوية بإحاطتها أن يخرج السامع إلى العدم ، فيقول : فما تمّ شيء وجودي ، إذ قد خرج عن وجود العقل والحس فيلحقه بالعدم فتمنعه الهوية ، فإن الضمير لا بد أن يعود على أمر مقرر:

[سورة الحشر (59) : آية 24]

هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)

هُوَ اللَّهُ الْخالِقُبالتقدير والإيجاد ، والخالق هنا صفة للّه موصوف للبارئ ، وعلى ذلك تؤخذ الأسماء الإلهية إذا وقعت بين اسمين إلهيين ، فالخالق صفة للّه موصوف للبارئ «الْبارِئُ» بما أوجده من مولدات الأركان «الْمُصَوِّرُ» بما فتح في الهباء من الصور ، وفي أعين المتجلى لهم من صور التجلي المنسوبة إليه ، ما نكر منها وما عرف ، وما أحيط بها وما لم يدخل تحت إحاطة . «لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» وهي تسعة وتسعون اسما ، مائة إلا واحد ، وكل اسم واحد مدلوله ليس مدلول عين الاسم الآخر ، وإن كان المسمى بالكل واحدا ،


فهذه أحدية المجموع وآحاده ، فما ثمّ جمع يقتضي هذا الحكم وهو أن يكون إلها إلا هذا المسمى بهذه الأسماء الحسنى المختلفة المعاني ، التي افتقر إليها الممكن في وجود عينه . «يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ولم يقل . «وَما فِي الْأَرْضِ» لأن كثيرا من الناس في الأرض لا يسبحون اللّه ، وممن يسبح اللّه منهم ما يسبحه في كل حال ، والأرض تسبحه في كل حال ، والسماوات وما فيها من الملائكة والأرواح المفارقة تسبحه كما قال (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) فراعى هنا من يدوم تسبيحه وهو الأرض ، كما راعى في موطن آخر من القرآن تسبيح من في الأرض وإن كان البعض من العالم ،

فقال عزّ من قائل (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ)

بجمع من يعقل ، ثم أكد ذلك بقوله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)

وزاد في التأكيد بقوله (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) فأتى بلفظة من ولم يأت بما ، وأتى هنا بما ولم يأت بمن ، فإن سيبويه يقول : إن اسم ما يقع على كل شيء ؛ إلا أنه لم يعم الموجودات . واعلم أن حضرة التصوير هي آخر حضرة الخلق وليس وراءها حضرة للخلق جملة واحدة ، فهي المنتهى والعلم أولها ، والهوية هي المنعوتة بهذا كله ، أعني الهوية فابتدأ بقوله «هُوَ» لأن الهوية لا بد منها ، ثم ختم بها في السلب والثبوت

وهو قوله (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وابتدأ من الصفات بالعلم بالغيب والشهادة وختم بالمصور ، ولم يعين بعد ذلك اسما بعينه ، بل قال «لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» ثم ذكر أن له يسبح ما في السماوات والأرض ، فإن إنشاء الصور لا يتناهى دنيا ولا آخرة ، فالإنشاء متصل دائم وإن تناهت الدنيا ، فسبحان من يجهل فلا يعلم ويعلم فلا يجهل «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ومن خصائص هذه السورة سورة الحشر :

جعل الرحمن آخرها *** عصمة لنا من الفتن

عصم الرحمن قارئها *** أبدا في السر والعلن

تحقيق -[ تحقيق : ما خلق اللّه تعالى الثقلين إلا بأسماء اللطف والحنان ]

اعلم أن الثقلين ما خلقهم اللّه تعالى إلا بأسماء اللطف والحنان ، والرأفة والرحمة ، والتنزل الإلهي ، فخلقهم بالاسم الرحمن ، فلما نظروا إلى الأسماء التي وجدوا عنها ما رأوا اسما إليها منها يقتضي أخذهم وعقوبتهم إن عصوا أمره ونهيه ، وتكبروا على أمره ، فلم يطيعوه وعصوه ، لأنه تعالى بالرحمة أوجدنا ، لم يوجدنا بصفة القهر ، وكذلك تأخرت المعصية فتأخر الغضب عن الرحمة في الثقلين ، فاللّه يجعل حكمهما في الآخرة كذلك ، ولو كانت بعد حين ، ألا ترى اللّه تعالى إذا ذكر أسماءه لنا يبتدي بأسماء الرحمة ويؤخر أسماء الكبرياء ،


لأنا لا نعرفها ، فإذا قدّم لنا أسماء الرحمة عرفناها وحننا إليها ، عند ذلك يتبعها أسماء الكبرياء لنأخذها بحكم التبعية ، فقال تعالى : «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ» فهذا نعت يعم الجميع أي جميع المخلوقات ، وليس واحدته بأولى من الآخر ، ثم ابتدأ فقال «هُوَ الرَّحْمنُ» فعرفنا «الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» لأنا عنه وجدنا ، ثم قال بعد ذلك «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» ابتدأ ليجعله فصلا بين «الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» وبين «الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ» فقال «الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ» وهذا كله من نعوت الرحمن ، ثم جاء وقال «الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ» فقبلنا هذه النعوت بعد أن آنسنا بأسماء اللطف والحنان وأسماء الاشتراك التي لها وجه إلى الرحمة ، ووجه إلى الكبرياء وهو «اللَّهُ» و «الْمَلِكُ» فلما جاء بأسماء العظمة والمحل قد تأنس بترادف الأسماء الكثيرة الموجبة الرحمة ، قبلنا أسماء العظمة لما رأينا أسماء الرحمة قد قبلتها حيث كانت نعوتا لها ، فقبلناها ضمنا تبعا لأسمائنا ، ثم إنه لما علم الخالق أن صاحب القلب والعلم باللّه وبمواقع خطابه إذا سمع مثل أسماء العظمة لا بد أن تؤثر فيه أثر خوف وقبض ، نعتها بعد ذلك وأردفها بأسماء لا تختص بالرحمة على الإطلاق ، ولا تعرى عن العظمة على الإطلاق فقال : «هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى» وهذا كله تعليم من اللّه عباده وتنزل إليهم ، ولهذا قدّم سبحانه في كتابه بسم اللّه الرحمن الرحيم في كل سورة إذ كانت تحوي على أمور مخوفة تطلب أسماء العظمة والاقتدار ، فقدم أسماء الرحمة تأنيسا وبشرى ، وما طلب اللّه تعالى من عباده في حقه إلا أن يعلموا أنه إله واحد لا شريك له وبشرى ، وما طلب اللّه تعالى من عباده في حقه إلا أن يعلموا أنه إله واحد لا شريك له في ألوهته لا غير ، وأن له الأسماء الحسنى بما هي عليه من المعاني في اللسان ، وقرن النجاة والسعادة بمن وقف عندما جاء من عنده عزّ وجل في كتبه وعلى ألسنة رسله «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» .

(60) سورة الممتحنة مدنيّة

------------

(23) الفتوحات ج 1 / 183 - ج 4 / 322 - ج 2 / 42 - ج 1 / 51 - ج 2 / 109 - ج 4 / 201 ، 202 - ج 1 / 707 ، 382 ، 707 - ج 4 / 322 - ج 3 / 218 - ج 4 / 322 - ج 2 / 92 - ج 1 / 455 - ج 2 / 92 - ج 1 / 597 - ج 4 / 262 ، 205 ، 322 - ج 1 / 98 - ج 4 / 209 ، 208 - ج 3 / 229 - ج 4 / 209 ، 226 ، 322 ، 91 ، 42 ، 209 - ج 2 / 420

تفسير ابن كثير:

وقوله تعالى : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) اللين : نوع من التمر ، وهو جيد .

قال : أبو عبيدة : وهو ما خالف العجوة والبرني من التمر .

وقال كثيرون من المفسرين : اللينة : ألوان التمر سوى العجوة .

قال : ابن جرير : هو جميع النخل . ونقله عن مجاهد : وهو البويرة أيضا ; وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم إهانة لهم ، وإرهابا وإرعابا لقلوبهم . فروى محمد ابن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان أنهم قالوا : [ فبعث بنو النضير ] يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنك تنهى عن الفساد ، فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله هذه الآية الكريمة ، أي : ما قطعتم وما تركتم من الأشجار ، فالجميع بإذن الله ومشيئته وقدرته ورضاه ، وفيه نكاية بالعدو وخزي لهم ، وإرغام لأنوفهم .

وقال مجاهد : نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل ، وقالوا : إنما هي مغانم المسلمين . فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه ، وتحليل من قطعه من الإثم ، وإنما قطعه وتركه بإذنه . وقد روي نحو هذا مرفوعا ، فقال النسائي : أخبرنا الحسن بن محمد ، عن عفان حدثنا حفص بن غياث ، حدثنا حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) قال : يستنزلونهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل ، فحاك في صدورهم ، فقال المسلمون : قطعنا بعضا وتركنا بعضا ، فلنسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل لنا فيما قطعنا من أجر ؟ وهل علينا فيما تركنا من وزر ؟ فأنزل الله : ( ما قطعتم من لينة )

وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا حفص ، عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن جابر - وعن أبي الزبير ، عن جابر - قال : رخص لهم في قطع النخل ، ثم شدد عليهم فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ، علينا إثم فيما قطعنا ؟ أو علينا وزر فيما تركنا ؟ فأنزل الله ، عز وجل : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ) .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير وحرق .

وأخرجه صاحبا الصحيح من رواية موسى بن عقبة ، بنحوه ولفظ البخاري من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير ، وأقر قريظة ، ومن عليهم حتى حاربت قريظة فقتل من رجالهم ، وقسم نساءهم ، وأولادهم ، وأموالهم بين المسلمين ، إلا بعضهم لحقوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فأمنهم وأسلموا ، وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع ، وهم رهط عبد الله بن سلام ، ويهود بني حارثة ، وكل يهودي بالمدينة .

ولهما أيضا عن قتيبة ، عن الليث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير وقطع - وهي البويرة - فأنزل الله ، عز وجل فيه : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) .

وللبخاري رحمه الله ، من رواية جويرية بن أسماء ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير . ولها يقول حسان بن ثابت ، رضي الله عنه :

وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول :

أدام الله ذلك من صنيع وحرق في نواحيها السعير

ستعلم أينا منها بنزه وتعلم أي أرضينا نضير

كذا رواه البخاري ولم يذكره ابن إسحاق .

وقال محمد بن إسحاق : وقال كعب بن مالك يذكر إجلاء بني النضير وقتل ابن الأشرف :

لقد خزيت بغدرتها الحبور كذاك الدهر ذو صرف يدور

وذلك أنهم كفروا برب عظيم أمره أمر كبير

وقد أوتوا معا فهما وعلما وجاءهم من الله النذير

نذير صادق أدى كتابا وآيات مبينة تنير

فقال ما أتيت بأمر صدق وأنت بمنكر منا جدير

فقال : بلى لقد أديت حقا يصدقني به الفهم الخبير

فمن يتبعه يهد لكل رشد ومن يكفر به يجز الكفور

فلما أشربوا غدرا وكفرا وجد بهم عن الحق النفور

أرى الله النبي برأي صدق وكان الله يحكم لا يجور

فأيده وسلطه عليهم وكان نصيره نعم النصير

فغودر منهمو كعب صريعا فذلت بعد مصرعه النضير

على الكفين ثم وقد علته بأيدينا مشهرة ذكور

بأمر محمد إذ دس ليلا إلى كعب أخا كعب يسير

فماكره فأنزله بمكر ومحمود أخو ثقة جسور

فتلك بنو النضير بدار سوء أبارهم بما اجترموا المبير

غداة أتاهم في الزحف رهوا رسول الله وهو بهم بصير

وغسان الحماة موازروه على الأعداء وهو لهم وزير

فقال : السلم ويحكم فصدوا وحالف أمرهم كذب وزور

فذاقوا غب أمرهم دبالا لكل ثلاثة منهم بعير

وأجلوا عامدين لقينقاع وغودر منهم نخل ودور

قال : وكان مما قيل من الأشعار في بني النضير قول ابن لقيم العبسي - ويقال : قالها قيس بن بحر بن طريف ، قال ابن هشام الأشجعي :

أهلي فداء لامرئ غير هالك أحل اليهود بالحسي المزنم

يقيلون في جمر الغضاة وبدلوا أهيضب عودا بالودي المكمم

فإن يك ظني صادقا بمحمد يروا خيله بين الصلا ويرمرم

يؤم بها عمرو بن بهثة إنهم عدو وما حي صديق كمجرم

عليهن أبطال مساعير في الوغى يهزون أطراف الوشيج المقوم

وكل رقيق الشفرتين مهند تورثن من أزمان عاد وجرهم

فمن مبلغ عني قريشا رسالة فهل بعدهم في المجد من متكرم

بأن أخاكم فاعلمن محمدا تليد الندى بين الحجون وزمزم

فدينوا له بالحق تجسم أموركم وتسموا من الدنيا إلى كل معظم

نبي تلافته من الله رحمة ولا تسألوه أمر غيب مرجم

فقد كان في بدر لعمري عبرة لكم يا قريش والقليب الملمم

غداة أتى في الخزرجية عامدا إليكم مطيعا للعظيم المكرم

معانا بروح القدس ينكى عدوه رسولا من الرحمن حقا بمعلم

رسولا من الرحمن يتلو كتابه فلما أنار الحق لم يتلعثم

أرى أمره يزداد في كل موطن علوا لأمر حمه الله محكم

وقد أورد ابن إسحاق ، رحمه الله ، ها هنا أشعارا كثيرة ، فيها آداب ومواعظ وحكم ، وتفاصيل للقصة ، تركنا باقيها اختصارا واكتفاء بما ذكرناه ، ولله الحمد والمنة .

قال ابن إسحاق : كانت وقعة بني النضير بعد وقعة أحد ، وبعد بئر معونة . وحكى البخاري ، عن الزهري ، عن عروة أنه قال : كانت وقعة بني النضير بعد بدر بستة أشهر .


تفسير الطبري :

فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى {ما قطعتم من لينة} {ما} في محل نصب بـ {قطعتم}؛ كأنه قال : أي شيء قطعتم. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل على حصون بني النضير - وهي البويرة - حين نقضوا العهد بمعونة قريش عليه يوم أحد، أمر بقطع نخيلهم وإحراقها. واختلفوا في عدد ذلك؛ فقال قتادة والضحاك : إنهم قطعوا من نخيلهم وأحرقوا ست نخلات. وقال محمد بن إسحاق : إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة. وكان ذلك عن إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بأمره؛ إما لإضعافهم بها وإما لسعة المكان بقطعها. فشق ذلك عليهم فقالوا وهم يهود أهل الكتاب : يا محمد، ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح، أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر؟ وهل وجدت فيما أنزل الله عليك إباحة الفساد في الأرض؟ فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم. ووجد المؤمنون في أنفسهم حتى اختلفوا؛ فقال بعضهم : لا تقطعوا مما أفاء الله علينا. وقال بعضهم : أقطعوا لنغيظهم بذلك. فنزلت الآية بتصديق من نهى عن القطع وتحليل من قطع من الإثم، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله. وقال شاعرهم سماك اليهودي في ذلك : ألسنا ورثنا الكتاب الحكيم ** على عهد موسى ولم نصدف وأنتم رعاء لشاء عجاف ** بسهل تهامة والأخيف ترون الرعاية مجدا لكم ** لدى كل دهر لكم مجحف فيا أيها الشاهدون انتهوا ** عن الظلم والمنطق المؤنف لعل الليالي وصرف الزهور ** يدلن من العادل المنصف بقتل النضير وإجلائها ** وعقر النخيل ولم تقطف فأجابه حسان بن ثابت : تفاقد معشر نصروا قريشا ** وليس لهم ببلدتهم نصير همو أوتوا الكتاب فضيعوه ** وهم عمي عن التوراة بور كفرتم بالقران وقد أبيتم ** بتصديق الذي قال النذير وهان على سراة بني لؤي ** حريق بالبويرة مستطير فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب : أدام الله ذلك من صنيع ** وحرق في نواحيها الشعير ستعلم أينا منها بنزه ** وتعلم أي أرضينا تصير فلو كان النخيل بها ركابا ** لقالوا لا مقام لكم فسيروا الثانية: كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم في ربيع الأول أول السنة الرابعة من الهجرة، وتحصنوا منه في الحصون، وأمر بقطع النخل وإحراقها، وحينئذ نزل تحريم الخمر. ودس عبدالله بن أبي ابن سلول ومن معه من المنافقين إلى بني النضير : إنا معكم، وإن قوتلنا قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم؛ فاغتروا بذلك. فلما جاءت الحقيقة خذلوهم وأسلموهم وألقوا بأيديهم، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكف عن دمائهم ويجليهم؛ على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح، فاحتملوا كذلك إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام. وكان ممن سار منهم إلى خيبر أكابرهم؛ كحيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع. فدانت لهم خيبر. الثالثة: ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق. ولها يقول حسان : وهان على سراة بني لؤي ** حريق بالبويرة مستطير وفي ذلك نزلت {ما قطعتم من لينة} الآية. واختلف الناس في تخريب دار العدو وتحريقها وقطع ثمارها على قولين : الأول : أن ذلك جائز؛ قال في المدونة. الثاني : إن علم المسلمون أن ذلك لهم لم يفعلوا، وإن يئسوا فعلوا؛ قاله مالك في الواضحة. وعليه يناظر أصحاب الشافعي. ابن العربي : والصحيح الأول. وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخل بني النضير له؛ ولكنه قطع وحرق ليكون ذلك نكاية لهم ووهنا فيهم حتى يخرجوا عنها. وإتلاف بعض المال لصلاح باقيه مصلحة جائزة شرعا، مقصودة عقلا. الرابعة: قال الماوردي : إن في هذه الآية دليلا على أن كل مجتهد مصيب. وقاله الكيا الطبري قال : وإن كان الاجتهاد يبعد في مثله مع وجود النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي ذلك وسكت؛ فتلقوا الحكم من تقريره فقط. قال ابن العربي : وهذا باطل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معهم، ولا اجتهاد مع حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يدل على اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم ينزل عليه؛ أخذا بعموم الأذية للكفار، ودخولا في الإذن للكل لما يقضي عليهم بالاجتياح والبوار؛ وذلك قوله تعالى {وليخزي الفاسقين}. الخامسة: اختلف في اللينة ما هي؛ على أقوال عشرة : الأول : النخل كله إلا العجوة؛ قاله الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل. وعن ابن عباس ومجاهد والحسن : أنها النخل كله، ولم يستثنوا عجوة ولا غيرها. وعن ابن عباس أيضا : أنها لون من النخل. وعن الثوري : أنها كرام النخل. وعن أبي عبيدة : أنها جميع ألوان التمر سوى العجوة والبرني. وقال جعفر بن محمد : إنها العجوة خاصة. وذكر أن العتيق والعجوة كانتا مع نوح عليه السلام في السفينة. والعتيق : الفحل. وكانت العجوة أصل الإناث كلها فلذلك شق على اليهود قطعها؛ حكاه الماوردي. وقيل : هي ضرب من النخل يقال لتمره : اللون، تمره أجود التمر، وهو شديد الصفرة، يرى نواه من خارجه ويغيب فيه الضرس؛ النخلة منها أحب إليهم من وصيف. وقيل : هي النخلة القريبة من الأرض. وأنشد الأخفش. قد شجاني الحمام حين تغنى ** بفراق الأحباب من فوق لينه وقيل : إن اللينة الفسيلة؛ لأنها ألين من النخلة. ومنه قول الشاعر : غرسوا لينها بمجرى معين ** ثم حفوا النخيل بالآجام وقيل : إن اللينة الأشجار كلها للينها بالحياة؛ قال ذو الرمة : طراق الخوافي واقع فوق لينه ** ندى ليله في ريشه يترقرق والقول العاشر : أنها الدقل؛ قال الأصمعي. قال : وأهل المدينة يقولون لا تنتفخ الموائد حتى توجد الألوان؛ يعنون الدقل. قال ابن العربي : والصحيح ما قال الزهري ومالك لوجهين : أحدهما : أنهما أعرف ببلدهما وأشجارهما. الثاني : أن الاشتقاق يعضده، وأهل اللغة يصححونه؛ فإن اللينة وزنها لونة، واعتلت على أصولهم قالت إلى لينة فهي لون، فإذا دخلت الهاء كسر أولها؛ كبرك الصدر بفتح الباء وبركه بكسرها لأجل الهاء. وقيل لينة أصلها لونة فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وجمع اللينة لين. وقيل : ليان؛ قال امرؤ القيس يصف عنق فرسه : وسالفة كسحوق الليان ** أضرم فيها الغوي السعر وقال الأخفش : إنما سميت لينة اشتقاقا من اللون لا من اللين. المهدوي : واختلف في اشتقاقها؛ فقيل : هي من اللون وأصلها لونة. وقيل : أصلها لينة من لان يلين. وقرأ عبدالله {ما قطعتم من لينة ولا تركتم قوماء على أصولها} أي قائمة على سوقها. وقرأ الأعمش {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قوما على أصولها} المعنى لم تقطعوها. وقرئ {قوماء على أصلها}. وفيه وجهان : أحدهما : أنه جمع أصل؛ كرهن ورهن. والثاني : اكتفي فيه بالضمة عن الواو. وقرئ {قائما على أصوله} ذهابا إلى لفظ {ما}. {فبإذن الله} أي بأمره {وليخزي الفاسقين} أي ليذل اليهود الكفار به وبنبيه وكتبه.

التفسير الميسّر:

ما قطعتم -أيها المؤمنون- من نخلة أو تركتموها قائمة على ساقها، من غير أن تتعرضوا لها، فبإذن الله وأمره؛ وليُذلَّ بذلك الخارجين عن طاعته المخالفين أمره ونهيه، حيث سلَّطكم على قطع نخيلهم وتحريقها.

تفسير السعدي

ولما لام بنو النضير رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين في قطع النخيل والأشجار، وزعموا أن ذلك من الفساد، وتوصلوا بذلك إلى الطعن بالمسلمين، أخبر تعالى أن قطع النخيل إن قطعوه أو إبقاءهم إياه إن أبقوه، إنه بإذنه تعالى، وأمره { وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ } حيث سلطكم على قطع نخلهم، وتحريقها، ليكون ذلك نكالا لهم، وخزيا في الدنيا، وذلا يعرف به عجزهم التام، الذي ما قدروا على استنقاذ نخلهم، الذي هو مادة قوتهم. واللينة: اسم يشمل سائر النخيل على أصح الاحتمالات وأولاها، فهذه حال بني النضير، وكيف عاقبهم الله في الدنيا.


تفسير البغوي

( ما قطعتم من لينة ) الآية . وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل ببني النضير وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا : يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح ! أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخيل فهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض ؟ ! فوجد المسلمون في أنفسهم [ من قولهم وخشوا ] أن يكون ذلك فسادا واختلفوا في ذلك فقال بعضهم : لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا . وقال بعضهم : بل نغيظهم بقطعها . فأنزل الله هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا آدم حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر قال : حرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخل بني النضير وقطع البويرة فنزلت ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله )

( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ) أخبر الله في هذه الآية أن ما قطعوه وما تركوه فبإذن الله ( وليخزي الفاسقين )

واختلفوا في " اللينة " فقال قوم : النخل كلها لينة ما خلا العجوة [ وهو قول عكرمة وقتادة . ورواه زاذان عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقطع نخلهم إلا العجوة ] وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمرة : الألوان واحدها لون ولينة . وقال الزهري : هي ألوان النخل كلها إلا العجوة والبرنية .

وقال مجاهد وعطية : هي النخل كلها من غير استثناء . وقال العوفي عن ابن عباس - رضي الله عنهم - : هي لون من النخل . وقال سفيان : هي كرام النخل .

وقال مقاتل هي ضرب من النخل يقال لثمرها اللون ، وهو شديد الصفرة يرى نواه من خارج ، يغيب فيها الضرس وكان من أجود تمرهم وأعجبها إليهم ، وكانت النخلة الواحدة منها ثمنها ثمن وصيف ، وأحب إليهم من وصيف فلما رأوهم يقطعونها شق ذلك عليهم وقالوا للمؤمنين : إنكم تكرهون الفساد في الأرض ، وأنتم تفسدون دعوا هذا النخل [ قائما هو لمن غلب عليها ] فأخبر الله تعالى أن ذلك بإذنه .


الإعراب:

(ما) اسم شرط جازم مفعول به مقدم (قَطَعْتُمْ) ماض وفاعله والجملة ابتدائية لا محل لها (مِنْ لِينَةٍ) متعلقان بمحذوف حال (أَوْ) حرف عطف (تَرَكْتُمُوها) ماض وفاعله ومفعوله الأول (قائِمَةً) مفعول به ثان والجملة معطوفة على ما قبلها (عَلى أُصُولِها) متعلقان بقائمة (فَبِإِذْنِ اللَّهِ) الفاء رابطة وبإذن متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي فقطعها بإذن اللّه والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط ولفظ الجلالة مضاف إليه.

(وَلِيُخْزِيَ) الواو عاطفة على مقدر مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والفاعل مستتر (الْفاسِقِينَ) مفعول به والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف مقدر.

---

Traslation and Transliteration:

Ma qataAAtum min leenatin aw taraktumooha qaimatan AAala osooliha fabiithni Allahi waliyukhziya alfasiqeena

بيانات السورة

اسم السورة سورة الحشر (Al-Hashr - The Exile)
ترتيبها 59
عدد آياتها 24
عدد كلماتها 447
عدد حروفها 1913
معنى اسمها حَشَرَ النَّاسَ: جَمَعَهُم، وَالمُرَادُ (بالْحَشْرِ): خُرُوجُ يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ مِن الْمَدِينَةِ
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الْحَشْرِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْحَشْرِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (بَنِي النَّضِيرِ)
مقاصدها تَرْبِيَةُ النَّفْسِ وَتَقْوِيْمُهَا بِضَرْبِ الأَمْثَالِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، نَزَلَتْ فِي يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ؛ غَدَرُوا بِالنَّبِيِّ ﷺ وَنَقَضُوا العَهْدَ، فَأَجْلاهُم مِنَ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ وَحَشَرَهُمْ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ. (رَوَاهُ البُخارِيّ وَمُسْلِم)
فضلها (الحَشْرُ) مِنَ المُسَبِّحَاتِ، أَتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ فقال: أَقرِئْنِي يا رسولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقْرَأْ ثَلاثًا مِنَ المُسَبِّحَاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الحَشْرِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن تَنْزِيِهِ اللهِ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ، افتُتِحَتْ بِالتَّسْبِيحِ، فَقَالَ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١﴾، وَخُتِمَتْ بِالتَّسْبِيحِ، فَقَالَ: ﴿يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ٢٤﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْحَشْرِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (المُجَادَلَةِ):لَمَّا خَتَمَ (المُجَادَلَةَ) بِالإِشَارَةِ إَلَى مَن حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ...٢٢﴾، ذَكَرَهُمْ فِي أَوَّلِ (الْحَشْرِ) فَقَالَ: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۖ ...٤﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!