المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة المجادلة: [الآية 13]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة المجادلة | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13) لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
" لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ولو كانوا قرابتهم ، لذلك قال تعالى : «وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ» فكونهم حادوا اللّه ورسوله هو الذي عاد عليهم ، فجنوا على أنفسهم ، ومن لم يطلعك اللّه على عداوته للّه فلا تتخذه عدوا ، وأقل أحوالك إذا جهلته أن تهمل أمره ، فمتى لم تعلم عداوته للّه فلا تعاده بالإمكان ولا بما يظهر على اللسان ، والذي ينبغي لك أن تكره فعله لا عينه ، والعدو للّه إنما تكره عينه ، ففرّق بين من تكره عينه وهو عدو للّه ، وبين من تكره فعله وهو المؤمن ، أو من تجهل خاتمته ممن ليس بمسلم في الوقت «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ»
والكتابة من اللّه في قلب عبده دون واسطة ، وأوجب للعبد ذلك حكما سمي به مؤمنا ، والإيمان المكتوب في القلوب يمنع من أن تصدر منهم معصية أصلا انتهاكا لحرمة اللّه ، وإن وقعت فتكون بحكم القدر النافذ لا بقصد انتهاك حرمات اللّه ، أو عن غفلة منهم «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ»
وتأييدهم بعد إيراد نور الإيمان على قلوبهم ، إنما يكون بتقويته بأوصاف الروح الروحانية ، من الطهارة وعدالة الأخلاق والأوصاف ، والنزاهة عن أحكام النقص والانحراف ، فبهذه الأوصاف الروحانية الوحدانية الاعتدالية يظهر القلب وآثاره ، ويتميز
بعد أن كان مغمورا ومستورا ومقهورا تحت سلطنة النفس وآثارها ، وكما أن الحق ما تجلى لشيء قط ثم انحجب عنه بعد ذلك ، كذلك من كتب اللّه في قلبه الإيمان فإنه لا يمحوه أبدا ، ومن هؤلاء نواب الحق ، فما كذبوا شيئا مما له وجود في الكون ووجدوا له مصرفا ،
ولذلك قال : «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» فهذا المؤيد به إذا توجه على معدوم أوجده ، وعلى معدل مسوى نفخ فيه روح «وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» إن أردت أن تكون من عباد اللّه الذين اختصهم لخدمته ، واصطنعهم لنفسه ،
ورضي عنهم فرضوا عنه ، فتطهّر بالموافقة من المخالفة ،
وكن فيما يرضيه سبحانه من الأعمال في الأقوال والأفعال والأحوال «أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» فما يدري أحد ما لهم من المنزلة عند اللّه ،
لأنهم ما تحركوا ولا سكنوا إلا في حق اللّه لا في حق أنفسهم ، إيثارا لجناب اللّه على ما يقتضيه طبعهم .
(59) سورة الحشر مدنيّة
------------
(22) الفتوحات ج 3 / 169 - ج 4 / 59 ، 449 - ج 2 / 166 - ج 1 / 233 - كتاب شعب الإيمان - الفتوحات ج 1 / 359 - ج 3 / 337تفسير ابن كثير:
ثم قال : ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ) أي : أخفتم من استمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول ، ( فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ) فنسخ وجوب ذلك عنهم .
وقد قيل : إنه لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها سوى علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه .
قال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : نهوا عن مناجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتصدقوا ، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب ، قدم دينارا صدقة تصدق به ، ثم ناجى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن عشر خصال ، ثم أنزلت الرخصة .
وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، قال علي ، رضي الله عنه : آية في كتاب الله عز وجل لم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم ، فكنت إذا ناجيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصدقت بدرهم ، فنسخت ولم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، ثم تلا هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) الآية .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عثمان بن المغيرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علي بن علقمة الأنماري ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما ترى ، دينارا ؟ " . قال : لا يطيقون . قال : " نصف دينار ؟ " . قال : لا يطيقون . قال : " ما ترى ؟ " قال : شعيرة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنك زهيد قال : قال علي : فبي خفف الله عن هذه الأمة ، وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) فنزلت : ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات )
ورواه الترمذي ، عن سفيان بن وكيع ، عن يحيى بن آدم ، عن عبيد الله الأشجعي ، عن سفيان الثوري ، عن عثمان بن المغيرة الثقفي ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علي بن علقمة الأنماري ، عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) إلى آخرها ، قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما ترى ، دينارا ؟ " قلت لا يطيقونه . وذكره بتمامه ، مثله ، ثم قال : " هذا حديث حسن غريب ، إنما نعرفه من هذا الوجه " . ثم قال : ومعنى قوله : " شعيرة " : يعني وزن شعيرة من ذهب
ورواه أبو يعلى ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يحيى بن آدم به .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) إلى ( فإن الله غفور رحيم ) كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة ، فلما نزلت الزكاة نسخ هذا .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) وذلك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى شقوا عليه ، فأراد الله أن يخفف عن نبيه ، عليه السلام . فلما قال ذلك صبر كثير من الناس وكفوا عن المسألة ، فأنزل الله بعد هذا : ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقة فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) فوسع الله عليهم ولم يضيق .
وقال عكرمة ، والحسن البصري في قوله : ( فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) نسختها الآية التي بعدها ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) إلى آخرها .
وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، ومقاتل بن حيان : سأل الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحفوه بالمسألة ، فقطعهم الله بهذه الآية ، فكان الرجل منهم إذا كانت له الحاجة إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يستطيع أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة ، فاشتد ذلك عليهم ، فأنزل الله الرخصة بعد ذلك : ( فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم )
وقال معمر ، عن قتادة : ( إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) إنها منسوخة : ما كانت إلا ساعة من نهار . وهكذا روى عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن مجاهد قال علي : ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت وأحسبه قال : وما كانت إلا ساعة .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
ثم لما رأى تبارك وتعالى شفقة المؤمنين، ومشقة الصدقات عليهم عند كل مناجاة، سهل الأمر عليهم، ولم يؤاخذهم بترك الصدقة بين يدي المناجاة، وبقي التعظيم للرسول والاحترام بحاله لم ينسخ، لأن هذا الحكم من باب المشروع لغيره، ليس مقصودا لنفسه، وإنما المقصود هو الأدب مع الرسول والإكرام له، وأمرهم تعالى أن يقوموا بالمأمورات الكبار المقصودة بنفسها، فقال: { فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا } أي: لم يهن عليكم تقديم الصدقة، ولا يكفي هذا، فإنه ليس من شرط الأمر أن يكون هينا على العبد، ولهذا قيده بقوله: { وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ } أي: عفا لكم عن ذلك، { فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } بأركانها وشروطها، وجميع حدودها ولوازمها، { وَآتُوا الزَّكَاةَ } المفروضة [في أموالكم] إلى مستحقيها.
وهاتان العبادتان هما أم العبادات البدنية والمالية، فمن قام بهما على الوجه الشرعي، فقد قام بحقوق الله وحقوق عباده، [ولهذا قال بعده:] { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وهذا أشمل ما يكون من الأوامر.
ويدخل في ذلك طاعة الله [وطاعة] رسوله، بامتثال أوامرهما واجتناب نواهيهما، وتصديق ما أخبرا به، والوقوف عند حدود الله
والعبرة في ذلك على الإخلاص والإحسان، ولهذا قال: { وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } فيعلم تعالى أعمالهم، وعلى أي: وجه صدرت، فيجازيهم على حسب علمه بما في صدورهم.
تفسير البغوي
( أأشفقتم أن تقدموا ) قال ابن عباس : أبخلتم ؟ والمعنى : أخفتم العيلة والفاقة إن قدمتم ( بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا ) ما أمرتم به ( وتاب الله عليكم ) تجاوز عنكم ولم يعاقبكم بترك الصدقة ، وقيل " الواو " صلة مجازه : فإن لم تفعلوا تاب الله عليكم ونسخ الصدقة [ قال مقاتل بن حيان : كان ذلك عشر ليال ثم نسخ ] وقال الكلبي : ما كانت إلا ساعة من نهار .
( فأقيموا الصلاة ) المفروضة ( وآتوا الزكاة ) الواجبة ( وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون )
الإعراب:
(أَأَشْفَقْتُمْ) الهمزة حرف استفهام وماض وفاعله (أَنْ تُقَدِّمُوا) مضارع منصوب بأن والواو فاعله والمصدر المؤول من أن والفعل منصوب بنزع الخافض وجملة أشفقتم استئنافية لا محل لها (بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ) سبق إعرابها (صَدَقاتٍ) مفعول به (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) إذ ظرف لما مضى من الزمن ومضارع مجزوم بلم والواو فاعله وو الجملة في محل جر بالإضافة وجملة إذ استئنافية لا محل لها.
(وَتابَ اللَّهُ) ماض وفاعله (عَلَيْكُمْ) متعلقان بالفعل والجملة حال (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) الفاء رابطة وأمر وفاعله ومفعوله والجملة جواب إذ لا محل لها (وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) معطوفتان على ما قبلهما.
(وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) سبق إعرابها.