«ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب» يعني الكتب الأربعة: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فإنها في ذرية إبراهيم «فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون».
لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
لا يعظم الفضل الإلهي إلا في المسرفين والمجرمين ، وأما في المحسنين فما على المحسنين من سبيل ، فإن الفضل الإلهي جاءهم ابتداء وكانوا به محسنين ، وما بقي الفضل الإلهي إلا في غير المحسنين .
(58) سورة المجادلة مدنيّة
[سورة المجادلة (58) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
«قَدْ سَمِعَ اللَّهُ» قال اللّه تعالى ذلك ولم يقل : سمعت ؛ لأن الآية قد تكون تعريفا من جبريل الروح الأمين بأمر اللّه أن يقول لعبده عليه السلام مثل هذا ، أي قل يا جبريل «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ» كما قيل لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ) وهو بشر ، ويحتمل أن يكون الكلام من مرتبة خاصة ، فيقول الحق من كونه متكلما : يا محمد «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ» فيريد باللّه هنا الاسم السميع أو العليم.
[سورة المجادلة (58) : آية 2]
الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
[إشارة : لا عين للشريك إذ لا شريك في العالم ]
-إشارة - «وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً» المنكر الشريك الذي أثبته المشركون بجعلهم فلم يقبله التوحيد الإلهي ، وأنكره فصار منكرا من القول وزورا ، فلم يكن ثمّ شريك له عين أصلا ، بل هو لفظ ظهر تحته العدم المحض ، فلا عين للشريك إذ لا شريك في العالم عينا وإن وجد قولا ولفظا .
------------
(29) الفتوحات ج 4 /
5
يخبر تعالى أنه منذ بعث نوحا ، عليه السلام ، لم يرسل بعده رسولا ولا نبيا إلا من ذريته ، وكذلك إبراهيم ، عليه السلام ، خليل الرحمن ، لم ينزل من السماء كتابا ولا أرسل رسولا ولا أوحى إلى بشر من بعده ، إلا وهو من سلالته كما قال في الآية الأخرى : ( وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ) [ يعني ] حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم الذي بشر من بعده بمحمد ، صلوات الله وسلامه عليهما ; ولهذا قال تعالى :
قوله تعالى {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} أي بالمعجزات البينة والشرائع الظاهرة. وقيل : الإخلاص لله تعالى في العبادة، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، بذلك دعت الرسل : نوح فمن دونه إلى محمد صلى الله عليه وسلم. {وأنزلنا معهم الكتاب} أي الكتب، أي أوحينا إليهم خبر ما كان قبلهم {والميزان} قال ابن زيد : هو ما يوزن به ومتعامل {ليقوم الناس بالقسط} أي بالعدل في معاملاتهم. وقوله {بالقسط} يدل على أنه أراد الميزان المعروف وقال قوم : أراد به العدل. قال القشيري : وإذا حملناه على الميزان المعروف، فالمعنى أنزلنا الكتاب ووضعنا الميزان فهو من باب : علفتها تبنا وماء باردا ويدل على هذا قوله تعالى {والسماء رفعها ووضع الميزان} [
الرحمن : 7] ثم قال{وأقيموا الوزن بالقسط} [
الرحمن : 9] وقد مضى القول فيه. {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} روى عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض : الحديد والنار والماء والملح). وروى عكرمة عن ابن عباس قال : ثلاثة أشياء نزلت مع آدم عليه السلام : الحجر الأسود وكان أشد بياضا من الثلج، وعصا موسى وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع مع طول موسى، والحديد أنزل معه ثلاثة أشياء : السندان والكلبتان والميقعة وهي المطرقة، ذكره الماوردي. وقال الثعلبي : قال ابن عباس نزل آدم من الجنة ومعه من الحديد خمسة أشياء من آلة الحدادين : السندان، والكلبتان، والميقعة، والمطرقة، والإبرة. وحكاه القشيري قال : والميقعة ما يحدد به، يقال وقعت الحديدة أقعها أي حددتها. وفي الصحاح : والميقعة الموضع الذي يألفه البازي فيقع عليه، وخشية القصار التي يدق عليها، والمطرقة والمسن الطويل. وروي أن الحديد أنزل في يوم الثلاثاء. {فيه بأس شديد} أي لإهراق الدماء. ولذلك نهى عن الفصد والحجامة في يوم الثلاثاء؛ لأنه يوم جرى فيه الدم. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (في يوم الثلاثاء ساعة لا يرقأ فيها الدم). وقيل {أنزلنا الحديد} أي أنشأناه وخلقناه، كقوله تعالى {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} [
الزمر : 6] وهذا قول الحسن. فيكون من الأرض غير منزل من السماء. وقال أهل المعاني : أي أخرج الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه. {فيه بأس شديد} يعني السلاح والكراع والجنة. وقيل : أي فيه من خشية القتل خوف شديد. {ومنافع للناس} قال مجاهد : يعني جنة. وقيل : يعني انتفاع الناس بالماعون من الحديد، مثل السكين والفأس والإبرة ونحوه. {وليعلم الله من ينصره} أي أنزل الحديد ليعلم من ينصره. وقيل : هو عطف على قوله تعالى {ليقوم الناس بالقسط} أي أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم الكتاب، وهذه الأشياء، ليتعامل الناس بالحق، {وليعلم الله من ينصره} وليرى الله من ينصر دينه وينصر رسله {ورسله بالغيب} قال ابن عباس : ينصرونهم لا يكذبونهم، ويؤمنون بهم {بالغيب} أي وهم لا يرونهم. {إن الله قوي} {قوي} في أخذه {عزيز} أي منيع غالب. وقد تقدم. وقيل {بالغيب} بالإخلاص. قوله تعالى {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم} فصل ما أجمل من إرسال الرسل بالكتب، وأخبر أنه أرسل نوحا وإبراهيم وجعل النبوة في نسلهما {وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} أي جعلنا بعض ذريتهما الأنبياء، وبعضهم أمما يتلون الكتب المنزلة من السماء : التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. وقال ابن عباس : الكتاب الخط بالقلم {فمنهم} أي من ائتم بإبراهيم ونوح {مهتد} وقيل{فمنهم مهتد} أي من ذريتهما مهتدون. {وكثير منهم فاسقون} كافرون خارجون عن الطاعة.
ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم إلى قومهما، وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتب المنزلة، فمِن ذريتهما مهتدٍ إلى الحق، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله.
ولما ذكر نبوة الأنبياء عموما، ذكر من خواصهم النبيين الكريمين نوحا وإبراهيم اللذين جعل الله النبوة والكتاب في ذريتهما، فقال: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } أي: الأنبياء المتقدمين والمتأخرين كلهم من ذرية نوح وإبراهيم عليهما السلام، وكذلك الكتب كلها نزلت على ذرية هذين النبيين الكريمين، { فَمِنْهُمْ } أي: ممن أرسلنا إليهم الرسل { مُهْتَدٍ } بدعوتهم، منقاد لأمرهم، مسترشد بهداهم.
{ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي: خارجون عن [طاعة الله و] طاعة الرسل والأنبياء كما قال تعالى: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }
"ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون".
(وَلَقَدْ) الواو حرف عطف واللام واقعة في جواب القسم المحذوف وقد حرف تحقيق (أَرْسَلْنا) ماض وفاعله (نُوحاً) مفعوله (وَإِبْراهِيمَ) معطوف على نوحا والجملة جواب القسم لا محل لها (وَجَعَلْنا) معطوف على أرسلنا (فِي ذُرِّيَّتِهِمَا) متعلقان بالفعل (النُّبُوَّةَ) مفعول به (وَالْكِتابَ) معطوف على النبوة.
فمنهم الفاء تفريعية والجار والمجرور خبر مقدم (مُهْتَدٍ) مبتدأ مؤخر والجملة استئنافية لا محل لها (وَكَثِيرٌ) مبتدأ (مِنْهُمْ) متعلقان بكثير (فاسِقُونَ) خبر والجملة معطوفة على ما قبلها.
Traslation and Transliteration:
Walaqad arsalna noohan waibraheema wajaAAalna fee thurriyyatihima alnnubuwwata waalkitaba faminhum muhtadin wakatheerun minhum fasiqoona
And We verily sent Noah and Abraham and placed the prophethood and the scripture among their seed, and among them there is he who goeth right, but many of them are evil-livers.
Ve andolsun ki biz, Nuh'u ve İbrahim'i gönderdik ve soylarına da peygamberlik ve kitap verdik; derken onlardan doğru yolu bulanlar var ve çoğuysa buyruktan çıkmış olanlar.
Nous avons effectivement envoyé Noé et Abraham et accordé à leur descendance la prophétie et le Livre. Certains d'entre eux furent bien-guidés, tandis que beaucoup d'entre eux furent pervers.
Und gewiß, bereits entsandten WIR Nuh und Ibrahim und ließen in ihrer Nachkommenschaft die Prophetenschaft und die Schrift sein. Also manche von ihnen sind rechtgeleitet, und viele von ihnen sind Fasiq.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الحديد (Al-Hadid - The Iron) |
ترتيبها |
57 |
عدد آياتها |
29 |
عدد كلماتها |
575 |
عدد حروفها |
2475 |
معنى اسمها |
(الْحَدِيدُ): الْمَعْدِنُ الْمَعْرُوفُ الْمُسْتَخْدَمُ فِي البِنَاءِ وَغَيرِهِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ فَوَائِدِ الْحَدِيدِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الْحَدِيدِ) |
مقاصدها |
الْحَثُّ عَلَى الإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ شُكْرًا لِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
سُورَةُ (الْحَدِيدِ) مِنَ المُسَبِّحَاتِ، أَتَى رجُلٌ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُوْلَ اللهِ، فَقَالَ: «اقْرَأْ ثَلاثًا مِنَ المُسَبِّحَاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْحَدِيدِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ تَنْزِيهِ اللهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ فَافتُتِحَتْ بِتَسْبِيحِ اللهِ فَقَالَ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١﴾، وَخُتِمَتْ بِوَصْفِ فَضْلِ اللهِ فَقَالَ: ﴿وَأَنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ ٢٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْحَدِيدِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْوَاقِعَةَ):خُتِمَتِ (الْوَاقِعَةُ) بِالتَّسْبِيحِ فَقَالَ: ﴿فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ ٩٦﴾، وَافْتُتِحَتِ (الْحَديدُ) بالتَّسْبِيحِ فَقَالَ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١﴾. |