The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النساء: [الآية 11]

سورة النساء
يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىٓ أَوْلَٰدِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٌ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ ۚ مِنۢ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ ۗ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿11﴾

تفسير الجلالين:

«يوصيكم» يأمركم «الله في» شأن «أولادكم» بما يذكر «للذكر» منهم «مثل حظ» نصيب «الأنثيين» إذا اجتمعنا معه فله نصف المال ولهما النصف فإن كان معه واحدة فلها الثلث وله الثلثان وإن انفرد جاز المال «فإن كنَّ» أي الأولاد «نساءً» فقط «فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك» الميت وكذا الاثنتان لأنه للأختين بقوله «فلهما الثلثان مما ترك» فهما أولى به ولأن البنت تستحق الثلث مع الذكر فمع الأنثى أولى (وفوق) قيل صلة وقيل لدفع توهم زيادة النصيب بزيادة العدد لما فهم استحقاق البنتين الثلثين من جعل الثلث للواحدة مع الذكر «وإن كانت» المولودة «واحدة» وفي قراءة بالرفع فكان تامة «فلها النصف ولأبويه» أي الميت ويبدل منهما «لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد» ذكر أو أنثى ونكتة البدل إفادة أنهما لا يشتركان فيه وألحق بالولد ولد الابن وبالأب الجد «فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه» فقط أو مع زوج «فلأمه» بضم الهمزة وكسرها فرارا من الانتقال من ضمة إلى كسرة لثقله في الموضعين «الثلث» أي ثلث المال أو ما ينبغي بعد الزوج والباقي للأب «فإن كان له إخوة» أي اثنان فصاعدا ذكورا أو إناثا «فلأمه السدس» والباقي للأب ولا شيء للأخوة وإرث من ذكر ما ذُكر «من بعد» تنفيذ «وصية يوصي» بالبناء للفاعل والمفعول «بها أو» قضاء «دين» عليه وتقديم الوصية على الدين وإن كانت مؤخرة عنه في الوفاء للاهتمام بها «آباؤكم وأبناؤكم» مبتدأ خبره «لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا» في الدنيا والآخرة فظان أن ابنه أنفع له فيعطيه الميراث فيكون الأب أنفع وبالعكس وإنما العالم بذلك هو الله ففرض لكم الميراث «فريضة من الله إن الله كان عليما» بخلقه «حكيما» فيما دبَّره لهم: أي لم يزل متصفا بذلك.

تفسير الشيخ محي الدين:

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (173) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174)

البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .

------------

(174) الفتوحات ج 4 / 352 - إيجاز البيان - الفتوحات ج 3 / 94 - ج 2 / 107

تفسير ابن كثير:

هذه الآية الكريمة والتي بعدها والآية التي هي خاتمة هذه السورة هن آيات علم الفرائض ، وهو مستنبط من هذه الآيات الثلاث ، ومن الأحاديث الواردة في ذلك مما هي كالتفسير لذلك ولنذكر منها ما هو متعلق بتفسير ذلك ، وأما تقرير المسائل ونصب الخلاف والأدلة ، والحجاج بين الأئمة ، فموضعه كتاب " الأحكام " فالله المستعان .

وقد ورد الترغيب في تعلم الفرائض ، وهذه الفرائض الخاصة من أهم ذلك . وقد روى أبو داود وابن ماجه ، من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي ، عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العلم ثلاثة ، وما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة " .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ، تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم ، وهو ينسى ، وهو أول شيء ينتزع من أمتي " .

رواه ابن ماجه ، وفي إسناده ضعف .

وقد روي من حديث عبد الله بن مسعود وأبي سعيد وفي كل منهما نظر . قال [ سفيان ] ابن عيينة : إنما سمى الفرائض نصف العلم; لأنه يبتلى به الناس كلهم .

وقال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام : أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني ابن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين ، فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئا ، فدعا بماء فتوضأ منه ، ثم رش علي ، فأفقت ، فقلت : ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله ؟ فنزلت : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) .

وكذا رواه مسلم والنسائي ، من حديث حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج به ، ورواه الجماعة كلهم من حديث سفيان بن عيينة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر .

حديث آخر عن جابر في سبب نزول الآية : قال الإمام أحمد : حدثنا زكريا بن عدي ، حدثنا عبيد الله - هو ابن عمرو الرقي - عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا ، وإن عمهما أخذ مالهما ، فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال . قال : فقال : " يقضي الله في ذلك " . قال : فنزلت آية الميراث ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال : " أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأمهما الثمن ، وما بقي فهو لك " .

وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، من طرق ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، به . قال الترمذي : ولا يعرف إلا من حديثه .

والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي ، فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات ، ولم يكن له بنات ، وإنما كان يورث كلالة ، ولكن ذكرنا الحديث هاهنا تبعا للبخاري ، رحمه الله ، فإنه ذكره هاهنا . والحديث الثاني عن جابر أشبه بنزول هذه الآية ، والله أعلم .

فقوله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) أي : يأمركم بالعدل فيهم ، فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث ، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث ، وفاوت بين الصنفين ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين; وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتجشم المشقة ، فناسب أن يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى .

وقد استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالد بولده ، حيث أوصى الوالدين بأولادهم ، فعلم أنه أرحم بهم منهم ، كما جاء في الحديث الصحيح .

وقد رأى امرأة من السبي تدور على ولدها ، فلما وجدته أخذته فألصقته بصدرها وأرضعته . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ذلك ؟ " قالوا : لا يا رسول الله : قال : " فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها " .

وقال البخاري هاهنا : حدثنا محمد بن يوسف ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : كان المال للولد ، وكانت الوصية للوالدين ، فنسخ الله من ذلك ما أحب ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث ، وجعل للزوجة الثمن والربع ، وللزوج الشطر والربع .

وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض ، للولد الذكر والأنثى والأبوين ، كرهها الناس أو بعضهم وقالوا : تعطى المرأة الربع أو الثمن وتعطى البنت النصف . ويعطى الغلام الصغير . وليس أحد من هؤلاء يقاتل القوم ، ولا يحوز الغنيمة . . اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه ، أو نقول له فيغير ، فقال بعضهم : يا رسول الله ، نعطي الجارية نصف ما ترك أبوها ، وليست تركب الفرس ، ولا تقاتل القوم ونعطي الصبي الميراث وليس يغني شيئا . . وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ، ويعطونه الأكبر فالأكبر . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير أيضا .

وقوله : ( فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ) قال بعض الناس : قوله : ( فوق ) زائدة وتقديره : فإن كن نساء اثنتين كما في قوله [ تعالى ] ( فاضربوا فوق الأعناق ) [ الأنفال : 12 ] وهذا غير مسلم لا هنا ولا هناك; فإنه ليس في القرآن شيء زائد لا فائدة فيه وهذا ممتنع ، ثم قوله : ( فلهن ثلثا ما ترك ) لو كان المراد ما قالوه لقال : فلهما ثلثا ما ترك . وإنما استفيد كون الثلثين للبنتين من حكم الأختين في الآية الأخيرة ، فإنه تعالى حكم فيها للأختين بالثلثين . وإذا ورث الأختان الثلثين فلأن يرث البنتان الثلثين بطريق الأولى وقد تقدم في حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم لابنتي سعد بن الربيع بالثلثين ، فدل الكتاب والسنة على ذلك ، وأيضا فإنه قال : ( وإن كانت واحدة فلها النصف ) فلو كان للبنتين النصف [ أيضا ] لنص عليه ، فلما حكم به للواحدة على انفرادها دل على أن البنتين في حكم الثلاث والله أعلم .

وقوله : ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس [ مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ] ) إلى آخره ، الأبوان لهما في الميراث أحوال :

أحدها : أن يجتمعا مع الأولاد ، فيفرض لكل واحد منهما السدس فإن لم يكن للميت إلا بنت واحدة ، فرض لها النصف ، وللأبوين لكل واحد منهما السدس ، وأخذ الأب السدس الآخر بالتعصيب ، فيجمع له - والحالة هذه - بين هذه الفرض والتعصيب .

الحال الثاني : أن ينفرد الأبوان بالميراث ، فيفرض للأم - والحالة هذه - الثلث ويأخذ الأب الباقي بالتعصيب المحض ، ويكون قد أخذ ضعفي ما فرض للأم ، وهو الثلثان ، فلو كان معهما - والحالة هذه - زوج أو زوجة أخذ الزوج النصف والزوجة الربع . ثم اختلف العلماء : ما تأخذ الأم بعد فرض الزوج والزوجة على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها تأخذ ثلث الباقي في المسألتين; لأن الباقي كأنه جميع الميراث بالنسبة إليهما . وقد جعل الله لها نصف ما جعل للأب فتأخذ ثلث الباقي ويأخذ ثلثيه وهو قول عمر وعثمان ، وأصح الروايتين عن علي . وبه يقول ابن مسعود وزيد بن ثابت ، وهو قول الفقهاء السبعة ، والأئمة الأربعة ، وجمهور العلماء - رحمهم الله .

والقول الثاني : أنها تأخذ ثلث جميع المال لعموم قوله : ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) فإن الآية أعم من أن يكون معها زوج أو زوجة أو لا . وهو قول ابن عباس . وروي عن علي ، ومعاذ بن جبل ، نحوه . وبه يقول شريح وداود بن علي الظاهري واختاره الإمام أبو الحسين محمد بن عبد الله بن اللبان البصري في كتابه " الإيجاز في علم الفرائض " .

وهذا فيه نظر ، بل هو ضعيف; لأن ظاهر الآية إنما هو [ ما ] إذا استبد بجميع التركة ، فأما في هذه المسألة فيأخذ الزوج أو الزوجة الفرض ، ويبقى الباقي كأنه جميع التركة ، فتأخذ ثلثه ، كما تقدم .

والقول الثالث : أنها تأخذ ثلث جميع المال في مسألة الزوجة ، فإنها تأخذ الربع وهو ثلاثة من اثني عشر ، وتأخذ الأم الثلث وهو أربعة ، فيبقى خمسة للأب . وأما في مسألة الزوج فتأخذ ثلث الباقي; لئلا تأخذ أكثر من الأب لو أخذت ثلث المال ، فتكون المسألة من ستة : للزوج النصف ثلاثة وللأم ثلث ما بقي وهو سهم ، وللأب الباقي بعد ذلك وهو سهمان . ويحكى هذا عن محمد بن سيرين ، رحمه الله ، وهو مركب من القولين الأولين ، موافق كلا منهما في صورة وهو ضعيف أيضا . والصحيح الأول ، والله أعلم .

والحال الثالث من أحوال الأبوين : وهو اجتماعهما مع الإخوة ، وسواء كانوا من الأبوين ، أو من الأب ، أو من الأم ، فإنهم لا يرثون مع الأب شيئا ، ولكنهم مع ذلك يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس ، فيفرض لها مع وجودهم السدس ، فإن لم يكن وارث سواها وسوى الأب أخذ الأب الباقي .

وحكم الأخوين فيما ذكرناه كحكم الإخوة عند الجمهور . وقد روى البيهقي من طريق شعبة مولى ابن عباس ، عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال : إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث ، قال الله تعالى : ( فإن كان له إخوة ) فالأخوان ليسا بلسان قومك إخوة . فقال عثمان : لا أستطيع تغيير ما كان قبلي ، ومضى في الأمصار ، وتوارث به الناس .

وفي صحة هذا الأثر نظر ، فإن شعبة هذا تكلم فيه مالك بن أنس ، ولو كان هذا صحيحا عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصاء به ، والمنقول عنهم خلافه .

وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد ، عن أبيه أنه قال : الأخوان تسمى إخوة وقد أفردت لهذه المسألة جزءا على حدة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد العزيز بن المغيرة ، حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد ، عن قتادة قوله : ( فإن كان له إخوة فلأمه السدس ) أضروا بالأم ولا يرثون ، ولا يحجبها الأخ الواحد من الثلث ويحجبها ما فوق ذلك ، وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهم من الثلث أن أباهم يلي إنكاحهم ونفقته عليهم دون أمهم .

وهذا كلام حسن . لكن روي عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه كان يرى أن السدس الذي حجبوه عن أمهم يكون لهم ، وهذا قول شاذ ، رواه ابن جرير في تفسيره فقال :

حدثنا الحسن بن يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه عن ابن عباس ، قال : السدس الذي حجبته الإخوة لأم لهم ، إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أبيهم .

ثم قال ابن جرير : وهذا قول مخالف لجميع الأمة ، وقد حدثني يونس ، أخبرنا سفيان ، أخبرنا عمرو ، عن الحسن بن محمد ، عن ابن عباس أنه قال : الكلالة من لا ولد له ولا والد .

وقوله : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) أجمع العلماء سلفا وخلفا : أن الدين مقدم على الوصية ، وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية الكريمة . وقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وأصحاب التفاسير ، من حديث أبي إسحاق ، عن الحارث بن عبد الله الأعور ، عن علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ] قال : إنكم تقرءون ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات ، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه . ثم قال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث الحارث الأعور ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم .

قلت : لكن كان حافظا للفرائض معتنيا بها وبالحساب فالله أعلم .

وقوله : ( آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ) أي : إنما فرضنا للآباء وللأبناء ، وساوينا بين الكل في أصل الميراث على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية ، وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من كون المال للولد وللوالدين الوصية ، كما تقدم عن ابن عباس ، إنما نسخ الله ذلك إلى هذا ، ففرض لهؤلاء ولهؤلاء بحسبهم; لأن الإنسان قد يأتيه النفع الدنيوي - أو الأخروي أو هما - من أبيه ما لا يأتيه من ابنه ، وقد يكون بالعكس; فلهذا قال : ( آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ) أي : كأن النفع متوقع ومرجو من هذا ، كما هو متوقع ومرجو من الآخر; فلهذا فرضنا لهذا ولهذا ، وساوينا بين القسمين في أصل الميراث ، والله أعلم .

وقوله : ( فريضة من الله ) أي : [ من ] هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث ، وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض - هو فرض من الله حكم به وقضاه ، والله عليم حكيم الذي يضع الأشياء في محالها ، ويعطي كلا ما يستحقه بحسبه; ولهذا قال : ( إن الله كان عليما حكيما )


تفسير الطبري :

فيه خمس وثلاثون مسألة: الأولى: قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} بين تعالى في هذه الآية ما أجمله في قوله{للرجال نصيب} [النساء : 32] {وللنساء نصيب} فدل هذا على جواز تأخير البيان عن وقت السؤال. وهذه الآية ركن من أركان الدين، وعمدة من عمد الأحكام، وأم من أمهات الآيات؛ فإن الفرائض عظيمة القدر حتى أنها ثلث العلم، وروي نصف العلم. وهو أول علم ينزع من الناس وينسى. رواه الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإنه نصف العلم وهو أول شيء ينسى وهو أول شيء ينتزع من أمتي). وروي أيضا عن عبدالله بن مسعود قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تعلموا القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموها الناس وتعلموا العلم وعلموه الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يفصل بينهما). وإذا ثبت هذا فاعلم أن الفرائض كان جل علم الصحابة، وعظيم مناظرتهم، ولكن الخلق ضيعوه. وقد روى مطرف عن مالك، قال عبدالله بن مسعود : (من لم يتعلم الفرائض والطلاق والحج فبم يفضل أهل البادية؟) وقال ابن وهب عن مالك : كنت أسمع ربيعة يقول : (من تعلم الفرائض من غير علم بها من القرآن ما أسرع ما ينساها). قال مالك : وصدق. الثانية: روى أبو داود والدارقطني عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة). قال الخطابي أبو سليمان : الآية المحكمة هي كتاب الله تعالى : واشترط فيها الإحكام؛ لأن من الآي ما هو منسوخ لا يعمل به، وإنما يعمل بناسخه. والسنة القائمة هي الثابتة مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من السنن الثابتة. وقوله : (أو فريضة عادلة) يحتمل وجهين من التأويل : أحدهما : أن يكون من العدل في القسمة؛ فتكون معدلة عل الأنصباء والسهام المذكورة في الكتاب والسنة. والوجه الآخر : أن تكون مستنبطة من الكتاب والسنة ومن معناهما؛ فتكون هذه الفريضة تعدل ما اخذ من الكتاب والسنة إذ كانت في معنى ما أخذ عنهما نصا. روى عكرمة قال : أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت يسأل عن امرأة تركت زوجها وأبويها. قال : للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي. فقال : تجده في كتاب الله أو تقول برأي؟ قال : أقوله برأي؛ لا أفضل أما على أب. قال أبو سليمان : فهذا من باب تعديل الفريضة إذا لم يكن فيها نص؛ وذلك أنه اعتبرها بالمنصوص عليه، وهو قوله تعالى {وورثه أبواه فلأمه الثلث}. فلما وجد نصيب الأم الثلث، وكان باقي المال هو الثلثان للأب، قاس النصف الفاضل من المال بعد نصيب الزوج على كل المال إذا لم يكن مع الوالدين ابن أو ذو سهم؛ فقسمه بينهما على ثلاثة، للأم سهم وللأب سهمان وهو الباقي. وكان هذا أعدل في القسمة من أن يعطي الأم من النصف الباقي ثلث جميع المال، وللأب ما بقي وهو السدس، ففضلها عليه فيكون لها وهي مفضولة في أصل الموروث أكثر مما للأب وهو المقدم والمفضل في الأصل. وذلك أعدل مما ذهب إليه ابن عباس من توفير الثلث على الأم، وبخس الأب حقه برده إلى السدس؛ فترك قوله وصار عامة الفقهاء إلى زيد. قال أبو عمر : وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنه في زوج وأبوين : (للزوج النصف، وللأم ثلث جميع المال، وللأب ما بقي). وقال في امرأة وأبوين : (للمرأة الربع، وللأم ثلث جميع المال، والباقي للأب). وبهذا قال شريح القاضي ومحمد بن سيرين وداود بن علي، وفرقة منهم أبو الحسن محمد بن عبدالله الفرضي المصري المعروف بابن اللبان في المسألتين جميعا. وزعم أنه قياس قول علي في المشتركة. وقال في موضع آخر : إنه قد روي ذلك عن علي أيضا. قال أبو عمر : المعروف المشهور عن علي وزيد وعبدالله وسائر الصحابة وعامة العلماء ما رسمه مالك. ومن الحجة لهم على ابن عباس : (أن الأبوين إذا اشتركا في الوراثة، ليس معهما غيرهما، كان للأم الثلث وللأب الثلثان). وكذلك إذا اشتركا في النصف الذي يفضل عن الزوج، كانا فيه كذلك على ثلث وثلثين. وهذا صحيح في النظر والقياس. الثالثة: واختلفت الروايات في سبب نزول آية المواريث؛ فروى الترمذي وأبو داود وابن ماجة والدارقطني عن جابر بن عبدالله أن امرأة سعد بن الربيع قالت : يا رسول الله، إن سعدا هلك وترك بنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وإنما تنكح النساء على أموالهن؛ فلم يجبها في مجلسها ذلك. ثم جاءته فقالت : يا رسول الله، ابنتا سعد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ادع لي أخاه) فجاء فقال له : (ادفع إلى ابنته الثلثين وإلى امرأته الثمن ولك ما بقي). لفظ أبي داود. في رواية الترمذي وغيره : فنزلت آية المواريث. قال : هذا حديث صحيح. وروى جابر أيضا قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان، فوجداني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ، ثم رش علي منه فأفقت. فقلت : كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت {يوصيكم الله في أولادكم}. أخرجاه في الصحيحين. وأخرجه الترمذي وفيه }فقلت يا نبي الله كيف أقسم مالي بين ولدي؟ فلم يرد علي شيئا فنزلت {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} الآية. قال: حديث حسن صحيح. وفي البخاري عن ابن عباس (أن نزول ذلك كان من أجل أن المال كان للولد، والوصية للوالدين؛ فنسخ ذلك بهذه الآيات). وقال مقاتل والكلبي : نزلت في أم كجة؛ وقد ذكرناها. السدي : نزلت بسبب بنات عبدالرحمن بن ثابت أخي حسان بن ثابت. وقيل : إن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون إلا من لاقى الحروب وقاتل العدو؛ فنزلت الآية تبيينا أن لكل صغير وكبير حظه. ولا يبعد أن يكون جوابا للجميع؛ ولذلك تأخر نزولها. والله أعلم. قال الكيا الطبري : وقد ورد في بعض الآثار أن ما كانت الجاهلية تفعله من ترك توريث الصغير كان في صدر الإسلام إلى أن نسخته هذه الآية ولم يثبت عندنا اشتمال الشريعة على ذلك، بل ثبت خلافه؛ فإن هذه الآية نزلت في ورثة سعد بن الربيع. وقيل : نزلت في ورثة ثابت بن قيس بن شماس. والأول أصح عند أهل النقل. فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الميراث من العم، ولو كان ذلك ثابتا من قبل في شرعنا ما استرجعه. ولم يثبت قط في شرعنا أن الصبي ما كان يعطى الميراث حتى يقاتل على الفرس ويذب عن الحريم. قلت : وكذلك قال القاضي أبو بكر بن العربي قال : ودل نزول هذه الآية على نكتة بديعة؛ وهو أن ما كانت عليه الجاهلية تفعله من أخذ المال لم يكن في صدر الإسلام شرعا مسكوتا مقرا عليه؛ لأنه لو كان شرعا مقرا عليه لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم على عم الصبيتين برد ما أخذ من مالهما؛ لأن الأحكام إذا مضت وجاء النسخ بعدها إنما يؤثر في المستقبل فلا ينقض به ما تقدم وإنما كانت ظلامة رفعت. قاله ابن العربي. الرابعة: قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} قالت الشافعية : قول الله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} حقيقة في أولاد الصلب، فأما ولد الابن فإنما يدخل فيه بطريق المجاز؛ فإذا حلف أن لا ولد له وله ولد ابن لم يحنث؛ وإذا أوصى لولد فلان لم يدخل فيه ولد ولده. وأبو حنيفة يقول : إنه يدخل فيه إن لم يكن له ولد صلب. ومعلوم أن الألفاظ لا تتغير بما قالوه. الخامسة: قال ابن المنذر : لما قال تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} فكان الذي يجب على ظاهر الآية أن يكون الميراث لجميع الأولاد، المؤمن منهم والكافر؛ فلما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لا يرث المسلم الكافر علم أن الله أراد بعض الأولاد دون بعض، فلا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم على ظاهر الحديث. قلت : ولما قال تعالى {في أولادكم} دخل فيهم الأسير في أيدي الكفار؛ فإنه يرث ما دام تعلم حياته على الإسلام. وبه قال كافة أهل العلم، إلا النخعي فإنه قال : لا يرث الأسير. فأما إذا لم تعلم حياته فحكمه حكم المفقود. ولم يدخل في عموم الآية ميراث النبي صلى الله عليه وسلم لقوله : (لا نورث ما تركنا صدقة) وسيأتي بيانه في "مريم" إن شاء الله تعالى. وكذلك لم يدخل القاتل عمدا لأبيه أو جده أو أخيه أو عمه بالسنة وإجماع الأمة، وأنه لا يرث من مال من قتله ولا من ديته شيئا؛ على ما تقدم بيانه في البقرة. فإن قتله خطأ فلا ميراث له من الدية، ويرث من المال في قول مالك، ولا يرث في قول الشافعي وأحمد وسفيان وأصحاب الرأي، من المال ولا من الدية شيئا؛ حسبما تقدم بيانه في البقرة. وقول مالك أصح، وبه قال إسحاق وأبو ثور. وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والزهري والأوزاعي وابن المنذر؛ لأن ميراث من ورثه الله تعالى في كتابه ثابت لا يستثنى منه إلا بسنة أو إجماع. وكل مختلف فيه فمردود إلى ظاهر الآيات التي فيها المواريث. السادسة: اعلم أن الميراث كان يستحق في أول الإسلام بأسباب : منها الحلف والهجرة والمعاقدة، ثم نسخ على ما يأتي بيانه في هذه السورة عند قوله تعالى {ولكل جعلنا موالي} [النساء : 33]. إن شاء الله تعالى. وأجمع العلماء على أن الأولاد إذا كان معهم من له فرض مسمى أعطيه، وكان ما بقي من المال للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله عليه السلام : (ألحقوا الفرائض بأهلها) رواه الأئمة. يعني الفرائض الواقعة في كتاب الله تعالى. وهي ستة : النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس. فالنصف فرض خمسة : ابنة الصلب، وابنة الابن، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والزوج. وكل ذلك إذا انفردوا عمن يحجبهم عنه. والربع فرض الزوج مع الحاجب، وفرض الزوجة والزوجات مع عدمه. والثمن فرض الزوجة والزوجات مع الحاجب. والثلثان فرض أربع : الاثنتين فصاعدا من بنات الصلب، وبنات الابن، والأخوات الأشقاء، أو للأب. وكل هؤلاء إذا انفردن عمن يحجبهن عنه. والثلث فرض صنفين : الأم مع عدم الولد، وولد الابن، وعدم الاثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات، وفرض الاثنين فصاعدا من ولد الأم. وهذا هو ثلث كل المال. فأما ثلث ما يبقى فذلك للأم في مسألة زوج أو زوجة وأبوان؛ فللأم فيها ثلث ما يبقى. وقد تقدم بيانه. وفي مسائل الجد مع الإخوة إذا كان معهم ذو سهم وكان ثلث ما يبقى أحظى له. والسدس فرض سبعة : الأبوان والجد مع الولد وولد الابن، والجدة والجدات إذا اجتمعن، وبنات الابن مع بنت الصلب، والأخوات للأب مع الأخت الشقيقة، والواحد من ولد الأم ذكرا كان أو أنثى. وهذه الفرائض كلها مأخوذة من كتاب الله تعالى إلا فرض الجدة والجدات فإنه مأخوذ من السنة. والأسباب الموجبة لهذه الفروض بالميراث ثلاثة أشياء : نسب ثابت، ونكاح منعقد، وولاء عتاقة. وقد تجتمع الثلاثة الأشياء فيكون الرجل زوج المرأة ومولاها وابن عمها. وقد يجتمع فيه منها شيئان لا أكثر، مثل أن يكون زوجها ومولاها، أو زوجها وابن عمها؛ فيرث بوجهين ويكون له جميع المال إذا انفرد : نصفه بالزوجية ونصفه بالولاء أو بالنسب. ومثل أن تكون المرأة ابنة الرجل ومولاته، فيكون لها أيضا المال إذا انفردت : نصفه بالنسب ونصفه بالولاء. السابعة: ولا ميراث إلا بعد أداء الدين والوصية؛ فإذا مات المتوفى أخرج من تركته الحقوق المعينات، ثم ما يلزم من تكفينه وتقبيره، ثم الديون على مراتبها، ثم يخرج من الثلث الوصايا، وما كان في معناها على مراتبها أيضا، ويكون الباقي ميراثا بين الورثة. وجملتهم سبعة عشر. عشرة من الرجال : الابن وابن الابن وإن سفل، والأب وأب الأب وهو الجد وإن علا، والأخ وابن الأخ، والعم وابن العم، والزوج ومولى النعمة. ويرث من النساء سبع : البنت وبنت الابن وان سفلت، والأم والجدة وإن علت، والأخت والزوجة، ومولاة النعمة وهي المعتقة. وقد نظمهم بعض الفضلاء فقال : والوارثون إن أردت جمعهم ** مع الإناث الوارثات معهم عشرة من جملة الذكران ** وسبع أشخاص من النسوان وهم، وقد حصرتهم في النظم ** الابن وابن الابن وابن العم والأب منهم وهو في الترتيب ** والجد من قبل الأخ القريب وابن الأخ الأدنى أجل والعم ** والزوج والسيد ثم الأم وابنة الابن بعدها والبنت ** وزوجة وجدة وأخت والمرأة المولاة أعني المعتقه ** خذها إليك عدة محققه الثامنة: لما قال تعالى {في أولادكم} يتناول كل ولد كان موجودا أو جنينا في بطن أمه، دنيا أو بعيدا، من الذكور أو الإناث ما عدا الكافر كما تقدم. قال بعضهم : ذلك حقيقة في الأذنين مجاز في الأبعدين. وقال بعضهم : هو حقيقة في الجميع؛ لأنه من التولد، غير أنهم يرثون على قدر القرب منه؛ قال الله تعالى {يا بني آدم} [الأعراف : 26]. وقال عليه السلام : (أنا سيد ولد آدم) قال : (يا بني إسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا) إلا أنه غلب عرف الاستعمال في إطلاق ذلك على الأعيان الأدنين على تلك الحقيقة؛ فإن كان في ولد الصلب ذكر لم يكن لولد الولد شيء، وهذا مما أجمع عليه أهل العلم. وإن لم يكن في ولد الصلب ذكر وكان في ولد الولد بدء بالبنات للصلب، فأعطين إلى مبلغ الثلثين، ثم أعطي الثلث الباقي لولد الولد إذا استووا في القعدد، أو كان الذكر أسفل ممن فوقه من البنات، للذكر مثل حظ الأنثيين. هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي. وبه قال عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ إلا ما يروى عن ابن مسعود أنه قال : (إن كان الذكر من ولد الولد بإزاء الولد الأنثى رد عليها، وإن كان أسفل منها يرد عليها)؛ مراعيا في ذلك قوله تعالى {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك}[النساء : 11] فلم يجعل للبنات وإن كثرن إلا الثلثين. قلت : هكذا ذكر ابن العربي هذا التفصيل عن ابن مسعود، والذي ذكره ابن المنذر والباجي عنه : (أن ما فضل عن بنات الصلب لبني الابن دون بنات الابن)، ولم يفصلا. وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور. ونحوه حكى أبو عمر، قال أبو عمر : وخالف في ذلك ابن مسعود فقال : وإذا استكمل البنات الثلثين فالباقي لبني الابن دون أخواتهم، ودون من فوقهم من بنات الابن، ومن تحتهم. وإلى هذا ذهب أبو ثور وداود بن علي. وروي مثله عن علقمة. وحجة من ذهب هذا المذهب حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر) خرجه البخاري ومسلم وغيرهما. ومن حجة الجمهور قول الله عز وجل{يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} لأن ولد الولد ولد. ومن جهة النظر والقياس أن كل من يعصب من في درجته في جملة المال فواجب أن يعصبه في الفاضل من المال؛ كأولاد الصلب. فوجب بذلك أن يشرك ابن الابن أخته، كما يشرك الابن للصلب أخته. فإن احتج لأبي ثور وداود أن بنت الابن لما لم ترث شيئا من الفاضل بعد الثلثين منفردة لم يعصبها أخوها. فالجواب أنها إذا كان معها أخوها قويت به وصارت عصبة معه. وظاهر قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} وهي من الولد. التاسعة: قوله تعالى فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} الآية. فرض الله تعالى للواحدة النصف، وفرض لما فوق الثنتين الثلثين، ولم يفرض للثنتين فرضا منصوصا في كتابه؛ فتكلم العلماء في الدليل الذي يوجب لهما الثلثين ما هو؟ فقيل : الإجماع وهو مردود؛ لأن الصحيح عن ابن عباس أنه أعطى البنتين النصف؛ لأن الله عز وجل قال{فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك} [نساء : 11] وهذا شرط وجزاء. قال : فلا أعطي البنتين الثلثين. وقيل : أعطيتا الثلثين بالقياس على الأختين؛ فإن الله سبحانه لما قال في آخر السورة {وله أخت فلها نصف ما ترك} [النساء : 176] وقال تعالى {فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك} [النساء : 176] فألحقت الابنتان بالأختين في الاشتراك في الثلثين، وألحقت الأخوات إذا زدن على اثنتين بالبنات في الاشتراك في الثلثين. واعترض هذا بأن ذلك منصوص عليه في الأخوات، والإجماع منعقد عليه فهو مسلم بذلك. وقيل : في الآية ما يدل على أن للبنتين الثلثين، وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث إذا انفردت، علمنا أن للاثنتين الثلثين. احتج بهذه الحجة، وقال هذه المقالة إسماعيل القاضي وأبو العباس المبرد. قال النحاس : وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط؛ لأن الاختلاف في البنتين وليس في الواحدة. فيقول مخالفه : إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف؛ فهذا دليل على أن هذا فرضهم. وقيل {فوق} زائدة أي إن كن نساء اثنتين. كقوله تعالى {فاضربوا فوق الأعناق} [الأنفال : 12] أي الأعناق. ورد هذا القول النحاس وابن عطية وقالا : هو خطأ؛ لأن الظروف وجميع الأسماء لا يجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى. قال ابن عطية : ولأن قوله تعالى {فاضربوا فوق الأعناق} هو الفصيح، وليست فوق زائدة بل هي محكمة للمعنى؛ لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ. كما قال دريد بن الصمة : أخفض عن الدماغ وارفع عن العظم، فهكذا كنت أضرب أعنان الأبطال. وأقوى الاحتجاج في أن للبنتين الثلثين الحديث الصحيح المروي في سبب النزول. ولغة أهل الحجاز وبني أسد الثلث والربع إلى العشر. ولغة بني تميم وربيعة الثلث بإسكان اللام إلى العشر. ويقال : ثلث القوم أثلثهم، وثلثت الدراهم أثلثها إذا تممتها ثلاثة، وأثلثت هي؛ إلا أنهم قالوا في المائة والألف : أمأيتها وآلفتها وأمأت وآلفت. العاشرة: قوله تعالى {وإن كانت واحدة فلها النصف} قرأ نافع وأهل المدينة "واحدة" بالرفع على معنى وقعت وحدثت، فهي كانت التامة؛ كما قال الشاعر : إذا كان الشتاء فأدفئوني ** فإن الشيخ يهرمه الشتاء والباقون بالنصب. قال النحاس : وهذه قراءة حسنة. أي وإن كانت المتروكة أو المولودة {واحدة} مثل {فإن كن نساء}. فإذا كان مع بنات الصلب بنات ابن، وكان بنات الصلب اثنتين فصاعدا حجبن بنات الابن أن يرثن بالفرض؛ لأنه لا مدخل لبنات الابن أن يرثن بالفرض في غير الثلثين. فإن كانت بنت الصلب واحدة فإن ابنة الابن أو بنات الابن يرثن مع بنات الصلب تكملة الثلثين؛ لأنه فرض يرثه البنتان فما زاد. وبنات الابن يقمن مقام البنات عند عدمهن. وكذلك أبناء البنين يقومون مقام البنين في الحجب والميراث. فلما عدم من يستحق منهن السدس كان ذلك لبنت الابن، وهي أولى بالسدس من الأخت الشقيقة للمتوفى. على هذا جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين؛ إلا ما يروى عن أبي موسى وسليمان بن أبي ربيعة أن للبنت النصف، والنصف الثاني للأخت، ولا حق في ذلك لبنت الابن. وقد صح عن أبي موسى ما يقتضي أنه رجع عن ذلك؛ رواه البخاري : حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا أبو قيس سمعت هزيل بن شرحبيل يقول : سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت. فقال : (للابنة النصف، وللأخت النصف)؛ وأت ابن مسعود فإنه سيتابعني. فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال : (لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ! أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم : للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت). فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال : (لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم). فإن كان مع بنت الابن أو بنات الابن ابن في درجتها أو أسفل منها عصبها، فكان النصف الثاني بينهما، للذكر مثل حظ الأنثيين بالغا ما بلغ - خلافا لابن مسعود على ما تقدم إذا استوفى بنات الصلب، أو بنت الصلب وبنات الابن الثلثين وكذلك يقول في الأخت لأب وأم، وأخوات وإخوة لأب : للأخت من الأب والأم النصف، والباقي للإخوة والأخوات، ما لم يصبهن من المقاسمة أكثر من السدس؛ فإن أصابهن أكثر من السدس أعطاهن السدس تكملة الثلثين، ولم يزدهن على ذلك. وبه قال أبو ثور. الحادية عشرة: إذا مات الرجل وترك زوجته حبلى فإن المال يوقف حتى يتبين ما تضع. وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا مات وزوجته حبلى أن الولد الذي في بطنها يرث ويورث إذا خرج حيا واستهل. وقالوا جميعا : إذا خرج ميتا لم يرث؛ فإن خرج حيا ولم يستهل فقالت طائفة : لا ميراث له وإن تحرك أو عطس ما لم يستهل. هذا قول مالك والقاسم بن محمد وابن سيرين والشعبي والزهري وقتادة. وقالت طائفة : إذا عرفت حياة المولود بتحريك أو صياح أو رضاع أو نفس فأحكامه أحكام الحي. هذا قول الشافعي وسفيان الثوري والأوزاعي. قال ابن المنذر : الذي قال الشافعي يحتمل النظر، غير أن الخبر يمنع منه وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه). وهذا خبر، ولا يقع على الخبر النسخ. الثانيةعشرة: لما قال تعالى {في أولادكم} تناول الخنثى وهو الذي له فرجان. وأجمع العلماء على أنه يورث من حيث يبول؛ إن بال من حيث يبول الرجل ورث ميراث رجل، وإن بال من حيث تبول المرأة ورث ميراث المرأة. قال ابن المنذر : ولا أحفظ عن مالك فيه شيئا، بل قد ذكر ابن القاسم أنه هاب أن يسأل مالكا عنه. فإن بال منهما معا فالمعتبر سبق البول؛ قاله سعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق. وحكي ذلك عن أصحاب الرأي. وروى قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال في الخنثى : يورثه من حيث يبول؛ فإن بال منهما جميعا فمن أيهما سبق، فإن بال منهما معا فنصف ذكر ونصف أنثى. وقال يعقوب ومحمد : من أيهما خرج أكثر ورث؛ وحكي عن الأوزاعي. وقال النعمان : إذا خرج منهما معا فهو مشكل، ولا أنظر إلى أيهما أكثر. وروي عنه أنه وقف عنه إذا كان هكذا. وحكي عنه قال : إذا أشكل يعطى أقل النصيبين. وقال يحيى بن آدم : إذا بال من حيث يبول الرجل ويحيض كما تحيض المرأة ورث من حيث يبول؛ لأن في الأثر : يورث من مباله. وفي قول الشافعي : إذا خرج منهما جميعا ولم يسبق أحدهما الآخر يكون مشكلا، ويعطى من الميراث ميراث أنثى، وموقف الباقي بينه وبين سائر الورثة حتى يتبين أمره أو يصطلحوا؛ وبه قال أبو ثور. وقال الشعبي : يعطي نصف ميراث الذكر، ونصف ميراث الأنثى؛ وبه قال الأوزاعي، وهو مذهب مالك. قال ابن شاس في جواهره الثمينة، على مذهب مالك عالم المدينة : الخنثى يعتبر إذا كان ذا فرجين فرج المرأة وفرج الرجل بالمبال منهما؛ فيعطى الحكم لما بال منه فإن بال منهما اعتبرت الكثرة من أيهما، فإن تساوى الحال اعتبر السبق، فإن كان ذلك منهما معا اعتبر نبات اللحية أو كبر الثديين ومشابهتهما لثدي النساء، فإن اجتمع الأمران اعتبر الحال عند البلوغ، فإن وجد الحيض حكم به، وإن وجد الاحتلام وحده حكم به، فإن اجتمعا فهو مشكل. وكذلك لو لم يكن فرج، لا المختص بالرجال ولا المختص بالنساء، بل كان له مكان يبول منه فقط انتظر به البلوغ؛ فإن ظهرت علامة مميزة وإلا فهو مشكل. ثم حيث حكمنا بالإشكال فميراثه نصف نصيبي ذكر وأنثى. قلت : هذا الذي ذكروه من العلامات في الخنثى المشكل. وقد أشرنا إلى علامة في "البقرة" وصدر هذه السورة تلحقه بأحد النوعين، وهي اعتبار الأضلاع؛ وهي مروية عن علي رضي الله عنه وبها حكم. وقد نظم بعض الفضلاء العلماء حكم الخنثى في أبيات كثيرة أولها : وأنه معتبر الأحوال ** بالثدي واللحية والمبال وفيها يقول : وإن يكن قد استوت حالاته ** ولم تبن وأشكلت آياته فحظه من مورث القريب ** ستة أثمان من النصيب هذا الذي استحق للإشكال ** وفيه ما فيه من النكال وواجب في الحق ألا ينكحا ** ما عاش في الدنيا وألا ينكحا إذ لم يكن من خالص العيال ** ولا اغتدى من جملة الرجال وكل ما ذكرته في النظم ** قد قاله سراة أهل العلم وقد أبى الكلام فيه قوم ** منهم ولم يجنح إليه لوم لفرط ما يبدو من الشناعة ** في ذكره وظاهر البشاعه وقد مضى في شأنه الخفي ** حكم الإمام المرتضى علي بأنه إن نقصت أضلاعه ** فللرجال ينبغي إتباعه في الإرث والنكاح والإحرام ** في الحج والصلاة والأحكام وإن تزد ضلعا على الذكران ** فإنها من جملة النسوان لأن للنسوان ضلعا زائده ** على الرجال فاغتنمها فائدة إذ نقصت من آدم فيما سبق ** لخلق حواء وهذا القول حق عليه مما قاله الرسول ** صلى عليه ربنا دليل قال أبو الوليد بن رشد : ولا يكون الخنثى المشكل زوجا ولا زوجة، ولا أبا ولا أما. وقد قيل : إنه قد وجد من له ولد من بطنه وولد من ظهره. قال ابن رشد : فإن صح ورث من ابنه لصلبه ميراث الأب كاملا، ومن ابنه لبطنه ميراث الأم كاملا. وهذا بعيد، والله أعلم. وفي سنن الدارقطني عن أبي هانئ عمر بن بشير قال : سئل عامر الشعبي عن مولود ليس بذكر ولا أنثى، ليس له ما للذكر ولا ما للأنثى، يخرج من سرته كهيئة البول والغائط؛ فسئل عامر عن ميراثه فقال عامر : نصف حظ الذكر ونصف حظ الأنثى. الثالثة عشرة: قوله تعالى {ولأبويه} أي لأبوي الميت. وهذا كناية عن غير مذكور، وجاز ذلك لدلالة الكلام عليه؛ كقوله: {حتى توارت بالحجاب} [ص : 32] و{إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر : 1]. و{السدس} رفع بالابتداء، وما قبله خبره : وكذلك "الثلث" "والسدس". وكذلك {نصف ما ترك} وكذلك {فلكم الربع}. وكذلك {لهن الربع}. و{فلهن الثمن} وكذلك {فلكل واحد منهما السدس}. والأبوان تثنية الأب والأبة. واستغني بلفظ الأم عن أن يقال لها أبة. ومن العرب من يجري المختلفين مجرى المتفقين؛ فيغلب أحدهما على الآخر لخفته أو شهرته. جاء ذلك مسموعا في أسماء صالحة؛ كقولهم للأب والأم : أبوان. وللشمس والقمر : القمران. ولليل والنهار : الملوان. وكذلك العمران لأبى بكر وعمر رضي الله عنهما. غلبوا القمر على الشمس لخفة التذكير، وغلبوا عمر على أبي بكر لأن أيام عمر امتدت فاشتهرت. ومن زعم أنه أراد بالعمرين عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز فليس قوله بشيء؛ لأنهم نطقوا بالعمرين قبل أن يروا عمر بن عبدالعزيز؛ قال ابن الشجري. ولم يدخل في قوله تعالى{ولأبويه} من علا من الآباء دخول من سفل من الأبناء في قوله {أولادكم}؛ لأن قوله{ولأبويه} لفظ مثنى لا يحتمل العموم والجمع أيضا؛ بخلاف قوله {أولادكم}. والدليل على صحة هذا قوله تعالى {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} والأم العليا جدة ولا يفرض لها الثلث بإجماع، فخروج الجدة عن هذا اللفظ مقطوع به، وتناوله للجد مختلف فيه. فممن قال هو أب وحجب به الإخوة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولم يخالفه أحد من الصحابة في ذلك أيام حياته، واختلفوا في ذلك بعد وفاته؛ فممن قال إنه أب ابن عباس وعبدالله بن الزبير وعائشة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة، كلهم يجعلون الجد عند عدم الأب كالأب سواء، يحجبون به الإخوة كلهم ولا يرثون معه شيئا. وقال عطاء وطاوس والحسن وقتادة. وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق. والحجة لهم قوله تعالى{ملة أبيكم إبراهيم} [الحج : 78] {يا بني آدم}[الأعراف : 26]، وقوله عليه السلام : (يا بني إسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا). وذهب علي بن أبي طالب وزيد وابن مسعود إلى توريث الجد مع الإخوة، ولا ينقص من الثلث مع الإخوة للأب والأم أو للأب إلا مع ذوي الفروض؛ فإنه لا ينقص معهم من السدس شيئا في قول زيد. وهو قول مالك والأوزاعي وأبي وسف ومحمد والشافعي. وكان علي يشرك بين الإخوة والجد إلى السدس ولا ينقصه من السدس شيئا مع ذوي الفرائض وغيرهم. وهو قول ابن أبي ليلى وطائفة. وأجمع العلماء على أن الجد لا يرث مع الأب وأن الابن يحجب أباه. وأنزلوا الجد بمنزلة الأب في الحجب والميراث إذا لم يترك المتوفى أبا أقرب منه في جميع المواضع. وذهب الجمهور إلى أن الجد يسقط بني الإخوة من الميراث؛ إلا ما روي عن الشعبي عن علي أنه أجرى بني الإخوة في المقاسمة مجرى الإخوة. والحجة لقول الجمهور أن هذا ذكر لا يعصب أخته فلا يقاسم الجد كالعم وابن العم. قال الشعبي : أول جد ورث في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ مات ابن لعاصم بن عمر وترك أخوين فأراد عمر أن يستأثر بمال فاستشار عليا وزيدا في ذلك فمثلا له مثلا فقال : (لولا أن رأيكما اجتمع ما رأيت أن يكون ابني ولا أكون أباه). روى الدارقطني عن زيد بن ثابت أن عمر بن الخطاب استأذن عليه يوما فأذن له، ورأسه في يد جارية له ترجله، فنزع رأسه؛ فقال له عمر : دعها ترجلك. فقال : يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إلي جئتك. فقال عمر : إنما الحاجة لي، إني جئتك لتنظر في أمر الجد. فقال زيد : لا والله ! ما تقول فيه. فقال عمر : ليس هو بوحي حتى نزيد فيه وننقص، إنما هو شيء تراه، فإن رأيته وافقني تبعته، وإلا لم يكن عليك فيه شيء. فأبى زيد، فخرج مغضبا وقال : قد جئتك وأنا أظن ستفرغ من حاجتي. ثم أتاه مرة أخرى في الساعة التي أتاه في المرة الأولى، فلم يزل به حتى قال : فسأكتب لك فيه. فكتبه في قطعة قتب وضرب له مثلا. إنما مثله مثل شجرة تنبت على ساق واحدة، فخرج فيها غصن ثم خرج في غصن غصن آخر؛ فالساق يسقي الغصن، فإن قطعت الغصن الأول رجع الماء إلى الغصن، وإن قطعت الثاني رجع الماء إلى الأول. فأتى به فخطب الناس عمر ثم قرأ قطعة القتب عليهم ثم قال : إن زيد بن ثابت قد قال في الجد قولا وقد أمضيته. قال : وكان عمر أول جد كان؛ فأراد أن يأخذ المال كله، مال ابن ابنه دون إخوته، فقسمه بعد ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه. الرابعة عشرة: وأما الجدة فأجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم. وأجمعوا على أن الأم تحجب أمها وأم الأب. وأجمعوا على أن الأب لا يحجب أم الأم. واختلفوا في توريث الجدة وابنها حي؛ فقالت طائفة : (لا ترث الجدة وابنها حي). روي عن زيد بن ثابت وعثمان وعلي. وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وأبو ثور وأصحاب الرأي. وقالت طائفة : (ترث الجدة مع ابنها). روي عن عمر وابن مسعود وعثمان وعلي وأبي موسى الأشعري، وقال به شريح وجابر بن زيد وعبيدالله بن الحسن وشريك وأحمد وإسحاق وابن المنذر. وقال : كما أن الجد لا يحجبه إلا الأب كذلك الجدة لا يحجبها إلا الأم. وروى الترمذي عن عبدالله قال في الجدة مع ابنها : (إنها أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسا مع ابنها وابنها حي). والله أعلم. الخامسة عشرة: واختلف العلماء في توريث الجدات؛ فقال مالك : لا يرث إلا جدتان، أم أم وأم أب وأمهاتهما. وكذلك روى أبو ثور عن الشافعي، وقال به جماعة من التابعين. فإن انفردت إحداهما فالسدس لها، وإن اجتمعتا وقرابتهما سواء فالسدس بينهما. وكذلك إن كثرن إذا تساوين في القعدد؛ وهذا كله مجمع عليه. فإن قربت التي من قبل الأم كان لها السدس دون غيرها، وإن قربت التي من قبل الأب كان بينها وبين التي من قبل الأم وإن بعدت. ولا ترث إلا جدة واحدة من قبل الأم. ولا ترث الجدة أم أب الأم على حال. هذا مذهب زيد بن ثابت، وهو أثبت ما روي عنه في ذلك. وهو قول مالك وأهل المدينة. وقيل : إن الجدات أمهات؛ فإذا اجتمعن فالسدس لأقربهن؛ كما أن الآباء إذا اجتمعوا كان أحدهم بالميراث أقربهم؛ فكذلك البنون والإخوة، وبنو الإخوة وبنو العم إذا اجتمعوا كان أحقهم بالميراث أقربهم؛ فكذلك الأمهات. قال ابن المنذر : وهذا أصح، وبه أقول. وكان الأوزاعي يورث ثلاث جدات : واحدة من قبل الأم واثنتين من قبل الأب. وهو قول أحمد بن حنبل؛ رواه الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وروي عن زيد بن ثابت عكس هذا؛ أنه كان يورث ثلاث جدات : اثنتين من جهة الأم وواحدة من قبل الأب. وقول علي رضي الله عنه كقول زيد هذا. وكانا يجعلان السدس لأقربهما، من قبل الأم كانت أو من قبل الأب. ولا يشركها فيه من ليس في قعددها، وبه يقول الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور. وأما عبدالله بن مسعود وابن عباس فكانا يورثان الجدات الأربع؛ وهو قول الحسن البصري ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد. قال ابن المنذر : وكل جدة إذا نسبت إلى المتوفى وقع في نسبها أب بين أمين فليست ترث، في قول كل من يحفظ عنه من أهل العلم. السادسة عشرة: قوله تعالى {لكل واحد منهما السدس} فرض تعالى لكل واحد من الأبوين مع الولد السدس؛ وأبهم الولد فكان الذكر والأنثى فيه سواء. فإن مات رجل وترك ابنا وأبوين فلأبويه لكل واحد منهما السدس، وما بقي فللابن. فإن ترك ابنة وأبوين فللابنة النصف وللأبوين السدسان، وما بقي فلأقرب عصبة وهو الأب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر). فاجتمع للأب الاستحقاق بجهتين : التعصيب والفرض. {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} فأخبر جل ذكره أن الأبوين إذا ورثاه أن للأم الثلث. ودل بقوله {وورثه أبواه} وإخباره أن للأم الثلث، أن الباقي وهو الثلثان للأب. وهذا كما تقول لرجلين : هذا المال بينكما، ثم تقول لأحدهما : أنت يا فلان لك منه ثلث؛ فإنك حددت للآخر منه الثلثين بنص كلامك؛ ولأن قوة الكلام في قوله {وورثه أبواه} يدل على أنهما منفردان عن جميع أهل السهام من ولد وغيره، وليس في هذا اختلاف. قلت : وعلى هذا يكون الثلثان فرضا للأب مسمى لا يكون عصبة، وذكر ابن العربي أن المعنى في تفضيل الأب بالثلث عند عدم الولد الذكورية والنصرة، ووجوب المؤنة عليه، وثبتت الأم على سهم لأجل القرابة. قلت : وهذا منتقض؛ فإن ذلك موجود مع حياته فلم حرم السدس. والذي يظهر أنه إنما حرم السدس في حياته إرفاقا بالصبي وحياطة على ماله؛ إذ قد يكون إخراج جزء من مال إجحافا به. أو أن ذلك تعبد، وهو أولى ما يقال. والله الموفق. إن قيل : ما فائدة زيادة الواو في قوله {وورثه أبواه}، وكان ظاهر الكلام أن يقول : فإن لم يكن له ولد ورثه أبواه. قيل له : أراد بزيادتها الإخبار ليبين أنه أمر مستقر ثابت، فيخبر عن ثبوته واستقراره، فيكون حال الوالدين عند انفرادهما كحال الولدين، للذكر مثل حظ الأنثيين. ويجتمع للأب بذلك فرضان السهم والتعصيب إذ يحجب الإخوة كالولد. وهذا عدل في الحكم، ظاهر في الحكمة. والله أعلم. الثامنة عشرة: قوله تعالى {فلأُمه الثلث} قرأ أهل الكوفة "فلإِمه الثلث" وهى لغة حكاها سيبويه. قال الكسائي : هي لغة كثير من هوازن وهذيل؛ ولأن اللام لما كانت مكسورة وكانت متصلة بالحرف كرهوا ضمة بعد كسرة، فأبدلوا من الضمة كسرة؛ لأنه ليس في الكلام فعل. ومن ضم جاء به على الأصل؛ ولأن اللام تنفصل لأنها داخلة على الاسم. قال جميعه النحاس. التاسعة عشرة: قوله تعالى {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} الإخوة يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس، وهذا هو حجب النقصان، وسواء كان الإخوة أشقاء أو للأب أو للأم، ولا سهم لهم. وروي عن ابن عباس أنه كان يقول : (السدس الذي حجب الإخوة الأم عنه هو للإخوة). وروي عنه مثل قول الناس (إنه للأب). قال قتادة : وإنما أخذه الأب دونهم؛ لأنه يمونهم ويلي نكاحهم والنفقة عليهم. وأجمع أهل العلم على أن أخوين فصاعدا ذكرانا كانوا أو إناثا من أب وأم، أو من أب أو من أم يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس؛ إلا ما روي عن ابن عباس أن (الاثنين من الإخوة في حكم الواحد، ولا يحجب الأم أقل من ثلاثة). وقد صار بعض الناس إلى أن الأخوات لا يحجبن الأم من الثلث إلى السدس؛ لأن كتاب الله في الإخوة وليست قوة ميراث الإناث مثل قوة ميراث الذكور حتى تقتضي العبرة الإلحاق. قال الكيا الطبري : ومقتضى أقوالهم ألا يدخلن مع الإخوة؛ فإن لفظ الإخوة بمطلقه لا يتناول الأخوات، كما أن لفظ البنين لا يتناول البنات. وذلك يقتضي ألا تحجب الأم بالأخ الواحد والأخت من الثلث إلى السدس؛ وهو خلاف إجماع المسلمين. وإذا كن مرادات بالآية مع الإخوة كن مرادات على الانفراد. واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان؛ لأن التثنية جمع شيء إلى مثله، فالمعنى يقتضي أنها جمع. وقال عليه السلام : (الاثنان فما فوقهما جماعة). وحكي عن سيبويه أنه قال : سألت الخليل عن قوله {ما أحسن وجوههما} ؟ فقال : الاثنان جماعة. وقد صح قول الشاعر : ومهمهين قذفين مرتين ** ظهراهما مثل ظهور الترسين وأنشد الأخفش : لما أتتنا المرأتان بالخبر ** فقلن إن الأمر فينا قد شهر وقال آخر : يحيَّى بالسلام غني قوم ** ويبخل بالسلام على الفقير أليس الموت بينهما سواء ** إذا ماتوا وصاروا في القبور ولما وقع الكلام في ذلك بين عثمان وابن عباس قال له عثمان : (إن قومك حجبوها - يعني قريشا - وهم أهل الفصاحة والبلاغة). وممن قال : (إن أقل الجمع ثلاثة) - وإن لم يقل به هنا - ابن مسعود والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم. والله أعلم. الموفية عشرة: قوله تعالى {من بعد وصية يوصي بها أو دين} قرأ ابن كثير (أبو عمرو وابن عامر وعاصم "يوصى" بفتح الصاد. الباقون بالكسر، وكذلك الآخر. واختلفت الرواية فيهما عن عاصم. والكسر اختيار أبي عبيد وأبي حاتم؛ لأنه جرى ذكر الميت قبل هذا. قال الأخفش : وتصديق ذلك قوله تعالى {يوصين} و{توصون}. الحادية والعشرون: إن قيل: ما الحكمة في تقديم ذكر الوصية على ذكر الدين، والدين مقدم عليها بإجماع. وقد روى الترمذي عن الحارث عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وأنتم تقرون الوصية قبل الدين. قال : والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أنه يبدأ بالدين قبل الوصية. وروى الدارقطني من حديث عاصم بن ضمرة عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الدين قبل الوصية وليس لوارث وصية). رواه عنهما أبو إسحاق الهمداني. فالجواب من أوجه خمسة : الأول : إنما قصد تقديم هذين الفصلين على الميراث ولم يقصد ترتيبهما في أنفسهما؛ فلذلك تقدمت الوصية في اللفظ. جواب ثان: لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدمها اهتماما بها؛ كما قال تعالى {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة} [الكهف : 49]. جواب ثالث : قدمها لكثرة وجودها ووقوعها؛ فصارت كاللازم لكل ميت مع نص الشرع عليها، وأخر الدين لشذوذه، فإنه قد يكون وقد لا يكون‏.‏ فبدأ بذكر الذي لا بد منه، وعطف بالذي قد يقع أحيانا‏.‏ ويقوى هذا‏:‏ العطف بأو، ولو كان الدين راتبا لكان العطف بالواو‏.‏ جواب رابع‏:‏ إنما قدمت الوصية إذ هي حظ مساكين وضعفاء، وأخر الدين إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة وسلطان وله فيه مقال‏.‏ جواب خامس‏:‏ لما كانت الوصية ينشئها من قبل نفسه قدمها، والدين ثابت مؤدى ذكره أو لم يذكره‏.‏ ولما ثبت هذا تعلق الشافعي بذلك في تقديم دين الزكاة والحج على الميراث فقال‏:‏ إن الرجل إذا فرط في زكاته وجب أخذ ذلك من رأس ماله‏.‏ وهذا ظاهر ببادئ الرأي؛ لأنه حق من الحقوق فيلزم أداؤه عنه بعد الموت كحقوق الآدميين لا سيما والزكاة مصرفها إلى الآدمي‏.‏ وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ إن أوصى بها أديت من ثلثه، وإن سكت عنها لم يخرج عنه شيء‏.‏ قالوا‏:‏ لأن ذلك موجب لترك الورثة فقراء؛ إلا أنه قد يتعمد ترك الكل حتى إذا مات استغرق ذلك جميع ماله فلا يبقى للورثة حق‏.‏ ***************************************قوله تعالى‏ {‏آباؤكم وأبناؤكم‏}‏ رفع بالابتداء والخبر مضمر، تقديره‏:‏ هم المقسوم عليهم وهم المعطون‏.‏ ‏}‏لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا‏}‏ قيل‏:‏ في الدنيا بالدعاء والصدقة؛ كما جاء في الأثر ‏(‏إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده‏)‏‏.‏ وفي الحديث الصحيح ‏(‏إذا مات الرجل انقطع عمله إلا من ثلاث - فذكر - أو ولد صالح يدعو له‏)‏‏.‏ وقيل‏:‏ ‏(‏في الآخرة؛ فقد يكون الابن أفضل فيشفع في أبيه‏)‏؛ عن ابن عباس والحسن‏.‏ وقال بعض المفسرين‏:‏ إن الابن إذا كان أرفع من درجة أبيه في الآخرة سأل الله فرفع إليه أباه، وكذلك الأب إذا كان أرفع من ابنه؛ وسيأتي في ‏}‏الطور‏}‏ بيانه‏.‏ وقيل‏:‏ في الدنيا والآخرة؛ قال ابن زيد‏.‏ واللفظ يقتضي ذلك‏.‏ قوله تعالى‏{‏فريضة‏}‏ نصب على المصدر المؤكد، إذ معنى ‏}‏يوصيكم‏}‏ يفرض عليكم‏.‏ وقال مكي وغيره‏:‏ هي حال مؤكدة؛ والعامل ‏}‏يوصيكم‏}‏ وذلك ضعيف‏.‏ والآية متعلقة بما تقدم؛ وذلك أنه عرف العباد أنهم كفوا مؤنة الاجتهاد في إيصاء القرابة مع اجتماعهم في القرابة، أي أن الآباء والأبناء ينفع بعضهم بعضا في الدنيا بالتناصر والمواساة، وفي الآخرة بالشفاعة‏.‏ وإذا تقرر ذلك في الآباء والأبناء تقرر ذلك في جميع الأقارب؛ فلو كان القسمة موكولة إلى الاجتهاد لوجوب النظر في غنى كل واحد منهم‏.‏ وعند ذلك يخرج الأمر عن الضبط إذ قد يختلف الأمر، فبين الرب تبارك وتعالى أن الأصلح للعبد ألا يوكل إلى اجتهاده في مقادير المواريث، بل بين المقادير شرعا‏.‏ ‏}‏إن الله كان عليما‏}‏ أي بقسمة المواريث ‏}‏حكيما‏}‏ حكم في قسمتها وبينها لأهلها‏.‏ وقال الزجاج‏{‏عليما‏}‏ أي بالأشياء قبل خلقها ‏}‏حكيما‏}‏ فيما يقدره ويمضيه منها‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ إن الله سبحانه لم يزل ولا يزال، والخبر منه بالماضي كالخبر منه بالاستقبال‏.‏ ومذهب سيبويه أنهم رأوا حكمة وعلما فقيل لهم‏:‏ إن الله عز وجل كان كذلك لم يزل على ما رأيتم‏.‏ قوله تعالى‏{‏ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين‏}‏ الخطاب للرجال‏.‏ والولد هنا بنو الصلب وبنو بنيهم وإن سفلوا، ذكرانا وإناثا واحدا فما زاد بإجماع‏.‏ وأجمع العلماء على أن للزوج النصف مع عدم الولد أو ولد الولد، وله مع وجوده الربع‏.‏ وترث المرأة من زوجها الربع مع فقد الولد، والثمن مع وجوده‏.‏ وأجمعوا على أن حكم الواحدة من الأزواج والثنتين والثلاث والأربع في الربع إن لم يكن له ولد، وفي الثمن إن كان له ولد واحد، وأنهن شركاء في ذلك؛ لأن الله عز وجل لم يفرق بين حكم الواحدة منهن وبين حكم الجميع، كما فرق بين حكم الواحدة من البنات والواحدة من الأخوات وبين حكم الجميع منهن‏.‏ قوله تعالى‏{‏وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة‏}‏ الكلالة مصدر؛ من تكلله النسب أي أحاط به‏.‏ وبه سمي الإكليل، وهي منزلة من منازل القمر لإحاطتها بالقمر إذا احتل بها‏.‏ ومنه الإكليل أيضا وهو التاج والعصابة المحيطة بالرأس‏.‏ ‏(‏فإذا مات الرجل وليس له ولد ولا والد فورثته كلالة‏)‏‏.‏ هذا قول أبي بكر الصديق وعمر وعلي وجمهور أهل العلم‏.‏ وذكر يحيى بن آدم عن شريك وزهير وأبي الأحوص عن أبي إسحاق عن سليمان بن عبد قال‏:‏ ما رأيتهم إلا وقد تواطؤوا وأجمعوا على أن الكلالة من مات ليس له ولد ولا والد‏.‏ وهكذا قال صاحب كتاب العين وأبو منصور اللغوي وابن عرفة والقتبي وأبو عبيد وابن الأنباري‏.‏ فالأب والابن طرفان للرجل؛ فإذا ذهبا تكلله النسب‏.‏ ومنه قيل‏:‏ روضة مكللة إذا حفت بالنور‏.‏ وأنشدوا‏:‏ مسكنه روضة مكللة عم بها الأيهقان والذرق يعني نبتين‏.‏ وقال امرؤ القيس‏:‏ أصاح ترى برقا أريك وميضه كلمع اليدين في حبي مكلل فسموا القرابة كلالة؛ لأنهم أطافوا بالميت من جوانبه وليسوا منه ولا هو منهم، وإحاطتهم به أنهم ينتسبون معه‏.‏ كما قال أعرابي‏:‏ مالي كثير ويرثني كلالة متراخ نسبهم‏.‏ وقال الفرزدق‏:‏ ورثتم قناة المجد لا عن كلالة عن ابني مناف عبد شمس وهاشم وقال آخر‏:‏ وإن أبا المرء أحمى له ومولى الكلالة لا يغضب وقيل‏:‏ إن الكلالة مأخوذة من الكلال وهو الإعياء؛ فكأنه يصير الميراث إلى الوارث عن بعد وإعياء‏.‏ قال الأعشى‏:‏ فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من وجى حتى تلاقي محمدا وذكر أبو حاتم والأثرم عن أبى عبيدة قال‏:‏ الكلالة كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كلالة‏.‏ قال أبو عمر‏:‏ ذكر أبي عبيدة الأخ هنا مع الأب والابن في شرط الكلالة غلط لا وجه له، ولم يذكره في شرط الكلالة غيره‏.‏ وروي عن عمر بن الخطاب أن ‏(‏الكلالة من لا ولد له خاصة‏)‏؛ وروي عن أبي بكر ثم رجعا عنه‏.‏ وقال ابن زيد‏:‏ الكلالة الحي والميت جميعا‏.‏ وعن عطاء‏:‏ الكلالة المال‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ وهذا قول طريف لا وجه له‏.‏ قلت‏:‏ له وجه متبين بالإعراب آنفا‏.‏ وروي عن ابن الأعرابي أن الكلالة بنو العم الأباعد‏.‏ وعن السدي أن الكلالة الميت‏.‏ وعنه مثل قول الجمهور‏.‏ وهذه الأقوال تتبين وجوهها بالإعراب؛ فقرأ بعض الكوفيين ‏}‏يورث كلالة‏}‏ بكسر الراء وتشديدها‏.‏ وقرأ الحسن وأيوب ‏}‏يورث‏}‏ بكسر الراء وتخفيفها، على اختلاف عنهما‏.‏ وعلى هاتين القراءتين لا تكون الكلالة إلا الورثة أو المال‏.‏ كذلك حكى أصحاب المعاني؛ فالأول من ورث، والثاني من أورث‏.‏ و‏}‏كلالة‏}‏ مفعوله و‏}‏كان‏}‏ بمعنى وقع‏.‏ ومن قرأ ‏}‏يورث‏}‏ بفتح الراء احتمل أن تكون الكلالة المال، والتقدير‏:‏ يورث وراثة كلالة فتكون نعتا لمصدر محذوف‏.‏ ويجوز أن تكون الكلالة اسما للورثة وهي خبر كان؛ فالتقدير‏:‏ ذا ورثة‏.‏ ويجوز أن تكون تامة بمعنى وقع، و‏}‏يورث‏}‏ نعت لرجل، و‏}‏رجل‏}‏ رفع بكان، و‏}‏كلالة‏}‏ نصب على التفسير أو الحال؛ على أن الكلالة هو الميت، التقدير‏:‏ وإن كان رجل يورث متكلل النسب إلى الميت‏.‏ ذكر الله عز وجل في كتابه الكلالة في موضعين‏:‏ آخر السورة وهنا، ولم يذكر في الموضعين وارثا غير الإخوة‏.‏ فأما هذه الآية فأجمع العلماء على أن الإخوة فيها عني بها الإخوة للأم؛ لقوله تعالى‏{‏فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث‏}‏‏.‏ وكان سعد بن أبي وقاص يقرأ ‏}‏وله أخ أو أخت من أمه‏}‏‏.‏ ولا خلاف بين أهل العلم أن الإخوة للأب والأم أو الأب ليس ميراثهم كهذا؛ فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في آخر السورة هم إخوة المتوفى لأبيه وأمه أو لأبيه؛ لقوله عز وجل ‏}‏وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين‏}‏النساء‏:‏ 176‏]‏‏.‏ ولم يختلفوا أن ميراث الإخوة للأم ليس هكذا؛ فدلت الآيتان أن الإخوة كلهم جميعا كلالة‏.‏ وقال الشعبي‏:‏ ‏(‏الكلالة ما كان سوى الولد والوالد من الورثة إخوة أو غيرهم من العصبة‏)‏‏.‏ كذلك قال علي وابن مسعود وزيد وابن عباس، وهو القول الأول الذي بدأنا به‏.‏ قال الطبري‏:‏ والصواب أن الكلالة هم الذين يرثون الميت من عدا ولده ووالده، لصحة خ

التفسير الميسّر:

يوصيكم الله ويأمركم في شأن أولادكم: إذا مات أحد منكم وترك أولادًا: ذكورًا وإناثًا، فميراثه كله لهم: للذكر مثل نصيب الأنثيين، إذا لم يكن هناك وارث غيرهم. فإن ترك بنات فقط فللبنتين فأكثر ثلثا ما ترك، وإن كانت ابنة واحدة، فلها النصف. ولوالِدَي الميت لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد: ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو أكثر. فإن لم يكن له ولد وورثه والداه فلأمه الثلث ولأبيه الباقي. فإن كان للميت إخوة اثنان فأكثر، ذكورًا كانوا أو إناثًا، فلأمه السدس، وللأب الباقي ولا شيء للإخوة. وهذا التقسيم للتركة إنما يكون بعد إخراج وصية الميت في حدود الثلث أو إخراج ما عليه من دَيْن. آباؤكم وأبْناؤكم الذين فُرِض لهم الإرث لا تعرفون أيهم أقرب لكم نفعًا في دنياكم وأخراكم، فلا تفضلوا واحدًا منهم على الآخر. هذا الذي أوصيتكم به مفروض عليكم من الله. إن الله كان عليمًا بخلقه، حكيمًا فيما شرعه لهم.

تفسير السعدي

هذه الآيات والآية التي هي آخر السورة هن آيات المواريث المتضمنة لها. فإنها مع حديث عبد الله بن عباس الثابت في صحيح البخاري "ألْحِقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" - مشتملات على جل أحكام الفرائض، بل على جميعها كما سترى ذلك، إلا ميراث الجدات فإنه غير مذكور في ذلك. لكنه قد ثبت في السنن عن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس، مع إجماع العلماء على ذلك. فقوله تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين، حيث أوصى الوالدين مع كمال شفقتهم، عليهم. ثم ذكر كيفية إرثهم فقال: { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } أي: الأولاد للصلب، والأولاد للابن، للذكر مثل حظ الأنثيين، إن لم يكن معهم صاحب فرض، أو ما أبقت الفروض يقتسمونه كذلك، وقد أجمع العلماء على ذلك، وأنه -مع وجود أولاد الصلب- فالميراث لهم. وليس لأولاد الابن شيء، حيث كان أولاد الصلب ذكورًا وإناثا، هذا مع اجتماع الذكور والإناث. وهنا حالتان: انفراد الذكور، وسيأتي حكمها. وانفراد الإناث، وقد ذكره بقوله: { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ } أي: بنات صلب أو بنات ابن، ثلاثا فأكثر { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَة } أي: بنتا أو بنت ابن { فَلَهَا النِّصْفُ } وهذا إجماع. بقي أن يقال: من أين يستفاد أن للابنتين الثنتين الثلثين بعد الإجماع على ذلك؟ فالجواب أنه يستفاد من قوله: { وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } فمفهوم ذلك أنه إن زادت على الواحدة، انتقل الفرض عن النصف، ولا ثَمَّ بعده إلا الثلثان. وأيضا فقوله: { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } إذا خلَّف ابنًا وبنتًا، فإن الابن له الثلثان، وقد أخبر الله أنه مثل حظ الأنثيين، فدل ذلك على أن للبنتين الثلثين. وأيضًا فإن البنت إذا أخذت الثلث مع أخيها - وهو أزيد ضررًا عليها من أختها، فأخذها له مع أختها من باب أولى وأحرى. وأيضا فإن قوله تعالى في الأختين: { فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } نص في الأختين الثنتين. فإذا كان الأختان الثنتان -مع بُعدهما- يأخذان الثلثين فالابنتان -مع قربهما- من باب أولى وأحرى. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنتي سعد الثلثين كما في الصحيح. بقي أن يقال: فما الفائدة في قوله: { فَوْقَ اثْنَتَيْن } ؟. قيل: الفائدة في ذلك -والله أعلم- أنه ليعلم أن الفرض الذي هو الثلثان لا يزيد بزيادتهن على الثنتين بل من الثنتين فصاعدًا. ودلت الآية الكريمة أنه إذا وجد بنت صلب واحدة، وبنت ابن أو بنات ابن، فإن لبنت الصلب النصف، ويبقى من الثلثين اللذين فرضهما الله للبنات أو بنات الابن السدس، فيعطى بنت الابن، أو بنات الابن، ولهذا يسمى هذا السدس تكملة الثلثين. ومثل ذلك بنت الابن، مع بنات الابن اللاتي أنزل منها. وتدل الآية أنه متى استغرق البنات أو بنات الابن الثلثين، أنه يسقط مَنْ دونهن مِنْ بنات الابن لأن الله لم يفرض لهن إلا الثلثين، وقد تم. فلو لم يسقطن لزم من ذلك أن يفرض لهن أزيَد من الثلثين، وهو خلاف النص. وكل هذه الأحكام مجمع عليها بين العلماء ولله الحمد. ودل قوله: { مِمَّا تَرَكَ } أن الوارثين يرثون كل ما خلف الميت من عقار وأثاث وذهب وفضة وغير ذلك، حتى الدية التي لم تجب إلا بعد موته، وحتى الديون التي في الذمم ثم ذكر ميراث الأبوين فقال: { وَلِأَبَوَيْهِ } أي: أبوه وأمه { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } أي: ولد صلب أو ولد ابن ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو متعددًا. فأما الأُم فلا تزيد على السدس مع أحد من الأولاد. وأما الأب فمع الذكور منهم، لا يستحق أزيد من السدس، فإن كان الولد أنثى أو إناثا ولم يبق بعد الفرض شيء -كأبوين وابنتين- لم يبق له تعصيب. وإن بقي بعد فرض البنت أو البنات شيء أخذ الأب السدس فرضًا، والباقي تعصيبًا، لأننا ألحقنا الفروض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر، وهو أولى من الأخ والعم وغيرهما. { فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } أي: والباقي للأب لأنه أضاف المال إلى الأب والأُم إضافة واحدة، ثم قدر نصيب الأُم، فدل ذلك على أن الباقي للأب. وعلم من ذلك أن الأب مع عدم الأولاد لا فرض له، بل يرث تعصيبا المال كله، أو ما أبقت الفروض، لكن لو وجد مع الأبوين أحد الزوجين -ويعبر عنهما بالعمريتين- فإن الزوج أو الزوجة يأخذ فرضه، ثم تأخذ الأُم ثلث الباقي والأب الباقي. وقد دل على ذلك قوله: { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } أي: ثلث ما ورثه الأبوان. وهو في هاتين الصورتين إما سدس في زوج وأم وأب، وإما ربع في زوجة وأم وأب. فلم تدل الآية على إرث الأُم ثلثَ المال كاملا مع عدم الأولاد حتى يقال: إن هاتين الصورتين قد استثنيتا من هذا. ويوضح ذلك أن الذي يأخذه الزوج أو الزوجة بمنزلة ما يأخذه الغرماء، فيكون من رأس المال، والباقي بين الأبوين. ولأنا لو أعطينا الأُم ثلث المال، لزم زيادتها على الأب في مسألة الزوج، أو أخذ الأب في مسألة الزوجة زيادة عنها نصفَ السدس، وهذا لا نظير له، فإن المعهود مساواتها للأب، أو أخذه ضعفَ ما تأخذه الأم. { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } أشقاء، أو لأب، أو لأم، ذكورًا كانوا أو إناثًا، وارثين أو محجوبين بالأب أو الجد [لكن قد يقال: ليس ظاهرُ قوله: { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } شاملا لغير الوارثين بدليل عدم تناولها للمحجوب بالنصف، فعلى هذا لا يحجبها عن الثلث من الإخوة إلا الإخوة الوارثون. ويؤيده أن الحكمة في حجبهم لها عن الثلث لأجل أن يتوفر لهم شيء من المال، وهو معدوم، والله أعلم] ولكن بشرط كونهم اثنين فأكثر، ويشكل على ذلك إتيان لفظ "الإخوة" بلفظ الجمع. وأجيب عن ذلك بأن المقصود مجرد التعدد، لا الجمع، ويصدق ذلك باثنين. وقد يطلق الجمع ويراد به الاثنان، كما في قوله تعالى عن داود وسليمان { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } وقال في الإخوة للأُم: { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } فأطلق لفظ الجمع والمراد به اثنان فأكثر بالإجماع. فعلى هذا لو خلف أمًّا وأبًا وإخوة، كان للأُم السدس، والباقي للأب فحجبوها عن الثلث، مع حجب الأب إياهم [إلا على الاحتمال الآخر فإن للأم الثلث والباقي للأب] ثم قال تعالى: { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } أي: هذه الفروض والأنصباء والمواريث إنما ترد وتستحق بعد نزع الديون التي على الميت لله أو للآدميين، وبعد الوصايا التي قد أوصى الميت بها بعد موته، فالباقي عن ذلك هو التركة الذي يستحقه الورثة. وقدم الوصية مع أنها مؤخرة عن الدين للاهتمام بشأنها، لكون إخراجها شاقًّا على الورثة، وإلا فالديون مقدمة عليها، وتكون من رأس المال. وأما الوصية فإنها تصح من الثلث فأقل للأجنبي الذي هو غير وارث. وأما غير ذلك فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة، قال تعالى: { آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا } فلو ردَّ تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليم، لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الأحسن، في كل زمان ومكان. فلا يدرون أَيُّ الأولادِ أو الوالِدين أنفع لهم، وأقرب لحصول مقاصدهم الدينية والدنيوية. { فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي: فرضها الله الذي قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحكم ما شرعه وقدَّر ما قدَّره على أحسن تقدير لا تستطيع العقول أن تقترح مثل أحكامه الصالحة الموافقة لكل زمان ومكان وحال.


تفسير البغوي

قوله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) الآية ، اعلم أن الوراثة كانت في الجاهلية بالذكورة والقوة فكانوا يورثون الرجال دون النساء والصبيان ، فأبطل الله ذلك بقوله : ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ) الآية ، وكانت أيضا في الجاهلية وابتداء الإسلام بالمحالفة ، قال الله تعالى : " والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " ( النساء - 33 ) ثم صارت الوراثة بالهجرة ، قال الله تعالى " والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا " ( الأنفال - 72 ) فنسخ ذلك كله وصارت الوراثة بأحد الأمور الثلاثة بالنسب أو النكاح أو الولاء ، فالمعني بالنسب أن القرابة يرث بعضهم من بعض ، لقوله تعالى " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " ( الأحزاب - 6 ) ، والمعني بالنكاح : أن أحد الزوجين يرث صاحبه ، وبالولاء : أن المعتق وعصباته يرثون المعتق ، فنذكر بعون الله تعالى فصلا وجيزا في بيان من يرث من الأقارب ، وكيفية توريث الورثة فنقول :

إذا مات ميت وله مال فيبدأ بتجهيزه ثم بقضاء ديونه ثم بإنفاذ وصاياه فما فضل يقسم بين الورثة . ( ثم الورثة ) على ثلاثة أقسام : منهم من يرث بالفرض ومنهم من يرث بالتعصيب ، ومنهم من يرث بهما جميعا ، فمن يرث بالنكاح لا يرث إلا بالفرض ، ومن يرث بالولاء لا يرث إلا بالتعصيب ، أما من يرث بالقرابة فمنهم من يرث بالفرض كالبنات والأخوات والأمهات والجدات ، وأولاد الأم ، ومنهم من يرث بالتعصيب كالبنين والإخوة وبني الإخوة والأعمام وبنيهم ، ومنهم من يرث بهما كالأب يرث بالتعصيب إذا لم يكن للميت ولد ، فإن كان للميت ابن : يرث الأب بالفرض السدس ، وإن كان للميت بنت فيرث الأب السدس بالفرض ويأخذ الباقي بعد نصيب البنت بالتعصيب ، وكذلك الجد ، وصاحب التعصيب من يأخذ جميع المال عند الانفراد ويأخذ ما فضل عن أصحاب الفرائض .

وجملة الورثة سبعة عشر : عشرة من الرجال وسبع من النساء ، فمن الرجال : الابن وابن الابن وإن سفل والأب والجد أبو الأب وإن علا والأخ سواء كان لأب وأم أو لأب أو لأم ، وابن الأخ للأب والأم أو للأب وإن سفل والعم للأب والأم أو للأب وأبناؤهما وإن سفلوا ، والزوج ومولى العتاق ، ومن النساء البنت وبنت الابن وإن سفلت ، والأم والجدة أم الأم وأم الأب ، والأخت سواء كانت لأب وأم أو لأب أو لأم ، والزوجة ومولاة العتاق .

وستة من هؤلاء لا يلحقهم حجب الحرمان بالغير : الأبوان والولدان ، والزوجان ، لأنه ليس بينهم وبين الميت واسطة .

والأسباب التي توجب حرمان الميراث أربعة : اختلاف الدين ، والرق ، والقتل وعمي الموت .

ونعني باختلاف الدين أن الكافر لا يرث المسلم والمسلم لا يرث الكافر ، لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أنا ابن عيينة عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " .

فأما الكفار فيرث بعضهم من بعض مع اختلاف مللهم ، لأن الكفر كله ملة واحدة ، لقوله تعالى : " والذين كفروا بعضهم أولياء بعض " ( الأنفال - 73 ) .

وذهب بعضهم إلى أن اختلاف الملل في الكفر يمنع التوارث حتى لا يرث اليهودي النصراني ولا النصراني المجوسي ، وإليه ذهب الزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يتوارث أهل ملتين شتى " ، وتأوله الآخرون على الإسلام مع الكفر فكله ملة واحدة فتوريث بعضهم من بعض لا يكون فيه إثبات التوارث بين أهل ملتين شتى .

والرقيق لا يرث أحدا ولا يرثه أحد لأنه لا ملك له ، ولا فرق فيه بين القن والمدبر والمكاتب وأم الولد .

والقتل يمنع الميراث عمدا كان أو خطأ لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " القاتل لا يرث " .

ونعني بعمي الموت أن المتوارثين إذا عمي موتهما بأن غرقا في ماء أو انهدم عليهما بناء فلم يدر أيهما سبق موته فلا يورث أحدهما من الآخر ، بل ميراث كل واحد منهما لمن كانت حياته يقينا بعد موته من ورثته .

والسهام المحدودة في الفرائض ستة : النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس .

فالنصف فرض ثلاثة : فرض الزوج عند عدم الولد وفرض البنت الواحدة للصلب أو بنت الابن عند عدم ولد الصلب ، وفرض الأخت الواحدة للأب والأم أو للأب إذا لم يكن ولد لأب وأم .

والربع فرض الزوج إذا كان للميتة ولد وفرض الزوجة إذا لم يكن للميت ولد .

والثمن : فرض الزوجة إذا كان للميت ولد .

والثلثان فرض البنتين للصلب فصاعدا ولبنتي الابن فصاعدا عند عدم ولد الصلب ، وفرض الأختين لأب وأم أو للأب فصاعدا .

والثلث فرض ثلاثة : فرض الأم إذا لم يكن للميت ولد ولا اثنان من الأخوات والإخوة ، إلا في مسألتين : إحداهما زوج وأبوان ، والثانية زوجة وأبوان ، فإن للأم فيهما ثلث ما بقي بعد نصيب الزوج أو الزوجة ، وفرض الاثنين فصاعدا من أولاد الأم ، ذكرهم وأنثاهم فيه سواء ، وفرض الجد مع الإخوة إذ لم يكن في المسألة صاحب فرض ، وكان الثلث خيرا للجد من المقاسمة مع الإخوة .

وأما السدس ففرض سبعة : فرض الأب إذا كان للميت ولد ، وفرض الأم إذا كان للميت ولد أو اثنان من الإخوة والأخوات ، وفرض الجد إذا كان للميت ولد ومع الإخوة والأخوات إذا كان في المسألة صاحب فرض ، وكان السدس خيرا للجد من المقاسمة مع الإخوة ، وفرض الجدة والجدات وفرض الواحد من أولاد الأم ذكرا أو أنثى ، وفرض بنات الابن إذا كان للميت بنت واحدة للصلب تكملة الثلثين ، وفرض الأخوات للأب إذا كان للميت أخت واحدة لأب وأم تكملة الثلثين .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، أنا وهيب أنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر " .

وفي الحديث دليل على أن بعض الورثة يحجب البعض ، والحجب نوعان حجب نقصان وحجب حرمان :

فأما حجب النقصان فهو أن الولد وولد الابن يحجب الزوج من النصف إلى الربع والزوجة من الربع إلى الثمن ، والأم من الثلث إلى السدس ، وكذلك الاثنان فصاعدا من الإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس .

وحجب الحرمان هو أن الأم تسقط الجدات ، وأولاد الأم - وهم الإخوة والأخوات للأم - يسقطون بأربعة : بالأب والجد وإن علا وبالولد وولد الابن وإن سفل ، وأولاد الأب والأم يسقطون بثلاثة بالأب والابن وابن الابن وإن سفلوا ، ولا يسقطون بالجد على مذهب زيد بن ثابت ، وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم ، وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق رحمهم الله .

وأولاد الأب يسقطون بهؤلاء الثلاثة وبالأخ للأب والأم ، وذهب قوم إلى أن الإخوة جميعا يسقطون بالجد كما يسقطون بالأب ، وهو قول أبي بكر الصديق وابن عباس ومعاذ وأبي الدرداء وعائشة رضي الله عنهم ، وبه قال الحسن وعطاء وطاوس وأبو حنيفة رحمهم الله .

وأقرب العصبات يسقط الأبعد من العصوبة ، وأقربهم الابن ثم ابن الابن وإن سفل ، ثم الأب ثم الجد أبو الأب وإن علا فإن كان مع الجد أحد من الإخوة أو الأخوات للأب والأم أو للأب فيشتركان في الميراث ، فإن لم يكن جد فالأخ للأب والأم ثم الأخ للأب ثم بنو الإخوة يقدم أقربهم سواء كان لأب وأم أو لأب ، فإن استويا في الدرجة فالذي هو لأب وأم أولى ثم العم للأب والأم ثم العم للأب ثم بنوهم على ترتيب بني الإخوة ، ثم عم الأب ثم عم الجد على هذا الترتيب .

فإن لم يكن أحد من عصبات النسب وعلى الميت ولاء فالميراث للمعتق ، فإن لم يكن حيا فلعصبات المعتق .

وأربعة من الذكور يعصبون الإناث ، الابن وابن الابن والأخ للأب والأم والأخ للأب ، حتى لو مات عن ابن وبنت أو عن أخ وأخت لأب وأم أو لأب فإنه يكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولا يفرض للبنت والأخت .

وكذلك ابن الابن يعصب من في درجته من الإناث ، ومن فوقه إذا لم يأخذ من الثلثين شيئا حتى لو مات عن بنتين وبنت ابن فللبنتين الثلثان ولا شيء لبنت الابن ، فإن كان في درجتها ابن ابن أو أسفل منها ابن ابن ابن كان الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين .

والأخت للأب والأم وللأب تكون عصبة مع البنت حتى لو مات عن بنت وأخت كان النصف للبنت والباقي للأخت ، فلو مات عن بنتين وأخت فللبنتين الثلثان والباقي للأخت .

والدليل عليه ما أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا آدم ، أنا شعبة ، أنا أبو قيس ، قال : سمعت هذيل بن شرحبيل قال : سئل أبو موسى عن ابنة وبنت ابن وأخت فقال : للبنت النصف وللأخت النصف ، وائت ابن مسعود فسيتابعني فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين أقضي فيها بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم : للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت ، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود رضي الله عنه ، فقال : لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم .

رجعنا إلى تفسير الآية : واختلفوا في سبب نزولها . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو الوليد ، أنا شعبة عن محمد بن المنكدر : سمعت جابرا يقول جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب علي من وضوئه فعقلت ، فقلت : يا رسول الله لمن الميراث إنما يرثني كلالة؟ فنزلت آية الفرائض .

وقال مقاتل والكلبي : نزلت في أم كجة امرأة أوس بن ثابت وبناته .

وقال عطاء : استشهد سعد بن الربيع النقيب يوم أحد وترك امرأة وبنتين وأخا ، فأخذ الأخ المال فأتت امرأة سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنتي سعد [ فقالت : يا رسول الله إن هاتين ابنتا سعد وإن سعدا قتل يوم أحد شهيدا ، وإن عمهما أخذ مالهما ولا تنكحان إلا ولهما مال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ارجعي فلعل الله سيقضي في ذلك " ، فنزل ( يوصيكم الله ) إلى آخرها ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمهما فقال له : " أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك " ، فهذا أول ميراث قسم في الإسلام .

قوله عز وجل : ( يوصيكم الله في أولادكم ) أي : يعهد إليكم ويفرض عليكم في أولادكم ، أي : في أمر أولادكم إذا متم ، للذكر مثل حظ الأنثيين . ( فإن كن ) يعني : المتروكات من الأولاد ، ( نساء فوق اثنتين ) أي : ابنتين فصاعدا ( فوق ) صلة ، كقوله تعالى : " فاضربوا فوق الأعناق " ( الأنفال - 12 ) ، ( فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت ) يعني : البنت ، ( واحدة ) قراءة العامة بالنصب على خبر كان ، ورفعها أهل المدينة على معنى : إن وقعت واحدة ، ( فلها النصف ولأبويه ) يعني لأبوي الميت ، كناية عن غير مذكور ، ( لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ) أراد أن الأب والأم يكون لكل واحد منهما سدس الميراث عند وجود الولد أو ولد الابن ، والأب يكون صاحب فرض ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ) قرأ حمزة والكسائي ( فلأمه ) بكسر الهمزة استثقالا للضمة بعد الكسرة ، وقرأ الآخرون بالضم على الأصل ( فإن كان له إخوة ) اثنان أو أكثر ذكورا أو إناثا ( فلأمه السدس ) والباقي يكون للأب إن كان معها أب ، والإخوة لا ميراث لهم مع الأب ، ولكنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لا يحجب الإخوة الأم من الثلث إلى السدس إلا أن يكونوا ثلاثة ، وقد تفرد به ، وقال : لأن الله تعالى قال : ( فإن كان له إخوة فلأمه السدس ) ولا يقال للاثنين إخوة ، فنقول اسم الجمع قد يقع على التثنية لأن الجمع ضم شيء إلى شيء وهو موجود في الاثنين كما قال الله تعالى : " فقد صغت قلوبكما " ( التحريم - 4 ) ذكر القلب بلفظ الجمع ، وأضافه إلى الاثنين

قوله تعالى : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين ) قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر ( يوصي ) بفتح الصاد على ما لم يسم فاعله ، وكذلك الثانية ، ووافق حفص في الثانية ، وقرأ الآخرون بكسر الصاد لأنه جرى ذكر الميت من قبل ، بدليل قوله تعالى : ( من بعد وصية يوصين بها ) و ( توصون )

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه " إنكم تقرءون الوصية قبل الدين ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية " . وهذا إجماع أن الدين مقدم على الوصية . ومعنى الآية الجمع لا الترتيب ، وبيان أن الميراث مؤخر عن الدين والوصية جميعا ، معناه : من بعد وصية إن كانت ، أو دين إن كان ، فالإرث مؤخر عن كل واحد منهما .

( آباؤكم وأبناؤكم ) يعني : الذين يرثونكم آباؤكم وأبناؤكم ، ( لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ) أي : لا تعلمون أنهم أنفع لكم في الدين والدنيا فمنكم من يظن أن الأب أنفع له ، فيكون الابن أنفع له ، ومنكم من يظن أن الابن أنفع له فيكون الأب أنفع له ، وأنا العالم بمن هو أنفع لكم ، وقد دبرت أمركم على ما فيه المصلحة فاتبعوه ، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أطوعكم لله عز وجل من الآباء والأبناء أرفعكم درجة يوم القيامة ، والله تعالى يشفع المؤمنين بعضهم في بعض ، فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة رفع إليه ولده وإن كان الولد أرفع درجة رفع إليه والده لتقر بذلك أعينهم ، ( فريضة من الله ) أي : ما قدر من المواريث ، ( إن الله كان عليما ) بأمور العباد ، ( حكيما ) بنصب الأحكام .


الإعراب:

(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) فعل مضارع ومفعوله ولفظ الجلالة فاعله والجملة مستأنفة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم مثل مبتدأ مؤخر حظ مضاف إليه والأنثيين مضاف إليه مجرور بالباء لأنه مثنى والجملة مقول القول لأنّ يوصيكم بمعنى: القول وقيل مفسرة (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) الفاء استئنافية إن شرطية كن فعل ماض ناقص ونون النسوة اسمها وهو في محل جزم فعل الشرط نساء خبرها (فَوْقَ) ظرف مكان متعلق بمحذوف صفة لنساء أو خبر ثان لكن، (اثْنَتَيْنِ) مضاف إليه.

(فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) الفاء رابطة لجواب الشرط لهن متعلقان بمحذوف خبر ثلثا مبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنى ما اسم موصول في محل جر بالإضافة وجملة ترك صلته وجملة (فَلَهُنَّ) في محل جزم جواب الشرط (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً) عطف على (فَإِنْ كُنَّ) واسم كان ضمير مستتر تقديره: هي (واحِدَةً) خبرها.

(فَلَهَا النِّصْفُ) مبتدأ وخبر والجملة في محل جزم جواب الشرط (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) الواو عاطفة لأبويه متعلقان بمحذوف خبر مقدم لكل بدل من أبويه منهما متعلقان بمحذوف حال من السدس. وجملة ترك صلة (إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) كان واسمها وجار ومجرور متعلقان بالخبر المحذوف وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله والجملة مستأنفة (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ) الفاء استئنافية والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر يكن وولد اسمها والجملة مستأنفة.

(وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) فعل ماض ومفعول به وفاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) مبتدأ وخبر والجملة في محل جزم جواب الشرط.

(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) الجملة معطوفة (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) الجار والمجرور علقهما بعضهم بيوصيكم أو بمحذوف حال من السدس أو بفعل محذوف تقديره: يستقر وعلقها آخرون بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي: هذه القسمة كائنة وصية مضاف إليه وجملة (يُوصِي بِها) الجار والمجرور متعلقان بالفعل المضارع والجملة في محل جر صفة (أَوْ دَيْنٍ) عطف على وصية.

(آباؤُكُمْ) مبتدأ (وَأَبْناؤُكُمْ) عطف وجملة (لا تَدْرُونَ) خبره (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) أي اسم استفهام مبني على الضم في محل رفع مبتدأ والجار والمجرور متعلقان بالخبر أقرب نفعا تمييز والجملة سدت مسد مفعولي تدرون المعلقة بالاستفهام ويجوز إعراب أيهم اسم موصول مفعول به أول والمفعول الثاني محذوف وأقرب خبر لمبتدأ محذوف (فَرِيضَةً) مفعول مطلق منصوب (مِنَ اللَّهِ) متعلقان بمحذوف صفة فريضة (إِنَّ اللَّهَ) إن واسمها والجملة تعليلية (كانَ عَلِيماً) كان وخبرها واسمها ضمير مستتر (حَكِيماً) خبر ثان والجملة خبر إن.

---

Traslation and Transliteration:

Yooseekumu Allahu fee awladikum lilththakari mithlu haththi alonthayayni fain kunna nisaan fawqa ithnatayni falahunna thulutha ma taraka wain kanat wahidatan falaha alnnisfu waliabawayhi likulli wahidin minhuma alssudusu mimma taraka in kana lahu waladun fain lam yakun lahu waladun wawarithahu abawahu faliommihi alththuluthu fain kana lahu ikhwatun faliommihi alssudusu min baAAdi wasiyyatin yoosee biha aw daynin abaokum waabnaokum la tadroona ayyuhum aqrabu lakum nafAAan fareedatan mina Allahi inna Allaha kana AAaleeman hakeeman

بيانات السورة

اسم السورة سورة النساء (An-Nisaa - The Women)
ترتيبها 4
عدد آياتها 176
عدد كلماتها 3712
عدد حروفها 15937
معنى اسمها (النُّـِسْوَةُ) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لفْظِهَا
سبب تسميتها كَثْرَةُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ وَمَسَائِلِ الْأُسْرَّةِ وَالْمُجْتَمَعِ
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النِّسَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (النِّسَاءِ الكُبْرَى) أَوْ (النِّسَاءِ الطُوْلَى)
مقاصدها تَنْظِيمُ الشُّؤُونِ الدَّاخِلِيَّةِ وَالعَلَاقَاتِ الْخَارِجِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَن أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ منَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النِّسَاءِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَحْكَامِ المَوَارِيثِ. فقَالَ سُبْحَانَهُ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ ...١٧٥﴾... الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النِّسَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (آلِ عِمرَانَ): اختُتِمَتْ (آلُ عِمْرَانَ) بِالأَمْرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ٢٠٠﴾ ، وَافْتُتِحَتِ (النِّسَاءُ) بِالأَمرِ بِتَقْوَى اللهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ...١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!