«يطوفون» يسعون «بينها وبين حميم» ماء حار «آن» شديد الحرارة يسقونه إذا استغاثوا من حر النار، وهو منقوص كقاض.
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78)
[ مناسبة الإكرام للجلال : ]
الجلال نعت إلهي يعطي في القلوب هيبة وتعظيما ، وبه ظهر الاسم الجليل ، وهو يدل على الضدين ، فيعطى حكمه نعوت التنزيه والتشبيه ، ولحضرة الجلال السبحات الوجهية المحرقة ، ولهذا لا يتجلى في جلاله أبدا ، لكن يتجلى في جلال جماله لعباده ، فهو «ذُو الْجَلالِ» أي صاحب الجلال الذي نجده في نفوسنا «وَالْإِكْرامِ» بنا ،
فالكرم يتبع أبدا الجلال من حيث ما يعطيه وضع الجلال ، فإن السامع إذا أخذ الجلال على العظمة أدركه القنوط ، لعدم الوصول إلى من له العظمة ، لما يرى نفسه عليه من الاحتقار والبعد عن التفات ما يعطيه مقام العظمة إليه ، فأزال اللّه عن وهمه ذلك الذي تخيله بقوله :" وَالْإِكْرامِ»
أي وإن كانت له العظمة ، فإنه يكرم خلقه وينظر إليهم بجوده وكرمه ، نزولا منه من هذه العظمة ، فلما سمع القانط ذلك ، عظم في نفسه أكثر مما كان عنده أولا من عظمته ،
وذلك لأن العظمة الأولى التي كان يعظّم بها الحق كانت لعين الحق عن انكسار من العبد وذلة ، فلما وصف الحق نفسه بأنه يكرم عباده بنزوله إليهم ، حصل في نفس المخلوق أن اللّه ما اعتنى به هذه العناية إلا وللمخلوق في نفس هذا العظيم ذي الجلال تعظيم ،
فرأى نفسه معظما ، فلذلك زاد في تعظيم الحق في نفسه إيثارا لجنابه لاعتناء الحق به على عظمته ، فزاد الحق بالكرم تعظيما في نفس هذا العبد أعظم من العظمة الأولى ،
فإن كرامته بنا إعطاؤنا الوجود ، وهو تعالى كريم بما وهب وأعطى وجاد وامتن به من جزيل الهبات والمنح ، والتزام الجلال والإكرام التزام الألف واللام ، فكان الجلال للتنزيه عن التشبيه ، وكان الإكرام للتنويه به في نفي التشبيه بالشبيه.
(56) سورة الواقعة مكيّة
------------
(78) الفتوحات ج 2 /
541 - ج 4 /
252 ، 344
وقوله : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) أي : تارة يعذبون في الجحيم ، وتارة يسقون من الحميم ، وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب ، يقطع الأمعاء والأحشاء ، وهذه كقوله تعالى : ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ) [ غافر : 71 ، 72 ] .
وقوله : ( آن ) أي : حار وقد بلغ الغاية في الحرارة ، لا يستطاع من شدة ذلك .
قال ابن عباس في قوله : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) قد انتهى غليه ، واشتد حره . وكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، والحسن ، والثوري ، والسدي .
وقال قتادة : قد أنى طبخه منذ خلق الله السماوات والأرض . وقال محمد بن كعب القرظي : يؤخذ العبد فيحرك بناصيته في ذلك الحميم ، حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس . وهي كالتي يقول الله تعالى : ( في الحميم ثم في النار يسجرون ) . والحميم الآني : يعني الحار . وعن القرظي رواية أخرى : ( حميم آن ) أي : حاضر . وهو قول ابن زيد أيضا ، والحاضر لا ينافي ما روي عن القرظي أولا أنه الحار ، كقوله تعالى : ( تسقى من عين آنية ) [ الغاشية : 5 ] أي حارة شديدة الحر لا تستطاع . وكقوله : ( غير ناظرين إناه ) [ الأحزاب : 53 ] يعني : استواءه ونضجه . فقوله : ( حميم آن ) أي : حميم حار جدا . ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه ، وكان إنذاره لهم عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك ، قال ممتنا بذلك على بريته : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) .
قوله تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم} قال الحسن: سواد الوجه وزرقة الأعين، قال الله تعالى: {ونحشر المجرمين يومئذ زرقا} [طه:102] وقال تعالى{يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} [آل عمران:106]. {فيؤخذ بالنواصي والأقدام} أي تأخذ الملائكة بنواصيهم، أي بشعور مقدم رؤوسهم وأقدامهم فيقذفونهم في النار. والنواصي جمع ناصية. وقال الضحاك: يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره. وعنه: يؤخذ برجلي الرجل فيجمع بينهما وبين ناصيته حتى يندق ظهره ثم يلقى في النار. وقيل: يفعل ذلك به ليكون أشد لعذابه وأكثر لتشويهه. وقيل: تسحبهم الملائكة إلى النار، تارة تأخذ بناصيته وتجره على وجهه، وتارة تأخذ بقدميه وتسحبه على رأسه. قوله تعالى: {هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون} أي يقال لهم هذه النار التي أخبرتم بها فكذبتم. {يطوفون بينها وبين حميم آن} قال قتادة: يطوفون مرة بين الحميم ومرة بين الجحيم، والجحيم النار، والحميم الشراب. وفي قوله تعالى: {آن} ثلاثة أوجه، أحدها أنه الذي انتهى حره وحميمه. قال ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي، ومنه قول النابغة الذبياني: وتخضب لحية غدرت وخانت ** بأحمر من نجيع الجوف آن قال قتادة: {آن} طبخ منذ خلق الله السماوات والأرض، يقول: إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم ذلك. وقال كعب: {آن} واد من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فيغمسون بأغلالهم فيه حتى تنخلع أوصالهم، ثم يخرجون منها وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا فيلقون في النار، فذلك قوله تعالى: {يطوفون بينها وبين حميم آن}. وعن كعب أيضا: أنه الحاضر. وقال مجاهد: إنه الذي قد آن شربه وبلغ غايته. والنعمة فيما وصف من هول القيامة وعقاب المجرمين ما في ذلك من الزجر عن المعاصي والترغيب في الطاعات. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى على شاب في الليل يقرأ: {فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان} [الرحمن: 37] فوقف الشاب وخنقته العبرة وجعل يقول: ويحي من يوم تنشق فيه السماء ويحي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم ويحك يا فتى مثلها فو الذي نفسي بيده لقد بكت ملائكة السماء لبكائك
يقال لهؤلاء المجرمين -توبيخًا وتحقيرًا لهم-: هذه جهنم التي يكذِّب بها المجرمون في الدنيا: تارة يُعذَّبون في الجحيم، وتارة يُسقون من الحميم، وهو شراب بلغ منتهى الحرارة، يقطِّع الأمعاء والأحشاء.
{ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا } أي: بين أطباق الجحيم ولهبها { وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } أي: ماء حار جدا قد انتهى حره، وزمهرير قد اشتد برده وقره،
( يطوفون بينها وبين حميم آن ) قد انتهى حره . قال الزجاج : أنى يأنى فهو آن إذا انتهى في النضج ، والمعنى : أنهم يسعون بين الجحيم والحميم فإذا استغاثوا من حر النار جعل عذابهم الحميم الآني الذي صار كالمهل . وهو قوله " وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل " ( الكهف - 29 ) وقال كعب الأحبار : " آن " واد من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الأغلال فيغمسون في ذلك الوادي حتى تنخلع أوصالهم ، ثم يخرجون منه وقد أحدث الله تعالى لهم خلقا جديدا فيلقون في النار وذلك قوله : " يطوفون بينها وبين حميم آن " .
(يَطُوفُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة حال (بَيْنَها) ظرف مكان (وَبَيْنَ) معطوف على بينها (حَمِيمٍ) مضاف إليه (آنٍ) صفة حميم مجرور بالكسرة المقدرة على الياء المحذوفة.
Traslation and Transliteration:
Yatoofoona baynaha wabayna hameemin anin
They go circling round between it and fierce, boiling water.
Cehennemle içecekleri kaynar suyun arasında dolanıp dururlar.
Ils feront le va-et-vient entre lui (l'Enfer) et une eau bouillante extrêmement chaude.
Sie machen die Runde in ihr (Dschahannam) und mit extrem hoher Temperatur Siedendem.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الرحمن (Ar-Rahman - The Beneficent) |
ترتيبها |
55 |
عدد آياتها |
78 |
عدد كلماتها |
352 |
عدد حروفها |
1585 |
معنى اسمها |
(الرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ) اسْمَانِ لِلَّهِ تَعَالَى مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ عَلَى وَجْهِ المُبَالَغَةِ. وَ(الرَّحْمَنُ) لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، وَ(الرَّحِيمُ) خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ |
سبب تسميتها |
حَدِيثُ السُّورَةِ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى بِبَيَانِ نِعَمِهِ عَلَى خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الرَحْمَنِ)، وتُسَمَّى (عَرَوسَ القُرْآنِ) |
مقاصدها |
إِظْهَارُ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ، وَدَعْوَتُهُمْ إِلَى الاعْتِرَافِ بِهَا؛ بِتَكْرَارِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ (31) مَرَّةً فِي السُّورَةِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
مِن النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّوِيْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظائِرَ، السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، .... (الرَّحمنَ والنَّجمِ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الرّحْمَنِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن اسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ، فَافتُتِحَتْ باسْمِ اللهِ: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ ١﴾، وَاختُتِمَتْ بِهِ، فَقَالَ: ﴿تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ ٧٨﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الرَّحْمَنِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْقَمَرِ): لَمَّا أبْرَزَ قَولَهُ سُبْحَانَهُ: ﴿عِندَ مَلِيكٖ مُّقۡتَدِرِۭ ٥٥﴾ بِصُورَةِ التَّنكِيرِ فكَأَنَّ سَائِلًا قَالَ: مَنِ المُتَّصِفُ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الْجَلِيلَتَيْنِ؟ فَقِيلَ: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ ١﴾ ﷻ. |