«الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل» متصرف فيه كيف يشاء.
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75)
-الوجه الأول -الملائكة الحافون حول العرش ما لهم سباحة إلا في العماء الذي ظهر فيه العرش ، وهؤلاء الملائكة خلقهم اللّه تعالى من نور العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإنهم إليه يتوجهون وعليه يعولون ، وحوله يحومون وبه يطوفون ، وحيثما كانوا فإليه يشيرون ، فمتى حدث في الكون حادثة أو نزلت به نازلة ، رفعوا أيدي المسألة والتضرع إلى جهة عرشه ، يطلبون الشفا ويستعفون عن الخطا ، لأن موجد الكون لا جهة له يشار إليها ، ولا أينية له يقصدونها ، ولا كيفية له يعرفونها ، فلو لم يكن العرش جهة يتوجهون إليه للقيام بخدمته ، ولأداء طاعته ، لضلوا في طلبهم ، فهو سبحانه إنما أوجد العرش إظهارا لقدرته ، لا محلا لذاته ، وأوجد الوجود لا لحاجة إليه ، وإنما هو إظهار لأسمائه وصفاته
- الوجه الثاني -هذا العرش الذي تحف به الملائكة ما هو العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإن الثاني قد عمر الخلاء ، وإنما العرش الذي تحف به الملائكة هو العرش الذي يأتي اللّه به للفصل والقضاء يوم القيامة ، ولذلك تمم الآية بقوله «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» عند الفراغ من القضاء ، فذلك العرش يوم القيامة تحمله الثمانية الأملاك ، وذلك بأرض المحشر ونسبة العرش إلى تلك الأرض نسبة الجنة إلى عرض الحائط في قبلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، من غير أن يوسع الضيق أو يضيق الواسع ، «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ»
اعلم أن الحكم للرحمة ، ويوم القيامة يوم العدل في القضاء ، وإنما تأتي الرحمة في القيامة ليشهد الأمر ، حتى إذا انته حكم العدل وانقضت مدته في المحكوم عليه ، تولت الرحمة الحكم فيه إلى غير نهاية «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» - إشارة - من قام باللام وحده ، ووقف على ما حصل عنده ، وجاوزه إلى مطلعه وحده ، ولم ير مثله ولا ضده ، وملك وعيده ووعده ، وأمن قربه وبعده ، وعرف أنه لا يأتي أحد بعده ، قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده – شرح
[إشارة :من قام باللام وحده ]
هذه الإشارة - قوله «من قام باللام وحده» يريد أن اللام للفناء ، فيكون القائم الحق لا هو ، لأنك تقول «الحمد للّه» فجعلته حامدا لنفسه ، قائما بحمده ، وإذا قلت «الحمد باللّه» فقد جعلت الباء للاستعانة ، فاللام له ، والباء لنا ،
ولذلك قال : العلماء لي والعارفون بي «1» - قوله «ووقف على ما حصل عنده» يعني تميزت له نفسه بما كشف الحق له من المراتب ، قوله «
ولم ير مثله ولا ضده» يعني لشغله بربه ، أو بموازنة نفسه مع ربه فيم وجّه عليها ، قوله «وملك وعيده ووعده» أي لم يؤثر فيه لا رغبة ولا رهبة ، أي لا صفة حكمت عليه ، فهو عبد ذات لا عبد صفة ، قوله «وأمن قربه وبعده»
أي لم يتأثر للأسماء المؤثرات في القرب والبعد ، وأما الوعد والوعيد فلآثار الأسماء ، وقوله «وعرف أنه لا يأتي أحد بعده» أي لا يأتي أحد بعد بأكمل من هذا المقام ، وإنما يتفاوتون في استصحابه أو عدم استصحابه ،
قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده .
------------
(75) الفتوحات ج 3 /
420 ، 431 - كتاب شجرة الكون - الفتوحات ج 2 /
436 - ج 3 /
492 - كتاب الإسراء - كتاب النجاة
يخبر تعالى أنه خالق الأشياء كلها ، وربها ومليكها والمتصرف فيها ، وكل تحت تدبيره وقهره وكلاءته .
قوله تعالى: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} أي مما حاط بهم من غضب الله ونقمته. وقال الأخفش: {ترى} غير عامل في قوله: {وجوههم مسودة} إنما هو ابتداء وخبر. الزمخشري : جملة في موضع الحال إن كان {ترى} من رؤية البصر، ومفعول ثان إن كان من رؤية القلب. {أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} بين رسول الله صلى الله عليه وسلم معنى الكبر فقال عليه السلام : (سفه الحق وغمص الناس) أي احتقارهم. وقد مضى في {البقرة} وغيرها. وفي حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم : (يحشر المتكبرون يوم القيامة كالذر يلحقهم الصغار حتى يؤتى بهم إلى سجن جهنم). قوله تعالى: {وينجي الله الذين اتقوا} وقرئ {وينجى} أي من الشرك والمعاصي. {بمفازتهم} على التوحيد قراءة العامة لأنها مصدر. وقرأ الكوفيون {بمفازاتهم} وهو جائز كما تقول بسعاداتهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير هذه الآية من حديث أبي هريرة، قال : (يحشر الله مع كل امرئ عمله فيكون عمل المؤمن معه في أحسن صورة وأطيب ريح فكلما كان رعب أو خوف قال له لا ترع فما أنت بالمراد به ولا أنت بالمعني به فإذا كثر ذلك عليه قال فما أحسنك فمن أنت فيقول أما تعرفني أنا عملك الصالح حملتني على ثقلي فوالله لأحملنك ولأدفعن عنك فهي التي قال الله} وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون}. {الله خالق كل شيء} أي حافظ وقائم به. وقد تقدم. قوله تعالى: {له مقاليد السماوات والأرض} واحدها مقليد. وقيل : مقلاد وأكثر ما يستعمل فيه إقليد. والمقاليد المفاتيح عن ابن عباس وغيره. وقال السدي : خزائن السماوات والأرض. وقال غيره : خزائن السماوات المطر، وخزائن الأرض النبات. وفيه لغة أخرى أقاليد وعليها يكون واحدها إقليد. قال الجوهري : والإقليد المفتاح، والمقلد مفتاح كالمنجل ربما يقلد به الكلأ كما يقلد القت إذا جعل حبالا؛ أي يفتل والجمع المقاليد. وأقلد البحر على خلق كثير أي غرقهم كأنه أغلق عليهم. وخرج البيهقي عن ابن عمر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى: {له مقاليد السماوات والأرض} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما سألني عنها أحد لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده استغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هو الأول والآخر والظاهر والباطن يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير) ذكره الثعلبي في تفسيره، وزاد من قالها إذا أصبح أو أمسى عشر مرات أعطاه الله ست خصال : أولها يحرس من إبليس، والثانية يحضره اثنا عشر ألف ملك، والثالثة يعطى قنطارا من الأجر، والرابعة ترفع له درجة، والخامسة يزوجه الله من الحور العين، والسادسة يكون له من الأجر كمن قرأ القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وله أيضا من الأجر كمن حج واعتمر فقبلت حجته وعمرته، فإن مات من ليلته مات شهيدا. وروى الحارث عن علي قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير المقاليد فقال : (يا علي لقد سألت عن عظيم المقاليد هو أن تقول عشرا إذا أصبحت وعشرا إذا أمسيت لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله واستغفر الله ولا قوة إلا بالله الأول والآخر والظاهر والباطن له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير من قالها عشرا إذا أصبح، وعشرا إذا أمسى أعطاه الله خصالا ستا : أولها يحرسه من الشيطان وجنوده فلا يكون لهم عليه سلطان، والثانية يعطى قنطارا في الجنة هو أثقل في ميزانه من جبل أحد، والثالثة ترفع له درجة لا ينالها إلا الأبرار، والرابعة يزوجه الله من الحور العين، والخامسة يشهده اثنا عشر ألف ملك يكتبونها له في رق منشور ويشهدون له بها يوم القيامة، والسادسة يكون له من الأجر كأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وكمن حج واعتمر فقبل الله حجته وعمرته، وإن مات من يومه أو ليلته أوشهره طبع بطابع الشهداء. وقيل : المقاليد الطاعة يقال ألقى إلى فلان بالمقاليد أي أطاعه فيما يأمره؛ فمعنى الآية له طاعة من في السماوات والأرض. قوله تعالى: {والذين كفروا بآيات الله} أي بالقرآن والحجج والدلالات. {أولئك هم الخاسرون} تقدم. قوله تعالى: {قل أفغير الله تأمروني أعبد} ذلك حين دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما هم عليه من عبادة الأصنام وقالوا هو دين آبائك. و{غير} نصب بـ {أعبد} على تقدير أعبد غير الله فيما تأمرونني. ويجوز أن ينتصب بـ {تأمروني} على حذف حرف الجر؛ التقدير : أتأمروني بغير الله أن أعبده، لأن أن مقدرة وأن والفعل مصدر، وهي بدل من غير؛ التقدير : أتأمروني بعبادة غير الله. وقرأ نافع: {تأمروني} بنون واحدة مخففة وفتح الياء. وقرأ ابن عامر: {تأمرونني} بنونين مخففتين على الأصل. الباقون بنون واحدة مشددة على الإدغام، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأنها وقعت في مصحف عثمان بنون واحدة. وقرأ نافع على حذف النون الثانية وإنما كانت المحذوفة الثانية؛ لأن التكرير والتثقيل يقع بها، وأيضا حذف الأولى لا يجوز؛ لأنها دلالة الرفع. وقد مضى في {الأنعام} بيانه عند قوله تعالى: {أتحاجوني}. {أعبد} أي أن أعبد فلما حذف {أن} رفع؛ قاله الكسائي. ومنه قول الشاعر : ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى والدليل على صحة هذا الوجه قراءة من قرأ {أعبدَ} بالنصب.
الله تعالى هو خالق الأشياء كلها، وربها ومليكها والمتصرف فيها، وهو على كل شيء حفيظ يدَبِّر جميع شؤون خلقه.
يخبر تعالى عن عظمته وكماله، الموجب لخسران من كفر به فقال: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } هذه العبارة وما أشبهها، مما هو كثير في القرآن، تدل على أن جميع الأشياء - غير اللّه - مخلوقة، ففيها رد على كل من قال بقدم بعض المخلوقات، كالفلاسفة القائلين بقدم الأرض والسماوات، وكالقائلين بقدم الأرواح، ونحو ذلك من أقوال أهل الباطل، المتضمنة تعطيل الخالق عن خلقه.
وليس كلام اللّه من الأشياء المخلوقة، لأن الكلام صفة المتكلم، واللّه تعالى بأسمائه وصفاته أول ليس قبله شيء، فأخذ أهل الاعتزال من هذه الآية ونحوها أنه مخلوق، من أعظم الجهل، فإنه تعالى لم يزل بأسمائه وصفاته، ولم يحدث له صفة من صفاته، ولم يكن معطلا عنها بوقت من الأوقات، والشاهد من هذا، أن اللّه تعالى أخبر عن نفسه الكريمة أنه خالق لجميع العالم العلوي والسفلي، وأنه على كل شيء وكيل، والوكالة التامة لا بد فيها من علم الوكيل، بما كان وكيلا عليه، وإحاطته بتفاصيله، ومن قدرة تامة على ما هو وكيل عليه، ليتمكن من التصرف فيه، ومن حفظ لما هو وكيل عليه، ومن حكمة، ومعرفة بوجوه التصرفات، ليصرفها ويدبرها على ما هو الأليق، فلا تتم الوكالة إلا بذلك كله، فما نقص من ذلك، فهو نقص فيها.
ومن المعلوم المتقرر، أن اللّه تعالى منزه عن كل نقص في صفة من صفاته،.فإخباره بأنه على كل شيء وكيل، يدل على إحاطة علمه بجميع الأشياء، وكمال قدرته على تدبيرها، وكمال تدبيره، وكمال حكمته التي يضع بها الأشياء مواضعها.
( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) أي : الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها .
(اللَّهُ خالِقُ) لفظ الجلالة مبتدأ وخالق خبر والجملة مستأنفة (كُلِّ) مضاف إليه (شَيْءٍ) مضاف إليه ثان (وَهُوَ) الواو حرف عطف وهو مبتدأ (عَلى كُلِّ) متعلقان بوكيل (شَيْءٍ) مضاف إليه (وَكِيلٌ) خبر والجملة معطوفة على ما قبلها
Traslation and Transliteration:
Allahu khaliqu kulli shayin wahuwa AAala kulli shayin wakeelun
Allah is Creator of all things, and He is Guardian over all things.
Allah, her şeyi yaratandır ve o, her şeyi korur.
Allah est le Créateur de toute chose, et de toute chose Il est Garant.
ALLAH ist Der Schöpfer aller Dinge. Und ER ist über alles Wakil.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الزمر (Az-Zumar - The Troops) |
ترتيبها |
39 |
عدد آياتها |
75 |
عدد كلماتها |
1177 |
عدد حروفها |
4741 |
معنى اسمها |
الزُّمَرُ: الجَمَاعَاتُ، وَالمُرَادُ (بِالزُّمَرِ): جَمَاعَاتُ الْكُفَّارِ يُسَاقُونَ إَلَى النَّارِ، وَجَمَاعَاتُ المُؤمِنِينَ يُسَاقُونَ إِلَى الجَنَّةِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الزُّمَرِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الْاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الزُّمَرِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الغُرَفْ) |
مقاصدها |
بَيَانُ صِفَاتِ أَهْلِ الإِيمَانِ وَصِفَاتِ أَهْلِ الكُفْرِ؛ وَجَزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا قَبْلَ النَّومِ، قَالَتْ عَاَئِشَةُ رضي الله عنه: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لا يَنامُ حَتَّى يَقْرَأَ (بَنِي إِسرَائِيلَ، والزُّمَرَ)». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ التِّرمِذيُّ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الزُّمَرِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ حُكْمِ اللهِ وَعَدْلِهِ، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿...إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ ...٣﴾، وَقَالَ فِي أَوَاخِرِهَا: ﴿وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَا يَفۡعَلُونَ ٧٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الزُّمَرِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (صٍ): خُتِمَتْ (ص) بِذِكْرِ القُرْآنِ؛ فَقَالَ: ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٨٧ وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِينِۭ ٨٨﴾، وَافْتُتِحَتِ (الزُّمَرُ) بِذِكْرِهِ؛ فَقَالَ: ﴿تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ ١﴾. |