المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الزمر: [الآية 32]
سورة الزمر | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (75)
-الوجه الأول -الملائكة الحافون حول العرش ما لهم سباحة إلا في العماء الذي ظهر فيه العرش ، وهؤلاء الملائكة خلقهم اللّه تعالى من نور العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإنهم إليه يتوجهون وعليه يعولون ، وحوله يحومون وبه يطوفون ، وحيثما كانوا فإليه يشيرون ، فمتى حدث في الكون حادثة أو نزلت به نازلة ، رفعوا أيدي المسألة والتضرع إلى جهة عرشه ، يطلبون الشفا ويستعفون عن الخطا ، لأن موجد الكون لا جهة له يشار إليها ، ولا أينية له يقصدونها ، ولا كيفية له يعرفونها ، فلو لم يكن العرش جهة يتوجهون إليه للقيام بخدمته ، ولأداء طاعته ، لضلوا في طلبهم ، فهو سبحانه إنما أوجد العرش إظهارا لقدرته ، لا محلا لذاته ، وأوجد الوجود لا لحاجة إليه ، وإنما هو إظهار لأسمائه وصفاته
- الوجه الثاني -هذا العرش الذي تحف به الملائكة ما هو العرش الذي استوى عليه الرحمن ، فإن الثاني قد عمر الخلاء ، وإنما العرش الذي تحف به الملائكة هو العرش الذي يأتي اللّه به للفصل والقضاء يوم القيامة ، ولذلك تمم الآية بقوله «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» عند الفراغ من القضاء ، فذلك العرش يوم القيامة تحمله الثمانية الأملاك ، وذلك بأرض المحشر ونسبة العرش إلى تلك الأرض نسبة الجنة إلى عرض الحائط في قبلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، من غير أن يوسع الضيق أو يضيق الواسع ، «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ»
اعلم أن الحكم للرحمة ، ويوم القيامة يوم العدل في القضاء ، وإنما تأتي الرحمة في القيامة ليشهد الأمر ، حتى إذا انته حكم العدل وانقضت مدته في المحكوم عليه ، تولت الرحمة الحكم فيه إلى غير نهاية «وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» - إشارة - من قام باللام وحده ، ووقف على ما حصل عنده ، وجاوزه إلى مطلعه وحده ، ولم ير مثله ولا ضده ، وملك وعيده ووعده ، وأمن قربه وبعده ، وعرف أنه لا يأتي أحد بعده ، قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده – شرح
[إشارة :من قام باللام وحده ]
هذه الإشارة - قوله «من قام باللام وحده» يريد أن اللام للفناء ، فيكون القائم الحق لا هو ، لأنك تقول «الحمد للّه» فجعلته حامدا لنفسه ، قائما بحمده ، وإذا قلت «الحمد باللّه» فقد جعلت الباء للاستعانة ، فاللام له ، والباء لنا ،
ولذلك قال : العلماء لي والعارفون بي «1» - قوله «ووقف على ما حصل عنده» يعني تميزت له نفسه بما كشف الحق له من المراتب ، قوله «
ولم ير مثله ولا ضده» يعني لشغله بربه ، أو بموازنة نفسه مع ربه فيم وجّه عليها ، قوله «وملك وعيده ووعده» أي لم يؤثر فيه لا رغبة ولا رهبة ، أي لا صفة حكمت عليه ، فهو عبد ذات لا عبد صفة ، قوله «وأمن قربه وبعده»
أي لم يتأثر للأسماء المؤثرات في القرب والبعد ، وأما الوعد والوعيد فلآثار الأسماء ، وقوله «وعرف أنه لا يأتي أحد بعده» أي لا يأتي أحد بعد بأكمل من هذا المقام ، وإنما يتفاوتون في استصحابه أو عدم استصحابه ،
قال : الحمد للّه الذي صدقنا وعده .
------------
(75) الفتوحات ج 3 / 420 ، 431 - كتاب شجرة الكون - الفتوحات ج 2 / 436 - ج 3 / 492 - كتاب الإسراء - كتاب النجاةتفسير ابن كثير:
يقول تعالى مخاطبا للمشركين الذين افتروا على الله ، وجعلوا معه آلهة أخرى ، وادعوا أن الملائكة بنات الله ، وجعلوا لله ولدا - تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا - ومع هذا كذبوا بالحق إذ جاءهم على ألسنة رسل الله ، صلوات الله [ وسلامه ] عليهم أجمعين ، ولهذا قال : ( فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه ) أي : لا أحد أظلم من هذا ; لأنه جمع بين طرفي الباطل ، كذب على الله ، وكذب رسول الله ، قالوا الباطل وردوا الحق ; ولهذا قال متوعدا لهم : ( أليس في جهنم مثوى للكافرين ) وهم الجاحدون المكذبون .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
يقول تعالى، محذرا ومخيرا: أنه لا أظلم وأشد ظلما { مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ } إما بنسبته إلى ما لا يليق بجلاله، أو بادعاء النبوة، أو الإخبار بأن اللّه تعالى قال كذا، أو أخبر بكذا، أو حكم بكذا وهو كاذب، فهذا داخل في قوله تعالى: { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } إن كان جاهلا، وإلا فهو أشنع وأشنع.
{ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } أي: ما أظلم ممن جاءه الحق المؤيد بالبينات فكذبه، فتكذيبه ظلم عظيم منه، لأنه رد الحق بعد ما تبين له، فإن كان جامعا بين الكذب على اللّه والتكذيب بالحق، كان ظلما على ظلم.
{ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } يحصل بها الاشتفاء منهم، وأخذ حق اللّه من كل ظالم وكافر. { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
تفسير البغوي
قوله عز وجل : ( فمن أظلم ممن كذب على الله ) فزعم أن له ولدا وشريكا ، ( وكذب بالصدق ) بالقرآن ، ( إذ جاءه أليس في جهنم مثوى ) منزل ومقام ، ) ( للكافرين ) استفهام بمعنى التقرير .
الإعراب:
(فَمَنْ) حرف استئناف واسم استفهام مبتدأ (أَظْلَمُ) خبر والجملة مستأنفة (مِمَّنْ) متعلقان بالفعل (كَذَبَ) ماض فاعله مستتر (عَلَى اللَّهِ) متعلقان بالفعل (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ) معطوف على ما قبله (إِذْ) ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب (جاءَهُ) ماض ومفعوله والفاعل مستتر والجملة في محل جر بالإضافة (أَلَيْسَ) حرف استفهام تقريري وماض ناقص (فِي جَهَنَّمَ) جار ومجرور خبره المقدم (مَثْوىً) اسمه المؤخر وجملة كذب صلة لا محل لها (لِلْكافِرِينَ) متعلقان بمثوى وجملة أليس مستأنفة