«إنا سخرنا الجبال معه يسبحن» بتسبيحه «بالعشيّ» وقت صلاة العشاء «والإشراق» وقت صلاة الضحى وهو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوءُها.
قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)
فغلّب جزاء الإنسان على جزاء إبليس ، فإن اللّه ما جعل جزاءهما إلا جهنم وفيها عذاب إبليس ، فإن جهنم برد كلها ما فيها شيء من النارية ، فهو عذاب لإبليس أكثر من متبعه ، وإنما كان ذلك لأن إبليس طلب أن يشقي الغير ، فحار وباله عليه لما قصده ، فهو تنبيه من الحق لنا أن لا نقصد وقوع ما يؤدي إلى الشقاء لأحد ، فعذاب الشياطين من الجن في جهنم أكثر ما يكون بالزمهرير لا بالحرور ، وقد يعذب بالنار ، وبنو آدم أكثر عذابهم بالنار ، وسميت جهنم جهنما لأنها كريهة المنظر ، والجهام السحاب الذي هرق ماءه ، والغيث رحمة اللّه فلما أزال اللّه الغيث من السحاب بإنزاله أطلق عليه اسم الجهام ، لزوال الرحمة الذي هو الغيث منه ، كذلك الرحمة أزالها اللّه من جهنم ، فكانت كريهة المنظر والمخبر ، وسميت أيضا جهنم لبعد قعرها يقال : ركية جهنام ، انظر الإشارة سورة فاطر آية رقم 6 .
------------
(85) الفتوحات ج 3 /
368 - ج 1 /
134
وقوله : ( إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ) أي : إنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار ، كما قال تعالى : ( يا جبال أوبي معه والطير ) [ سبأ : 10 ] وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه إذا مر به الطير وهو سابح في الهواء فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا تستطيع الذهاب بل تقف في الهواء وتسبح معه ، وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه وتسبح تبعا له .
قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا محمد بن بشر عن مسعر عن عبد الكريم عن موسى بن أبي كثير عن ابن عباس أنه بلغه : أن أم هانئ ذكرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة صلى الضحى ثمان ركعات ، قال ابن عباس : قد ظننت أن لهذه الساعة صلاة يقول الله تعالى : ( يسبحن بالعشي والإشراق )
ثم رواه من حديث سعيد بن أبي عروبة ، عن أبي المتوكل عن أيوب بن صفوان عن مولاه عبد الله بن الحارث بن نوفل أن ابن عباس كان لا يصلي الضحى ، قال : فأدخلته على أم هانئ فقلت : أخبري هذا ما أخبرتني به . فقالت أم هانئ : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح في بيتي ثم أمر بماء صب في قصعة ثم أمر بثوب فأخذ بيني وبينه فاغتسل ثم رش ناحية البيت فصلى ثمان ركعات ، وذلك من الضحى قيامهن وركوعهن وسجودهن وجلوسهن سواء ، قريب بعضهن من بعض ، فخرج ابن عباس وهو يقول : لقد قرأت ما بين اللوحين ما عرفت صلاة الضحى إلا الآن : ( يسبحن بالعشي والإشراق ) وكنت أقول : أين صلاة الإشراق وكان بعد يقول : صلاة الإشراق .
فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن} {يسبحن} في موضع نصب على الحال. ذكر تعالى ما آتاه من البرهان والمعجزة وهو تسبيح الجبال معه. قال مقاتل : كان داود إذا ذكر الله جل وعز ذكرت الجبال معه، وكان يفقه تسبيح الجبال. وقال ابن عباس: {يسبحن} يصلين. وإنما يكون هذا معجزة إذا رآه الناس وعرفوه. وقال محمد بن إسحاق : أوتي داود من حسن الصوت ما يكون له في الجبال دوي حسن، وما تصغي لحسنه الطير وتصوت معه، فهذا تسبيح الجبال والطير. وقيل : سخرها الله عز وجل لتسير معه فذلك تسبيحها؛ لأنها دالة على تنزيه الله عن شبه المخلوقين. وقد مضى القول في هذا في {سبأ} وفي {سبحان} عند قوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [
الإسراء : 44] وأن ذلك تسبيح مقال على الصحيح من الأقوال. والله أعلم. {بالعشي والإشراق} الإشراق أيضا ابيضاض الشمس بعد طلوعها. يقال : شرقت الشمس إذا طلعت، وأشرقت إذا أضاءت. فكان داود يسبح إثر صلاته عند طلوع الشمس وعند غروبها. الثانية: روي عن ابن عباس أنه قال : كنت أمر بهذه الآية: {بالعشي والإشراق} ولا أدري ما هي، حتى حدثتني أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فدعا بوضوء فتوضأ، ثم صلى صلاة الضحى، وقال : (يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق). وقال عكرمة قال ابن عباس : كان في نفسي شيء من صلاة الضحى حتى وجدتها في القرآن {يسبحن بالعشي والإشراق}. قال عكرمة : وكان ابن عباس لا يصلي صلاة الضحى ثم صلاها بعد. وروي أن كعب الأحبار قال لابن عباس : إني أجد في كتب الله صلاة بعد طلوع الشمس هي صلاة الأوابين. فقال ابن عباس : وأنا أوجدك في القرآن؛ ذلك في قصة داود {يسبحن بالعشي والإشراق}. الثالثة: صلاة الضحى نافلة مستحبة، وهي في الغداة بإزاء العصر في العشي، لا ينبغي أن تصلى حتى تبيض الشمس طالعة؛ ويرتفع كدرها؛ وتشرق بنورها؛ كما لا تصلى العصر إذا اصفرت الشمس. وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) الفصال والفصلان جمع فصيل، وهو الذي يفطم من الرضاعة من الإبل. والرمضاء شدة الحر في الأرض. وخص الفصال هنا بالذكر؛ لأنها هي التي ترمض قبل انتهاء شدة الحر التي ترمض بها أمهاتها لقلة جلدها، وذلك يكون في الضحى أوبعده بقليل وهو الوقت المتوسط بين طلوع الشمس وزوالها؛ قاله القاضي أبو بكر بن العربي. ومن الناس من يبادر بها قبل ذلك استعجالا، لأجل شغله فيخسر عمله؛ لأنه يصليها في الوقت المنهي عنه ويأتي بعمل هو عليه لا له. الرابعة: روى الترمذي من حديث أنس بن مالك: قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة) قال حديث غريب. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى). وفي الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر). و"روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة"" قال : (أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر) لفظ البخاري. وقال مسلم : (وركعتي الضحى) وخرجه من حديث أبي الدرداء كما خرجه البخاري من حديث أبي هريرة. وهذا كله يدل على أن أقل الضحى ركعتان وأكثره ثنتا عشرة. والله أعلم. وأصل السُلامى (بضم السين) عظام الأصابع والأكف والأرجل، ثم استعمل في سائر عظام الجسد ومفاصله. وروي من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس، أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة سلامى فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار) قال أبو توبة : وربما قال : (يمسي) كذا خرجه مسلم. وقوله : (ويجزي من ذلك ركعتان) أي يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء ركعتان. وذلك أن الصلاة عمل بجميع أعضاء الجسد؛ فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته التي عليه في الأصل. والله أعلم.
إنا سخَّرنا الجبال مع داود يسبِّحن بتسبيحه أول النهار وآخره، وسخرنا الطير معه مجموعة تسبِّح، وتطيع تبعًا له.
ومن شدة إنابته لربه وعبادته، أن سخر اللّه الجبال معه، تسبح معه بحمد ربها { بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ } أول النهار وآخره.
( إنا سخرنا الجبال معه ) كما قال : " وسخرنا مع داود الجبال " ( الأنبياء - 79 ) ( يسبحن ) بتسبيحه ، ( بالعشي والإشراق ) قال الكلبي : غدوة وعشية . والإشراق : هو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوءها ، وفسره ابن عباس : بصلاة الضحى .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم ، حدثنا الحجاج بن نصير ، أخبرنا أبو بكر الهذلي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس في قوله : " بالعشي والإشراق " قال : كنت أمر بهذه الآية لا أدري ما هي حتى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ، ثم صلى الضحى ، فقال : " يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق " .
(إِنَّا) إن واسمها (سَخَّرْنَا) ماض وفاعله (الْجِبالَ) مفعوله والجملة خبر إن (مَعَهُ) ظرف مكان والهاء مضاف إليه (يُسَبِّحْنَ) مضارع ونون النسوة فاعله والجملة حال (بِالْعَشِيِّ) متعلقان بيسبحن (وَالْإِشْراقِ) معطوفة على العشي والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها
Traslation and Transliteration:
Inna sakhkharna aljibala maAAahu yusabbihna bialAAashiyyi waalishraqi
Lo! We subdued the hills to hymn the praises (of their Lord) with him at nightfall and sunrise,
Şüphe.yok ki biz, dağları ram etmiştik ona, akşam ve kuşluk çağlarında, onunla beraber Rabbi tenzih ederlerdi.
Nous soumîmes les montagnes à glorifier Allah, soir et matin, en sa compagnie,
WIR ließen mit ihm die Felsenberge gratis fügbar sein, sie lobpreisen abends und nach dem Sonnenaufgang.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة ص (Sad - The Letter "Saad") |
ترتيبها |
38 |
عدد آياتها |
88 |
عدد كلماتها |
735 |
عدد حروفها |
2991 |
معنى اسمها |
(ص): حَرْفٌ لا يَعْلَمُ مَعْنَاهُ إِلا اللهُ كَبَقِيَّةِ الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ فِي مُفْتَتَحِ بَعْضِ السُّوَر |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِمُفْتَتَحِ حَرْفِ (ص) دُونَ غَيرهَا مِن سُوَرِ القُرْآنِ؛ فَسُمِّيَت بِهِ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (ص)، وتُسَمَّى سُورَةَ (دَاوُدَ عليه السلام) |
مقاصدها |
بَيَانُ الحَقِّ، وَتَصْوِيرُ مَشَاهِدِهِ فِي الخُصُومَاتِ مِن خِلالِ الأَمْثِلَةِ الوَارِدَةِ فِي السُّورَةِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، وَقَدْ عَادَ النَّبِيُّ ﷺ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ وَقُرَيشٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ عَمُّهُ: مَا شَأْنُ قَومِكَ يَشْكُونَكَ؟ قَالَ: «يَا عَمِّ أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ واحدةٍ تَدِيْنُ لَهُمُ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي الْعَجَمُ إِلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ». قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ». فَقَامُوا فَقَالُوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا قَالَ وَنَزَلَ: ﴿صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ ١﴾ إِلَى قَولهِ: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ ٥﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابنُ حِبَّان) |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (صٍ) بِآخِرِهَا: الحَدِيْثُ عَنْ فَضْلِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ ١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ ٨٧﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (صٍ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ): خُتِمَتِ (الصَّافَّاتُ) بِإِبْصَارِ الْكُفَّارِ بِهَلاكِهِمْ؛ فَقَالَ: ﴿وَأَبۡصِرۡ فَسَوۡفَ يُبۡصِرُونَ ١٧٥﴾، وَافْتُتِحَتْ (ص) بِالاعْتِبَارِ بِهَلاكِ مَنْ قَبْلَهُم؛ فقَالَ: ﴿كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ ٣﴾. |