«إنَّا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب» أي بضوئها أو بها، والإضافة للبيان كقراءة تنوين زينة المبينة بالكواكب.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182)
والحمد للّه أي عواقب الثناء إذ كل ما جاءوا به إنما قصدوا به الثناء على اللّه ، فعواقب
[ إشارة : الحمد للّه ]
الثناء على اللّه بما نزه نفسه عنه وبما نزهه العباد به ، فإن الحمد العاقب ، فعواقب الثناء ترجع إلى اللّه ، وعاقب الأمر آخره «رَبِّ الْعالَمِينَ» من حيث ثبوته في ربوبيته بما يستحقه الرب من النعوت المقدسة ، وهو سيد العالم ومربيهم ومغذيهم ومصلحهم ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، ومن سياق الآيات دل على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حمد اللّه رب العالمين عقيب نصره وظفره بخيبر ، فهو حمد نعمة - إشارة - «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» جاءت في أول سورة الفاتحة ، وفي وسط سورة يونس ، وفي آخر سورة الصافات ، فعمت الطرفين والواسطة .
(38) سورة ص مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(182) الفتوحات ج 3 /
537 ، 196
يخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض ( بزينة الكواكب ) ، قرئ بالإضافة وبالبدل ، وكلاهما بمعنى واحد ، فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوءها جرم السماء الشفاف ، فتضيء لأهل الأرض ، كما قال تعالى ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير ) [ الملك : 5 ] ، وقال : ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم . إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ) [ الحجر : 16 - 18 ] .
قوله تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} قال قتادة : خلقت النجوم ثلاثا؛ رجوما للشياطين، ونورا يهتدى بها، وزينة لسماء الدنيا. وقرأ مسروق والأعمش والنخعي وعاصم وحمزة {بزينة} مخفوض منون {الكواكب} خفض على البدل من {زينة} لأنها هي. وقرأ أبو بكر كذلك إلا أنه نصب {الكواكب} بالمصدر الذي هو زينة. والمعنى بأن زينا الكواكب فيها. ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أعنى؛ كأنه قال : إنا زيناها {بزينة} أعني {الكواكب}. وقيل : هي بدل من زينة على الموضع. ويجوز {بزينة الكواكب} بمعنى أن زينتها الكواكب. أو بمعنى هي الكواكب. الباقون {بزينة الكواكب} على الإضافة. والمعنى زينا السماء الدنيا بتزيين الكواكب؛ أي بحسن الكواكب. ويجوز أن يكون كقراءة من نون إلا أنه حذف التنوين استخفافا. {وحفظا} مصدر أي حفظناها حفظا. {من كل شيطان مارد} لما أخبر أن الملائكة تنزل بالوحي من السماء، بين أنه حرس السماء عن استراق السمع بعد أن زينها بالكواكب. والمارد : العاتي من الجن والإنس، والعرب تسميه شيطانا. قوله تعالى: {لا يسمعون إلى الملأ الأعلى} قال أبو حاتم : أي لئلا يسمعوا ثم حذف {أن} فرفع الفعل. الملأ الأعلى : أهل السماء الدنيا فما فوقها، وسمي الكل منهم أعلى بالإضافة إلى ملأ الأرض. الضمير في {يسمعون} للشياطين. وقرأ جمهور الناس {يسمعون} بسكون السين وتخفيف الميم. وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص {لا يسمعون} بتشديد السين والميم من التسميع. فينتفي على القراءة الأولى سماعهم وإن كانوا يستمعون، وهو المعنى الصحيح، ويعضده قوله تعالى: {إنهم عن السمع لمعزولون{الشعراء : 212]. وينتفي على القراءة الأخيرة أن يقع منهم استماع أو سماع. قال مجاهد : كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون. وروي عن ابن عباس {لا يسمعون إلى الملأ} قال : هم لا يسمعون ولا يتسمعون. وأصل {يسمعون} يتسمعون فأدغمت التاء في السين لقربها منها. واختارها أبو عبيد؛ لأن العرب لا تكاد تقول : سمعت إليه وتقول تسمعت إليه. {ويقذفون من كل جانب} أي يرمون من كل جانب؛ أي بالشهب. {دحورا} مصدر لأن معنى {يقذفون} يدحرون. دحرته دحرا ودحورا أي طردته. وقرأ السلمي ويعقوب الحضرمي {دحورا} بفتح الدال يكون مصدرا على فعول. وأما الفراء فإنه قدره على أنه اسم الفاعل. أي ويقذفون بما يدحرهم أي بدحور ثم حذف الباء؛ والكوفيون يستعملون هذا كثير كما أنشدوا : تمرون الديار ولم تعرجوا واختلف هل كان هذا القذف قبل المبعث، أو بعده لأجل المبعث؛ على قولين. وجاءت الأحاديث بذلك على ما يأتي من ذكرها في سورة [الجن] عن ابن عباس. وقد يمكن الجمع بينهما أن يقال : إن الذين قالوا لم تكن الشياطين ترمى بالنجوم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم رميت؛ أي لم تكن ترمى رميا يقطعها عن السمع، ولكنها كانت ترمى وقتا ولا ترمى وقتا، وترمى من جانب ولا ترمى من جانب. ولعل الإشارة بقوله تعالى: {ويقذفون من كل جانب. دحورا ولهم عذاب واصب} إلى هذا المعنى، وهو أنهم كانوا لا يقذفون إلا من بعض الجوانب فصاروا يرمون واصبا. وإنما كانوا من قبل كالمتجسسة من الإنس، يبلغ الواحد منهم حاجته ولا يبلغها غيره، ويَسلَم واحد ولا يَسلَم غيره، بل يقبض عليه ويعاقب وينكل. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد في حفظ السماء، وأعدت لهم شهب لم تكن من قبل؛ ليدحروا عن جميع جوانب السماء، ولا يقروا في مقعد من المقاعد التي كانت لهم منها؛ فصاروا لا يقدرون على سماع شيء مما يجري فيها، إلا أن يختطف أحد منهم بخفة حركته خطفة، فيتبعه شهاب ثاقب قبل أن ينزل إلى الأرض فيلقيها إلى إخوانه فيحرقه؛ فبطلت من ذلك الكهانة وحصلت الرسالة والنبوة. فإن قيل : إن هذا القذف إن كان لأجل النبوة فلم دام بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب : أنه دام بدوام النبوة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ببطلان الكهانة فقال : (ليس منا من تكهن) فلو لم تحرس بعد موته لعادت الجن إلى تسمعها؛ وعادت الكهانة. ولا يجوز ذلك بعد أن بطل، ولأن قطع الحراسة عن السماء إذا وقع لأجل النبوة فعادت الكهانة دخلت الشبهة على ضعفاء المسلمين، ولم يؤمن أن يظنوا أن الكهانة إنما عادت لتناهي النبوة، فصح أن الحكمة تقضي دوام الحراسة في حياة النبي عليه السلام، وبعد أن توفاه الله إلى كرامته صلى الله عليه وعلى آله. {ولهم عذاب واصب} أي دائم، عن مجاهد وقتادة. وقال ابن عباس : شديد. الكلبي والسدي وأبو صالح : موجع؛ أي الذي يصل وجعه إلى القلب؛ مأخوذ من الوصب وهو المرض. قوله تعالى: {إلا من خطف الخطفة} استثناء من قوله: {ويقذفون من كل جانب} وقيل : الاستثناء يرجع إلى غير الوحي؛ لقوله تعالى: {إنهم عن السمع لمعزولون} الشعراء : [212] فيسترق الواحد منهم شيئا مما يتفاوض فيه الملائكة، مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض؛ وهذا لخفة أجسام الشياطين فيرجمون بالشهب حينئذ. وروي في هذا الباب أحادث صحاح، مضمنها : أن الشياطين كانت تصعد إلى السماء، فتقعد للسمع واحدا فوق واحد، فيتقدم الأجسر نحو السماء ثم الذي يليه ثم الذي يليه، فيقضي الله تعالى الأمر من أمر الأرض، فيتحدث به أهل السماء فيسمعه منهم الشيطان الأدنى، فيلقيه إلى الذي تحته فربما أحرقه شهاب، وقد ألقى الكلام، وربما لم يحرقه على ما بيناه. فتنزل تلك الكلمة إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة، وتصدق تلك الكلمة فيصدق الجاهلون الجميع كما بيناه في: {الأنعام}. فلما جاء الله بالإسلام حرست السماء بشدة، فلا يفلت شيطان سمع بَتّةً. والكواكب الراجمة هي التي يراها الناس تنقض. قال النقاش ومكي : وليست بالكواكب الجارية في السماء؛ لأن تلك لا ترى حركتها، وهذه الراجمة ترى حركتها؛ لأنها قريبة منا. وقد مضى في هذا الباب في سورة [الحجر] من البيان ما فيه كفاية. وذكرنا في {سبأ} حديث أبي هريرة. وفيه (والشياطين بعضهم فوق بعض) وقال فيه الترمذي حديث حسن صحيح. وفيه عن ابن عباس : (ويختطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى أوليائهم فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يحرفونه ويزيدون). قال هذا حديث حسن صحيح. والخطف : أخذ الشيء بسرعة؛ يقال : خَطَفَ وخَطِف وخَطّف وخِطّف وخِطّف. والأصل في المشددات اختطف فأدغم التاء في الطاء لأنها أختها، وفتحت الخاء؛ لأن حركة التاء ألقيت عليها. ومن كسرها فلالتقاء الساكنين. ومن كسر الطاء أتبع الكسر الكسر. قوله تعالى: {فأتبعه شهاب ثاقب} أي مضيء؛ قاله الضحاك والحسن وغيرهما. وقيل : المراد كواكب النار تتبعهم حتى تسقطهم في البحر. وقال ابن عباس في الشهب : تحرقهم من غير موت. وليست الشهب التي يرجم الناس بها من الكواكب الثوابت. يدل على ذلك رؤية حركاتها، والثابتة تجري ولا ترى حركاتها لبعدها. وقد مضى هذا. وجمع شهاب شهب، والقياس في القليل أشهبة وإن لم يُسمع من العرب و{ثاقب} معناه مضيء؛ قاله الحسن ومجاهد وأبو مجلز. ومته قوله : وزندك أثقب أزنادها أي أضوأ. وحكى الأخفش في الجمع : شُهُبٌ ثُقُبٌ وثواقب وثقاب. وحكى الكسائي : ثقبت النار تثقب ثقابةً وثقوبا إذا اتقدت، وأثقبتها أنا. وقال زيد بن أسلم في الثاقب : إنه المستوقد؛ من قولهم : أثقب زندك أي استوقد نارك؛ قال الأخفش. وأنشد قول الشاعر : بينما المرء شهاب ثاقب ** ضرب الدهر سناه فخمد
إنَّا زينَّا السماء الدنيا بزينة هي النجوم.
وخص اللّه المشارق بالذكر، لدلالتها على المغارب، أو لأنها مشارق النجوم التي سيذكرها، فلهذا قال: { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى }
ذكر اللّه في الكواكب هاتين الفائدتين العظيمتين:
إحداهما: كونها زينة للسماء، إذ لولاها، لكانت السماء جرما مظلما لا ضوء فيها، ولكن زينها فيها لتستنير أرجاؤها، وتحسن صورتها، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ويحصل فيها من المصالح ما يحصل.
والثانية: حراسة السماء عن كل شيطان مارد، يصل بتمرده إلى استماع الملأ الأعلى، وهم الملائكة، فإذا استمعت قذفتها بالشهب الثواقب { مِنْ كُلِّ جَانِبٍ } طردا لهم، وإبعادا عن استماع ما يقول الملأ الأعلى.
" إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب "، قرأ عاصم، برواية أبي بكر: (( بزينة )) منونة (( الكواكب )) نصب، أي: بتزييننا الكواكب، وقرأ حمزة ، وحفص: (( بزينة )) منونة، (( الكواكب )) خفضاً على البدل، أي: بزينة بالكواكب، أي: زيناها بالكواكب. وقرأ الآخرون: (( بزينة الكواكب ))، بلا تنوين على الإضافة. قال ابن عباس: بضوء الكواكب.
(إِنَّا) إن واسمها (زَيَّنَّا) ماض وفاعله (السَّماءَ) مفعول به والجملة خبر (الدُّنْيا) صفة (بِزِينَةٍ) متعلقان بزينا (الْكَواكِبِ) عطف بيان والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Inna zayyanna alssamaa alddunya bizeenatin alkawakibi
Lo! We have adorned the lowest heaven with an ornament, the planets;
Şüphe yok ki biz, yakın göğü ziynetlerle bezedik.
Nous avons décoré le ciel le plus proche d'un décor: les étoiles,
WIR schmückten den nächsten Himmel mit dem Schmuck der Gestirne,
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الصافات (As-Saffat - Those who set the Ranks) |
ترتيبها |
37 |
عدد آياتها |
182 |
عدد كلماتها |
865 |
عدد حروفها |
3790 |
معنى اسمها |
الصَّافَّاتُ: جَمْعُ (الصَّافَّةُ)، وَالمُرَادُ (بِالصَّافَّاتِ): المَلائِكَةُ تَصُفُّ لِرَبِّهَا فِي السَّمَاءِ كَصُفُوفِ المُصَليِّنَ فِي الصَّلاةِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الصَّافَّاتِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الذَّبْحِ) |
مقاصدها |
امْتِنَانُ اللهِ تعَالَى علَى عِبَادِهِ بِنِعْمَةِ الْخَلْقِ وَالرُّسُلِ، وَرَدُّ شُبُهَاتِ المُكَذِّبِينَ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
خَصَّهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بِن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْمُرُنَا بِالتَّخْفِيفِ وَيَؤُمُّنَا بِالصَّافَّاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ النَّسائِي) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) بِآخِرِهَا: تَنْزِيهُ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ مِنْ شُبْهَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ فِي أَوّلِ السُّورَةِ: ﴿ إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ ٤﴾، وَرَدَّ عَلَيهِمْ فِي خِتَامِهَا فَقَالَ: ﴿سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يسٓ): خُتِمَتْ (يسٓ) بِسَعَةِ مُلْكِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: ﴿فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٨٣﴾، وافتُتِحَتِ (الصَّافَّاتُ) بذَلِكَ فَقَالَ: ﴿رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ ٥﴾. |