«الحمد لله» حمد تعالى نفسه بذلك كما بُيّن في أول سورة سبأ «فاطر السماوات والأرض» خالقهما على غير مثال سبق «جاعل الملائكة رسلا» إلى الأنبياء «أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق» في الملائكة وغيرها «ما يشاء إن الله على كل شيء قدير».
قُلْ رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً ( (40إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42)
«فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ» يعني دعاء الحق على لسان الرسول صلّى اللّه عليه وسلم «ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً» .
------------
(42) الفتوحات ج 3 /
226
قال سفيان الثوري ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض ، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما [ لصاحبه ] : أنا فطرتها ، أنا بدأتها . فقال ابن عباس أيضا : ( فاطر السماوات والأرض ) بديع السماوات والأرض .
وقال الضحاك : كل شيء في القرآن فاطر السماوات والأرض فهو : خالق السماوات والأرض .
وقوله : ( جاعل الملائكة رسلا ) أي : بينه وبين أنبيائه ، ( أولي أجنحة ) أي : يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعا ( مثنى وثلاث ورباع ) أي : منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ، ومنهم من له أكثر من ذلك ، كما جاء في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ليلة الإسراء وله ستمائة جناح ، بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب ; ولهذا قال : ( يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ) . قال السدي : يزيد في الأجنحة وخلقهم ما يشاء .
وقال الزهري ، وابن جريج في قوله : ( يزيد في الخلق ما يشاء ) يعني حسن الصوت . رواه عن الزهري البخاري في الأدب ، وابن أبي حاتم في تفسيره .
وقرئ في الشاذ : " يزيد في الحلق " ، بالحاء المهملة ، والله أعلم .
قوله تعالى: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض} يجوز في "فاطر" ثلاثة أوجه : الخفض على النعت، والرفع على إضمار مبتدأ، والنصب على المدح. وحكى سيبويه : الحمد لله أهل الحمد مثله وكذا {جاعل الملائكة}. والفاطر : الخالق. وقد مضى في "يوسف" وغيرها. والفطر. الشق عن الشيء؛ يقال : فطرته فانفطر. ومنه : فطر ناب البعير طلع، فهو بعير فاطر. وتفطر الشيء تشقق. وسيف فطار، أي فيه تشقق. قال عنترة : وسيفي كالعقيقة فهو كمعي ** سلاحي لا أفل ولا فطارا والفطر : الابتداء والاختراع. قال ابن عباس : كنت لا أدري ما "فاطر السموات والأرض" حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما : أنا فطرتها، أي أنا ابتدأتها. والفطر. حلب الناقة بالسبابة والإبهام. والمراد بذكر السموات والأرض العالم كله، ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء قادر على الإعادة. {جاعل الملائكة} لا يجوز فيه التنوين، لأنه لما مضى. {رسلا} مفعول ثان، ويقال على إضمار فعل؛ لأن "فاعلا" إذا كان لما مضى لم يعمل فيه شيئا، وإعمال على أنه مستقبل حذف التوين منه تخفيفا. وقرأ الضحاك "الحمد لله فطر السموات والأرض" على الفصل الماضي. "جاعل الملائكة رسلا" الرسل منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، صلى الله عليهم أجمعين. وقرأ الحسن: "جاعل الملائكة" بالرفع. وقرأ خليد بن نشيط: "جعل الملائكة" وكله ظاهر. {أولي أجنحة} نعت، أي أصحاب أجنحة. {مثنى وثلاث ورباع} أي اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة. قال قتادة : بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة؛ ينزلون بهما من السماء إلى الأرض، ويعرجون من الأرض إلى السماء، وهي مسيرة كذا في وقت واحد، أي جعلهم رسلا. قال يحيى بن سلام : إلى الأنبياء. وقال السدي : إلى العباد برحمة أو نقمة. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح. وعن الزهري أن جبريل عليه السلام قال له : (يا محمد، لو رأيت إسرافيل إن له لاثني عشر ألف جناح منها جناح بالمشرق وجناح مسيرة كذا في وقت واحد، أي جعلهم رسلا. قال يحيى بن سلام : إلى الأنبياء. وقال السدي : إلى العباد برحمة أو نقمة. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح. وعن الزهري أن جبريل عليه السلام قال له : (يا محمد، لو رأيت إسرافيل إن له لاثني عشر ألف جناح منها جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وإن العرش لعلى كاهله وإنه في الأحايين ليتضاءل لعظمة الله حتى يعود مثل الوصع والوصع عصفور صغير حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته). و"أولو" اسم جمع لذو، كما أن هؤلاء اسم جمع لذا، ونظيرهما في المتمكنة : المخاض والخلفة. وقد مضى الكلام في {مثنى وثلاث ورباع} في "النساء" وأنه غير منصرف. قوله تعالى: {يزيد في الخلق ما يشاء} أي في خلق الملائكة، في قول أكثر المفسرين؛ ذكره المهدوي. وقال الحسن: "يزيد في الخلق" أي في أجنحة الملائكة ما يشاء. وقال الزهري وابن جريج : يعني حسن الصوت. وقد مضى القول فيه في مقدمة الكتاب. وقال الهيثم الفارسي : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي، فقال : (أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيرا). وقال قتادة: "يزيد في الخلق ما يشاء" الملاحة في العينين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم. وقيل : الخط الحسن. وقال مهاجر الكلاعي قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الخط الحسن يزيد الكلام وضوحا). وقيل : الوجه الحسن. وقيل في الخبر في هذه الآية : هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن؛ ذكره القشيري. النقاش هو الشعر الجعد. وقيل : العقل والتمييز. وقيل : العلوم والصنائع. {إن الله على كل شيء قدير} من النقصان والزيادة. الزمخشري : والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق؛ من طول قامة، واعتدال صورة، وتمام في الأعضاء، وقوة في البطش، وحصافة في العقل، وجزالة في الرأي، وجرأة في القلب، وسماحة في النفس، وذلاقة في اللسان، ولباقة في التكلم، وحسن تأت في مزاولة الأمور؛ وما أشبه ذلك مما لا يحيط به وصف.
الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، خالق السماوات والأرض ومبدعهما، جاعل الملائكة رسلا إلى مَن يشاء من عباده، وفيما شاء من أمره ونهيه، ومِن عظيم قدرة الله أن جعل الملائكة أصحاب أجنحة مثنى وثلاث ورباع تطير بها؛ لتبليغ ما أمر الله به، يزيد الله في خلقه ما يشاء. إن الله على كل شيء قدير، لا يستعصي عليه شيء.
يمدح الله تعالى نفسه الكريمة المقدسة، على خلقه السماوات والأرض، وما اشتملتا عليه من المخلوقات، لأن ذلك دليل على كمال قدرته، وسعة ملكه، وعموم رحمته، وبديع حكمته، وإحاطة علمه.
ولما ذكر الخلق، ذكر بعده ما يتضمن الأمر، وهو: أنه { جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا } في تدبير أوامره القدرية، ووسائط بينه وبين خلقه، في تبليغ أوامره الدينية.
وفي ذكره أنه جعل الملائكة رسلا، ولم يستثن منهم أحدا، دليل على كمال طاعتهم لربهم وانقيادهم لأمره، كما قال تعالى: { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }
ولما كانت الملائكة مدبرات بإذن اللّه، ما جعلهم اللّه موكلين فيه، ذكر قوتهم على ذلك وسرعة سيرهم، بأن جعلهم { أُولِي أَجْنِحَةٍ } تطير بها، فتسرع بتنفيذ ما أمرت به. { مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } أي: منهم من له جناحان وثلاثة وأربعة، بحسب ما اقتضته حكمته.
{ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } أي: يزيد بعض مخلوقاته على بعض، في صفة خلقها، وفي القوة، وفي الحسن، وفي زيادة الأعضاء المعهودة، وفي حسن الأصوات، ولذة النغمات.
{ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فقدرته تعالى تأتي على ما يشاؤه، ولا يستعصي عليها شيء، ومن ذلك، زيادة مخلوقاته بعضها على بعض.
مكية
( الحمد لله فاطر السماوات والأرض ) خالقها ومبدعها على غير مثال سبق ( جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة ) ذوي أجنحة ( مثنى وثلاث ورباع ) قال قتادة ومقاتل : بعضهم له جناحان ، وبعضهم له ثلاثة أجنحة ، وبعضهم له أربعة أجنحة ، ويزيد فيها ما يشاء وهو قوله ( يزيد في الخلق ما يشاء )
وقال ابن مسعود في قوله - عز وجل - : " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " ( النجم - 18 ) ، قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح .
وقال ابن شهاب في قوله : " يزيد في الخلق ما يشاء " قال : حسن الصوت .
وعن قتادة قال : هو الملاحة في العينين . وقيل : هو العقل والتمييز .
( إن الله على كل شيء قدير )
(الْحَمْدُ) مبتدأ ومعنى الحمد الثناء والشكر (لِلَّهِ) لفظ الجلالة مجرور باللام ومتعلقان بخبر محذوف تقديره ثابت (فاطِرِ) صفة للّه (السَّماواتِ) مضاف إليه والجملة مستأنفة (وَالْأَرْضِ) معطوف على السموات (جاعِلِ) صفة ثانية للّه (الْمَلائِكَةِ) مضاف إليه (رُسُلًا) حال منصوبة (أُولِي) صفة لرسلا (أَجْنِحَةٍ) مضاف إليه (مَثْنى) صفة لأجنحة مجرورة مثلها بالكسرة المقدرة على الألف للتعذر (وَثُلاثَ وَرُباعَ) معطوف على ما سبق (يَزِيدُ) مضارع فاعله مستتر والجملة مستأنفة (فِي الْخَلْقِ) متعلقان بالفعل قبلهما (ما) اسم موصول في محل نصب مفعول به (يَشاءُ) مضارع فاعله مستتر والجملة صلة (إِنَّ اللَّهَ) إن ولفظ الجلالة اسمها المنصوب (عَلى كُلِّ) متعلقان بالخبر (شَيْءٍ) مضاف إليه (قَدِيرٌ) خبر إن
Traslation and Transliteration:
Alhamdu lillahi fatiri alssamawati waalardi jaAAili almalaikati rusulan olee ajnihatin mathna wathulatha warubaAAa yazeedu fee alkhalqi ma yashao inna Allaha AAala kulli shayin qadeerun
Praise be to Allah, the Creator of the heavens and the earth, Who appointeth the angels messengers having wings two, three and four. He multiplieth in creation what He will. Lo! Allah is Able to do all things.
Hamd Allah'a ki gökleri ve yeryüzünü yaratandır ve melekleri, ikişer, üçer, dörder kanatlı halkedendir; yaratışta neyi dilerse çoğaltır da; şüphe yok ki Allah'ın her şeye gücü yeter.
Louange à Allah, Créateur des cieux et de la terre, qui a fait des Anges des messagers dotés de deux, trois ou quatre ailes. Il ajoute à la création ce qu'Il veut, car Allah est Omnipotent.
Alles Lob gebührt ALLAH, Dem Schöpfer der Himmel und der Erde, Der die Engel zu Gesandten mit zwei, drei und vier Flügeln machte. ER fügt der Schöpfung hinzu, was ER will. Gewiß, ALLAH ist über alles allmächtig.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة فاطر (Fatir - Originator) |
ترتيبها |
35 |
عدد آياتها |
45 |
عدد كلماتها |
780 |
عدد حروفها |
3159 |
معنى اسمها |
الفَطْرُ: الشَّقُّ، وَفَطَرَ اللهُ الخَلْق؛ أَيْ: خَلَقَهُم، وَابْتَدَأَ صَنْعَةَ الأَشْيَاءِ، وَالمُرَادُ (بِفَاطِرٍ): اللهُ خَالِقُ السّمَاوَاتِ والأَرْضِ |
سبب تسميتها |
ذَكَرَتِ السُّورَةُ نِعَمًا كَثِيرَةً، كَانَ مِن أَعْظَمِهَا خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ؛ لِذَلِكَ سُمِّيَت بِـ(فَاطِرٍ) |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (فَاطِرٍ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (المَلائِكَة) |
مقاصدها |
التَّذْكِيرُ بِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى، وَانْقِسَامِ النَّاسِ بَينَ مُؤْمِنٍ بِالخَالِقِ المُنْعِمِ أَو كَافِرٍ بِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَم يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (فَاطِرٍ) بِآخِرِهَا: التّأَكِيدُ عَلَى سَعَةِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ...١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿... وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ ...٤٤﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (فَاطِرٍ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (سَبَأ): اختُتِمَتْ (سَبَأٌ) بِسُوءِ خُلُقِ الكَافِرِيْنَ، فَقَالَ: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ فِي شَكّٖ مُّرِيبِۭ ٥٤﴾، وَافْتُتِحَتْ (فَاطِرٌ) بِذِكْرِ سُوءِ خُلُقِهِم، فَقَالَ: ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ٤﴾. |