المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة سبإ: [الآية 12]
سورة سبإ | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (40) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (45) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46)
(1) ما : هنا اسم موصول أي الذي .
" قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ» وهي أن تقوم من أجل اللّه ، إذا رأيت من فعل اللّه في كونه ما أمرك أن تقوم له فيه ، إما غيرة وإما تعظيم «أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى» فقوله في القيام مثنى ، باللّه ورسوله ، فإنه من أطاع الرسول قد أطاع اللّه ، فقمت للّه بكتاب أو سنة ، لا تقوم عن هوى نفس ولا غيرة طبيعية ولا تعظيم كوني «وَفُرادى» إما باللّه خاصة أو لرسوله خاصة ، كما قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ لا أرى أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الحديث عني فيقول : أتل به عليّ قرآنا ؛ إنه واللّه لمثل القرآن أو أكثر ]
فقوله صلّى اللّه عليه وسلم [ أو أكثر ] في رفع المنزلة ، فإن القرآن بينه وبين اللّه فيه الروح الأمين ، والحديث من اللّه إليه ، ومعلوم أن القرب في الإسناد أعظم من البعد فيه ، ولو بشخص واحد ينقص في الطريق ، فبهذا كان الحديث أكثر من القرآن ، وغايته أن يكون إذا نزل عن هذه الطبقة مثله ، وما عدل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إلى الأكثرية إلا والأمر أكثر بلا شك ، فلا ينبغي لواعظ أن يخرج في وعظه عن الكتاب أو السنة
وقد يكون قوله : «مَثْنى» يريد به التعاون في القيام للّه تعالى في ذلك الأمر ، وصورة التعاون أن الشرع في نفس الأمر أنكر هذا الفعل ممن صدر عنه عليه ، فينبغي للعالم المؤمن أن يقوم مع المشرّع في ذلك فيعينه ، فيكون اثنان هو والشرع ، وفرادى أن يكون هذا المنكر لا يعلم أنه معين للشرع في إنكاره ووعظه ، فيقول قد انفردت بهذا الأمر ، وما هو إلا معين للشرع وللملك الذي يقول بلمته للفاعل لا تفعل ، إذ يقول له الشيطان بلمته افعل ، فيكون مع الملك مثنى ، فإن الملك مكلّف بأن ينهى العبد الذي قد ألزمه اللّه به أن ينهاه فيما كلفه اللّه به أن ينهاه عنه ، فيساعده الإنسان على ذلك ، فيكون ممن قام للّه في ذلك مثنى ، ويكون هذا الوعظ مع وعظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم مثنى «ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ» ولا تكون الفكرة إلا في دليل على صدقه أنه رسول من عند اللّه ، وهذا يعني أنه يوصل إلى معرفة الرسول بالدليل .
[ سورة سبإ (34) : آية 47 ]
قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)
[ "قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ» الآية ]
- الوجه الأول - «قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ» فيما بلغه عن اللّه إليهم «فَهُوَ لَكُمْ» «إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ» فإنه تعالى هو الذي استخدمه في التبليغ . واعلم أن أجر التبليغ على قدر ما ناله في البلاغ من المشقة من المخالفين له من أمته التي بعث إليها ، ولما قاساه ، ولا يعلم قدر ذلك من كل رسول إلا اللّه ، واعلم أن اللّه تعالى له المنة على عباده بأن هداهم للإيمان برسله ، فوجب شكر اللّه وحلاوة الرسول ، فيضمنها اللّه عنهم بأن جعل أجر رسوله صلّى اللّه عليه وسلم عليه ، وضم في ذلك الأجر ما يجب على المؤمنين من الحلاوة لما هداهم اللّه به ، وذلك على نوعين : النوع الواحد على قدر معرفتهم بمنزلته ممن أرسله إليهم وهو اللّه ، فإن اللّه تعالى فضّل بعضهم على بعض ، والنوع الثاني على قدر ما جاء به في رسالته ، مما هو بشرى لصاحب تلك الصفة التي من قامت به كان سعيدا عند اللّه ، فما كان ينبغي أن يقابله به ذلك الرجل هو الذي يعطيه الحق ، فإن ساوى حال المؤمن قدر الرسالة كان ، وإن قصر حاله عما تقتضيه تلك الرسالة من التعظيم فإن اللّه يكرمه ، لا ينظر إلى جهل الجاهل بتعظيم قدرها ، فيوفيه الحق تعالى على قدر علمه فيها ، فانظر ما للرسول عليه السلام من الأجور ، فأجر التبليغ أجر استحقاق ، وأما من سأل من الصحابة عن أمر من الأمور ، مما لم ينزل فيه قرآن ، فنزل فيه قرآن من أجل سؤاله ، فإن للرسول على ذلك السائل أجر استحقاق ينوب اللّه عنه فيه ، زائدا على الأجر الذي له من اللّه ، وأما من رد رسالته من أمته التي بعث إليها فإن له عند اللّه أيضا أجر المصيبة ، وللمصاب فيما يحب أجر ، فأجره على اللّه أيضا على عدد من رد ذلك من أمته ، بلغوا ما بلغوا ، وله من أجر المصاب أجر مصائب العصاة ، فإنه نوع من أنواع الرزايا في حقه ، فإنه ما جاء بأمر يطلب العمل به ، إلا والذي يترك العمل به قد عصى ، فللرسول أجر المصيبة والرزية ، وهذا كله على اللّه الوفاء به لكل رسول - الوجه الثاني - «قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ» فإن اللّه تعالى اختص محمدا صلّى اللّه عليه وسلم بفضيلة لم ينلها غيره من الرسل ،
فإنه تعالى قال لكل رسول (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ)
*وعاد فضل هذه الفضيلة على أمته ، ورجع حكمه صلّى اللّه عليه وسلم إلى حكم الرسل قبله في إبقاء أجره على اللّه ، فأمره الحق أن يأخذ أجره الذي له على رسالته من أمته ، وهو أن يوادوا قرابته ، فبعد أن قال تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم أن يقول لأمته (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) أي على تبليغ ما جئت به إليكم (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ولم يقل إنّه ليس له أجر على اللّه ولا إنّه
بقي له أجر على اللّه ، وذلك ليجدد له النعم بتعريف ما يسرّ به فقيل له بعد هذا : قل لأمتك أمرا ما قاله رسول لأمته «قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ» فما أسقط الأجر عن أمته في مودتهم للقربى ، وإنما رد ذلك الأجر بعد تعيينه عليهم ، فعاد ذلك الأجر عليهم الذي كان يستحقه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فيعود فضل المودة على أهل المودة ، فما يدري أحد ما لأهل المودة في قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من الأجر إلا اللّه .
------------
(46) الفتوحات ج 3 / 561 ، 563 - ج 2 / 620تفسير ابن كثير:
لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود ، عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان ، من تسخير الريح له تحمل بساطه ، غدوها شهر ورواحها شهر .
قال الحسن البصري : كان يغدو على بساطه من دمشق فينزل بإصطخر يتغذى بها ، ويذهب رائحا من إصطخر فيبيت بكابل ، وبين دمشق وإصطخر شهر كامل للمسرع ، وبين إصطخر وكابل شهر كامل للمسرع .
وقوله : ( وأسلنا له عين القطر ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء الخراساني ، وقتادة ، والسدي ، ومالك عن زيد بن أسلم ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد : القطر : النحاس . قال قتادة : وكانت باليمن ، فكل ما يصنع الناس مما أخرج الله تعالى لسليمان ، عليه السلام .
قال السدي : وإنما أسيلت له ثلاثة أيام .
وقوله : ( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ) أي : وسخرنا له الجن يعملون بين يديه بإذن الله ، أي : بقدره ، وتسخيره لهم بمشيئته ما يشاء من البنايات وغير ذلك . ( ومن يزغ منهم عن أمرنا ) أي : ومن يعدل ويخرج منهم عن الطاعة ( نذقه من عذاب السعير ) وهو الحريق .
وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا فقال : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن أبي ثعلبة الخشني ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الجن على ثلاثة أصناف : صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون " . رفعه غريب جدا .
وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا حرملة ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني بكر بن مضر ، عن محمد ، عن ابن أنعم أنه قال : الجن ثلاثة : صنف لهم الثواب وعليهم العقاب ، وصنف طيارون فيما بين السماء والأرض ، وصنف حيات وكلاب .
قال بكر بن مضر : ولا أعلم إلا أنه قال : حدثني أن الإنس ثلاثة : صنف يظلهم الله بظل عرشه يوم القيامة . وصنف كالأنعام بل هم أضل سبيلا . وصنف في صور الناس على قلوب الشياطين .
وقال أيضا : حدثنا أبي : حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق حدثنا سلمة - يعني ابن الفضل - عن إسماعيل ، عن الحسن قال : الجن ولد إبليس ، والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء مؤمنون ومن هؤلاء مؤمنون ، وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولي الله ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
لما ذكر فضله على داود عليه السلام, ذكر فضله على ابنه سليمان, عليه الصلاة والسلام, وأن اللّه سخر له الريح تجري بأمره, وتحمله, وتحمل جميع ما معه, وتقطع المسافة البعيدة جدا, في مدة يسيرة, فتسير في اليوم, مسيرة شهرين. { غُدُوُّهَا شَهْرٌ } أي: أول النهار إلى الزوال { وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } من الزوال, إلى آخر النهار { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ } أي: سخرنا له عين النحاس, وسهلنا له الأسباب, في استخراج ما يستخرج منها من الأواني وغيرها.
وسخر اللّه له أيضا, الشياطين والجن, لا يقدرون أن يستعصوا عن أمره, { وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ } وأعمالهم كل ما شاء سليمان, عملوه.
تفسير البغوي
( ولسليمان الريح ) أي : وسخرنا لسليمان الريح ، وقرأ أبو بكر عن عاصم : الريح بالرفع أي : له تسخير الريح ( غدوها شهر ورواحها شهر ) أي : سير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر ، وسير رواحها مسيرة شهر ، وكانت تسير به في يوم واحد مسيرة شهرين .
قال الحسن : كان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر وبينهما مسيرة شهر ، ثم يروح من اصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع . وقيل : إنه كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند .
( وأسلنا له عين القطر ) أي : أذبنا له عين النحاس ، و " القطر " : النحاس .
قال أهل التفسير : أجريت له عين النحاس ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء ، وكان بأرض اليمن ، وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليمان .
( ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ) بأمر ربه ، قال ابن عباس : سخر الله الجن لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به ( ومن يزغ ) أي : يعدل ) ( منهم ) من الجن ) ( عن أمرنا ) الذي أمرنا به من طاعة سليمان ( نذقه من عذاب السعير ) في الآخرة ، وقال بعضهم : في الدنيا وذلك أن الله - عز وجل - وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه ضربة أحرقته .
الإعراب:
(وَلِسُلَيْمانَ) متعلقان بفعل محذوف تقديره سخرنا (الرِّيحَ) مفعول به لفعل سخرنا المحذوف والجملة مستأنفة (غُدُوُّها شَهْرٌ) مبتدأ وخبر والجملة حالية (وَرَواحُها شَهْرٌ) معطوف على ما قبله (وَأَسَلْنا) ماض وفاعله والجملة معطوفة (لَهُ) متعلقان بالفعل قبلهما (عَيْنَ) مفعول به (الْقِطْرِ) مضاف إليه والجملة معطوفة (وَمِنَ الْجِنِّ) متعلقان بفعل سخرنا المحذوف (مِنَ) اسم موصول في محل نصب مفعول به لفعل سخرنا المحذوف (يَعْمَلُ) مضارع فاعله مستتر والجملة صلة (بَيْنَ يَدَيْهِ) متعلقان بالفعل قبلهما (بِإِذْنِ) متعلقان بمحذوف حال (رَبِّهِ) مضاف إليه والهاء مضاف إليه (وَمِنَ) الواو استئنافية ومن شرطية مبتدأ (يَزِغْ) مضارع مجزوم فعل الشرط فاعله مستتر (مِنْهُمْ) متعلقان بحال محذوفة (عَنْ أَمْرِنا) متعلقان بالفعل قبلهما ونا مضاف إليه (نُذِقْهُ) مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وفاعله مستتر والهاء مفعوله وجملتا الشرط وجوابه خبر المبتدأ (مِنْ عَذابِ) متعلقان بالفعل قبلهما (السَّعِيرِ) مضاف إليه.