«الحق من ربك» خبر مبتدأ محذوف أي أمر عيسى «فلا تكن من الممترين» الشاكين.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل
489
سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .
------------
(200) الفتوحات ج 4 /
482 ، 347 ،
482
وقال هاهنا : ( الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) أي : هذا القول هو الحق في عيسى ، الذي لا محيد عنه ولا صحيح سواه ، وماذا بعد الحق إلا الضلال .
قوله تعالى {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} دليل على صحة القياس. والتشبيه واقع على أن عيسى خلق من غير أب كآدم، لا على أنه خلق من تراب. والشيء قد يشبه بالشيء وإن كان بينهما فرق كبير بعد أن يجتمعا في وصف واحد؛ فإن آدم خلق من تراب ولم يخلق عيسى من تراب فكان بينهما فرق من هذه الجهة، ولكن شبه ما بينهما أنهما خلقهما من غير أب؛ ولأن أصل خلقتهما كان من تراب لأن آدم لم يخلق من نفس التراب، ولكنه جعل التراب طينا ثم جعله صلصالا ثم خلقه منه، فكذلك عيسى حوله من حال إلى حال، ثم جعله بشرا من غير أب. ونزلت هذه الآية بسبب وفد نجران حين أنكروا على النبي صلى الله عليه وسلم قوله : (إن عيسى عبد الله وكلمته) فقالوا : أرنا عبدا خلق من غير أب؛ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : (آدم من كان أبوه أعجبتم من عيسى ليس له أب؟ فآدم عليه السلام ليس له أب ولا أم). فذلك قوله تعالى {ولا يأتونك بمثل} أي في عيسى {إلا جئناك بالحق} في آدم {وأحسن تفسيرا} [
الفرقان : 33]. وروي أنه عليه السلام لما دعاهم إلى الإسلام قالوا : قد كنا مسلمين قبلك. فقال : (كذبتم يمنعكم من الإسلام ثلاث : قولكم اتخذ الله ولدا، وأكلكم الخنزير، وسجودكم للصليب). فقالوا : من أبو عيسى؟ فأنزل الله تعالى {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} إلى قوله {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} [
آل عمران : 61]. فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم لبعض : إن فعلتم اضطرم الوادي عليكم نارا. فقالوا : أما تعرض علينا سوى هذا؟ فقال : (الإسلام أو الجزية أو الحرب) فأقروا بالجزية على ما يأتي. وتم الكلام عند قوله {آدم}. ثم قال {خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} أي فكان. والمستقبل يكون في موضع الماضي إذا عرف المعنى. قال الفراء {الحق من ربك} مرفوع بإضمار هو. أبو عبيدة : هو استئناف كلام وخبره في قوله {من ربك}. وقيل هو فاعل، أي جاءك الحق. {فلا تكن من الممترين} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن شاكا في أمر عيسى عليه السلام.
الحق الذي لا شك فيه في أمر عيسى هو الذي جاءك -أيها الرسول- من ربك، فدل على يقينك، وعلى ما أنت عليه من ترك الافتراء، ولا تكن من الشاكِّين، وفي هذا تثبيت وطمأنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحق من ربك } أي: هذا الذي أخبرناك به من شأن المسيح عليه السلام هو الحق الذي في أعلى رتب الصدق، لكونه من ربك الذي من جملة تربيته الخاصة لك ولأمتك أن قص عليكم ما قص من أخبار الأنبياء عليهم السلام. { فلا تكن من الممترين } أي: الشاكين في شيء مما أخبرك به ربك، وفي هذه الآية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة وهو أن ما قامت الأدلة على أنه حق وجزم به العبد من مسائل العقائد وغيرها، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل، وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة، سواء قدر العبد على حلها أم لا، فلا يوجب له عجزه عن حلها القدح فيما علمه، لأن ما خالف الحق فهو باطل، قال تعالى { فماذا بعد الحق إلا الضلال } وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون ويرتبها المنطقيون، إن حلها الإنسان فهو تبرع منه، وإلا فوظيفته أن يبين الحق بأدلته ويدعو إليه.
قوله تعالى : ( الحق من ربك ) أي هو الحق وقيل جاءك الحق من ربك ( فلا تكونن من الممترين ) الشاكين ، الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته
(الْحَقُّ) مبتدأ (مِنْ رَبِّكَ) متعلقان بمحذوف خبر أو الحق خبر لمبتدأ محذوف تقديره: ما قلناه لك عن عيسى هو الحق من ربك متعلقان بمحذوف حال (فَلا تَكُنْ) الفاء فاء الفصيحة أي: إذا كان هذا هو الحق فلا تكن ولا ناهية جازمة تكن فعل مضارع ناقص مجزوم واسمها ضمير مستتر تقديره أنت والجملة لا محل لها جواب شرط مقدر غير جازم (مِنَ الْمُمْتَرِينَ) متعلقان بمحذوف خبر تكن.
Traslation and Transliteration:
Alhaqqu min rabbika fala takun mina almumtareena
(This is) the truth from thy Lord (O Muhammad), so be not thou of those who waver.
Gerçek, Rabbindendir, şüphe edenlerden olma artık.
La vérité vient de ton Seigneur. Ne sois donc pas du nombre des sceptiques.
Dies ist die Wahrheit von deinem HERRN, so sei nicht unter den Zweifel-Hegenden!
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة آل عمران (Al-i'Imran - Family of Imran) |
ترتيبها |
3 |
عدد آياتها |
200 |
عدد كلماتها |
3503 |
عدد حروفها |
14605 |
معنى اسمها |
عِمرَانُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالمُرَادُ بِـ(آلِ عِمْرَانَ): عِيسَى وَأُمُّهُ مَريَمُ وَيَحْيَى عليه السلام |
سبب تسميتها |
ذِكْرُ قِصَّةِ آلِ عِمْرَانَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (آلِ عِمرَانَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الكَنـْزِ)، وَسُورَةَ (الأَمَانِ)، وَتُلقَّبُ بِـ(الزَّهْرَاءِ) |
مقاصدها |
بَيانُ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَأَحْكَامِ الجِهَادِ وغَيرِهِ، وَردِّ شُبُهَاتِ النَّصَارَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ ِلنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: «اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ -أي سَحَابتانِ- أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِما». (رَوَاهُ مُسْلِم).
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ مِنَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِشَارَةُ إِلَيهَا.
فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾ ...الآيَاتِ،وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ...الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (آلِ عِمْرانَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (البَقَرَةِ):
ذِكْرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَوَاتِيم سُورَةِ (البَقَرَةِ) وفي أوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ). |