الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الروم: [الآية 2]

سورة الروم
غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ﴿2﴾

تفسير الجلالين:

«غُلبت الروم» وهم أهل الكتاب غلبتها فارس وليسوا أهل كتاب بل يعبدون الأوثان ففرح كفار مكة بذلك، وقالوا للمسلمين: نحن نغلبكم كما غلبت فارس الروم.

تفسير الشيخ محي الدين:

اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)

[نصيحة وإشارة: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ . . .» الآية ]

" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ» فاللّه تعالى خلقنا من ضعف وما خلقنا إلا عليه ، فما أنشأ العالم إلا منه وعليه ، فخلق الإنسان فقيرا إلى ربه ، مسكينا ظاهر الضعف والحاجة بلسان الحال والمقال ، وهكذا الطفل عند ولادته لا يقدر على القيام ، فهو طريح قريب إلى أصله وهو الأرض ، وكذا المريض الذي لا يقدر على القيام والقعود ، ويبقى طريحا لضعفه وهو رجوعه إلى أصله ، فالضعف أصل الإنسان لكونه ممكنا ، والممكن لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الترجيح على كل حال ، ثم جعل اللّه له قوة عارضة وهو قوله : «ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً» لما نقلنا من حال الطفولة إلى حال الشباب والتكليف ، فهي قوة الشباب ، وذلك حال الفتوة وفيها يسمى فتى ، وما قرن معها شيئا من الضعف ، فإن الفتوة ليس فيها شيء من الضعف ، إذ هي حالة بين الطفولة والكهولة ، وهو عمر الإنسان من زمان بلوغه إلى تمام الأربعين من ولادته ، إلا أنه مع هذه القوة لا يستقل ، فأمر بطلب المعونة ،


ثم ردّ اللّه تعالى الإنسان إلى أصله من الضعف ، فإن القوة للّه جميعا ، والعبد موطنه الضعف والعبودية ، والضعف مرتبته ، فإنه خلق من ضعف ابتداء ، وردّ إلى الضعف انتهاء ، فقال عزّ وجل : «ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ» قوة الشباب «ضَعْفاً»

يعني ضعف الكهولة إلى آخر العمر «وَشَيْبَةً» يعني وقارا أي سكونا لضعفه عن الحركة ، فإن الوقار من الوقر وهو الثقل ، فقرن مع هذا الضعف الثاني الشيبة التي هي الوقار ، فإن الطفل وإن كان ضعيفا فإنه متحرك جدا ،

روي أن إبراهيم عليه السلام لما رأى الشيب قال : يا رب ما هذا ؟ قال:

الوقار ، قال : اللهم زدني وقارا ؛ فالضعف هو أول العالم وآخره ، فإنا ما وجدنا للقوة ذكرا في الأول ولا في الآخر ، بل جاءت في الوسط وهي محل الدعوى الواقعة في الإنسان ، وإذا نظرنا في معنى هذا الضعف الذي خلقنا منه لوجدناه عدم الاستقلال بالإيجاد ، فشرع لنا الاستعانة به في الاقتدار ، ثم جعل لنا قوة غير مستقلة ، فإنه لولا أن للمكلف نسبة وأثرا في العمل ما صح التكليف ولا صح طلب المعونة من ذي القوة المتين ، فهو وإن خلقنا من ضعف فإنه جعل فينا قوة لولاها ما كلفنا بالعمل والترك ، لأن الترك منع النفس من التصرف في هواها ، وبهذا عمت القوة العمل والترك ، وقرن الشيب بالضعف الذي رجعنا إليه ، ليرينا بذلك الشيب وهو نور أن ذلك الضعف ما هو ضعف ثان من أجل ما نكّره ، فهو رجع إلى الضعف الأول ، فكان الضعف الثاني رجوعا إلى الأصل ، فسمي هرما ، والشيب للشيخوخة ، وهذا الضعف الأخير إنما أعده اللّه لإقامة النشأة الآخرة عليه كما قامت النشأة الدنيا على الضعف ، وإنما كان هذا ليلازم الإنسان ذاته الذلة والافتقار وطلب المعونة والحاجة إلى خالقه ، ومع هذا كله يذهل عن أصله ويتيه بما يعرض له من القوة ، فإذا استوى قائما وبعد عن أصله (وهو الأرض) تفر عن وتجبّر وادعى القوة ، وقال : أنا ؛ فالرجل من كان مع اللّه في حال قيامه وصحته ، كحاله في اضطجاعه من المرض والضعف وهو عزيز

- نصيحة -الاعتناء بالصغير رحمة به لضعفه ، فإذا كبر وكل إلى نفسه ، فإن بقي في كبره على أصله من الضعف صحبته الرحمة ، وإن تكبر عن أصله وادعى القوة المجعولة فيه بعد ضعفه أضاعه اللّه في كبره برد الضعف إليه ، فاستقذره وليه وتمنى مفارقته ، وفي ضعف صغره كان يشتهي حياته ويرغب في تقبيله ولا يستقذره

- إشارة - «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً» هذا حال وقت نظرك إن نظرت «ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً» فنكصت على عقبك ، فانظر كيف تكون ؟.


[سورة الروم (30) : الآيات 55 إلى 60]

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (58) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (59)

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60)

(31) سورة لقمان مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(54) الفتوحات ج 4 / 281 - ج 1 / 213 - ج 4 / 11 - ج 1 / 275">275">275">275 - ج 4 / 281 ، 11 ، 282 - ج 1 / 241">241 - ج 4 / 11 - ج 1 / 275">275">275">275 - ج 2 / 29 - ج 3 / 379 - ج 4 / 282 - ج 1 / 241">241 - ج 4 / 281 ، 11 ، 281 - ج 1 / 275">275">275">275 ، 213 - ج 4 / 415 - كتاب الشاهد

تفسير ابن كثير:

[ نزلت ] هذه الآيات حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم ، واضطر هرقل ملك الروم حتى ألجأه إلى القسطنطينية ، وحاصره فيها مدة طويلة ، ثم عادت الدولة لهرقل ، كما سيأتي .

قال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، في قوله تعالى : ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض ) قال : غلبت وغلبت . قال : كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم ; لأنهم أصحاب أوثان ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس ; لأنهم أهل كتاب ، فذكر ذلك لأبي بكر ، ، فذكره أبو بكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما إنهم سيغلبون " فذكره أبو بكر لهم ، فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلا فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا ، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا . فجعل أجلا خمس سنين ، فلم يظهروا ، فذكر ذلك أبو بكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ألا جعلتها إلى دون " أراه قال : " العشر " . " قال سعيد بن جبير : البضع ما دون العشر . ثم ظهرت الروم بعد ، قال : فذلك قوله : ( الم . غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ) .

هكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا ، عن الحسين بن حريث ، عن معاوية بن عمرو ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن سفيان بن سعيد الثوري به ، وقال الترمذي : حسن غريب ، إنما نعرفه من حديث سفيان ، عن حبيب .

ورواه ابن أبي حاتم ، عن محمد بن إسحاق الصاغاني ، عن معاوية بن عمرو به . ورواه ابن جرير :

حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن سعيد - أو سعيد الثعلبي الذي يقال له : أبو سعد من أهل طرسوس - حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، فذكره . وعندهم : قال سفيان : فبلغني أنهم غلبوا يوم بدر .

حديث آخر : قال سليمان بن مهران الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، قال : قال عبد الله : خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم . أخرجاه .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا المحاربي ، عن داود بن أبي هند ، عن عامر - هو الشعبي - عن عبد الله - هو ابن مسعود رضي الله عنه - قال : كان فارس ظاهرا على الروم ، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس ; لأنهم أهل كتاب وهم أقرب إلى دينهم ، فلما نزلت : ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) قالوا : يا أبا بكر ، إن صاحبك يقول : إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين ؟ ! قال : صدق . قالوا : هل لك إلى أن نقامرك ، فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين ، فمضت السبع ولم يكن شيء ، ففرح المشركون بذلك وشق على المسلمين ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ما بضع سنين عندكم " ؟ قالوا : دون العشر . قال : " اذهب فزايدهم وازدد سنتين في الأجل " . قال : فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بذلك ، وأنزل الله : ( الم غلبت الروم ) إلى قوله : ( [ وعد الله ] لا يخلف الله وعده ) .

حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عمر الوكيعي ، حدثنا مؤمل ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : لما نزلت : ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ) قال المشركون لأبي بكر : ألا ترى إلى ما يقول صاحبك ؟ يزعم أن الروم تغلب فارس . قال : صدق صاحبي . قالوا : هل لك أن نخاطرك ؟ فجعل بينه وبينهم أجلا فحل الأجل قبل أن تغلب الروم فارس ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فساءه ذلك وكرهه ، وقال لأبي بكر : " ما دعاك إلى هذا ؟ " قال : تصديقا لله ولرسوله . فقال : " تعرض لهم وأعظم الخطر واجعله إلى بضع سنين " . فأتاهم أبو بكر فقال لهم : هل لكم في العود ، فإن العود أحمد ؟ قالوا : نعم . [ قال ] فلم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارس ، وربطوا خيولهم بالمدائن ، وبنوا الرومية ، فجاء به أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : هذا السحت ، قال : " تصدق به " .

حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، أخبرني ابن أبي الزناد ، عن عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم الأسلمي قال : لما نزلت ، ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم ، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم ; لأنهم وإياهم أهل كتاب ، وفي ذلك قول الله : ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ) وكانت قريش تحب ظهور فارس ; لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث ، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة : ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) قال ناس من قريش لأبي بكر : فذاك بيننا وبينك . زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين ، أفلا نراهنك على ذلك ؟ قال : بلى - وذلك قبل تحريم الرهان - فارتهن أبو بكر والمشركون ، وتواضعوا الرهان ، وقالوا لأبي بكر : كم تجعل البضع : ثلاث سنين إلى تسع سنين ، فسم بيننا وبينك وسطا ننتهي إليه . قال : فسموا بينهم ست سنين . قال : فمضت ست السنين قبل أن يظهروا ، فأخذ المشركون رهن أبي بكر ، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس ، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين ، قال : لأن الله قال : ( في بضع سنين ) . قال : فأسلم عند ذلك ناس كثير .

هكذا ساقه الترمذي ، ثم قال : هذا حديث حسن صحيح ، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد . وقد روي نحو هذا مرسلا عن جماعة من التابعين مثل عكرمة ، والشعبي ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، والزهري ، وغيرهم .

ومن أغرب هذه السياقات ما رواه الإمام سنيد بن داود في تفسيره حيث قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن عكرمة قال : كانت في فارس امرأة لا تلد إلا الملوك الأبطال ، فدعاها كسرى فقال : إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك ، فأشيري علي ، أيهم أستعمل ؟ فقالت : هذا فلان ، وهو أروغ من ثعلب ، وأحذر من صقر . وهذا فرخان ، وهو أنفذ من سنان . وهذا شهريراز ، وهو أحلم من كذا - تعني أولادها الثلاثة - فاستعمل أيهم شئت . قال : فإني قد استعملت الحليم . فاستعمل شهريراز ، فسار إلى الروم بأهل فارس ، فظهر عليهم فقتلهم ، وخرب مدائنهم ، وقطع زيتونهم .

قال أبو بكر بن عبد الله : فحدثت بهذا الحديث عطاء الخراساني فقال : أما رأيت بلاد الشام ؟ قلت : لا قال : أما إنك لو رأيتها لرأيت المدائن التي خربت ، والزيتون الذي قطع . فأتيت الشام بعد ذلك فرأيته .

قال عطاء الخراساني : حدثني يحيى بن يعمر : أن قيصر بعث رجلا يدعى قطمة بجيش من الروم ، وبعث كسرى شهريراز فالتقيا بأذرعات وبصرى ، وهي أدنى الشام إليكم ، فلقيت فارس الروم ، فغلبتهم فارس . ففرحت بذلك كفار قريش وكرهه المسلمون .

قال عكرمة : ولقي المشركون أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : إنكم أهل كتاب ، والنصارى أهل كتاب [ ونحن أميون ، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب ] ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم ، فأنزل الله : ( الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ) ، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال : أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا ، فلا تفرحوا ، ولا يقرن الله أعينكم ، فوالله ليظهرن الله الروم على فارس ، أخبرنا بذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - . فقام إليه أبي بن خلف فقال : كذبت يا أبا فضيل . فقال له أبو بكر : أنت أكذب يا عدو الله . فقال : أناحبك عشر قلائص مني وعشر قلائص منك ، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت ، وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين . ثم جاء أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : " ما هكذا ذكرت ، إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، فزايده في الخطر وماده في الأجل " ، فخرج أبو بكر فلقي أبيا فقال : لعلك ندمت ؟ فقال : لا ، تعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل ، فاجعلها مائة قلوص لمائة قلوص إلى تسع سنين . قال : قد فعلت ، فظهرت الروم على فارس قبل ذلك ، فغلبهم المسلمون .

قال عكرمة : لما أن ظهرت فارس على الروم ، جلس فرخان يشرب وهو أخو شهريراز فقال لأصحابه : لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى ، فبلغت كسرى فكتب إلى شهريراز إذا أتاك كتابي [ هذا ] فابعث إلي برأس فرخان . فكتب إليه : أيها الملك ، إنك لن تجد مثل فرخان له نكاية وصوت في العدو ، فلا تفعل . فكتب إليه : إن في رجال فارس خلفا منه ، فعجل إلي برأسه . فراجعه ، فغضب كسرى فلم يجبه ، وبعث بريدا إلى أهل فارس : إني قد نزعت عنكم شهريراز ، واستعملت عليكم فرخان . ثم دفع إلى البريد صحيفة لطيفة صغيرة فقال : إذا ولي فرخان الملك ، وانقاد له أخوه ، فأعطه هذه ، فلما قرأ شهريراز الكتاب قال : سمعا وطاعة ، ونزل عن سريره ، وجلس فرخان ، ودفع إليه الصحيفة ، قال ائتوني بشهريراز وقدمه ليضرب عنقه ، قال : لا تعجل [ علي ] حتى أكتب وصيتي ، قال : نعم . فدعا بالسفط فأعطاه الصحائف وقال : كل هذا راجعت فيك كسرى وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد . فرد الملك إلى أخيه شهريراز وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم : إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد ولا تحملها الصحف ، فالقني ، ولا تلقني إلا في خمسين روميا ، فإني ألقاك في خمسين فارسيا . فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي ، وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق ، وخاف أن يكون قد مكر به ، حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلا . ثم بسط لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما ، مع كل واحد منهما سكين ، فدعيا ترجمانا بينهما ، فقال شهريراز إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا ، وإن كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت ، ثم أمر أخي أن يقتلني . وقد خلعناه جميعا ، فنحن نقاتله معك . قال : قد أصبتما . ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا . قال : أجل . فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما . [ قال ] فأهلك الله كسرى ، وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، ففرح والمسلمون معه .

فهذا سياق غريب ، وبناء عجيب . ولنتكلم على كلمات هذه الآيات الكريمة ، فقوله تعالى : ( الم غلبت الروم ) قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور ، في أول سورة " البقرة " . وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم ، وهم أبناء عم بني إسرائيل ، ويقال لهم : بنو الأصفر . وكانوا على دين اليونان ، واليونان من سلالة يافث بن نوح ، أبناء عم الترك . وكانوا يعبدون الكواكب السيارة السبعة ، ويقال لها : المتحيرة ، ويصلون إلى القطب الشمالي ، وهم الذين أسسوا دمشق ، وبنوا معبدها ، وفيه محاريب إلى جهة الشمال ، فكان الروم على دينهم إلى مبعث المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة ، وكان من ملك الشام مع الجزيرة منهم يقال له : قيصر . فكان أول من دخل في دين النصارى من الملوك قسطنطين بن قسطس ، وأمه مريم الهيلانية الشدقانية من أرض حران ، كانت قد تنصرت قبله ، فدعته إلى دينها ، وكان قبل ذلك فيلسوفا ، فتابعها - يقال : تقية - واجتمعت به النصارى ، وتناظروا في زمانه مع عبد الله بن أريوس ، واختلفوا اختلافا [ كثيرا ] منتشرا متشتتا لا ينضبط ، إلا أنه اتفق من جماعتهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا ، فوضعوا لقسطنطين العقيدة ، وهي التي يسمونها الأمانة الكبيرة ، وإنما هي الخيانة الحقيرة ، ووضعوا له القوانين - يعنون كتب الأحكام من تحليل وتحريم وغير ذلك مما يحتاجون إليه ، وغيروا دين المسيح ، عليه السلام ، وزادوا فيه ونقصوا منه . وفصلوا إلى المشرق واعتاضوا عن السبت بالأحد ، وعبدوا الصليب وأحلوا الخنزير . واتخذوا أعيادا أحدثوها كعيد الصليب والقداس والغطاس ، وغير ذلك من البواعيث والشعانين ، وجعلوا له الباب وهو كبيرهم ، ثم البتاركة ، ثم المطارنة ، ثم الأساقفة والقساقسة ، ثم الشمامسة . وابتدعوا الرهبانية . وبنى لهم الملك الكنائس والمعابد ، وأسس المدينة المنسوبة إليه وهي القسطنطينية ، يقال : إنه بنى في أيامه اثني عشر ألف كنيسة ، وبنى بيت لحم بثلاثة محاريب ، وبنت أمه القمامة ، وهؤلاء هم الملكية ، يعنون الذين هم على دين الملك .

ثم حدثت بعدهم اليعقوبية أتباع يعقوب الإسكاف ، ثم النسطورية أصحاب نسطورا ، وهم فرق وطوائف كثيرة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنهم افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة " . والغرض أنهم استمروا على النصرانية ، كلما هلك قيصر خلفه آخر بعده ، حتى كان آخرهم هرقل . وكان من عقلاء الرجال ، ومن أحزم الملوك وأدهاهم ، وأبعدهم غورا وأقصاهم رأيا ، فتملك عليهم في رياسة عظيمة وأبهة كبيرة ، فناوأه كسرى ملك الفرس ، وملك البلاد كالعراق وخراسان والري ، وجميع بلاد العجم ، وهو سابور ذو الأكتاف . وكانت مملكته أوسع من مملكة قيصر ، وله رياسة العجم وحماقة الفرس ، وكانوا مجوسا يعبدون النار . فتقدم عن عكرمة أنه بعث إليه نوابه وجيشه فقاتلوه ، والمشهور أن كسرى غزاه بنفسه في بلاده فقهره وكسره وقصره ، حتى لم يبق معه سوى مدينة قسطنطينية . فحاصره بها مدة طويلة حتى ضاقت عليه ، وكانت النصارى تعظمه تعظيما زائدا ، ولم يقدر كسرى على فتح البلد ، ولا أمكنه ذلك لحصانتها; لأن نصفها من ناحية البر ونصفها الآخر من ناحية البحر ، فكانت تأتيهم الميرة والمدد من هنالك . فلما طال الأمر دبر قيصر مكيدة ، ورأى في نفسه خديعة ، فطلب من كسرى أن يقلع عن بلاده على مال يصالحه عليه ، ويشترط عليه ما شاء . فأجابه إلى ذلك ، وطلب منه أموالا عظيمة لا يقدر عليها أحد من ملوك الدنيا ، من ذهب وجواهر وأقمشة وجوار وخدام وأصناف كثيرة . فطاوعه قيصر ، وأوهمه أن عنده جميع ما طلب ، واستقل عقله لما طلب منه ما طلب ، ولو اجتمع هو وإياه لعجزت قدرتهما عن جمع عشره ، وسأل كسرى أن يمكنه من الخروج إلى بلاد الشام وأقاليم مملكته ، ليسعى في تحصيل ذلك من ذخائره وحواصله ودفائنه ، فأطلق سراحه ، فلما عزم قيصر على الخروج من مدينة قسطنطينية ، جمع أهل ملته وقال : إني خارج في أمر قد أبرمته ، في جند قد عينته من جيشي ، فإن رجعت إليكم قبل الحول فأنا ملككم ، وإن لم أرجع إليكم قبلها فأنتم بالخيار ، إن شئتم استمررتم على بيعتي ، وإن شئتم وليتم عليكم غيري . فأجابوه بأنك ملكنا ما دمت حيا ، ولو غبت عشرة أعوام . فلما خرج من القسطنطينية خرج جريدة في جيش متوسط ، هذا وكسرى مخيم على القسطنطينية ينتظره ليرجع ، فركب قيصر من فوره وسار مسرعا حتى انتهى إلى بلاد فارس ، فعاث في بلادهم قتلا لرجالها ومن بها من المقاتلة ، أولا فأولا ولم يزل يقتل حتى انتهى إلى المدائن ، وهي كرسي مملكة كسرى ، فقتل من بها ، وأخذ جميع حواصله وأمواله ، وأسر نساءه وحريمه ، وحلق رأس ولده ، وركبه على حمار وبعث معه من الأساورة من قومه في غاية الهوان والذلة ، وكتب إلى كسرى يقول : هذا ما طلبت فخذه . فلما بلغ ذلك كسرى أخذه من الغم ما لا يحصيه إلا الله عز وجل ، واشتد حنقه على البلد ، فاشتد في حصارها بكل ممكن فلم يقدر على ذلك . فلما عجز ركب ليأخذ عليه الطريق من مخاضة جيحون ، التي لا سبيل لقيصر إلى القسطنطينية إلا منها ، فلما علم قيصر بذلك احتال بحيلة عظيمة لم يسبق إليها ، وهو أنه أرصد جنده وحواصله التي معه عند فم المخاضة ، وركب في بعض الجيش ، وأمر بأحمال من التبن والبعر والروث فحملت معه ، وسار إلى قريب من يوم في الماء مصعدا ، ثم أمر بإلقاء تلك الأحمال في النهر ، فلما مرت بكسرى ظن هو وجنده أنهم قد خاضوا من هنالك ، فركبوا في طلبهم فشغرت المخاضة عن الفرس ، وقدم قيصر فأمرهم بالنهوض في الخوض ، فخاضوا وأسرعوا السير ففاتوا كسرى وجنوده ، ودخلوا القسطنطينية . وكان ذلك يوما مشهودا عند النصارى ، وبقي كسرى وجيوشه حائرين لا يدرون ماذا يصنعون . لم يحصلوا على بلاد قيصر ، وبلادهم قد خربتها الروم وأخذوا حواصلهم ، وسبوا ذراريهم ونساءهم . فكان هذا من غلب الروم فارس ، وكان ذلك بعد تسع سنين من غلب الفرس للروم .

وكانت الواقعة الكائنة بين فارس والروم حين غلبت الروم بين أذرعات وبصرى ، على ما ذكره ابن عباس وعكرمة وغيرهما ، وهي طرف بلاد الشام مما يلي بلاد الحجاز .

وقال مجاهد : كان ذلك في الجزيرة ، وهي أقرب بلاد الروم من فارس ، فالله أعلم .

ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين ، وهي تسع ; فإن البضع في كلام العرب ما بين الثلاث إلى التسع . وكذلك جاء في الحديث الذي رواه الترمذي ، وابن جرير وغيرهما ، من حديث عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر في مناحبة ( الم غلبت الروم ) ألا احتطت يا أبا بكر ، فإن البضع ما بين ثلاث إلى تسع ؟ " ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه .

وروى ابن جرير ، عن عبد الله بن عمرو : أنه قال ذلك .


تفسير الطبري :

قوله تعالى {الم. غلبت الروم. في أدنى الأرض} ""روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري"" قال : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت {الم. غلبت الروم. في أدنى الأرض - إلى قول - يفرح المؤمنون. بنصر الله}. قال : ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس. قال : هذا حديث غريب من هذا الوجه. هكذا قرأ نصر بن علي الجهضمي {غلبت الروم}. ورواه أيضا من حديث ابن عباس بأتم منه. قال ابن عباس في قول الله عز وجل}الم. غلبت الروم. في أدنى الأرض} قال : غلبت وغلبت، قال : كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب؛ فذكروه لأبي بكر فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (أما إنهم سيغلبون) فذكره أبو بكر لهم فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا؛ فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : (ألا جعلته إلى دون) - أراه قال العشر - قال قال أبو سعيد : والبضع ما دون العشرة. قال : ثم ظهرت الروم بعد، قال : فذلك قوله {الم. غلبت الروم - إلى قوله - ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله}. قال سفيان : سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر. قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب. ورواه أيضا عن نيار بن مكرم الأسلمي قال : لما نزلت {الم. غلبت الروم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين} وكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك نزل قول الله تعالى {ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم} وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة {الم. غلبت الروم. في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين}. قال ناس من قريش لأبي بكر : فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال : بلى. وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان. وقالوا لأبي بكر : كم تجعل البضع؟ ثلاث سنين أو تسع سنين؟ فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه؛ قال فسموا بينهم ست سنين؛ قال : فمضت الست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين، قال : لأن الله تعالى قال {في بضع سنين} قال : وأسلم عند ذلك ناس كثير. قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب. وروى القشيري وابن عطية وغيرهما : أنه لما نزلت الآيات خرج أبو بكر بها إلى المشركين فقال : أسركم أن غَلبت الروم؟ فإن نبينا أخبرنا عن الله تعالى أنهم سيغلبون في بضع سنين. فقال له أبي بن خلف وأمية أخوه - وقيل أبو سفيان بن حرب - : يا أبا فصيل - يعرضون بكنيته يا أبا بكر - فلنتناحب - أي نتراهن في ذلك فراهنهم أبو بكر. قال قتادة : وذلك قبل أن يحرم القمار، وجعلوا الرهان خمس قلائص والأجل ثلاث سنين. وقيل : جعلوا الرهان ثلاث قلائص. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : (فهلا احتطت، فإن البضع ما بين الثلاث والتسع والعشر ولكن ارجع فزدهم في الرهان واستزدهم في الأجل) ففعل أبو بكر، فجعلوا القلائص مائة والأجل تسعة أعوام؛ فغلبت الروم في أثناء الأجل. وقال الشعبي : فظهروا في تسع سنين. القشيري : المشهور في الروايات أن ظهور الروم كان في السابعة من غلبة فارس للروم، ولعل رواية الشعبي تصحيف من السبع إلى التسع من بعض النقلة. وفي بعض الروايات : أنه جعل القلائص سبعا إلى تسع سنين. ويقال : إنه آخر فتوح كسرى أبرويز فتح فيه القسطنطينية حتى بنى فيها بيت النار؛ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فساءه ذلك، فأنزل الله تعالى هاتين الآيتين. وحكى النقاش وغيره : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما أراد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم تعلق به أبي بن خلف وقال له : أعطني كفيلا بالخطر إن غلبت؛ فكفل به ابنه عبدالرحمن، فلما أراد أبي الخروج إلى أحد طلبه عبدالرحمن بالكفيل فأعطاه كفيلا، ثم مات أبي بمكة من جرح جرحه النبي صلى الله عليه وسلم، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية على رأس تسع سنين من مناحبتهم. وقال الشعبي : لم تمض تلك المدة حتى غلبت الروم فارس؛ وربطوا خيلهم بالمدائن، وبنوا رومية؛ فقمر أبو بكر أبيا وأخذ مال الخطر من ورثته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (تصدق به) فتصدق به. وقال المفسرون : إن سبب غلبة الروم فارس امرأة كانت في فارس لا تلد إلا الملوك والأبطال، فقال لها كسرى : أريد أن أستعمل أحد بنيك على جيش أجهزه إلى الروم؛ فقالت : هذا هرمز أروع من ثعلب وأحذر من صقر، وهذا فرخان أحد من سنان وأنفذ من نبل، وهذا شهر بزان أحلم من كذا، فاختر؛ قال فاختار الحليم وولاه، فسار إلى الروم بأهل فارس فظهر على الروم. قال عكرمة وغيره : إن شهر بزان لما غلب الروم خرب ديارها حتى بلغ الخليج، فقال أخوه فرخان : لقد رأيتني جالسا على سرير كسرى؛ فكتب كسرى إلى شهر بزان أرسل إلي برأس فرخان فلم يفعل؛ فكتب كسرى إلى فارس : إني قد استعملت عليكم فرخان وعزلت شهر بزان، وكتب إلى فرخان إذا ولي أن يقتل شهر بزان؛ فأراد فرَّخان قتل شهر بزان فأخرج له شهر بزان ثلاث صحائف من كسرى يأمره بقتل فرخان، فقال شهر بزان لفرخان : إن كسرى كتب إلي أن أقتلك ثلاث صحائف وراجعته أبدا في أمرك، أفتقتلني أنت بكتاب واحد؟ فرد الملك إلى أخيه، وكتب شهر بزان إلى قيصر ملك الروم فتعاونا على كسرى، فغلبت الروم فارس ومات كسرى. وجاء الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ففرح من معه من المسلمين؛ فذلك قوله تعالى {الم. غلبت الروم. في أدنى الأرض} يعني أرض الشام. عكرمة : بأذرعات، وهي ما بين بلاد العرب والشام. وقيل : إن قيصر كان بعث رجلا يدعى يحنس وبعث كسرى شهر بزان فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي أدنى بلاد الشام إلى أرض العرب والعجم. مجاهد : بالجزيرة، وهو موضع بين العراق والشام. مقاتل : بالأردن وفلسطين. و{أدنى} معناه أقرب. قال ابن عطية : فإن كانت الواقعة بأذرعات فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة، وهي التي ذكرها امرؤ القيس في قوله : تنورتها من أذرعات وأهلها ** بيثرب أدنى دارها نظر عال وإن كانت الواقعة بالجزيرة فهي أدنى بالقياس إلى أرض كسرى، وإن كانت بالأردن فهي أدنى إلى أرض الروم. فلما طرأ ذلك وغُلبت الروم سر الكفار فبشر الله عباده بأن الروم سيغلبون وتكون الدولة لهم في الحرب. وقد مضى الكلام في فواتح السور. وقرأ أبو سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن قرة {غَلَبت الروم} بفتح الغين واللام. وتأويل ذلك أن الذي طرأ يوم بدر إنما كانت الروم غلبت فعز ذلك على كفار قريش وسر بذلك المسلمون، فبشر الله تعالى عباده أنهم سيغلبون أيضا في بضع سنين؛ ذكر هذا التأويل أبو حاتم. قال أبو جعفر النحاس : قراءة أكثر الناس {غلبت الروم} بضم العين وكسر اللام. وروي عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري أنهما قرأ {غَلَبت الروم} وقرأ {سيُغلبون}. وحكى أبو حاتم أن عصمة روى عن هارون : أن هذه قراءة أهل الشام؛ وأحمد بن حنبل يقول : إن عصمة هذا ضعيف، وأبو حاتم كثير الحكاية عنه، والحديث يدل على أن القراءة {غُلبت} بضم الغين، وكان في هذا الإخبار دليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الروم غلبتها فارس، فأخبر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، وأن المؤمنين يفرحون بذلك، لأن الروم أهل كتاب، فكان هذا من علم الغيب الذي أخبر الله عز وجل به مما لم يكن علموه، وأمر أبا بكر أن يراهنهم على ذلك وأن يبالغ في الرهان، ثم حرم الرهان بعد ونسخ بتحريم القمار. قال ابن عطية : والقراءة بضم الغين أصح، وأجمع الناس على {سيغلبون} أنه بفتح الياء، يراد به الروم. ويروى عن ابن عمر أنه قرأ أيضا بضم الياء في {سيغلبون}، وفي هذه القراءة قلب للمعنى الذي تظاهرت الروايات به. قال أبو جعفر النحاس : ومن قر {سيغلبون} فالمعنى عنده : وفارس من بعد غلبهم، أي من بعد أن غلبوا، سيغلبون. وروي أن إيقاع الروم بالفرس كان يوم بدر؛ كما في حديث أبي سعيد الخدري حديث الترمذي، وروي أن ذلك كان يوم الحديبية، وأن الخبر وصل يوم بيعة الرضوان؛ قاله عكرمة وقتادة. قال ابن عطية : وفي كلا اليومين كان نصر من الله للمؤمنين. وقد ذكر الناس أن سبب سرور المسلمين بغلبة الروم وهمهم أن تغلب إنما هو أن الروم أهل كتاب كالمسلمين، وفارس من أهل الأوثان؛ كما تقدم بيانه في الحديث. قال النحاس : وقول آخر وهو أولى - أن فرحهم إنما كان لإنجاز وعد الله تعالى؛ إذ كان فيه دليل على النبوة لأنه أخبر تبارك وتعالى بما يكون في بضع سنين فكان فيه. قال ابن عطية : ويشبه أن يعلل ذلك بما يقتضيه النظر من محبة أن يغلب العدو الأصغر لأنه أيسر مؤونة، ومتى غلب الأكبر كثر الخوف منه؛ فتأمل هذا المعنى، مع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجاه من ظهور دينه وشرع الله الذي بعثه به وغلبته على الأمم، وإرادة كفار مكة أن يرميه الله بملك يستأصله ويريحهم منه. وقيل : سرورهم إنما كان بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين؛ لأن جبريل أخبر بذلك النبي عليه السلام يوم بدر؛ حكاه القشيري. قلت : ويحتمل أن يكون سرورهم بالمجموع من ذلك، فسروا بظهورهم على عدوهم وبظهور الروم أيضا وبإنجاز وعد الله. وقرأ أبو حيوة الشامي ومحمد بن السميقع {من بعد غلبهم} بسكون اللام، وهما لغتان؛ مثل الظعن والظعن. وزعم الفراء أن الأصل {من بعد غلبتهم} فحذفت التاء كما حذفت في قوله عز وجل {وإقام الصلاة} وأصله وإقامة الصلاة. قال النحاس وهذا غلط لا يخيل على كثير من أهل النحو؛ لأن {إقام الصلاة} مصدر قد حذف منه لاعتلال فعله، فجعلت التاء عوضا من المحذوف، و{غلب} ليس بمعتل ولا حذف منه شيء. وقد حكى الأصمعي : طرد طردا، وجلب جلبا، وحلب حلبا، وغلب غلبا؛ فأي حذف في هذا، وهل يجوز أن يقال في أكل أكلا وما أشبهه - : حذف منه ؟. {في بضع سنين} حذفت الهاء من {بضع} فرقا بين المذكر والمؤنث، وقد مضى الكلام فيه في "يوسف". وفتحت النون من {سنين} لأنه جمع مسلم. ومن العرب من يقول{في بضع سنين} كما يقول في {غسلين}. وجاز أن يجمع سنة جمع من يعقل بالواو والنون والياء والنون، لأنه قد حذف منها شيء فجعل هذا الجمع عوضا من النقص الذي في واحده؛ لأن أصل {سنة} سنهة أو سنوة، وكسرت السين منه دلالة على أن جمعه. خارج عن قياسه ونمطه؛ هذا قول البصريين. ويلزم الفراء أن يضمها لأنه يقول : الضمة دليل على الواو وقد حذف من سنة واو في أحد القولين، ولا يضمها أحد علمناه. قوله تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد} أخبر تعالى بانفراده بالقدرة وأن ما في العالم من غلبة وغيرها إنما هي منه وبإرادته وقدرته فقال {لله الأمر} أي إنفاذ الأحكام. {من قبل ومن بعد} أي من قبل هذه الغلبة ومن بعدها. وقيل : من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء. و{من قبل ومن بعد} ظرفان بنيا على الضم؛ لأنهما تعرفا بحذف ما أضيفا إليهما وصارا متضمنين ما حذف فخالفا تعريف الأسماء وأشبها الحروف في التضمين فبنِيا، وخصا بالضم لشبههما بالمنادى المفرد في أنه إذا نكر وأضيف زال بناؤه، وكذلك هما فضما. ويقال {من قبل ومن بعد}. وحكى الكسائي عن بعض بني أسد {لله الأمر من قبل ومن بعد} الأول مخفوض منون، والثاني مضموم بلا تنوين. وحكى الفراء {من قبل ومن بعد} مخفوضين بغير تنوين. وأنكره النحاس ورده. وقال الفراء في كتابه : في القرآن أشياء كثيرة، الغلط فيها بين، منها أنه زعم أنه يجوز {من قبل ومن بعد} وإنما يجوز {من قبل ومن بعد} على أنهما نكرتان. قال الزجاج : المعنى من متقدم ومن متأخر. {ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله} تقدم ذكره. {ينصر من يشاء} يعني من أوليائه؛ لأن نصره مختص بغلبة أوليائه لأعدائه، فأما غلبة أعدائه لأوليائه فليس بنصره، وإنما هو ابتلاء وقد يسمى ظفرا. {وهو العزيز} في نقمته {الرحيم} لأهل طاعته.

التفسير الميسّر:

غَلَبت فارسُ الرومَ في أدنى أرض "الشام" إلى "فارس"، وسوف يَغْلِب الرومُ الفرسَ في مدة من الزمن، لا تزيد على عشر سنوات ولا تنقص عن ثلاث. لله سبحانه وتعالى الأمر كله قبل انتصار الروم وبعده، ويوم ينتصر الروم على الفرس يفرح المؤمنون بنصر الله للروم على الفرس. والله سبحانه وتعالى ينصر من يشاء، ويخذل من يشاء، وهو العزيز الذي لا يغالَب، الرحيم بمن شاء من خلقه. وقد تحقق ذلك فغَلَبَت الرومُ الفرسَ بعد سبع سنين، وفرح المسلمون بذلك؛ لكون الروم أهل كتاب وإن حرَّفوه.

تفسير السعدي

كانت الفرس والروم في ذلك الوقت من أقوى دول الأرض، وكان يكون بينهما من الحروب والقتال ما يكون بين الدول المتوازنة.

وكانت الفرس مشركين يعبدون النار، وكانت الروم أهل كتاب ينتسبون إلى التوراة والإنجيل وهم أقرب إلى المسلمين من الفرس فكان المؤمنون يحبون غلبتهم وظهورهم على الفرس، وكان المشركون -لاشتراكهم والفرس في الشرك- يحبون ظهور الفرس على الروم.

فظهر الفرس على الروم فغلبوهم غلبا لم يحط بملكهم بل بأدنى أرضهم، ففرح بذلك مشركو مكة وحزن المسلمون، فأخبرهم اللّه ووعدهم أن الروم ستغلب الفرس.


تفسير البغوي

"غلبت الروم".


الإعراب:

(غُلِبَتِ) ماض مبني للمجهول (الرُّومُ) نائب فاعل والجملة مستأنفة لا محل لها.

---

Traslation and Transliteration:

Ghulibati alrroomu

بيانات السورة

اسم السورة سورة الروم (Ar-Rum - The Romans)
ترتيبها 30
عدد آياتها 60
عدد كلماتها 818
عدد حروفها 3388
معنى اسمها (الرُّوْمُ): الْإِمْبرَاطُورِيَّةُ الرُّومَانِيَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ فِي الشَّامِ
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ خَبَرِ انْتِصَارِ الرُّومِ عَلَى الْفُرْسِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى لا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الرُّومِ)
مقاصدها بَيَانُ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَنِهِ فِي النَّفْسِ وَالْكَونِ، وَتَوجِيهُ الإِنسَانِ لِشُكْرِهَا
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا
فضلها لَم يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضلِ السُّورَةِ سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الرُّومِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن انْتِصَارِ الرُّومِ وَتَحْقِيقِ وَعْدِ اللهِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿الٓمٓ ١ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ ...٦٠﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الرُّومِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (العَنْكَبُوتِ):لَمَّا خَتَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (العَنْكَبُوتَ) بِمَعِيَّةِ اللهِ لِلْمُحْسِنِينَ بِقَولِهِ: ﴿وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٦٩﴾ ذَكَرَ فَرَحَهُم فِي مُفْتَتَحِ (الرُّومِ) بِقَولِهِ: ﴿وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٤ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ ...٥﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!