«والذين جاهدوا فينا» في حقنا «لنهدينَّهم سُبُلنا» أي طريق السير إلينا «وإن الله لمع المحسنين» المؤمنين بالنصر والعون.
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
«فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» عندما بدت لهم آيات اللّه غير المعتادة ، ذهبت عنهم الغفلة «فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ» فعادوا إلى شركهم بعد إخلاصهم للّه.
------------
(65) الفتوحات ج 1 /
208
ثم قال ( والذين جاهدوا فينا ) يعني : الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ( لنهدينهم سبلنا ) ، أي : لنبصرنهم سبلنا ، أي : طرقنا في الدنيا والآخرة .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا عباس الهمداني أبو أحمد - من أهل عكا - في قول الله : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) قال : الذين يعملون بما يعلمون ، يهديهم لما لا يعلمون . قال أحمد بن أبي الحواري : فحدثت به أبا سليمان الداراني فأعجبه ، وقال : ليس ينبغي لمن ألهم شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر ، فإذا سمعه في الأثر عمل به ، وحمد الله حين وافق ما في نفسه .
وقوله : ( وإن الله لمع المحسنين ) ، قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا عيسى بن جعفر - قاضي الري - حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن المغيرة ، عن الشعبي قال : قال عيسى ابن مريم ، عليه السلام : إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك ، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك . [ وفي حديث جبريل لما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإحسان قال : " أخبرني عن الإحسان " . قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .
[ انتهى تفسير سورة العنكبوت ، ولله الحمد والمنة ]
قوله {والذين جاهدوا فينا} أي جاهدوا الكفار فينا أي في طلب مرضاتنا وقال السدي وغيره: إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال قال ابن عطية: فهي قبل الجهاد العرفي وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته قال الحسن بن أبي الحسن: الآية في العباد وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعملون بما يعلمون وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم) ونزع بعض العلماء إلى قوله {واتقوا الله ويعلمكم الله } وقال عمر بن عبد العزيز: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا ولو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علما لا تقوم به أبداننا؛ قال الله {واتقوا الله ويعلمكم الله} وقال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط بل هو نصر الدين والرد على المبطلين؛ وقمع الظالمين؛ وعظمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله وهو الجهاد الأكبر وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول {لنهدينهم} وقال الضحاك: معنى الآية؛ والذين جاهدوا في الهجرة لنهدينهم سبل الثبات على الإيمان ثم قال: مثل السنة في الدنيا كمثل الجنة في العقبى من دخل الجنة في العقبى سلم كذلك من لزم السنة في الدنيا سلم وقال عبدالله بن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا وهذا يتناول بعموم الطاعة جميع الأقوال ونحوه قول عبدالله بن الزبير قال: تقول الحكمة من طلبني فلم يجدني فليطلبني في موضعين: أن يعمل بأحسن ما يعلمه ويجتنب أسوأ ما يعلمه وقال الحسن بن الفضل: فيه تقديم وتأخير أي الذين هديناهم هم الذين جاهدوا فينا {لنهديهم سبلنا} أي طريق الجنة؛ قاله السدي. النقاش: يوفقهم لدين الحق وقال يوسف بن أسباط: المعنى لنخلصن نياتهم وصدقاتهم وصلواتهم وصيامهم. {وإن الله لمع المحسنين} لام تأكيد ودخلت في {مع} على أحد وجهين: أن يكون اسما ولام التوكيد إنما تدخل على الأسماء أو حرفا فتدخل عليها؛ لأن فيها معنى الاستقرار؛ كما تقول إن زيدا لفي الدار و{مع} إذا سكنت فهي حرف لا غير وإذا فتحت جاز أن تكون اسما وأن تكون حرفا والأكثر أن تكون حرفا جاء لمعنى وتقدم معنى الإحسان والمحسنين في - البقرة- وغيرها وهو سبحانه معهم بالنصرة والمعونة والحفظ والهداية ومع الجميع بالإحاطة والقدرة فبين المعيتين بون.
والمؤمنون الذين جاهدوا أعداء الله، والنفس، والشيطان، وصبروا على الفتن والأذى في سبيل الله، سيهديهم الله سبل الخير، ويثبتهم على الصراط المستقيم، ومَن هذه صفته فهو محسن إلى نفسه وإلى غيره. وإن الله سبحانه وتعالى لمع مَن أحسن مِن خَلْقِه بالنصرة والتأييد والحفظ والهداية.
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا } وهم الذين هاجروا في سبيل اللّه، وجاهدوا أعداءهم، وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته، { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } أي: الطرق الموصلة إلينا، وذلك لأنهم محسنون.
{ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } بالعون والنصر والهداية. دل هذا، على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد، وعلى أن من أحسن فيما أمر به أعانه اللّه ويسر له أسباب الهداية، وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية، خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل اللّه، بل هو أحد نَوْعَي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان، للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين.
تم تفسير سورة العنكبوت بحمد اللّه وعونه.
( والذين جاهدوا فينا ) الذين جاهدوا المشركين لنصرة ديننا ( لنهدينهم سبلنا ) لنثبتنهم على ما قاتلوا عليه . وقيل : لنزيدنهم هدى كما قال : " ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " ( مريم - 76 ) ، وقيل : لنوفقنهم لإصابة الطريق المستقيمة ، والطريق المستقيمة هي التي يوصل بها إلى رضا الله - عز وجل - . قال سفيان بن عيينة : إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور ، فإن الله قال : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) وقيل : المجاهدة هي الصبر على الطاعات . قال الحسن : أفضل الجهاد مخالفة الهوى . وقال الفضيل بن عياض : والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به . وقال سهل بن عبد الله : والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة . وروي عن ابن عباس : والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا . ( وإن الله لمع المحسنين ) بالنصر والمعونة في دنياهم وبالثواب والمغفرة في عقباهم .
(وَالَّذِينَ جاهَدُوا) الواو حرف استئناف ومبتدأ وماض وفاعله (فِينا) متعلقان بالفعل والجملة الفعلية صلة الذين (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) اللام واقعة في جواب القسم المحذوف (نهدينهم) مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والهاء مفعول به أول والفاعل مستتر (سُبُلَنا) مفعول به ثان والجملة جواب القسم المحذوف لا محل لها والقسم وجوابه خبر الذين وجملة الذين.. مستأنفة لا محل لها (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ) الواو حرف استئناف وإن واسمها واللام المزحلقة ومع ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر إن (الْمُحْسِنِينَ) مضاف إليه والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Waallatheena jahadoo feena lanahdiyannahum subulana wainna Allaha lamaAAa almuhsineena
As for those who strive in Us, We surely guide them to Our paths, and lo! Allah is with the good.
Bizim için savaşanları yollarımıza sevk ederiz biz ve şüphe yok ki Allah, elbette beraberdir iyilik edenlerle.
Et quant à ceux qui luttent pour Notre cause, Nous les guiderons certes sur Nos sentiers. Allah est en vérité avec les bienfaisants.
Und diejenigen, die Unseretwegen Dschihad leisteten, werden WIR doch zu Unserem Weg rechtleiten. Und gewiß, ALLAH ist doch mit den Muhsin.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة العنكبوت (Al-Ankabut - The Spider) |
ترتيبها |
29 |
عدد آياتها |
69 |
عدد كلماتها |
982 |
عدد حروفها |
4200 |
معنى اسمها |
(العَنْكَبُوتُ): الأُنْثَى، وَذَكَرُها: عَنْكَبُ، والجَمْعُ: عَنَاكِبُ وعَنَاكِيبُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بضَرْبِ الْمَثَلِ (بِالْعَنْكَبُوتِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (العَنْكَبُوتِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ وَهَنِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِن دُونِ اللهِ تَعَالَى وَبُطْلَانِ فِكْرِهِ وَعَقِيدَتِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ ...٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ ...٦٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْقَصَصِ):لَمَّا خَتَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (الْقَصَصَ) بِالأَمْرِ بِتَوحِيدِ اللهِ تَعَالَى قَائِلاً: ﴿وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ ...٨٨﴾ نَاسَبَ ذَلِكَ افْتِتَاحَ (الْعَنْكَبُوتِ) بِقَولهِ: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢﴾. |