«وما أنتم بمعجزين» ربكم عن إدراككم «في الأرض ولا في السماء» لو كنتم فيها: أي لا تفوتونه «وما لكم من دون الله» أي غيره «من ولي» يمنعكم منه «ولا نصير» ينصركم من عذابه.
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
«فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» عندما بدت لهم آيات اللّه غير المعتادة ، ذهبت عنهم الغفلة «فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ» فعادوا إلى شركهم بعد إخلاصهم للّه.
------------
(65) الفتوحات ج 1 /
208
وقوله : ( وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ) أي : لا يعجزه أحد من أهل سماواته وأرضه ، بل هو القاهر فوق عباده ، وكل شيء خائف منه ، فقير إليه ، وهو الغني عما سواه .
( وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير )
قوله {قل سيروا في الأرض} أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض {فانظروا كيف بدأ الخلق} على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم؛ لتعلموا بذلك كمال قدرة الله {ثم الله ينشئ النشأة الآخرة} وقرأ أبو عمرو وابن كثير النشاءة بفتح الشين وهما لغتان مثل الرأفة والرآفة وشبهه . الجوهري: أنشأه الله خلقه ، والاسم النشأة والنشاءة بالمد عن أبي عمرو بن العلاء {إن الله على كل شيء قدير. يعذب من يشاء} أي بعدله {ويرحم من يشاء} أي بفضله {وإليه تقلبون} ترجعون وتردون. {وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء} قال الفراء: معناه ولا من في السماء بمعجزين الله وهو غامض في العربية؛ للضمير الذي لم يظهر في الثاني وهو كقول حسان: فمن يهجو رسول الله منكم ** ويمدحه وينصره سواء أراد ومن يمدحه وينصره سواء؛ فأضمر من؛ وقال عبدالرحمن بن زيد ونظيره قوله سبحانه {وما منا إلا له مقام معلوم} أي من له والمعنى إن الله لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء إن عصوه وقال قطرب: ولا في السماء لو كنتم فيها كما تقول: لا يفوتني فلان بالبصرة ولا ههنا بمعنى لا يفوتني بالبصرة لو صار إليها وقيل: لا يستطيعون هربا في الأرض ولا في السماء وقال المبرد: والمعنى ولا من في السماء على أن من ليست موصولة ولكن تكون نكرة و{في السماء} صفة لها فأقيمت الصفة مقام الموصوف ورد ذلك علي بن سليمان وقال: لا يجوز وقال: إن "من" إذا كانت نكرة فلا بد من وصفها فصفتها كالصلة ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة؛ قال: والمعنى إن الناس خوطبوا بما يعقلون؛ والمعنى لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله؛ كما قال {ولو كنتم في بروج مشيدة} . {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} ويجوز {نصير}بالرفع على الموضع وتكون {من} زائدة. {والذين كفروا بآيات الله ولقائه} أي بالقرآن أو بما نصب من الأدلة والأعلام. {أولئك يئسوا من رحمتي} أي من الجنة ونسب اليأس إليهم والمعنى أويسوا وهذه الآيات اعتراض من الله تعالى تذكيرا وتحذيرا لأهل مكة. ثم عاد الخطاب إلى قصة إبراهيم فقال {فما كان جواب قومه} حين دعاهم إلى الله {إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه} اتفقوا على تحريقه {فأنجاه الله من النار} أي من إذايتها {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} أي إنجائه من النار العظيمة حتى لم تحرقه بعد ما ألقي فيها {لآيات}. وقراءة العامة {جواب} بنصب الباء على أنه خبر كان و{أن قالوا} في محل الرفع اسم كان وقرأ سالم الأفطس وعمرو بن دينار {جواب} بالرفع على أنه اسم {كان}و{أن} في موضع الخبر نصبا. قوله {وقال} إبراهيم {إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا} وقرأ حفص وحمزة {مودةَ بينكم} وابن كثير وأبو عمرو والكسائي {مودةٌ بينِكم} والأعشى عن أبي بكر عن عاصم وابن وثاب والأعمش {مودة بينَكم} الباقون {مودةُ بينَكم} فأما قراءة ابن كثير ففيها ثلاثة أوجه؛ ذكر الزجاج منها وجهين: أحدهما: أن المودة ارتفعت على خبر إن وتكون {ما} بمعنى الذي والتقدير إن الذي أتخذتموه من دون الله أوثانا مودة بينكم والوجه الآخر أن يكون على إضمار مبتدأ أي وهي مودة أو تلك مودة بينكم والمعنى ألهتكم أو جماعتكم مودة بينكم قال ابن الأنباري {أوثانا} وقف حسن لمن رفع المودة بإضمار ذلك مودة بينكم ومن رفع المودة على أنها خبر إن لم يقف والوجه الثالث الذي لم يذكره أن يكون {مودة} رفعا بالابتداء و{في الحياة الدنيا} خبره؛ فأما إضافة {مودة} إلى {بينكم} فإنه جعل {بينكم} اسما غير ظرف والنحويون يقولون جعله مفعولا على السعة وحكى سيبويه: يا سارق الليلة أهل الدار ولا يجوز أن يضاف إليه وهو ظرف؛ لعلةٍ ليس هذا موضع ذكرها ومن رفع {مودة} ونونها فعلى معنى ما ذكر و{بينكم} بالنصب ظرفا ومن نصب {مودة} ولم ينونها جعلها مفعولة بوقوع الاتخاذ عليها وجعل {إنما} حرفا واحدا ولم يجعلها بمعنى الذي ويجوز نصب المودة على أنه مفعول من أجله كما تقول: جئتك ابتغاء الخير وقصدت فلانا مودة له {بينكم} بالخفض ومن نون {مودة} ونصبها فعلى ما ذكر {بينكم} بالنصب من غير إضافة قال ابن الأنباري: ومن قرأ {مودةً بينكم}و {مودة بينكم} لم يقف على الأوثان ووقف على الحياة الدنيا ومعنى الآية جعلتم الأوثان تتحابون عليها وعلى عبادتها في الحياة الدنيا {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا} تتبرأ الأوثان من عبادها والرؤساء من السفلة كما قال الله عز وجل {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} . {ومأواكم النار وما لكم من ناصرين} هو خطاب لعبدة الأوثان الرؤساء منهم والأتباع وقيل: تدخل فيه الأوثان كقوله {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} .
وما أنتم -أيها الناس- بمعجزي الله في الأرض ولا في السماء إن عصيتموه، وما كان لكم من دون الله مِن وليٍّ يلي أموركم، ولا نصير ينصركم من الله إن أراد بكم سوءًا.
{ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ } أي: يا هؤلاء المكذبون، المتجرؤن على المعاصي، لا تحسبوا أنه مغفول عنكم، أو معجزون للّه في الأرض ولا في السماء، فلا تغرنكم قدرتكم وما زينت لكم أنفسكم وخدعتكم، من النجاة من عذاب الله، فلستم بمعجزين الله في جميع أقطار العالم.
{ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ } يتولاكم، فيحصل لكم مصالح دينكم ودنياكم، { وَلَا نَصِيرٍ } ينصركم، فيدفع عنكم المكاره.
( وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ) فإن قيل : ما وجه قوله : " ولا في السماء " والخطاب مع الآدميين وهم ليسوا في السماء ؟ .
قال الفراء : معناه ولا من في السماء بمعجز ، كقول حسان بن ثابت :
فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء
أراد : من يمدحه ومن ينصره ، فأضمر " من " يريد : لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ، ولا أهل السماء في السماء . وقال قطرب : معناه وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها ، كقول الرجل : ما يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة ، أي : ولا بالبصرة لو كان بها ( وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) أي : من ولي يمنعكم مني ولا نصير ينصركم من عذابي .
(وَما) الواو حرف استئناف (ما) نافية تعمل عمل ليس (أَنْتُمْ) اسمها (بِمُعْجِزِينَ) مجرور بالباء الزائدة لفظا منصوب محلا خبر ما (فِي الْأَرْضِ) متعلقان بمحذوف حال. والجملة مستأنفة لا محل لها.
(وَلا) الواو حرف عطف (لا) نافية (فِي السَّماءِ) معطوف على في الأرض.
(وَ) الواو حرف عطف (ما) نافية (لَكُمْ) متعلقان بمحذوف خبر مقدم (مِنْ دُونِ اللَّهِ) متعلقان بما تعلق به الجار والمجرور قبلهما ولفظ الجلالة مضاف إليه (مِنْ) حرف جر زائد (وَلِيٍّ) مجرور لفظا مرفوع محلا مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها (وَ) الواو حرف عطف (لا) زائدة (نَصِيرٍ) معطوف على ولي.
Traslation and Transliteration:
Wama antum bimuAAjizeena fee alardi wala fee alssamai wama lakum min dooni Allahi min waliyyin wala naseerin
Ye cannot escape (from Him) in the earth or in the sky, and beside Allah there is for you no friend or helper.
Siz onu, ne yeryüzünde aciz bırakabilirsiniz, ne gökyüzünde ve size, Allah'tan başka da ne bir dost var, ne bir yardımcı.
Et vous ne pourrez vous opposer à Sa puissance ni sur terre, ni au ciel; et il n'y a pas pour vous, en dehors d'Allah, ni allié ni secoureur.
Und ihr macht (Ihm) weder auf Erden noch im Himmel zu schaffen. Und ihr habt anstelle von ALLAH weder Wali noch Beistehenden.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة العنكبوت (Al-Ankabut - The Spider) |
ترتيبها |
29 |
عدد آياتها |
69 |
عدد كلماتها |
982 |
عدد حروفها |
4200 |
معنى اسمها |
(العَنْكَبُوتُ): الأُنْثَى، وَذَكَرُها: عَنْكَبُ، والجَمْعُ: عَنَاكِبُ وعَنَاكِيبُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بضَرْبِ الْمَثَلِ (بِالْعَنْكَبُوتِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (العَنْكَبُوتِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ وَهَنِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِن دُونِ اللهِ تَعَالَى وَبُطْلَانِ فِكْرِهِ وَعَقِيدَتِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ ...٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ ...٦٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْقَصَصِ):لَمَّا خَتَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (الْقَصَصَ) بِالأَمْرِ بِتَوحِيدِ اللهِ تَعَالَى قَائِلاً: ﴿وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ ...٨٨﴾ نَاسَبَ ذَلِكَ افْتِتَاحَ (الْعَنْكَبُوتِ) بِقَولهِ: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢﴾. |