«ووصينا الإنسان بوالديه حسناً» أي إيصاء ذات حسن بأن يبرهما «وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به» بإشراكه «علم» موافقة للواقع فلا مفهوم له «فلا تطعهما» في الإشراك «إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون» فأجازيكم به.
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
«فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» عندما بدت لهم آيات اللّه غير المعتادة ، ذهبت عنهم الغفلة «فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ» فعادوا إلى شركهم بعد إخلاصهم للّه.
------------
(65) الفتوحات ج 1 /
208
يقول تعالى آمرا عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد الحث على التمسك بتوحيده ، فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان ، ولهما عليه غاية الإحسان ، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق ; ولهذا قال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ) [ الإسراء : 23 ، 24 ] .
ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما ، في مقابلة إحسانهما المتقدم ، قال : ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) أي : وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين ، فإياك وإياهما ، لا تطعهما في ذلك ، فإن مرجعكم إلي يوم القيامة ، فأجزيك بإحسانك إليهما ، وصبرك على دينك ، وأحشرك مع الصالحين لا في زمرة والديك ، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا ، فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب ، أي : حبا دينيا
قوله {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} نزلت في سعد بن أبي وقاص فيما روى الترمذي قال: أنزلت فيّ أربع آيات فذكر قصة؛ فقالت أم سعد: أليس قد أمر الله بالبر والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر؛ قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها فنزلت هذه الآية {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} الآية قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وروي عن سعد أنه قال: كنت بارا بأمي فأسلمت فقالت: لتدعن دينك أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي ويقال يا قاتل أمه وبقيت يوما ويوما فقلت: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت ونزلت {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} الآية وقال ابن عباس: نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخى أبي جهل لأمه وقد فعلت أمه مثل ذلك وعنه أيضا: نزلت في جميع الأمة إذ لا يصبر على بلاء الله إلا صديق {وحسنا} نصب عند البصريين على التكرير أي ووصيناه حسنا وقيل: هو على القطع تقديره ووصيناه بالحسن كما تقول وصيته خيرا أي بالخير وقال أهل الكوفة: تقديره ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا فيقدر له فعل وقال الشاعر: عجبت من دهماء إذ تشكونا ** ومن أبي دهماء إذا يوصينا خيرا بها كأنما خافونا ** أي يوصينا أن نفعل بها خيرا؛ كقوله {فطفق مسحا} أي يمسح مسحا وقيل: تقديره ووصيناه أمرا ذا حسن فأقيمت الصفة مقام الموصوف وحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقيل: معناه ألزمناه حسنا وقراءة العامة {حسنا}بضم الحاء وإسكان السين وقرأ أبو رجاء وأبو العالية والضحاك: بفتح الحاء والسين وقرأ الجحدري {إحسانا} على المصدر؛ وكذلك في مصحف أُبيّ التقدير: ووصينا الإنسان أن يحسن إحسانا ولا ينتصب بوصينا؛ لأنه قد استوفى مفعوليه. {إلي مرجعكم} وعيد في طاعة الوالدين في معنى الكفر. {فأنبئكم بما كنتم تعملون} كرر تعالى التمثيل بحالة المؤمنين العاملين لتحرك النفوس إلى نيل مراتبهم وقوله {لندخلهم في الصالحين} مبالغة على معنى؛ فالذين هم في نهاية الصلاح وأبعد غاياته وإذا تحصل للمؤمن هذا الحكم تحصل ثمرته وجزاؤه وهو الجنة.
ووصينا الإنسان بوالديه أن يبرهما، ويحسن إليهما بالقول والعمل، وإن جاهداك -أيها الإنسان- على أن تشرك معي في عبادتي، فلا تمتثل أمرهما. ويلحق بطلب الإشراك بالله، سائر المعاصي، فلا طاعة لمخلوق كائنًا من كان في معصية الله سبحانه، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إليَّ مصيركم يوم القيامة، فأخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من صالح الأعمال وسيئها، وأجازيكم عليها.
أي: وأمرنا الإنسان، ووصيناه بوالديه حسنا، أي: ببرهما والإحسان إليهما، بالقول والعمل، وأن يحافظ على ذلك، ولا يعقهما ويسيء إليهما في قوله وعمله.
{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } وليس لأحد علم بصحة الشرك باللّه، وهذا تعظيم لأمر الشرك، { فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فأجازيكم بأعمالكم، فبروا والديكم وقدموا طاعتهما، إلا على طاعة اللّه ورسوله، فإنها مقدمة على كل شيء.
قوله - عز وجل - : ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) أي : برا بهما وعطفا عليهما ، معناه : ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن . نزلت هذه الآية والتي في سورة لقمان ( الآية 15 ) ، والأحقاف ( الآية 15 ) في سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري ، وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس - لما أسلم ، وكان من السابقين الأولين ، وكان بارا بأمه ، قالت له أمه : ما هذا الدين الذي أحدثت ؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه ، أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر ، ويقال : يا قاتل أمه . ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل ، فأصبحت قد جهدت ، ثم مكثت يوما آخر لم تأكل ولم تشرب ، فجاء سعد إليها وقال : يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي ، فلما أيست منه أكلت وشربت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمره بالبر بوالديه والإحسان إليهما وأن لا يطيعهما في الشرك ، فذلك قوله - عز وجل - : ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) . وجاء في الحديث : " لا طاعة لمخلوق في معصية الله " . ثم أوعد بالمصير إليه فقال : ( إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها .
(وَوَصَّيْنَا) ماض وفاعله (الْإِنْسانَ) مفعوله والجملة مستأنفة لا محل لها (بِوالِدَيْهِ) متعلقان بالفعل (حُسْناً) صفة لمفعول مطلق محذوف (وَ) الواو حرف عطف (إِنْ) شرطية جازمة (جاهَداكَ) ماض وفاعله ومفعوله والجملة ابتدائية لا محل لها (لِتُشْرِكَ) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والمصدر المؤول من أن وما بعدها في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بما قبلهما (بِي) متعلقان بالفعل (ما) مفعول به (لَيْسَ) ماض ناقص (لَكَ) متعلقان بالخبر المحذوف (بِهِ) متعلقان بالفعل (عِلْمٌ) اسم ليس المؤخر والجملة صلة ما لا محل لها (فَلا تُطِعْهُما) الفاء رابطة ومضارع مجزوم بلا والهاء مفعوله والفاعل مستتر والجملة في محل جزم جواب الشرط (إِلَيَّ) متعلقان بمحذوف خبر مقدم (مَرْجِعُكُمْ) مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة لا محل لها (فَأُنَبِّئُكُمْ) مضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها (بِما) متعلقان بالفعل (كُنْتُمْ) كان واسمها (تَعْمَلُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة خبر كنتم وجملة كنتم.. صلة ما.
Traslation and Transliteration:
Wawassayna alinsana biwalidayhi husnan wain jahadaka litushrika bee ma laysa laka bihi AAilmun fala tutiAAhuma ilayya marjiAAukum faonabbiokum bima kuntum taAAmaloona
We have enjoined on man kindness to parents; but if they strive to make thee join with Me that of which thou hast no knowledge, then obey them not. Unto Me is your return and I shall tell you what ye used to do.
Ve insana, anasına babasına iyilikte bulunmasını tavsiye ettik ve senin bir bilgin olmayan birşeyi bana eş tutman için seninle çekişirlerse artık itaat etme onlara; dönüp geleceğiniz yer, benim tapımdır, neler yaptıysanız size ben haber vereceğim.
Et Nous avons enjoint à l'homme de bien traiter ses père et mère, et «si ceux-ci te forcent à M'associer, ce dont tu n'as aucun savoir, alors ne leur obéis pas». Vers Moi est votre retour, et alors Je vous informerai de ce que vous faisiez.
Und WIR wiesen dem Menschen zu, seinen Eltern Ihsan zu erweisen. Und sollten sie dich bedrängen, damit du Mir gegenüber Schirk betreibst, worüber du kein Wissen hast, dann gehorche ihnen nicht! Zu Mir ist eure Rückkehr, dann werde ICH euch Mitteilung über das machen, was ihr zu tun pflegtet.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة العنكبوت (Al-Ankabut - The Spider) |
ترتيبها |
29 |
عدد آياتها |
69 |
عدد كلماتها |
982 |
عدد حروفها |
4200 |
معنى اسمها |
(العَنْكَبُوتُ): الأُنْثَى، وَذَكَرُها: عَنْكَبُ، والجَمْعُ: عَنَاكِبُ وعَنَاكِيبُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بضَرْبِ الْمَثَلِ (بِالْعَنْكَبُوتِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (العَنْكَبُوتِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ وَهَنِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِن دُونِ اللهِ تَعَالَى وَبُطْلَانِ فِكْرِهِ وَعَقِيدَتِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ ...٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ ...٦٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْقَصَصِ):لَمَّا خَتَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (الْقَصَصَ) بِالأَمْرِ بِتَوحِيدِ اللهِ تَعَالَى قَائِلاً: ﴿وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ ...٨٨﴾ نَاسَبَ ذَلِكَ افْتِتَاحَ (الْعَنْكَبُوتِ) بِقَولهِ: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢﴾. |