«أمَّن يبدأ الخلق» في الأرحام من نطفة «ثم يعيده» بعد الموت وإن لم تعترفوا بالإعادة لقيام البراهين عليها «ومن يرزقكم من السماء» بالمطر «والأرض» بالنبات «أَإِله مع الله» أي لا يفعل شيئاً مما ذكر إلا الله ولا إله معه «قل» يا محمد «هاتوا برهانكم» حجتكم «إن كنتم صادقين» أن معي إلهاً فعل شيئاً مما ذكر، وسألوه عن وقت قيام الساعة فنزل:
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
اعلم أن التالي إنما سمي تاليا لتتابع الكلام بعضه بعضا ، وتتابعه يقضي عليه بحرف الغاية ، وهما من وإلى ، فينزل من كذا إلى كذا ، ولما كان القلب من العالم الأعلى قال تعالى فيه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) وكان اللسان من العالم الأنزل ، والحرف من عالم اللسان ،
ففصل اللسان الآيات وتلا بعضها بعضا ، فيسمى الإنسان تاليا من حيث لسانه ، فإنه المفصل لما أنزل مجملا .
------------
(92) الفتوحات ج 3 /
94
أي : هو الذي بقدرته وسلطانه يبدأ الخلق ثم يعيده ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : ( إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد ) [ البروج : 12 ، 13 ] ، وقال ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) [ الروم : 27 ] .
( ومن يرزقكم من السماء والأرض ) أي : بما ينزل من مطر السماء ، وينبت من بركات الأرض ، كما قال : ( والسماء ذات الرجع . والأرض ذات الصدع ) [ الطارق : 11 ، 12 ] ، وقال ( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ) [ الحديد : 4 ] ، فهو ، تبارك وتعالى ، ينزل من السماء ماء مباركا فيسكنه في الأرض ، ثم يخرج به [ منها ] أنواع الزروع والثمار والأزاهير ، وغير ذلك من ألوان شتى ، ( كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى ) [ طه : 54 ] ; ولهذا قال : ( أإله مع الله ) أي : فعل هذا . وعلى القول الآخر : يعبد ؟ ( قل هاتوا برهانكم ) على صحة ما تدعونه من عبادة آلهة أخرى ، ( إن كنتم صادقين ) في ذلك ، وقد علم أنه لا حجة لهم ولا برهان ، كما قال [ الله ] : ( ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ) [ المؤمنون : 117 ] .
قوله تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى}قال الفراء : قال أهل المعاني : قيل للوط {قل الحمد لله}على هلاكهم. وخالف جماعة من العلماء الفراء في هذا وقالوا : هو مخاطبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي قل الحمد لله على هلاك كفار الأمم الخالية. قال النحاس : وهذا أولى، لأن القرآن منزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما فيه فهو مخاطب به عليه السلام إلا ما لم يصح معناه إلا لغيره. وقيل : المعنى؛ أي {قل}يا محمد {الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى}يعني أمته عليه السلام. قال الكلبي : اصطفاهم الله بمعرفته وطاعته. وقال ابن عباس وسفيان : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته وقدرته على كل شيء وحكمته، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده. وفيه تعليم حسن، وتوقيف على أدب جميل، وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما، والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين، وإصغائهم إليه، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع. ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب، فحمدوا الله وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد، وقبل كل عظة وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني، وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن. +قوله {الذين اصطفى}اختار؛ أي لرسالته وهم الأنبياء عليهم السلام؛ دليله قوله {وسلام على المرسلين} 37@ 181 . {آلله خير أما يشركون}وأجاز أبو حاتم {أألله خير}بهمزتين. النحاس : ولا نعلم أحدا تابعه على ذلك؛ لأن هذه المدة إنما جيء بها فرقا بين الاستفهام والخبر، وهذه ألف التوقيف، و{خير}ههنا ليس بمعنى أفضل منك، وإنما هو مثل قول الشاعر : أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء فالمعنى فالذي فيه الشر منكما للذي فيه الخير الفداء. ولا يجوز أن يكون بمعنى من لأنك إذا قلت : فلان شر من فلان ففي كل واحد منهما شر. وقيل : المعنى؛ الخير في هذا أم في هذا الذي تشركونه في العبادة! وحكى سيبويه : السعادة أحب إليك أم الشقاء؛ وهو يعلم أن السعادة أحب إليه. وقيل : هو على بابه من التفضيل، والمعنى : آلله خير أم ما تشركون؛ أي أثوابه خير أم عقاب ما تشركون. وقيل : قال لهم ذلك؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن في عبادة الأصنام خير فخاطبهم الله عز وجل على اعتقادهم. وقيل : اللفظ لفظ الاستفهام ومعناه الخبر. وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب}يشركون}بياء على الخبر. الباقون بالتاء على الخطاب، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه الآية يقول : (بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم ( +قوله {أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء}قال أبو حاتم : تقديره؛ آلهتكم خير أم من خلق السماوات والأرض؛ وقد تقدم. ومعناه : قدر على خلقهن. وقيل : المعنى؛ أعبادة ما تعبدون من أوثانكم خير أم عبادة من خلق السماوات والأرض؟ فهو مردود على ما قبله من المعنى؛ وفيه معنى التوبيخ لهم، والتنبيه على قدرة الله عز وجل وعجز آلهتهم. {فأنبتنا به حدائق ذات بهجة}الحديقة البستان الذي عليه حائط. والبهجة المنظر الحسن. قال الفراء : الحديقة البستان المحظر عليه حائط، وإن لم يكن عليه حائط فهو البستان وليس بحديقة. وقال قتادة وعكرمة : الحدائق النخل ذات بهجة، والبهجة الزينة والحسن؛ يبهج به من رآه. {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها}{ما}للنفي. ومعناه الحظر والمنع من فعل هذا؛ أي ما كان للبشر، ولا يتهيأ لهم، ولا يقع تحت قدرتهم، أن ينبتوا شجرها؛ إذ هم عجزة عن مثلها، لأن ذلك إخراج الشيء من العدم إلى الوجود. قلت : وقد يستدل من هذا على منع تصوير شيء سواء كان له روح أم لم يكن؛ وهو قول مجاهد. ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم : (قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة) ""رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة""؛ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (قال الله عز وجل) فذكره؛ فعم بالذم والتهديد والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله وضاهاه في التشبيه في خلقه فيما انفرد به سبحانه من الخلق والاختراع هذا واضح. وذهب الجمهور إلى أن تصوير ما ليس فيه روح يجوز هو والاكتساب به. وقد قال ابن عباس للذي سأل أن يصنع الصور : إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له خرجه مسلم أيضا. والمنع أولى والله أعلم لما ذكرنا. وسيأتي لهذا مزيد بيان في سبأ إن شاء الله تعالى ثم قال على جهة التوبيخ}أإله مع الله}أي هل معبود مع الله يعينه على ذلك. {بل هم قوم يعدلون}بالله غيره. وقيل {يعدلون}عن الحق والقصد؛ أي يكفرون. وقيل {إله}مرفوع بـ {مع}تقديره : أمع الله ويلكم إله. والوقف على {مع الله}حسن. +قوله {أمن جعل الأرض قرارا}أي مستقرا. {وجعل خلالها أنهارا}أي وسطها مثل }وفجرنا خلالهما نهرا} 18@ 33 . {وجعل لها رواسي}يعني جبالا ثوابت تمسكها وتمنعها من الحركة. {وجعل بين البحرين حاجزا}مانعا من قدرته لئلا يختلط الأجاج بالعذب. وقال ابن عباس : سلطانا من قدرته فلا هذا يغير ذاك ولا ذاك يغير هذا. والحجز المنع. {أإله مع الله}أي إذا ثبت أنه لا يقدر على هذا غيره فلم يعبدون ما لا يضر ولا ينفع. {بل أكثرهم لا يعلمون}يعني كأنهم يجهلون الله فلا يعلمون ما يجب له من الوحدانية.
واسألهم من الذي ينشئ الخلق ثم يفنيه إذا شاء، ثم يعيده، ومَن الذي يرزقكم من السماء بإنزال المطر، ومن الأرض بإنبات الزرع وغيره؟ أمعبود سوى الله يفعل ذلك؟ قل: هاتوا حجتكم إن كنتم صادقين في زعمكم أن لله تعالى شريكًا في ملكه وعبادته.
أي: من هو الذي يبدأ الخلق وينشئ المخلوقات ويبتدئ خلقها، ثم يعيد الخلق يوم البعث والنشور؟ ومن يرزقكم من السماء والأرض بالمطر والنبات؟.
{ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ } يفعل ذلك ويقدر عليه؟ { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ } أي: حجتكم ودليلكم على ما قلتم { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وإلا فبتقدير أنكم تقولون: إن الأصنام لها مشاركة له في شيء من ذلك فذلك مجرد دعوى صدقوها بالبرهان، وإلا فاعرفوا أنكم مبطلون لا حجة لكم، فارجعوا إلى الأدلة اليقينية والبراهين القطعية الدالة على أن الله هو المتفرد بجميع التصرفات وأنه المستحق أن تصرف له جميع أنواع العبادات.
( أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ) بعد الموت ، ( ومن يرزقكم من السماء والأرض ) أي : من السماء المطر ومن الأرض النبات . ( أإله مع الله قل هاتوا برهانكم ) حجتكم على قولكم أن مع الله إلها آخر . ( إن كنتم صادقين )
(أَمَّنْ يَبْدَؤُا) تقدم إعرابها ومضارع فاعله مستتر (الْخَلْقَ) مفعول به والجملة صلة من (ثُمَّ يُعِيدُهُ) ثم حرف عطف ومضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها.
(وَمَنْ) الواو حرف عطف ومن معطوفة على ما قبلها (يَرْزُقُكُمْ) مضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة صلة من (مِنَ السَّماءِ) متعلقان بالفعل (وَالْأَرْضِ) معطوفة على السماء (أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ) تقدم إعرابها (قُلْ) أمر فاعله مستتر والجملة مستأنفة لا محل لها (هاتُوا) أمر وفاعله (بُرْهانَكُمْ) مفعول به والجملة مقول القول (إِنْ كُنْتُمْ) إن حرف شرط جازم وكان واسمها (صادِقِينَ) خبرها والجملة ابتدائية لا محل لها، وجواب الشرط محذوف.
Traslation and Transliteration:
Amman yabdao alkhalqa thumma yuAAeeduhu waman yarzuqukum mina alssamai waalardi ailahun maAAa Allahi qul hatoo burhanakum in kuntum sadiqeena
Is not He (best) Who produceth creation, then reproduceth it, and Who provideth for you from the heaven and the earth? Is there any Allah beside Allah? Say: Bring your proof, if ye are truthful!
Yoksa daima halkı yaratıp duran, sonra da yeniden halkeden ve sizi, gökten ve yeryüzünden rızıklandıran mı hayırlı? Allah'la beraber bir başka mabut var mı? De ki: Gösterin delillerinizi doğru söylüyorsanız.
N'est-ce pas Lui qui commence la création, puis la refait, et qui vous nourrit du ciel et de la terre. Y a-t-il donc une divinité avec Allah? Dis: «Apportez votre preuve, si vous êtes véridiques!»
Ist Derjenige, Der das Erschaffen beginnt, dann es wiederholt, und Der euch Rizq von dem Himmel und der Erde gewährt, (besser oder euer Schirk)?! Gibt es etwa eine Gottheit neben ALLAH?! Sag: "Bringt euren Beweis, solltet ihr wahrhaftig sein."
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النمل (An-Naml - The Ant) |
ترتيبها |
27 |
عدد آياتها |
93 |
عدد كلماتها |
1165 |
عدد حروفها |
4679 |
معنى اسمها |
(النَّمْلُ): الْحَشَرَةُ المَعْرُوفَةُ، وَالْوَاحِدَةُ (نَمْلَةٌ) |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذكر قِصَّةِ النَّمْلَةِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النَّمْلِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الهُدْهُدِ)، وَسُورَةَ (سُلَيمَانَ عليه السلام)، وَسُورَةَ: ﴿طسٓۚ﴾ |
مقاصدها |
ذِكْرُ نِعْمَةِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا تَمَيَّزَ بِهِ كُلُّ نَبِيٍّ مِن مُعْجِزَاتٍ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُذكَرْ لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ وَلا لِبَعضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النَّمل) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُهِمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَبْلِيغِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ ...٩٢﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النَّمْلِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الشُّعَرَاءِ): خُتِمَتِ (الشُّعَراءُ) بِصِفَاتِ المُؤمِنِيْن؛ فَقَالَ: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ...٢٢٧﴾، وافْتُتِحَتِ (النَّمْلُ) بِصِفَاتِهِمْ؛ فقال: ﴿ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٣﴾. |