«فتلك بيوتهم خاوية» أي خالية ونصبه على الحال والعامل معنى الإشارة «بما ظلموا» بظلمهم أي كفرهم «إن في ذلك لآية» لعبرة «لقوم يعلمون» قدرتنا فيتعظون.
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
اعلم أن التالي إنما سمي تاليا لتتابع الكلام بعضه بعضا ، وتتابعه يقضي عليه بحرف الغاية ، وهما من وإلى ، فينزل من كذا إلى كذا ، ولما كان القلب من العالم الأعلى قال تعالى فيه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) وكان اللسان من العالم الأنزل ، والحرف من عالم اللسان ،
ففصل اللسان الآيات وتلا بعضها بعضا ، فيسمى الإنسان تاليا من حيث لسانه ، فإنه المفصل لما أنزل مجملا .
------------
(92) الفتوحات ج 3 /
94
وقوله : ( قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ) أي : تحالفوا وتبايعوا على قتل نبي الله صالح ، عليه السلام ، من لقيه ليلا غيلة . فكادهم الله ، وجعل الدائرة عليهم .
قال مجاهد : تقاسموا وتحالفوا على هلاكه ، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعين .
وقال قتادة : توافقوا على أن يأخذوه ليلا فيقتلوه ، وذكر لنا أنهم بينما هم معانيق إلى صالح ليفتكوا به ، إذ بعث الله عليهم صخرة فأهمدتهم .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : هم الذين عقروا الناقة ، قالوا حين عقروها : نبيت صالحا [ وأهله ] وقومه فنقتلهم ، ثم نقول لأولياء صالح : ما شهدنا من هذا شيئا ، وما لنا به من علم . فدمرهم الله أجمعين .
وقال محمد بن إسحاق : قال هؤلاء التسعة بعدما عقروا الناقة : هلم فلنقتل صالحا ، فإن كان صادقا عجلناه قبلنا ، وإن كان كاذبا كنا قد ألحقناه بناقته! فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة ، فلما أبطؤوا على أصحابهم ، أتوا منزل صالح ، فوجدوهم منشدخين قد رضخوا بالحجارة ، فقالوا لصالح : أنت قتلتهم ، ثم هموا به ، فقامت عشيرته دونه ، ولبسوا السلاح ، وقالوا لهم : والله لا تقتلونه أبدا ، وقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث ، فإن كان صادقا فلا تزيدوا ربكم عليكم غضبا ، وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون . فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : لما عقروا الناقة وقال لهم صالح : ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ) [ هود : 65 ] قالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاثة أيام ، فنحن نفرغ منه وأهله قبل ثلاث . وكان لصالح مسجد في الحجر عند شعب هناك يصلي فيه ، فخرجوا إلى كهف ، أي : غار هناك ليلا فقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ، ففرغنا منهم . فبعث الله صخرة من الهضب حيالهم ، فخشوا أن تشدخهم فتبادروا فانطبقت عليهم الصخرة وهم في ذلك الغار ، فلا يدري قومهم أين هم ، ولا يدرون ما فعل بقومهم . فعذب الله هؤلاء هاهنا ، وهؤلاء هاهنا
قوله تعالى: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون} مكرهم ما روي أن هؤلاء التسعة لما كان في صدر الثلاثة الأيام بعد عقر الناقة، وقد أخبرهم صالح بمجيء العذاب، اتفقوا وتحالفوا على أن يأتوا دار صالح ليلا ويقتلوه وأهله المختصين به؛ قالوا : فإذا كان كاذبا في وعيده أوقعنا به ما يستحق، وإن كان صادقا كنا عجلناه قبلنا، وشفينا نفوسنا؛ قال مجاهد وغيره. قال ابن عباس : أرسل الله تعالى الملائكة تلك الليلة، فامتلأت بهم دار صالح، فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم، فقتلهم الملائكة رضخا بالحجارة فيرون الحجارة ولا يرون من يرميها. وقال قتادة : خرجوا مسرعين إلى صالح، فسلط عليهم ملك بيده صخرة فقتلهم. وقال السدي : نزلوا على جرف من الأرض، فانهار بهم فأهلكهم الله تحته. وقيل : اختفوا في غار قريب من دار صالح، فانحدرت عليهم صخرة شدختهم جميعا، فهذا ما كان من مكرهم. ومكر الله مجازاتهم على ذلك. {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} أي بالصيحة التي أهلكتهم. وقد قيل : إن هلاك الكل كان بصيحة جبريل. والأظهر أن التسعة هلكوا بعذاب مفرد؛ ثم هلك الباقون بالصيحة والدمدمة. وكان الأعمش والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وحمزة والكسائي يقرؤون {أنا} بالفتح؛ وقال ابن الأنباري : فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على {عاقبة مكرهم} لأن {أنا دمرناهم} خبر كان. ويجوز أن تجعلها في موضع رفع على الإتباع للعاقبة. ويجوز أن تجعلها في موضع نصب من قول الفراء، وخفض من قول الكسائي على معنى : بأنا دمرناهم ولأنا دمرناهم. ويجوز أن تجعلها في موضع نصب على الإتباع لموضع {كيف} فمن هذه المذاهب لا يحسن الوقف على {مكرهم}. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {إنا دمرناهم} بكسر الألف على الاستئناف؛ فعلى هذا المذهب يحسن الوقف على {مكرهم}. قال النحاس : ويجوز أن تنصب {عاقبة} على خبر {كان} ويكون {إنا} في موضع رفع على أنها اسم {كان}. ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ تبيينا للعاقبة؛ والتقدير: هي إنا دمرناهم؛ قال أبو حاتم : وفي حرف أُبَي {أن دمرناهم} تصديقا لفتحها. قوله تعالى: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا} قراءة العامة بالنصب على الحال عند الفراء والنحاس؛ أي خالية عن أهلها خرابا ليس بها ساكن. وقال الكسائي وأبو عبيدة{خاوية} نصب على القطع؛ مجازه : فتلك بيوتهم الخاوية، فلما قطع منها الألف واللام نصب على الحال؛ كقوله {وله الدين واصبا} النحل 52 . وقرأ عيسى بن عمر ونصر بن عاصم والجحدري : بالرفع على أنها خبر عن {تلك} و{بيوتهم} بدل من {تلك}. ويجوز أن تكون {بيوتهم} عطف بيان و{خاوية} خبر عن {تلك}. ويجوز أن يكون رفع {خاوية}على أنها خبر ابتداء محذوف؛ أي هي خاوية، أو بدل من {بيوتهم} لأن النكرة تبدل من المعرفة. {إن في ذلك لآية لقوم يعلمون. وأنجينا الذين آمنوا} بصالح {وكانوا يتقون} الله ويخافون عذابه. قيل : آمن بصالح قدر أربعة آلاف رجل. والباقون خرج بأبدانهم - في قول مقاتل وغيره - خراج مثل الحمص؛ وكان في اليوم الأول أحمر، ثم صار من الغد أصفر، ثم صار في الثالث أسود. وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، وهلاكهم يوم الأحد. قال مقاتل : فقعت تلك الخراجات، وصاح جبريل بهم خلال ذلك صيحة فخمدوا، وكان ذلك ضحوة. وخرج صالح بمن آمن معه إلى حضرموت؛ فلما دخلها مات صالح؛ فسميت حضرموت. قال الضحاك : ثم بنى الأربعة الآلاف مدينة يقال لها حاضورا؛ على ما تقدم بيانه في قصة أصحاب الرس.
فتلك مساكنهم خالية ليس فيها منهم أحد، أهلكهم الله؛ بسبب ظلمهم لأنفسهم بالشرك، وتكذيب نبيهم. إن في ذلك التدمير والإهلاك لَعظة لقوم يعلمون ما فعلناه بهم، وهذه سنتنا فيمن يكذب المرسلين.
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً قد تهدمت جدرانها على سقوفها وأوحشت من ساكنيها وعطلت من نازليها بِمَا ظَلَمُوا أي هذا عاقبة ظلمهم وشركهم بالله وبغيهم في الأرض
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ الحقائق ويتدبرون وقائع الله في أوليائه وأعدائه فيعتبرون بذلك ويعلمون أن عاقبة الظلم الدمار والهلاك وأن عاقبة الإيمان والعدل النجاة والفوز
( فتلك بيوتهم خاوية ) نصب على الحال أي : خالية ، ( بما ظلموا ) أي : بظلمهم وكفرهم ، ( إن في ذلك لآية ) لعبرة ، ( لقوم يعلمون ) قدرتنا .
(فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ) الفاء استئنافية وتلك مبتدأ بيوتهم خبر والهاء مضاف إليه (خاوِيَةً) حال والجملة مستأنفة (بِما) الباء للسببية وما مصدرية وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر متعلقان بخاوية (ظَلَمُوا) ماض وفاعل (إِنَّ) حرف مشبه بالفعل (فِي ذلِكَ) حرف الجر واسم الإشارة متعلقان بخبر إن المقدم (لَآيَةً) اللام المزحلقة وآية اسم إن (لِقَوْمٍ) متعلقان بمحذوف صفة لآية (يَعْلَمُونَ) الجملة في محل جر صفة قوم وجملة إن واسمها وخبرها مستأنفة
Traslation and Transliteration:
Fatilka buyootuhum khawiyatan bima thalamoo inna fee thalika laayatan liqawmin yaAAlamoona
See, yonder are their dwellings empty and in ruins because they did wrong. Lo! herein is indeed a portent for a people who have knowledge.
İşte zulümleri yüzünden bomboş kalmış evleri; şüphe yok ki bunda, bilen topluluğa bir delil var.
Voilà donc leurs maisons désertes à cause de leurs méfaits. C'est bien là un avertissement pour des gens qui savent.
Und diese ihre Wohnstätten sind leer wegen dem, womit sie Unrecht begingen. Gewiß, darin ist doch eine Aya für Leute, die wissen.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النمل (An-Naml - The Ant) |
ترتيبها |
27 |
عدد آياتها |
93 |
عدد كلماتها |
1165 |
عدد حروفها |
4679 |
معنى اسمها |
(النَّمْلُ): الْحَشَرَةُ المَعْرُوفَةُ، وَالْوَاحِدَةُ (نَمْلَةٌ) |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذكر قِصَّةِ النَّمْلَةِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النَّمْلِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الهُدْهُدِ)، وَسُورَةَ (سُلَيمَانَ عليه السلام)، وَسُورَةَ: ﴿طسٓۚ﴾ |
مقاصدها |
ذِكْرُ نِعْمَةِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا تَمَيَّزَ بِهِ كُلُّ نَبِيٍّ مِن مُعْجِزَاتٍ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُذكَرْ لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ وَلا لِبَعضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النَّمل) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُهِمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَبْلِيغِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ ...٩٢﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النَّمْلِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الشُّعَرَاءِ): خُتِمَتِ (الشُّعَراءُ) بِصِفَاتِ المُؤمِنِيْن؛ فَقَالَ: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ...٢٢٧﴾، وافْتُتِحَتِ (النَّمْلُ) بِصِفَاتِهِمْ؛ فقال: ﴿ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٣﴾. |