«قال نكّروا لها عرشها» أي غيروه إلى حال تنكره إذا رأته «ننظر أتهتدي» إلى معرفته «أم تكون من الذين لا يهتدون» إلى معرفة ما يغيّر عليهم قصد بذلك اختبار عقلها لما قيل إن فيه شيئاً فغيروه بزيادة أو نقص وغير ذلك.
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
اعلم أن التالي إنما سمي تاليا لتتابع الكلام بعضه بعضا ، وتتابعه يقضي عليه بحرف الغاية ، وهما من وإلى ، فينزل من كذا إلى كذا ، ولما كان القلب من العالم الأعلى قال تعالى فيه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) وكان اللسان من العالم الأنزل ، والحرف من عالم اللسان ،
ففصل اللسان الآيات وتلا بعضها بعضا ، فيسمى الإنسان تاليا من حيث لسانه ، فإنه المفصل لما أنزل مجملا .
------------
(92) الفتوحات ج 3 /
94
لما جيء سليمان ، عليه السلام ، بعرش بلقيس قبل قدومها ، أمر به أن يغير بعض صفاته ، ليختبر معرفتها وثباتها عند رؤيته ، هل تقدم على أنه عرشها أو أنه ليس به ، فقال : ( نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ) .
قال ابن عباس : نزع عنه فصوصه ومرافقه .
وقال مجاهد : أمر به فغير ما كان أحمر جعل أصفر ، وما كان أصفر جعل أحمر : وما كان أخضر جعل أحمر ، غير كل شيء عن حاله .
وقال عكرمة : زادوا فيه ونقصوا .
[ وقال قتادة : جعل أسفله أعلاه ومقدمه مؤخره ، وزادوا فيه ونقصوا ] .
قوله تعالى: {قال نكروا لها عرشها} أي غيروه. قيل : جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه. وقيل : غيّر بزيادة أو نقصان. قال الفراء وغيره : إنما أمر بتنكيره لأن الشياطين قالوا له: إن في عقلها شيئا فأراد أن يمتحنها. وقيل : خافت الجن أن يتزوج بها سليمان فيولد له منها ولد فيبقون مسخرين لآل سليمان أبدا، فقالوا لسليمان : إنها ضعيفة العقل، ورجلها كرجل الحمار؛ فقال {نكروا لها عرشها} لنعرف عقلها. وكان لسليمان ناصح من الجن، فقال كيف لي أن أرى قدميها من غير أن أسألها كشفها؟ فقال : أنا أجعل في هذا القصر ماء، وأجعل فوق الماء زجاجا، تظن أنه ماء فترفع ثوبها فترى قدميها؛ فهذا هو الصرح الذي أخبر الله تعالى عنه. قوله تعالى: {فلما جاءت} يريد بلقيس، {قيل} لها {أهكذا عرشك قالت كأنه هو} شبهته به لأنها خلفته تحت الأغلاق، فلم تقر بذلك ولم تنكر، فعلم سليمان كمال عقلها. قال عكرمة : كانت حكيمة فقالت {كأنه هو}. وقال مقاتل : عرفته ولكن شبهت عليهم كما شبهوا عليها؛ ولو قيل لها : أهذا عرشك لقالت نعم هو؛ وقاله الحسن بن الفضل أيضا. وقيل : أراد سليمان أن يظهر لها أن الجن مسخرون له، وكذلك الشياطين لتعرف أنها نبوة وتؤمن به. وقد قيل هذا في مقابلة تعميتها الأمر في باب الغلمان والجواري. {وأوتينا العلم من قبلها} قيل: هو من قول بلقيس؛ أي أوتينا العلم بصحة نبوة سليمان من قبل هذه الآية في العرش {وكنا مسلمين} منقادين لأمره. وقيل : هو من قول سليمان أي أوتينا العلم بقدرة الله على ما يشاء من قبل هذه المرة. وقيل {وأوتينا العلم} بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها. وقيل : هو من كلام قوم سليمان. والله أعلم. قوله تعالى: {وصدها ما كانت تعبد من دون الله} الوقف على {من دون الله} حسن؛ والمعنى : منعها من أن تعبد الله ما كانت تعبد من الشمس والقمر فـ {ما} في موضع رفع. النحاس : المعنى؛ أي صدها عبادتها من دون الله وعبادتها إياها عن أن تعلم ما علمناه عن أن تسلم. ويجوز أن يكون {ما} في موضع نصب، ويكون التقدير : وصدها سليمان عما كانت تعبد من دون الله؛ أي حال بينها وبينه. ويجوز أن يكون المعنى : وصدها الله؛ أي منعها الله عن عبادتها غيره فحذفت {عن} وتعدى الفعل. نظيره {واختار موسى قومه} الأعراف 155 أي من قومه. وأنشد سيبويه : ونبئت عبد الله بالجو أصبحت ** كراما مواليها لئيما صميمها وزعم أن المعنى عنده نبئت عن عبد الله. {إنها كانت من قوم كافرين} قرأ سعيد بن جبير{أنها} بفتح الهمزة، وهي في موضع نصب بمعنى، لأنها. ويجوز أن يكون بدلا من {ما}فيكون في موضع رفع إن كانت {ما} فاعلة الصد. والكسر على الاستئناف.
قال سليمان لمن عنده: غيِّروا سرير ملكها الذي تجلس عليه إلى حال تنكره إذا رأته؛ لنرى أتهتدي إلى معرفته أم تكون من الذين لا يهتدون؟
ثم قال لمن عنده: نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا أي: غيروه بزيادة ونقص، ونحو ذلك نَنْظُرْ مختبرين لعقلها أَتَهْتَدِي للصواب ويكون عندها ذكاء وفطنة تليق بملكها أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ .
قوله تعالى : ( قال نكروا لها عرشها ) يقول : غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته ، قال قتادة ومقاتل : هو أن يزاد فيه وينقص ، وروي أنه جعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله ، وجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر ) ( ننظر أتهتدي ) إلى عرشها فتعرفه ) ( أم تكون من ) الجاهلين ) ( الذين لا يهتدون ) إليه ، وإنما حمل سليمان على ذلك كما ذكره وهب ومحمد بن كعب وغيرهما : أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أسرار الجن وذلك أن أمها كانت جنية ، وإذا ولدت له ولدا لا ينفكون من تسخير سليمان وذريته من بعده ، فأساؤا الثناء عليها ليزهدوه فيها ، وقالوا : إن في عقلها شيئا وإن رجلها كحافر الحمار وأنها شعراء الساقين فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح .
(قالَ) الجملة مستأنفة (نَكِّرُوا) الجملة مقول القول (لَها) متعلقان بنكروا (عَرْشَها) مفعول به أي غيروه والجملة مقول القول (نَنْظُرْ) مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب وقرىء بالرفع على الاستئناف (أَتَهْتَدِي) الهمزة للاستفهام والمضارع مرفوع فاعله مستتر والجملة مفعول به لننظر (أَمْ) عاطفة (تَكُونُ) مضارع ناقص والجملة معطوفة على تهتدي واسمها محذوف (مِنَ الَّذِينَ) متعلقان بمحذوف خبر (لا يَهْتَدُونَ) لا نافية والمضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صلة.
Traslation and Transliteration:
Qala nakkiroo laha AAarshaha nanthur atahtadee am takoonu mina allatheena la yahtadoona
He said: Disguise her throne for her that we may see whether she will go aright or be of those not rightly guided.
Süleyman, tahtının şeklini değiştirin dedi, bakalım tanıyacak mı, tanımıyacak mı?
Et il dit [encore]: «Rendez-lui son trône méconnaissable, nous verrons alors si elle sera guidée ou si elle est du nombre de ceux qui ne sont pas guidés».
Er sagte: "Macht ihr ihren Thron unkenntlich, damit wir sehen, ob sie ihn erkennt, oder ob sie von denjenigen ist, die keine Rechtleitung finden?"
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النمل (An-Naml - The Ant) |
ترتيبها |
27 |
عدد آياتها |
93 |
عدد كلماتها |
1165 |
عدد حروفها |
4679 |
معنى اسمها |
(النَّمْلُ): الْحَشَرَةُ المَعْرُوفَةُ، وَالْوَاحِدَةُ (نَمْلَةٌ) |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذكر قِصَّةِ النَّمْلَةِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النَّمْلِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الهُدْهُدِ)، وَسُورَةَ (سُلَيمَانَ عليه السلام)، وَسُورَةَ: ﴿طسٓۚ﴾ |
مقاصدها |
ذِكْرُ نِعْمَةِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا تَمَيَّزَ بِهِ كُلُّ نَبِيٍّ مِن مُعْجِزَاتٍ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُذكَرْ لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ وَلا لِبَعضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النَّمل) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُهِمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَبْلِيغِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ ...٩٢﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النَّمْلِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الشُّعَرَاءِ): خُتِمَتِ (الشُّعَراءُ) بِصِفَاتِ المُؤمِنِيْن؛ فَقَالَ: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ...٢٢٧﴾، وافْتُتِحَتِ (النَّمْلُ) بِصِفَاتِهِمْ؛ فقال: ﴿ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٣﴾. |