«قالت إن الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها» بالتخريب «وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون» أي: مرسلو الكتاب.
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
اعلم أن التالي إنما سمي تاليا لتتابع الكلام بعضه بعضا ، وتتابعه يقضي عليه بحرف الغاية ، وهما من وإلى ، فينزل من كذا إلى كذا ، ولما كان القلب من العالم الأعلى قال تعالى فيه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) وكان اللسان من العالم الأنزل ، والحرف من عالم اللسان ،
ففصل اللسان الآيات وتلا بعضها بعضا ، فيسمى الإنسان تاليا من حيث لسانه ، فإنه المفصل لما أنزل مجملا .
------------
(92) الفتوحات ج 3 /
94
( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ) .
قال ابن عباس : أي إذا دخلوا بلدا عنوة أفسدوه ، أي : خربوه ، ( وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) أي : وقصدوا من فيها من الولاة والجنود ، فأهانوهم غاية الهوان ، إما بالقتل أو بالأسر .
قال ابن عباس : قالت بلقيس : ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) ، قال الرب ، عز وجل ( وكذلك يفعلون )
فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: {قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري} الملأ أشراف القوم وقد مضى في سورة "البقرة" القول فيه. قال ابن عباس : كان معها ألف قيل. وقيل : اثنا عشر ألف قيل مع كل قيل مائة ألف. والقيل الملك دون الملك الأعظم. فأخذت في حسن الأدب مع قومها، ومشاورتهم في أمرها، وأعلمتهم أن ذلك مطرد عندها في كل أمر يعرض، {ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون} فكيف في هذه النازلة الكبرى. فراجعها الملا بما يقر عينها، من إعلامهم إياها بالقوة والبأس، ثم سلموا الأمر إلى نظرها؛ وهذه محاورة حسنة من الجميع. قال قتادة : ذكر لنا أنه كان لها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا هم أهل مشورتها، كل رجل منهم على عشرة آلاف. الثانية: في هذه الآية دليل على صحة المشاورة. وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {وشاورهم في الأمر} آل عمران 159 في "آل عمران" إما استعانة بالآراء، وإما مداراة للأولياء. وقد مدح الله تعالى الفضلاء بقوله {وأمرهم شورى بينهم} الشورى 38 والمشاورة من الأمر القديم وخاصة في الحرب؛ فهذه بلقيس امرأة جاهلية كانت تعبد الشمس {قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون} لتختبر عزمهم على مقاومة عدوهم، وحزمهم فيما يقيم أمرهم، وإمضائهم على الطاعة لها، بعلمها بأنهم إن لم يبذلوا أنفسهم وأموالهم ودماءهم دونها لم يكن لها طاقة بمقاومة عدوها، وإن لم يجتمع أمرهم وحزمهم وجدهم كان ذلك عونا لعدوهم عليهم، وإن لم تختبر ما عندهم، وتعلم قدر عزمهم لم تكن على بصيرة من أمرهم، وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها، ودخيلة في تقدير أمرهم، وكان في مشاورتهم وأخذ رأيهم عون على ما تريده من قوة شوكتهم، وشدة مدافعتهم؛ ألا ترى إلى قولهم في جوابهم {نحن أولو قوة وأولو بأس شديد} قال ابن عباس : كان من قوة أحدهم أنه يركض فرسه حتى إذا احتد ضم فخذيه فحبسه بقوته. الثالثة: قوله تعالى: {والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} سلموا الأمر إلى نظرها مع ما أظهروا لها من القوة والبأس والشدة؛ فلما فعلوا ذلك أخبرت عند ذلك بفعل الملوك بالقرى التي يتغلبون عليها. وفي هذا الكلام خوف على قومها، وحيطة واستعظام لأمر سليمان عليه السلام. {وكذلك يفعلون} قيل : هو من قول بلقيس تأكيدا للمعنى الذي أرادته. وقال ابن عباس : هو من قول الله عز وجل معرفا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته بذلك ومخبرا به. وقال وهب : لما قرأت عليهم الكتاب لم تعرف اسم الله، فقالت : ما هذا؟! فقال بعض القوم : ما نظن هذا إلا عفريتا عظيما من الجن يقتدر به هذا الملك على ما يريده؛ فسكتوه. وقال الآخر : أراهم ثلاثة من العفاريت؛ فسكتوه؛ فقال شاب قد علم : يا سيدة الملوك! إن سليمان ملك قد أعطاه ملك السماء ملكا عظيما فهو لا يتكلم بكلمة إلا بدأ فيها بتسمية إلهه، والله اسم مليك السماء، والرحمن الرحيم نعوته؛ فعندها قالت {أفتوني في أمري} فقالوا {نحن أولو قوة} في القتال {وأولو بأس شديد} قوة في الحرب واللقاء {والأمر إليك} ردوا أمرهم إليها لما جربوا على رأيها من البركة {فانظري ماذا تأمرين} فـ {قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة}أهانوا شرفاءها لتستقيم لهم الأمور، فصدق الله قولها. {وكذلك يفعلون} قال ابن الأنباري{وجعلوا أعزة أهلها أذلة} هذا وقف تام؛ فقال الله عز وجل تحقيقا لقولها {وكذلك يفعلون}وشبيه به في سورة "الأعراف" {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم} الأعراف 109 : 110 تم الكلام، فقال فرعون {فماذا تأمرون}الأعراف 110 . وقال ابن شجرة. هو قول بلقيس، فالوقف {وكذلك يفعلون} أي وكذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا.
قالت محذرةً لهم من مواجهة سليمان بالعداوة، ومبيِّنة لهم سوء مغبَّة القتال: إن الملوك إذا دخلوا بجيوشهم قريةً عنوةً وقهرًا خرَّبوها وصيَّروا أعزَّة أهلها أذلة، وقتلوا وأسروا، وهذه عادتهم المستمرة الثابتة لحمل الناس على أن يهابوهم. وإني مرسلة إلى سليمان وقومه بهديَّة مشتملة على نفائس الأموال أصانعه بها، ومنتظرة ما يرجع به الرسل.
فقالت لهم -مقنعة لهم عن رأيهم ومبينة سوء مغبة القتال- إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا قتلا وأسرا ونهبا لأموالها، وتخريبا لديارها، وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً أي: جعلوا الرؤساء السادة أشراف الناس من الأذلين، أي: فهذا رأي غير سديد، وأيضا فلست بمطيعة له قبل الاختبار وإرسال من يكشف عن أحواله ويتدبرها، وحينئذ نكون على بصيرة من أمرنا.
( قالت ) بلقيس مجيبة لهم عن التعريض للقتال : ( إن الملوك إذا دخلوا قرية ) عنوة ، ) ( أفسدوها ) خربوها ( وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) أي : أهانوا أشرافها وكبراءها ، كي يستقيم لهم الأمر ، تحذرهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم ، وتناهى الخبر عنها هاهنا ، فصدق الله قولها فقال : ) ( وكذلك يفعلون ) أي : كما قالت هي يفعلون .
(قالَتْ) الجملة مستأنفة (إِنَّ الْمُلُوكَ) إن واسمها والجملة مقول القول (إِذا) ظرفية شرطية (دَخَلُوا) الجملة مضاف إليه (قَرْيَةً) مفعول به لدخلوا (أَفْسَدُوها) ماض وفاعل ومفعول به والجملة لا محل لها لأنها جواب إذا (وَجَعَلُوا) الجملة معطوفة على جملة أفسدوها (أَعِزَّةَ) مفعول به أول (أَهْلِها) مضاف إليه (أَذِلَّةً) مفعول به ثان (وَكَذلِكَ) متعلقان بمحذوف صفة مفعول مطلق مقدر (يَفْعَلُونَ) الجملة مستأنفة
Traslation and Transliteration:
Qalat inna almulooka itha dakhaloo qaryatan afsadooha wajaAAaloo aAAizzata ahliha athillatan wakathalika yafAAaloona
She said: Lo! kings, when they enter a township, ruin it and make the honour of its people shame. Thus will they do.
Dedi ki: Padişahlar, bir şehre girdiler mi, o şehri harap ederler ve halkının yücelerini aşağılık bir hale getirirler ve bunlar da böyle yapacaklar.
Elle dit: «En vérité, quand les rois entrent dans une cité ils la corrompent, et font de ses honorables citoyens des humiliés. Et c'est ainsi qu'ils agissent.
Sie sagte: "Gewiß, wenn die Könige eine Ortschaft einnehmen, richten sie in ihr Verderben an und machen die Einflußreichen ihrer Bewohner zu Erniedrigten. Und solcherart machen sie.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النمل (An-Naml - The Ant) |
ترتيبها |
27 |
عدد آياتها |
93 |
عدد كلماتها |
1165 |
عدد حروفها |
4679 |
معنى اسمها |
(النَّمْلُ): الْحَشَرَةُ المَعْرُوفَةُ، وَالْوَاحِدَةُ (نَمْلَةٌ) |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذكر قِصَّةِ النَّمْلَةِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النَّمْلِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الهُدْهُدِ)، وَسُورَةَ (سُلَيمَانَ عليه السلام)، وَسُورَةَ: ﴿طسٓۚ﴾ |
مقاصدها |
ذِكْرُ نِعْمَةِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا تَمَيَّزَ بِهِ كُلُّ نَبِيٍّ مِن مُعْجِزَاتٍ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُذكَرْ لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ وَلا لِبَعضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النَّمل) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُهِمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَبْلِيغِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ ...٩٢﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النَّمْلِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الشُّعَرَاءِ): خُتِمَتِ (الشُّعَراءُ) بِصِفَاتِ المُؤمِنِيْن؛ فَقَالَ: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ...٢٢٧﴾، وافْتُتِحَتِ (النَّمْلُ) بِصِفَاتِهِمْ؛ فقال: ﴿ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٣﴾. |