«فلما جاءها نودي أن» أي بأن «بورك» أي بارك الله «من في النار» أي موسى «ومن حولها» أي الملائكة، أو العكس وبارك يتعدى بنفسه وبالحرف ويقدر بعد في مكان «وسبحان الله رب العالمين» من جملة ما نودي ومعناه تنزيه الله من السوء.
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
اعلم أن التالي إنما سمي تاليا لتتابع الكلام بعضه بعضا ، وتتابعه يقضي عليه بحرف الغاية ، وهما من وإلى ، فينزل من كذا إلى كذا ، ولما كان القلب من العالم الأعلى قال تعالى فيه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) وكان اللسان من العالم الأنزل ، والحرف من عالم اللسان ،
ففصل اللسان الآيات وتلا بعضها بعضا ، فيسمى الإنسان تاليا من حيث لسانه ، فإنه المفصل لما أنزل مجملا .
------------
(92) الفتوحات ج 3 /
94
( فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها ) أي : فلما أتاها رأى منظرا هائلا عظيما ، حيث انتهى إليها ، والنار تضطرم في شجرة خضراء ، لا تزداد النار إلا توقدا ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة ، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء .
قال ابن عباس وغيره : لم تكن نارا ، إنما كانت نورا يتوهج .
وفي رواية عن ابن عباس : نور رب العالمين . فوقف موسى متعجبا مما رأى ، فنودي أن بورك من في النار . قال ابن عباس : [ أي ] قدس .
( ومن حولها ) أي : من الملائكة . قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود - [ و ] هو الطيالسي - حدثنا شعبة والمسعودي ، عن عمرو بن مرة ، سمع أبا عبيدة يحدث ، عن أبي موسى ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل . زاد المسعودي : " وحجابه النور - أو النار - لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره " . ثم قرأ أبو عبيدة : ( أن بورك من في النار ومن حولها ) وأصل هذا الحديث مخرج في الصحيح لمسلم ، من حديث عمرو بن مرة ، به .
وقوله : ( وسبحان الله رب العالمين ) أي : الذي يفعل ما يشاء ولا يشبه شيئا من مخلوقاته ، ولا يحيط به شيء من مصنوعاته ، وهو العلي العظيم ، المباين لجميع المخلوقات ، ولا يكتنفه الأرض والسموات ، بل هو الأحد الصمد ، المنزه عن مماثلة المحدثات .
قوله تعالى: {إذ قال موسى لأهله} {إذ} منصوب بمضمر وهو أذكر؛ كأنه قال على أثر قوله. {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم} : خذ يا محمد من آثار حكمته وعلمه قصة موسى إذ قال لأهله. {إني آنست نارا} {إني آنست نارا} أي أبصرتها من بعد. قال الحرث بن حلزة : آنست نبأة وأفزعها القناص ** عصرا وقد دنا الإمساء {سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون} قرأ عاصم وحمزة والكسائي{بشهاب قبس} بتنوين {شهاب}. والباقون بغير تنوين على الإضافة؛ أي بشعلة نار؛ واختاره أبو عبيد وأبو حاتم. وزعم الفراء في ترك التنوين أنه بمنزلة قولهم : ولدار الآخرة، ومسجد الجامع، وصلاة الأولى؛ يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلفت أسماؤه. قال النحاس : إضافة الشيء إلى نفسه محال عند البصريين، لأن معنى الإضافة في اللغة ضم شيء إلى شيء فمحال أن يضم الشيء إلى نفسه، وإنما يضاف الشيء إلى الشيء ليتبين به معنى الملك أو النوع، فمحال أن يتبين أنه مالك نفسه أو من نوعها. و{شهاب قبس} إضافة النوع والجنس، كما تقول : هذا ثوب خز، وخاتم حديد وشبهه. والشهاب كل ذي نور؛ نحو الكوكب والعود الموقد. والقبس اسم لما يقتبس من جمر وما أشبهه؛ فالمعنى بشهاب من قبس. يقال. أقبست قبسا؛ والاسم قبس. كما تقول : قبضت قبضا. والاسم القبض. ومن قرأ {بشهاب قبس} جعله بدلا منه. المهدوي : أو صفة له؛ لأن القبس يجوز أن يكون اسما غير صفة، ويجوز أن يكون صفة؛ فأما كونه غير صفة فلأنهم قالوا قبسته أقبسه قبسا والقبس المقبوس؛ وإذا كان صفة فالأحسن أن يكون نعتا. والإضافة فيه إذا كان غير صفة أحسن. وهي إضافة النوع إلى جنسه كخاتم فضة وشبهه. ولو قرئ بنصب قبس على البيان أو الحال كان أحسن. ويجوز في غير القرآن بشهاب قبسا على أنه مصدر أو بيان أو حال. {لعلكم تصطلون} أصل الطاء تاء فأبدل منها هنا طاء؛ لأن الطاء مطبقة والصاد مطبقة فكان الجمع بينهما حسنا، ومعناه يستدفئون من البرد. يقال : اصطلى يصطلي إذا استدفأ. قال الشاعر : النار فاكهة الشتاء فمن يرد ** أكل الفواكه شاتيا فليصطل الزجاج : كل أبيض ذي نور فهو شهاب. أبو عبيدة : الشهاب النار. قال أبو النجم : كأنما كان شهابا واقدا ** أضاء ضوءا ثم صار خامدا أحمد بن يحيى : أصل الشهاب عود في أحد طرفيه جمرة والآخر لا نار فيه؛ وقول النحاس فيه حسن، والشهاب الشعاع المضيء ومنه الكوكب الذي يمد ضوءه في السماء. وقال الشاعر : في كفه صعدة مثقفة ** فيها سنان كشعلة القبس قوله تعالى: {فلما جاءها} أي فلما جاء موسى الذي ظن أنه نار وهي نور؛ قال وهب بن منبه. فلما رأى موسى النار وقف قريبا منها، فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق، لا تزداد النار إلا عظما وتضرما، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسنا؛ فعجب منها وأهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها؛ فمالت إليه؛ فخافها فتأخر عنها؛ ثم لم تزل تطمعه ويطمع فيها إلى أن وضح أمرها على أنها مأمورة لا يدري من أمرها، إلى أن {نودي أن بورك من في النار ومن حولها}. وقد مضى هذا المعنى في "طه" {نودي}أي ناداه الله؛ كماقال {وناديناه من جانب الطور الأيمن} مريم 52 {أن بورك} قال الزجاج {أن} في موضع نصب؛ أي بأنه. قال : ويجوز أن تكون في موضع رفع جعلها اسم ما لم يسم فاعله. وحكى أبو حاتم أن في قراءة أبي وابن عباس ومجاهد {أن بوركت النار ومن حولها}. قال النحاس : ومثل هذا لا يوجد بإسناد صحيح، ولو صح لكان على التفسير، فتكون البركة راجعة إلى النار ومن حولها الملائكة وموسى. وحكى الكسائي عن العرب : باركك الله، وبارك فيك. الثعلبي : العرب تقول باركك الله، وبارك فيك، وبارك عليك، وبارك لك، أربع لغات. قال الشاعر : فبوركت مولودا وبوركت ناشئا ** وبوركت عند الشيب إذ أنت أشيب الطبري : قال {بورك من في النار} ولم يقل بورك في من في النار على لغة من يقول باركك الله. ويقال باركه الله، وبارك له، وبارك عليه، وبارك فيه بمعنى؛ أي بورك على من في النار وهو موسى، أو على من في قرب النار؛ لا أنه كان في وسطها. وقال السدي : كان في النار ملائكة فالتبريك عائد إلى موسى والملائكة؛ أي بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين هم حولها. وهذا تحية من الله تعالى لموسى وتكرمة له، كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه؛ قال {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} هود 73 . وقول ثالث قاله ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير : قدس من في النار وهو الله سبحانه وتعالى، عنى به نفسه تقدس وتعالى. قال ابن عباس ومحمد بن كعب : النار نور الله عز وجل؛ نادى الله موسى وهو في النور؛ وتأويل هذا أن موسى عليه السلام رأى نورا عظيما فظنه نارا؛ وهذا لأن الله تعالى ظهر لموسى بآياته وكلامه من النار لا أنه يتحيز في جهة {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} الزخرف 84 لا أنه يتحيز فيهما، ولكن يظهر في كل فعل فيعلم به وجود الفاعل. وقيل على هذا : أي بورك من في النار سلطانه وقدرته. وقيل : أي بورك ما في النار من أمر الله تعالى الذي جعله علامة. قلت : ومما يدل على صحة قول ابن عباس ما خرجه مسلم في صحيحه، وابن ماجة في سننه واللفظ له عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه حجابه النور لو كشفها لأحرقت سحبات وجهه كل شيء أدركه بصره) ثم قرأ أبو عبيدة {أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} أخرجه البيهقي أيضا. ولفظ مسلم عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات؛ فقال : (إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور - وفي رواية أبي بكر النار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أنتهى إليه بصره من خلقه) قال أبو عبيد : يقال السبحات إنها جلال وجهه، ومنها قيل : سبحان الله إنما هو تعظيم له وتنزيه. وقوله {لو كشفها}يعني لو رفع الحجاب عن أعينهم ولم يثبتهم لرؤيته لاحترقوا وما استطاعوا لها. قال ابن جريج : النار حجاب من الحجب وهي سبعة حجب؛ حجاب العزة، وحجاب الملك، وحجاب السلطان، وحجاب النار، وحجاب النور، وحجاب الغمام، وحجاب الماء. وبالحقيقة فالمخلوق المحجوب والله لا يحجبه شيء؛ فكانت النار نورا وإنما ذكره بلفظ النار؛ لأن موسى حسبه نارا، والعرب تضع أحدهما موضع الآخر. وقال سعيد بن جبير : كانت النار بعينها فأسمعه تعالى كلامه من ناحيتها، وأظهر له ربوبيته من جهتها. وهو كما روي أنه مكتوب في التوراة "جاء الله من سيناء وأشرف من ساعير واستعلى من جبال فاران ". فمجيئه من سيناء بعثه موسى منها، وإشرافه من ساعير بعثه المسيح منها، واستعلاؤه من فاران بعثه محمدا صلي الله عليه وسلم، وفاران مكة. وسيأتي في القصص بإسماعه سبحانه كلامه من الشجرة زيادة بيان إن شاء الله تعالى. قوله تعالى: {وسبحان الله رب العالمين} تنزيها وتقديسا لله رب العالمين. وقد تقدم في غير موضع، والمعنى : أي يقول من حولها {وسبحان الله} فحذف. وقيل : إن موسى عليه السلام قاله حين فرغ من سماع النداء؛ استعانة بالله تعالى وتنزيها له؛ قال السدي. وقيل : هو من قول الله تعالى. ومعناه : وبورك فيمن سبح الله تعالى رب العالمين؛ حكاه ابن شجرة. قوله تعالى: {يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم} الهاء عماد وليست بكناية في قول الكوفيين. والصحيح أنها كناية عن الأمر والشأن. {أنا الله العزيز الحكيم} الغالب الذي ليس كمثله شيء {الحكيم} في أمره وفعله. وقيل : قال موسى يا رب من الذي نادى؟ فقال له {إنه} أي إني أنا المنادي لك {أنا الله}. قوله تعالى: {وألق عصاك} قال وهب بن منبه : ظن موسى أن الله أمره أن يرفضها فرفضها وقيل : إنما قال له ذلك ليعلم موسى أن المكلم له هو الله، وأن موسى رسوله؛ وكل نبي لابد له من آية في نفسه يعلم بها نبوته. وفي الآية حذف : أي وألق عصاك فألقاها من يده فصارت حية تهتز كأنها جان، وهي الحية الخفيفة الصغيرة الجسم. وقال الكلبي : لا صغيرة ولا كبيرة. وقيل : إنها قلبت له أولا حية صغيرة فلما أنس منها قلبت حية كبيرة. وقيل : انقلبت مرة حية صغيرة، ومرة حية تسعى وهي الأنثى، ومرة ثعبانا وهو الذكر الكبير من الحيات. وقيل : المعنى انقلبت ثعبانا تهتز كأنها جان لها عظم الثعبان وخفة الجان واهتزازه وهي حية تسعى. وجمع الجان جنان؛ ومنه الحديث (نهي عن قتل الجنان التي في البيوت). {ولى مدبرا} خائفا على عادة البشر {ولم يعقب}أي لم يرجع؛ قاله مجاهد. وقال قتادة : لم يلتفت. {يا موسى لا تخف} أي من الحية وضررها. {إني لا يخاف لدي المرسلون} وتم الكلام ثم استثنى استثناء منقطعا فقال {إلا من ظلم} وقيل : إنه استثناء من محذوف؛ والمعنى : إني لا يخاف لدي المرسلون وإنما يخاف غيرهم ممن ظلم {إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء} فإنه لا يخاف؛ قاله الفراء. قال النحاس : استثناء من محذوف محال؛ لأنه استثناء من شيء لم يذكر ولو جاز هذا لجاز إني لأضرب القوم إلا زيدا بمعنى إني لا أضرب القوم وإنما أضرب غيرهم إلا زيدا؛ وهذا ضد البيان، والمجيء بما لا يعرف معناه. وزعم الفراء أيضا أن بعض النحويين يجعل إلا بمعنى الواو أي ولا من ظلم؛ قال : وكل أخ مفارقه أخوه ** لعمر أبيك إلا الفرقدان قال النحاس : وكون {إلا} بمعنى الواو لا وجه له ولا يجوز في شيء من الكلام، ومعنى {إلا} خلاف الواو؛ لأنك إذا قلت : جاءني إخوتك إلا زيدا أخرجت زيدا مما دخل فيه الإخوة فلا نسبة بينهما ولا تقارب. وفي الآية قول آخر : وهو أن يكون الاستثناء متصلا؛ والمعنى إلا من ظلم من المرسلين بإتيان الصغائر التي لا يسلم منها أحد، سوى ما روي عن يحيى بن زكريا عليه السلام، وما ذكره الله تعالى في نبينا عليه السلام في قوله {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} الفتح 2 ذكره المهدوي واختاره النحاس؛ وقال : علم الله من عصى منهم يسر الخيفة فاستثناه فقال {إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء} فإنه يخاف وإن كنت قد غفرت له. الضحاك : يعني آدم وداود عليهما السلام الزمخشري. كالذي فرط من آدم ويونس وداود وسليمان وإخوة يوسف، ومن موسى عليه السلام بوكزه القبطي. فإن قال قائل : فما معنى الخوف بعد التوبة والمغفرة؟ قيل له : هذه سبيل العلماء بالله عز وجل أن يكونوا خائفين من معاصيهم وجلين، وهم أيضا لا يأمنون أن يكون قد بقي من أشراط التوبة شيء لم يأتوا به، فهم يخافون من المطالبة به. وقال الحسن وابن جريج : قال الله لموسى إني أخفتك لقتلك النفس. قال الحسن : وكانت الأنبياء تذنب فتعاقب. قال الثعلبي والقشيري والماوردي وغيرهم : فالاستثناء على هذا صحيح؛ أي إلا من ظلم نفسه من النبيين والمرسلين فيما فعل من صغيرة قبل النبوة. وكان موسى خاف من قتل القبطي وتاب منه. وقد قيل : إنهم بعد النبوة معصومون من الصغائر والكبائر. وقد مضى هذا في البقرة قلت : والأول أصح لتنصلهم من ذلك في القيامة كما في حديث الشفاعة، وإذا أحدث المقرب حدثا فهو وإن غفر له ذلك الحدث فأثر ذلك الحدث باق، وما دام الأثر والتهمة قائمة فالخوف كائن لا خوف العقوبة ولكن خوف العظمة، والمتهم عند السلطان يجد للتهمة حزازة تؤديه إلى أن يكدر عليه صفاء الثقة. وموسى عليه السلام قد كان منه الحدث في ذلك الفرعوني، ثم استغفر وأقر بالظلم على نفسه، ثم غفر له، ثم قال بعد المغفرة {رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين} القصص 17 ثم ابتلى من الغد بالفرعوني الآخر وأراد أن يبطش به، فصار حدثا آخر بهذه الإرادة. وإنما ابتلي من الغد لقوله {فلن أكون ظهيرا للمجرمين} وتلك كلمة اقتدار من قوله لن أفعل، فعوقب بالإرادة حين أراد أن يبطش ولم يفعل، فسلط عليه الإسرائيلي حتى أفشى سره؛ لأن الإسرائيلي لما رآه تشمر للبطش ظن أنه يريده، فأفشى عليه فـ {قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس} القصص 19 فهرب الفرعوني وأخبر فرعون بذلك أفشى الإسرائيلي على موسى، وكان القتيل بالأمس مكتوما أمره لا يدري من قتله، فلما علم فرعون بذلك، وجه في طلب موسى ليقتله، واشتد الطلب وأخذوا مجامع الطرق؛ جاء رجل يسعى فـ{قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} القصص 20 الآية. فخرج كما أخبر الله. فخوف موسى إنما كان من أجل هذا الحدث؛ فهو وإن قربه وبه وأكرمه واصطفاه بالكلام فالتهمة الباقية ولت به ولم يعقب. قوله تعالى: {وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} تقدم في "طه" {في تسع آيات} قال النحاس أحسن ما قيل فيه أن المعنى : هذه الآية داخلة في تسع آيات. المهدوي : المعنى {ألق عصاك} {وأدخل يدك في جيبك}فهما آيتان من تسع آيات. وقال القشيري معناه : كما تقول خرجت في عشرة نفر وأنت أحدهم. أي خرجت عاشر عشرة. فـ{في} بمعنى {من} لقربها منها كما تقول خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان أي منها. وقال الأصمعي في قول امرئ القيس : وهل ينعمن من كان آخر عهده ** ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال في بمعنى من. وقيل : في بمعنى مع؛ فالآيات عشرة منها اليد، والتسع : الفلق والعصا والجراد والقمل والطوفان والدم والضفادع والسنين والطمس. وقد تقدم بيان جميعه. {إلى فرعون وقومه} قال الفراء : في الكلام إضمار لدلالة الكلام عليه، أي إنك مبعوث أو مرسل إلى فرعون وقومه. {إنهم كانوا قوما فاسقين} أي خارجين عن طاعة الله؛ وقد تقدم. قوله تعالى: {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة} أي واضحة بينة. قال الأخفش : ويجوز مبصرة وهو مصدر كما يقال : الولد مجبنة. {قالوا هذا سحر مبين} جروا على عادتهم في التكذيب فلهذا قال {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} أي تيقنوا أنها من عند الله وأنها ليست سحرا، ولكنهم كفروا بها وتكبروا أن يؤمنوا بموسى. وهذا يدل على أنهم كانوا معاندين. و{ظلما} و{علوا} منصوبان على نعت مصدر محذوف، أي وجحدوا بها جحودا ظلما وعلوا. والباء زائدة أي وجحدوها؛ قال أبو عبيدة. {فانظر} يا محمد {كيف كان عاقبة المفسدين} أي آخر أمر الكافرين الطاغين، انظر ذلك بعين قلبك وتدبر فيه. الخطاب له والمراد غيره.
فلما جاء موسى النارَ ناداه الله وأخبره أن هذا مكانٌ قدَّسه الله وباركه فجعله موضعًا لتكليم موسى وإرساله، وأن الله بارك مَن في النار ومَن حولها مِنَ الملائكة، وتنزيهًا لله رب الخلائق عما لا يليق به. يا موسى إنه أنا الله المستحق للعبادة وحدي، العزيز الغالب في انتقامي من أعدائي، الحكيم في تدبير خلقي. وألق عصاك فألقاها فصارت حية، فلما رآها تتحرك في خفة تَحَرُّكَ الحية السريعة ولَّى هاربًا ولم يرجع إليها، فطمأنه الله بقوله: يا موسى لا تَخَفْ، إني لا يخاف لديَّ من أرسلتهم برسالتي، لكن مَن تجاوز الحدَّ بذنب، ثم تاب فبدَّل حُسْن التوبة بعد قبح الذنب، فإني غفور له رحيم به، فلا ييئس أحدٌ من رحمة الله ومغفرته. وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء كالثلج من غير بَرَص في جملة تسع معجزات، وهي مع اليد: العصا، والسنون، ونقص الثمرات، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم؛ لتأييدك في رسالتك إلى فرعون وقومه، إنهم كانوا قومًا خارجين عن أمر الله كافرين به.
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا أي: ناداه الله تعالى وأخبره أن هذا محل مقدس مبارك، ومن بركته أن جعله الله موضعا لتكليم الله لموسى وندائه وإرساله.
وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عن أن يظن به نقص أو سوء بل هو الكامل في وصفه وفعله.
( فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها ) أي : بورك على من في النار أو من في النار ، والعرب تقول : باركه الله وبارك فيه ، وبارك عليه ، بمعنى واحد . وقال قوم : البركة راجعة إلى موسى والملائكة ، معناه : بورك في من طلب النار ، وهو موسى عليه السلام ) ( ومن حولها ) وهم الملائكة الذين حول النار ، ومعناه : بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين حول النار ، وهذا تحية من عند الله - عز وجل - لموسى بالبركة ، كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت . ومذهب أكثر المفسرين أن المراد بالنار النور ، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا ، و " من في النار " هم الملائكة ، وذلك أن النور الذي رآه موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس والتسبيح ، و " من حولها " هو موسى لأنه كان بالقرب منها ، ولم يكن فيها . وقيل : " من في النار ومن حولها " جميعا الملائكة . وقيل : " من في النار " موسى و " من حولها " الملائكة ، وموسى وإن لم يكن في النار كان قريبا منها ، كما يقال : بلغ فلان المنزل ، إذا قرب منه ، وإن لم يبلغه بعد . وذهب بعضهم إلى أن البركة راجعة إلى النار . وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : معناه بوركت النار . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سمعت أبيا يقرأ : أن بوركت النار ومن حولها ، و " من " قد تأتي بمعنى ما ، كقوله تعالى : فمنهم من يمشي على بطنه ( النور - 45 ) ، و " ما " قد يكون صلة في الكلام ، كقوله " جند ما هنالك " ( ص - 11 ) ، ومعناه : بورك في النار وفيمن حولها ، وهم الملائكة وموسى عليهم السلام ، وسمى النار مباركة كما سمى البقعة مباركة فقال : " في البقعة المباركة " .
وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن في قوله : ( بورك من في النار ) يعني قدس من في النار ، وهو الله ، عنى به نفسه ، على معنى أنه نادى موسى منها وأسمعه كلامه من جهتها كما روي : أنه مكتوب في التوراة : " جاء الله من سيناء ، وأشرف من ساعين ، واستعلى من جبال فاران " فمجيئه من سيناء : بعثة موسى منها ، ومن ساعين بعثة المسيح منها ، ومن جبال فاران بعثة المصطفى منها ، وفاران مكة . قيل : كان ذلك نوره - عز وجل - . قال سعيد بن جبير : كانت النار بعينها ، والنار إحدى حجب الله تعالى ، كما جاء في الحديث : " حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ثم نزه الله نفسه وهو المنزه من كل سوء وعيب ، فقال جل ذكره . ( وسبحان الله رب العالمين )
(فَلَمَّا) الفاء استئنافية ولما ظرفية حينية (جاءَها) ماض فاعله مستتر وها مفعول به والجملة مضاف إليه (نُودِيَ) مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم (أَنْ) مفسرة (بُورِكَ) ماض مبني للمجهول والكاف مفعول به والجملة مفسرة لا محل لها (مَنْ) اسم موصول نائب فاعل (فِي النَّارِ) متعلقان بمحذوف صلة (وَمَنْ) معطوف على من التي قبلها (حَوْلَها) ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة والهاء مضاف إليه (وَسُبْحانَ اللَّهِ) الواو استئنافية وسبحان مفعول مطلق لفعل محذوف ولفظ الجلالة مضاف إليه (رَبِّ) بدل من اللّه (الْعالَمِينَ) مضاف إليه
Traslation and Transliteration:
Falamma jaaha noodiya an boorika man fee alnnari waman hawlaha wasubhana Allahi rabbi alAAalameena
But when he reached it, he was called, saying: Blessed is Whosoever is in the fire and Whosoever is round about it! And Glorified be Allah, the Lord of the Worlds!
Oraya gelince nida edildi: Ateşteki melekler de gerçekten kutlanmıştır, çevresindeki Musa da ve münezzehtir noksan sıfatlardan alemlerin Rabbi Allah.
Lorsqu'il y arriva, on l'appela, - béni soit Celui qui est dans le feu et Celui qui est tout autour, et gloire à Allah, Seigneur de l'univers.
Und als er dort ankam, wurde gerufen: "Baraka wurde verliehen dem, das im Feuer ist, sowie dem um es herum. Und subhanallah, Der HERR aller Schöpfung.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النمل (An-Naml - The Ant) |
ترتيبها |
27 |
عدد آياتها |
93 |
عدد كلماتها |
1165 |
عدد حروفها |
4679 |
معنى اسمها |
(النَّمْلُ): الْحَشَرَةُ المَعْرُوفَةُ، وَالْوَاحِدَةُ (نَمْلَةٌ) |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذكر قِصَّةِ النَّمْلَةِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النَّمْلِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الهُدْهُدِ)، وَسُورَةَ (سُلَيمَانَ عليه السلام)، وَسُورَةَ: ﴿طسٓۚ﴾ |
مقاصدها |
ذِكْرُ نِعْمَةِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا تَمَيَّزَ بِهِ كُلُّ نَبِيٍّ مِن مُعْجِزَاتٍ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُذكَرْ لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ وَلا لِبَعضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النَّمل) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُهِمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَبْلِيغِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ ...٩٢﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النَّمْلِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الشُّعَرَاءِ): خُتِمَتِ (الشُّعَراءُ) بِصِفَاتِ المُؤمِنِيْن؛ فَقَالَ: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ...٢٢٧﴾، وافْتُتِحَتِ (النَّمْلُ) بِصِفَاتِهِمْ؛ فقال: ﴿ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٣﴾. |