«ألم تر» تنظر «إلى الذين أوتوا نصيبا» حظاً «من الكتاب» التوراة «يُدْعَوْنَ» حال «إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون» عن قبول حكمه نزلت في اليهود زنى منهم اثنان فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم عليهما بالرجم فغضبوا فجيء بالتوراة فوجدا فيها فرجما.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل
489
سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .
------------
(200) الفتوحات ج 4 /
482 ، 347 ،
482
يقول تعالى منكرا على اليهود والنصارى ، المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم ، وهما التوراة والإنجيل ، وإذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به فيهما ، من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، تولوا وهم معرضون عنهما ، وهذا في غاية ما يكون من ذمهم ، والتنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد .
فيه ثلاث مسائل: الأولى: قال ابن عباس: هذه الآية نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله. فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أنت يا محمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إني على ملة إبراهيم). فقالا : فإن إبراهيم كان يهوديا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم). فأبيا عليه فنزلت الآية. وذكر النقاش أنها نزلت لأن جماعة من اليهود أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : (هلموا إلى التوراة ففيها صفتي) فأبوا. وقرأ الجمهور {ليحكم} وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع "ليحكم" بضم الياء. والقراءة الأولى أحسن؛ لقوله تعالى {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق} [
الجاثية : 29]. الثانية: في هذه الآية دليل على وجوب ارتفاع المدعو إلى الحاكم لأنه دعي إلى كتاب الله؛ فإن لم يفعل كان مخالفا يتعين عليه الزجر بالأدب على قدر المخالِف والمخالَف. وهذا الحكم جار عندنا بالأندلس وبلاد المغرب وليس بالديار المصرية. وهذا الحكم الذي ذكرناه مبين في التنزيل في سورة "النور" في قوله تعالى {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون} إلى قوله {بل أولئك هم الظالمون} [
النور : 48 - 49 - 50]. وأسند الزهري عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من دعاه خصمه إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم ولا حق له). قال ابن العربي : وهذا حديث باطل. أما قوله (فهو ظالم) فكلام صحيح. وأما قوله (فلا حق له) فلا يصح، ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق. قال ابن خويز منداد المالكي : واجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق، أو يعلم عداؤه من المدعي والمدعى عليه. الثالثة: وفيها دليل على أن شرائع من قبلنا شريعة لنا إلا ما علمنا نسخه، وإنه يجب علينا الحكم بشرائع الأنبياء قبلنا، على ما يأتي بيانه. وإنما لا نقرأ التوراة ولا نعمل بما فيها لأن من هي في يده غير أمين عليها وقد غيرها وبدلها، ولو علمنا أن شيئا منها لم يتغير ولم يتبدل جاز لنا قراءته. ونحو ذلك روي عن عمر حيث قال لكعب : إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلها الله على موسى بن عمران فاقرأها. وكان عليه السلام عالما بما لم يغير منها فلذلك دعاهم إليها وإلى الحكم بها. وسيأتي بيان هذا في "المائدة" والأخبار الواردة في ذلك إن شاء الله تعالى وقد قيل : إن هذه الآية نزلت في ذلك. والله أعلم.
أرأيت -أيها الرسول- أعجب من حال هؤلاء اليهود الذين أتاهم الله حظا من الكتاب فعلموا أن ما جئت به هو الحق، يُدْعون إلى ما جاء في كتاب الله -وهو القرآن- ليفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، فإن لم يوافق أهواءهم يَأْبَ كثير منهم حكم الله؛ لأن من عادتهم الإعراض عن الحق؟
يخبر تعالى عن حال أهل الكتاب الذين أنعم الله عليهم بكتابه، فكان يجب أن يكونوا أقوم الناس به وأسرعهم انقيادا لأحكامه، فأخبر الله عنهم أنهم إذا دعوا إلى حكم الكتاب تولى فريق منهم وهم يعرضون، تولوا بأبدانهم، وأعرضوا بقلوبهم، وهذا غاية الذم، وفي ضمنها التحذير لنا أن نفعل كفعلهم، فيصيبنا من الذم والعقاب ما أصابهم، بل الواجب على كل أحد إذا دعي إلى كتاب الله أن يسمع ويطيع وينقاد، كما قال تعالى { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا }
قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) يعني اليهود ( يدعون إلى كتاب الله ) اختلفوا في هذا الكتاب ، فقال قتادة : هم اليهود دعوا إلى حكم القرآن فأعرضوا عنه
وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية : إن الله تعالى جعل القرآن حكما فيما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم القرآن على اليهود والنصارى أنهم على غير الهدى فأعرضوا عنه ، وقال الآخرون : هو التوراة
وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من اليهود ، فدعاهم إلى الله عز وجل . فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أنت يا محمد؟ فقال : على ملة إبراهيم ، قالا إن إبراهيم كان يهوديا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم " فأبيا عليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية
وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا وامرأة من أهل خيبر زنيا وكان في كتابهم الرجم ، فكرهوا رجمهما لشرفهما فيهم فرفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجوا أن يكون عنده رخصة فحكم عليهما بالرجم فقال له النعمان بن أوفى وبحري بن عمرو : جرت عليهما يا محمد ليس عليهما الرجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بيني وبينكم التوراة " قالوا : قد أنصفتنا قال " فمن أعلمكم بالتوراة " قالوا رجل أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ، فأرسلوا إليه فقدم المدينة ، وكان جبريل قد وصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنت ابن صوريا؟ " قال : نعم ، قال : " أنت أعلم اليهود " ؟ قال : كذلك يزعمون قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من التوراة ، فيها الرجم مكتوب ، فقال له : " اقرأ " فلما أتى على آية الرجم وضع كفه عليها وقرأ ما بعدها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن سلام : يا رسول الله قد جاوزها فقام فرفع كفه عنها ثم قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى اليهود بأن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما ، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهوديين فرجما ، فغضب اليهود لذلك وانصرفوا فأنزل الله عز وجل ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ) .
(أَلَمْ تَرَ) الهمزة للاستفهام لم حرف نفي وجزم وقلب تر فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة والفاعل أنت (إِلَى الَّذِينَ) متعلقان بتر (أُوتُوا) فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل (نَصِيبًا) مفعول به (مِنَ الْكِتابِ) متعلقان بصفة لنصيبا (يُدْعَوْنَ) فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل (إِلى كِتابِ) متعلقان بيدعون (الله) لفظ الجلالة مضاف إليه (لِيَحْكُمَ) المصدر المؤول من الفعل يحكم وأن المضمرة بعد لام التعليل في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بيدعون (بَيْنَهُمْ) ظرف مكان متعلق بيحكم.
وجملة يدعون في محل نصب حال (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) ثم عاطفة وفعل مضارع وفاعله والجار والمجرور متعلقان بفريق والجملة معطوفة.
(وَهُمْ مُعْرِضُونَ) الواو حالية ومبتدأ وخبر والجملة حالية.
Traslation and Transliteration:
Alam tara ila allatheena ootoo naseeban mina alkitabi yudAAawna ila kitabi Allahi liyahkuma baynahum thumma yatawalla fareequn minhum wahum muAAridoona
Hast thou not seen how those who have received a portion of the Scripture invoke the Scripture of Allah (in their disputes) that it may judge between them; then a faction of them turn away, being opposed (to it)?
Görmez misin kitaptan, kendilerine bir pay verilenleri; aralarında hakemlik etsin diye Allah'ın kitabına çağrılırlar da sonra onların bir kısmı arkalarını çevirir; onlar zaten bunu adet edinmiştir.
N'as-tu pas vu comment agissent ceux qui ont reçu une part du Livre, et qui sont maintenant invités au Livre d'Allah pour trancher leurs différends; comment un groupe des leurs tourne le dos et s'esquive?
Hast du etwa nicht diejenigen gesehen, denen ein Teil der Schrift zuteil wurde, welche zu ALLAHs Schrift gerufen werden, damit diese zwischen ihnen richtet, dann ein Teil von ihnen fortgeht, während er abwendend den Rücken kehrt?!
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة آل عمران (Al-i'Imran - Family of Imran) |
ترتيبها |
3 |
عدد آياتها |
200 |
عدد كلماتها |
3503 |
عدد حروفها |
14605 |
معنى اسمها |
عِمرَانُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالمُرَادُ بِـ(آلِ عِمْرَانَ): عِيسَى وَأُمُّهُ مَريَمُ وَيَحْيَى عليه السلام |
سبب تسميتها |
ذِكْرُ قِصَّةِ آلِ عِمْرَانَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (آلِ عِمرَانَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الكَنـْزِ)، وَسُورَةَ (الأَمَانِ)، وَتُلقَّبُ بِـ(الزَّهْرَاءِ) |
مقاصدها |
بَيانُ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَأَحْكَامِ الجِهَادِ وغَيرِهِ، وَردِّ شُبُهَاتِ النَّصَارَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ ِلنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: «اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ -أي سَحَابتانِ- أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِما». (رَوَاهُ مُسْلِم).
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ مِنَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِشَارَةُ إِلَيهَا.
فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾ ...الآيَاتِ،وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ...الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (آلِ عِمْرانَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (البَقَرَةِ):
ذِكْرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَوَاتِيم سُورَةِ (البَقَرَةِ) وفي أوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ). |