«إن الذين كفروا بآيات الله» القرآن وغيره «لهم عذاب شديد والله عزيز» غالب على أمره فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده «ذو انتقام» عقوبة شديدة ممن عصاه لا يقدر على مثلها أحد
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل
489
سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .
------------
(200) الفتوحات ج 4 /
482 ، 347 ،
482
( من قبل ) أي : من قبل هذا القرآن . ) هدى للناس ) أي : في زمانهما ( وأنزل الفرقان ) وهو الفارق بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والغي والرشاد ، بما يذكره الله تعالى من الحجج والبينات ، والدلائل الواضحات ، والبراهين القاطعات ، ويبينه ويوضحه ويفسره ويقرره ، ويرشد إليه وينبه عليه من ذلك .
وقال قتادة والربيع بن أنس : الفرقان هاهنا القرآن . واختار ابن جرير أنه مصدر هاهنا ، لتقدم ذكر القرآن في قوله : ( نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ) وهو القرآن . وأما ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي صالح أن المراد هاهنا بالفرقان : التوراة فضعيف أيضا ، لتقدم ذكرها ، والله أعلم
وقوله تعالى : ( إن الذين كفروا بآيات الله ) أي : جحدوا بها وأنكروها ، وردوها بالباطل ( لهم عذاب شديد ) أي : يوم القيامة ) والله عزيز ) أي : منيع الجناب عظيم السلطان ) ذو انتقام ) أي : ممن كذب بآياته وخالف رسله الكرام ، وأنبياءه العظام .
قوله تعالى {نزل عليك الكتاب} يعني القرآن. {بالحق} أي بالصدق وقيل : بالحجة الغالبة. والقرآن نزل نجوما : شيئا بعد شيء؛ فلذلك قال {نَزّلَ} والتنزيل مرة بعد مرة. والتوراة والإنجيل نزلا دفعة واحدة فلذلك قال {أنزل} والباء في قوله {بالحق} في موضع الحال من الكتاب والباء متعلقة بمحذوف التقدير آتيا بالحق ولا تتعلق بـ {نَزَّلَ} لأنه قد تعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر، ولا يتعدى إلى ثالث. و{مصدقا} حال مؤكدة غير منتقلة؛ لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدق، أي غير موافق؛ هذا قول الجمهور. وقدر فيه بعضهم الانتقال، على معنى أنه مصدق لنفسه ومصدق لغيره. قوله تعالى {لما بين يديه} يعني من الكتب المنزلة، {وأنزل التوراة والإنجيل} والتوراة معناها الضياء والنور مشتقة من ورى الزَّنْد ووَرِيَ لغتان إذا خرجت ناره. وأصلها تَوْرَيَة على وزن تفعلة، التاء زائدة، وتحركت الياء وقبلها فتحة فقلبت ألفا. ويجوز أن تكون تَفْعِلة فتنقل الراء من الكسر إلى الفتح كما قالوا في جارية وفي ناصية ناصاة كلاهما عن الفراء. وقال الخليل : أصلها فَوْعَلة فالأصل وَوْرَيَة قلبت الواو الأولى تاء كما قلبت في تَوْلَج، والأصل وَوْلج فوعل من وَلَجَت وقلبت الياء ألفا لحركتها وانفتاح ما قبلها. وبناء فَوْعَلة أكثر من تَفْعَلَة. وقيل : التوراة مأخوذة من التورية، وهي التعريض بالشيء والكتمان لغيره؛ فكأن أكثر التوراة معاريض وتلويحات من غير تصريح وإيضاح، هذا قول المؤرج. والجمهور على القول الأول لقوله تعالى {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين} [
الأنبياء : 48] يعني التوراة. والإنجيل إفعيل من النَّجْل وهو الأصل، ويجمع على أناجيل وتوراة على تَوَار؛ فالإنجيل أصل لعلوم وحكم. ويقال : لعن الله ناجليه، يعني والديه، إذ كانا أصله. وقيل : هو من نجلت الشيء إذا استخرجته؛ فالإنجيل مستخرج به علوم وحكم؛ ومنه سمي الولد والنسل نجلا لخروجه؛ كما قال : إلى معشر لم يورث اللؤم جدهم ** أصاغرهم وكل فحل لهم نجل والنجل الماء الذي يخرج من النز. واستنجلت الأرض، وبها نجال إذا خرج منها الماء، فسمي الإنجيل به؛ لأن الله تعالى أخرج به دارسا من الحق عافيا. وقيل : هو من النجل في العين (بالتحريك) وهو سعتها؛ وطعنة نجلاء، أي واسعة؛ قال : ربما ضربة بسيف صقيل ** بين بصرى وطعنة نجلاء فسمي الإنجيل بذلك؛ لأنه أصل أخرجه لهم ووسعه عليهم ونورا وضياء. وقيل : التناجل التنازع؛ وسمي إنجيلا لتنازع الناس فيه. وحكى شمر عن بعضهم : الإنجيل كل كتاب مكتوب وافر السطور. وقيل : نَجَل عمل وصنع؛ قال : وأنجل في ذاك الصنيع كما نجل أي أعمل وأصنع. وقيل : التوراة والإنجيل من اللغة السريانية. وقيل : الإنجيل بالسريانية إنكليون؛ حكاه الثعلبي. قال الجوهري : الإنجيل كتاب عيسى عليه السلام يذكر ويؤنث؛ فمن أنث أراد الصحيفة، ومن ذكر أراد الكتاب. قال غيره : وقد يسمى القرآن إنجيلا أيضا؛ كما روي في قصة مناجاة موسى عليه السلام أنه قال : (يا رب أرى في الألواح أقواما أناجيلهم في صدورهم فاجعلهم أمتي). فقال الله تعالى له : (تلك أمة أحمد) صلى الله عليه وسلم، وإنما أراد بالأناجيل القرآن. وقرأ الحسن "والأنجيل" بفتح الهمزة، والباقون بالكسر مثل الإكليل، لغتان. ويحتمل أن سمع أن يكون مما عربته العرب من الأسماء الأعجمية، ولا مثال له في كلامها. قوله تعالى {من قبل} يعني القرآن {هدى للناس} قال ابن فورك : التقدير هدى للناس المتقين، دليله في البقرة {هدى للمتقين}[
البقرة:2] فرد هذا العام إلى ذلك الخاص. و{هدى} في موضع نصب على الحال. و[الفرقان] القرآن. وقد تقدم.
نَزَّل عليك القرآن بالحق الذي لا ريب فيه، مصدِّقًا لما قبله من كتب ورسل، وأنزل التوراة على موسى علبه السلام، والإنجيل على عيسى عليه السلام من قبل نزول القرآن؛ لإرشاد المتقين إلى الإيمان، وصلاح دينهم ودنياهم، وأنزل ما يفرق بين الحق والباطل. والذين كفروا بآيات الله المنزلة، لهم عذاب عظيم. والله عزيز لا يُغَالَب، ذو انتقام بمن جحد حججه وأدلته، وتفرُّده بالألوهية.
{ من قبل } إنزال القرآن { هدى للناس } الظاهر أن هذا راجع لكل ما تقدم، أي: أنزل الله القرآن والتوراة والإنجيل هدى للناس من الضلال، فمن قبل هدى الله فهو المهتدي، ومن لم يقبل ذلك بقي على ضلاله { وأنزل الفرقان } أي: الحجج والبينات والبراهين القاطعات الدالة على جميع المقاصد والمطالب، وكذلك فصل وفسر ما يحتاج إليه الخلق حتى بقيت الأحكام جلية ظاهرة، فلم يبق لأحد عذر ولا حجة لمن لم يؤمن به وبآياته، فلهذا قال { إن الذين كفروا بآيات الله } أي: بعد ما بينها ووضحها وأزاح العلل { لهم عذاب شديد } لا يقدر قدره ولا يدرك وصفه { والله عزيز } أي: قوي لا يعجزه شيء { ذو انتقام } ممن عصاه.
قوله تعالى : ( هدى للناس ) هاديا لمن تبعه ولم يثنه لأنه مصدر ( وأنزل الفرقان ) المفرق بين الحق والباطل ، وقال السدي : في الآية تقديم وتأخير تقديرها وأنزل التوراة والإنجيل والفرقان هدى للناس
قوله تعالى ( إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام )
(مِنْ قَبْلُ) متعلقان بأنزل وبنيت قبل على الضم لأنها قطعت عن الإضافة والتقدير: من قبل ذلك.
(هُدىً لِلنَّاسِ) حال من التوراة والإنجيل منصوبة بالفتحة المقدرة للناس متعلقان بالمصدر هدى (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) عطف على (أَنْزَلَ التَّوْراةَ) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ) إن واسم الموصول اسمها وجملة كفروا الفعلية صلة الموصول والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما (الله) لفظ الجلالة مضاف إليه.
(لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) عذاب مبتدأ شديد صفة والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة الاسمية خبر إن (وَالله عَزِيزٌ) لفظ الجلالة مبتدأ وعزيز خبر (ذُو) خبر ثان مرفوع لأنه من الأسماء الخمسة (انْتِقامٍ) مضاف إليه والجملة استئنافية لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Min qablu hudan lilnnasi waanzala alfurqana inna allatheena kafaroo biayati Allahi lahum AAathabun shadeedun waAllahu AAazeezun thoo intiqamin
Aforetime, for a guidance to mankind; and hath revealed the Criterion (of right and wrong). Lo! those who disbelieve the revelations of Allah, theirs will be a heavy doom. Allah is Mighty, Able to Requite (the wrong).
Evvelce, insanlara hidayet olarak, gerçekle batılı ayırt eden kitabı da indirdi. Tanrı ayetlerine inanmayanlardır çetin azap ve Allah öyle üstün bir kudret sahibidir ki aman vermez.
auparavant, en tant que guide pour les gens. Et Il a fait descendre le Discernement. Ceux qui ne croient pas aux Révélations d'Allah auront, certes, un dur châtiment! Et, Allah est Puissant, Détenteur du pouvoir de punir.
vorher als Rechtleitung für die Menschen und ER hat Al-furqan hinabgesandt. Für diejenigen, die Kufr ALLAHs Ayat gegenüber betreiben, ist harte Peinigung bestimmt. Und ALLAH ist allwürdig, vergeltung-übend.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة آل عمران (Al-i'Imran - Family of Imran) |
ترتيبها |
3 |
عدد آياتها |
200 |
عدد كلماتها |
3503 |
عدد حروفها |
14605 |
معنى اسمها |
عِمرَانُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالمُرَادُ بِـ(آلِ عِمْرَانَ): عِيسَى وَأُمُّهُ مَريَمُ وَيَحْيَى عليه السلام |
سبب تسميتها |
ذِكْرُ قِصَّةِ آلِ عِمْرَانَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (آلِ عِمرَانَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الكَنـْزِ)، وَسُورَةَ (الأَمَانِ)، وَتُلقَّبُ بِـ(الزَّهْرَاءِ) |
مقاصدها |
بَيانُ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَأَحْكَامِ الجِهَادِ وغَيرِهِ، وَردِّ شُبُهَاتِ النَّصَارَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ ِلنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: «اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ -أي سَحَابتانِ- أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِما». (رَوَاهُ مُسْلِم).
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ مِنَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِشَارَةُ إِلَيهَا.
فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾ ...الآيَاتِ،وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ...الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (آلِ عِمْرانَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (البَقَرَةِ):
ذِكْرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَوَاتِيم سُورَةِ (البَقَرَةِ) وفي أوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ). |