«ولهم عليَّ ذنبٌ» بقتل القبطي منهم «فأخاف أن يقتلون» به.
لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لحسان بن ثابت ، لما أراد أن يهجو قريشا ينافح بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، لما هجته قريش ، وهو منها ، وعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن الذي انبعث إليه حسان ابن ثابت من هجاء قريش أن ذلك مما يرضي اللّه ، لحسن قصده في ذلك ،
وما علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ذلك إلا لما رأى روح القدس الذي يجيئه ، قد جاء إلى حسان بن ثابت يؤيده من حيث لا يشعر ، ما دام ينافح عن عرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ،
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم[ إني منهم ، فانظر ما تقول ، وكيف تقول ، وأت أبا بكر فإنه أعرف بالأنساب] فيخبرك حتى لا تقول كلاما يعود على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فتكون قد وقعت فيما وقعوا فيه ،
فقال له حسان ابن ثابت : واللّه لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين ؛ لأنها لا يعلق بها شيء من العجين ، قال تعالى «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا» فلم يجعل الحق تعالى للشيطان على حسان سبيلا ، فإنه كان ينافح بنظمه عن عرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بتأييد الروح القدسي «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» وغاية الأمر أن اللّه عنده حسن المآب ، وما قرن اللّه قط بالمآب إليه سوءا تصريحا ، وغاية ما ورد في ذلك في معرض التهديد في الفهم الأول «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» فسيعلمون من كرم اللّه ما لم يكونوا يحتسبون قبل المؤاخذة لمن غفر له ، وبعد المؤاخذة لانقطاعها عنهم ، فرحمة اللّه واسعة ، ونعمته سابغة جامعة ، وأنفس العالم فيها طامعة ، لأنه كريم من غير تحديد ، ومطلق الجود من غير تقييد .
(27) سورة النّمل مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(227) الفتوحات ج 2/
403 - ج 4 /
51 - ج 3 /
391
وقوله تعالى "ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون" أي بسبب قتل القبطي الذي كان سبب خروجه من بلاد مصر.
قوله {وإذ نادى ربك موسى} {إذ} في موضع نصب؛ المعنى : واتل عليهم {إذ نادى ربك موسى} ويدل على هذا أن بعده. {واتل عليهم نبأ إبراهيم} الشعراء 69 ذكره النحاس. وقيل : المعنى؛ واذكر إذا نادى كما صرح به في قوله {واذكر أخا عاد} الأحقاف 21 وقوله {واذكر عبادنا إبراهيم} ص 45 وقوله {واذكر في الكتاب مريم} مريم 16 . وقيل : المعنى؛ {وإذ نادى ربك موسى} كان كذا وكذا. والنداء الدعاء بيا فلان، أي قال ربك يا موسى : {أن ائت القوم الظالمين} ثم أخبر من هم فقال، {قوم فرعون ألا يتقون} ف {قوم} بدل؛ ومعنى {ألا يتقون} ألا يخافون عقاب الله؟ وقيل : هذا من الإيماء إلى الشيء لأنه أمره أن يأتي القوم الظالمين، ودل قوله {يتقون} على أنهم لا يتقون، وعلى أنه أمرهم بالتقوى. وقيل : المعنى؛ قل لهم {ألا تتقون} وجاء بالياء لأنهم غيب وقت الخطاب، ولو جاء بالتاء لجاز. ومثله {قل للذين كفروا ستغلبون} آل عمران 12 بالتاء والياء. وقد قرأ عبيد بن عمير وأبو حازم {ألا تتقون} بتاءين أي قل لهم {ألا تتقون}. {قال رب}أي قال موسى}إني أخاف أن يكذبون}أي في الرسالة والنبوة. {ويضيق صدري}لتكذيبهم إياي. وقراءة العامة {ويضيق} {ولا ينطلق} بالرفع على الاستئناف. وقرأ يعقوب وعيسى بن عمرو أبو حيوة "ويضيق - ولا ينطلق" بالنصب فيهما ردا على قوله {أن يكذبون} قال الكسائي : القراءة بالرفع؛ يعني في {يضيق صدري ولا ينطلق لسانى}من وجهين : أحدهما الابتداء والآخر بمعنى وإني يضيق صدري ولا ينطلق لساني يعني نسقا على {إني أخاف} قال الفراء : ويقرأ بالنصب. حكي ذلك عن الأعرج وطلحة وعيسى بن عمر وكلاهما له وجه. قال النحاس : الوجه لرفع؛ لأن النصب عطف على {يكذبون} وهذا بعيد يدل على ذلك قوله عز وجل {واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي} طه 27 : 28 فهذا يدل على أن هذه كذا. {ولا ينطلق لساني} في المحاجة على ما أحب؛ وكان في لسانه عقدة على ما تقدم في "طه" . {فأرسل إلى هارون} أرسل إليه جبريل بالوحي، واجعله رسولا معي ليؤازرني ويظاهرني ويعاونني. ولم يذكر هنا ليعينني؛ لأن المعنى كان معلوما، وقد صرح به في سورة طه{واجعل لي وزيرا} طه 29وفي القصص {أرسله معي ردءا يصدقني} القصص 34 وكأن موسى أذن له في هذا السؤال، ولم يكن ذلك استعفاء من الرسالة بل طلب من يعينه. ففي هذا دليل على أن من لا يستقل بأمر، ويخاف من نفسه تقصيرا، أن يأخذ من يستعين به عليه، ولا يلحقه في ذلك لوم. قوله {ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون} الذنب هنا قتل القبطي واسمه فاثور على ما يأتي في "القصص" بيانه، وقد مضى في "طه" ذكره. وخاف موسى أن يقتلوه به، ودل على أن الخوف قد يصحب الأنبياء والفضلاء والأولياء مع معرفتهم بالله وأن لا فاعل إلا هو؛ إذ قد يسلط من شاء على من شاء {قال كلا} أي كلا لن يقتلوك. فهو ردع وزجر عن هذا الظن، وأمر بالثقة بالله تعالى؛ أي ثق بالله وانزجر عن خوفك منهم؛ فإنهم لا يقدرون على قتلك، ولا يقوون عليه. {فاذهبا} أي أنت وأخوك فقد جعلته رسولا معك. {بآياتنا} أي ببراهيننا وبالمعجزات. وقيل : أي مع آياتنا. {إنا معكم} يريد نفسه سبحانه وتعالى. {مستمعون} أي سامعون ما يقولون وما يجاوبون. وإنما أراد بذلك تقوية قلبيهما وأنه يعينهما ويحفظهما. والاستماع إنما يكون بالإصغاء، ولا يوصف الباري سبحانه بذلك. وقد وصف سبحانه نفسه بأنه السميع البصير. وقال في "طه" {أسمع وأرى} طه 46 وقال {معكم} فأجراهما مجرى الجمع؛ لأن الاثنين جماعة. ويجوز أن يكون لهما ولمن أرسلا إليه. ويجوز أن يكون لجميع بني إسرائيل.
قال موسى: رب إني أخاف أن يكذبوني في الرسالة، ويملأ صدري الغمُّ لتكذيبهم إياي، ولا ينطلق لساني بالدعوة فأرسِلْ جبريل بالوحي إلى أخي هارون؛ ليعاونني. ولهم علي ذنب في قتل رجل منهم، وهو القبطي، فأخاف أن يقتلوني به.
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ أي في قتل القبطي فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ
( ولهم علي ذنب ) أي : دعوى ذنب ، وهو قتله القبطي ، ( فأخاف أن يقتلون ) أي : يقتلونني به . )
(وَلَهُمْ) الواو استئنافية ولهم متعلقان بالخبر المقدم (عَلَيَّ) متعلقان بالخبر المقدم (ذَنْبٌ) مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة (فَأَخافُ) الجملة معطوفة (أَنْ) ناصبة (يَقْتُلُونِ) مضارع منصوب بحذف النون والنون للوقاية والياء المحذوفة مفعول به والجملة مفعول به.
Traslation and Transliteration:
Walahum AAalayya thanbun faakhafu an yaqtulooni
And they have a crime against me, so I fear that they will kill me.
Ve bir de onlara karşı suçum var, korkarım, öldürürler beni.
Ils ont un crime à me reprocher; je crains donc qu'ils ne me tuent».
Auch schulde ich ihnen noch (die Sühne) einer Verfehlung, so fürchte ich, daß sie mich töten!
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الشعراء (Ash-Shu'araa - The Poets) |
ترتيبها |
26 |
عدد آياتها |
227 |
عدد كلماتها |
1322 |
عدد حروفها |
5517 |
معنى اسمها |
(الشُّعَرَاءُ): جَمْعُ (شَاعِرٍ)، وَهُوَ مَنْ يقولُ الشِّعْرَ ويَنْظِمُهُ |
سبب تسميتها |
لَمْ يُذْكَرْ لَفْظُ (الشُّعَرَاء) إِلا فِي هَذِهِ السُّورَةِ؛ فسُمِّيَتْ بِهِمْ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الشُّعَرَاءِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (طسٓمٓ الشُّعَرَاءِ)، وَسُورَةَ (الجَامِعَـةِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ فَصَاحَةِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ وَإِعْجَازِهِ، وَتَنْزِيهُهُ عَنْ ضُرُوبِ الشِّعْرِ وَأَوْزَانِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ سِوَى أَنَّهَا مِنَ المِئِينِ |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الشُّعَرَاءِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ بَيَانِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ٢﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ ١٩٥﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الشُّعَرَاءِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الفُرْقَانِ):لَمَّا ذَكَرَ سُبحَانَهُ كَذِبَ الكَافِرِينَ فِي خِتَامِ (الفُرْقَانِ) بِقَولِهِ: ﴿فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا ٧٧﴾.
كَرَّرَ ذِكْرَ كَذِبِهِم فِي افْتِتَاحِ (الشُّعَرَاءِ) فَقَالَ: ﴿فَقَدۡ كَذَّبُواْ فَسَيَأۡتِيهِمۡ أَنۢبَٰٓؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ ٦﴾. |