«الذي له ملك السماوات والأرض، ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء» من شأنه أن يخلق «فقدره تقديرا» سواه تسوية.
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (72)
«وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ» شهادة الزور الميل إلى الباطل عن الحق ، فإن الزور هو الميل «وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً» أي لم ينظروا لما أسقط اللّه النظر إليه ، فلم يتدنسوا بشيء منه ، فمروا به غير ملتفتين إليه «كِراماً» فما أثر فيهم ، فإنه مقام تستحليه النفوس ، وتقبل عليه للمخالفة التي جبلها اللّه عليه ، وهذه هي النفوس الأبية أي التي تأبى الرذائل ،
فهي نفوس الكرام من عباد اللّه ، والتحقوا بهذه الصفة بالملإ الأعلى ، الذين قال اللّه فيهم : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ) فنعتهم بأنهم كرام ، فكل وصف يلحقك بالملإ الأعلى فهو شرف في حقك .
------------
(72) الفتوحات ج 2 /
620 ، 37
وهكذا قال هاهنا : ( الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ) ، فنزه نفسه عن الولد ، وعن الشريك .
ثم أخبر أنه : ( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) أي : كل شيء مما سواه مخلوق مربوب ، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه ، وكل شيء تحت قهره [ وتسخيره ] ، وتدبيره وتقديره .
قوله {تبارك الذي نزل الفرقان} {تبارك} اختلف في معناه؛ فقال الفراء : هو في العربية و{تقدس} واحد، وهما للعظمة. وقال الزجاج {تبارك} تفاعل من البركة. قال : ومعنى البركة الكثرة من كل ذي خير. وقيل {تبارك} تعالى. وقيل : تعالى عطاؤه، أي زاد وكثر. وقيل : المعنى دام وثبت إنعامه. قال النحاس : وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق؛ من برك الشيء إذا ثبت؛ ومنه برك الجمل والطير على الماء، أي دام وثبت. فأما القول الأول فمخلّط؛ لأن التقديس إنما هو من الطهارة وليس من ذا في شيء. قال الثعلبي : ويقال تبارك الله، ولا يقال متبارك ولا مبارك؛ لأنه ينتهي في أسمائه وصفاته إلى حيث ورد التوقيف. وقال الطرماح : تباركت لا معط لشيء منعته *** وليس لما أعطيت يا رب مانع وقال آخر : تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر قلت : قد ذكر بعض العلماء في أسمائه الحسنى "المبارك" وذكرناه أيضا في كتابنا. فإن كان وقع اتفاق على أنه لا يقال فيسلم للإجماع. وإن كان وقع فيه اختلاف فكثير من الأسماء اختلف في عده؛ كالدهر وغيره. وقد نبهنا على ذلك هنالك، والحمد لله. و{الفرقان} القرآن. وقيل : إنه اسم لكل منزل؛ كماقال {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} الأنبياء 48 . وفي تسميته فرقانا وجهان : أحدهما : لأنه فرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر. الثاني : لأن فيه بيان ما شرع من حلال وحرام؛ حكاه النقاش. {على عبده} يريد محمدا صلى الله عليه وسلم. {ليكون للعالمين نذيرا} اسم {يكون} فيها مضمر يعود على {عبده} وهو أولى لأنه أقرب إليه. ويجوز أن يكون يعود على {الفرقان}. وقرأ عبدالله بن الزبير{على عباده}. ويقال : أنذر إذا خوف؛ وقد تقدم في أول -البقرة-. والنذير : المحذر من الهلاك. الجوهري : والنذير المنذر، والنذير الإنذار. والمراد بـ {العالمين} هنا الإنس والجن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان رسولا إليهما، ونذيرا لهما، وأنه خاتم الأنبياء، ولم يكن غيره عام الرسالة إلا نوح فإنه عم برسالته جميع الإنس بعد الطوفان، لأنه بدأ به الخلق. قوله {الذي له ملك السماوات والأرض}عظم تعالى نفسه. {ولم يتخذ ولدا} نزه سبحانه وتعالى نفسه عما قاله المشركون من أن الملائكة أولاد الله؛ يعني بنات الله سبحانه وتعالى. وعما قالت اليهود : عزير ابن الله؛ جل الله تعالى. وعما قالت النصارى : المسيح ابن الله؛ تعالى الله عن ذلك. {ولم يكن له شريك في الملك} كما قال عبدة الأوثان. {وخلق كل شيء} لا كما قال المجوس والثنوية : إن الشيطان أو الظلمة يخلق بعض الأشياء. ولا كما يقول من قال : للمخلوق قدرة الإيجاد. فالآية رد على هؤلاء. {فقدره تقديرا} أي قدر كل شيء مما خلق بحكمته على ما أراد، لا عن سهوة وغفلة، بل جرت المقادير على ما خلق الله إلى يوم القيامة، وبعد القيامة، فهو الخالق المقدر؛ فإياه فاعبدوه. قوله {واتخذوا من دونه آلهة} ذكر ما صنع المشركون على جهة التعجيب في اتخاذهم الآلهة، مع ما أظهر من الدلالة على وحدانيته وقدرته. {لا يخلقون شيئا} يعني الآلهة. {وهم يخلقون} لما اعتقد المشركون فيها أنها تضر وتنفع، عبر عنها كما يعبر عما يعقل. {ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا} أي لا دفع ضر وجلب نفع، فحذف المضاف. وقيل : لا يقدرون أن يضروا أنفسهم أو ينفعوها بشيء، ولا لمن يعبدهم، لأنها جمادات. {ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا} أي لا يميتون أحدا، ولا يحيونه. والنشور : الإحياء بعد الموت؛ أنشر الله الموتى فنشروا. وقال الأعشى : حتى يقول الناس مما رأوا *** يا عجبا للميت الناشر
الذي له ملك السموات والأرض، ولم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في ملكه، وهو الذي خلق كل شيء، فسوَّاه على ما يناسبه من الخلق وَفْق ما تقتضيه حكمته دون نقص أو خلل.
{ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ْ} أى: له التصرف فيهما وحده، وجميع من فيهما مماليك وعبيد له مذعنون لعظمته خاضعون لربوبيته، فقراء إلى رحمته الذي { لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ْ} وكيف يكون له ولد أو شريك وهو المالك وغيره مملوك، وهو القاهر وغيره مقهور وهو الغني بذاته من جميع الوجوه، والمخلوقون مفتقرون إليه فقرا ذاتيا من جميع الوجوه؟"
وكيف يكون له شريك في الملك ونواصي العباد كلهم بيديه، فلا يتحركون أو يسكنون ولا يتصرفون إلا بإذنه فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فلم يقدره حق قدره من قال فيه ذلك ولهذا قال: { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ْ} شمل العالم العلوي والعالم السفلي من حيواناته ونباتاته وجماداته، { فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ْ} أي: أعطى كل مخلوق منها ما يليق به ويناسبه من الخلق وما تقتضيه حكمته من ذلك، بحيث صار كل مخلوق لا يتصور العقل الصحيح أن يكون بخلاف شكله وصورته المشاهدة، بل كل جزء وعضو من المخلوق الواحد لا يناسبه غير محله الذي هو فيه. قال تعالى: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ْ} وقال تعالى: { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ْ} ولما بين كماله وعظمته وكثرة إحسانه كان ذلك مقتضيا لأن يكون وحده المحبوب المألوه المعظم المفرد بالإخلاص وحده لا شريك له ناسب أن يذكر بطلان عبادة ما سواه .
( الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء ) مما يطلق عليه صفة المخلوق ، ) ( فقدره تقديرا ) فسواه وهيأه لما يصلح له ، لا خلل فيه ولا تفاوت ، وقيل : قدر لكل شيء تقديرا من الأجل والرزق ، فجرت المقادير على ما خلق .
(الَّذِي) بدل من الذي السابقة (لَهُ) متعلقان بالخبر المقدم (مُلْكُ) مبتدأ والجملة صلة (السَّماواتِ) مضاف إليه (وَالْأَرْضِ) معطوف (وَلَمْ) الواو عاطفة ولم جازمة (يَتَّخِذْ) مضارع مجزوم بلم فاعله مستتر (وَلَداً) مفعول به والجملة معطوفة (وَلَمْ يَكُنْ) مضارع ناقص مجزوم بلم والجملة معطوفة (لَهُ) متعلقان بالخبر المقدم (شَرِيكٌ) اسم يكن والجملة معطوفة (فِي الْمُلْكِ) متعلقان بشريك (وَخَلَقَ كُلَّ) ماض ومفعوله وفاعله مستتر، والجملة معطوفة (شَيْءٍ) مضاف اليه (فَقَدَّرَهُ) الفاء عاطفة وماض فاعله مستتر والهاء مفعوله والجملة معطوفة (تَقْدِيراً) مفعول مطلق
Traslation and Transliteration:
Allathee lahu mulku alssamawati waalardi walam yattakhith waladan walam yakun lahu shareekun fee almulki wakhalaqa kulla shayin faqaddarahu taqdeeran
He unto Whom belongeth the Sovereignty of the heavens and the earth, He hath chosen no son nor hath He any partner in the Sovereignty. He hath created everything and hath meted out for it a measure.
Öyle bir mabuttur ki onundur saltanatı ve tedbiri göklerin ve yeryüzünün ve hiçbir kimseyi evlat edinmez, saltanat ve tasarrufta ortağı yoktur ve her şeyi yaratmıştır da mukadderatı takdir etmiştir.
Celui à qui appartient la royauté des cieux et de la terre, qui ne S'est point attribué d'enfant, qui n'a point d'associé en Sa royauté et qui a créé toute chose en lui donnant ses justes proportions.
Derjenige, Dem die Herrschaft der Himmel und der Erde gehören und Der nie Sich ein Kind nahm und für Den es nie einen Partner in der Herrschaft gab. Und ER erschuf alles und bestimmte es genaust.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الفرقان (Al-Furqan - The Criterian) |
ترتيبها |
25 |
عدد آياتها |
77 |
عدد كلماتها |
896 |
عدد حروفها |
3786 |
معنى اسمها |
(الْفُرْقَانُ): مِن أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ الكَرِيمِ؛ وسُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ فَرَّقَ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ |
سبب تسميتها |
دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الفُرْقَانِ) |
مقاصدها |
مَعْرِفَةُ أَهْلِ البَاطِلِ وَصِفَاتِهِم، وَأَهْلِ الحَقِّ وَصِفَاتِهِم |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الفُرْقَانِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ أَعْمَالِ الكُفَّارِ وَدَعْوَتِهِم لِلْحَقِّ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ ...٣﴾... الآيَاتِ، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا ٧٧﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الفُرْقَانِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (النُّورِ): اتِّفَاقُ الْلَّفْظِ وَالمَعْنَى، فَفِي خِتَامِ (النُّورِ) قَالَ: ﴿أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ ...٦٤﴾، وَفِي مُفْتَتَحِ (الفُرْقَانِ) قَالَ: ﴿ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ...٢﴾. |